نزاعات الشغل الفردية هل قابلة للتحكيم؟

لا يختلف اثنان أن القضاء يعد الجهاز الرسمي لفض الخلافات والنزاعات بمختلف اشكالها وأنواعها وفي حدود اختصاصاته إلا أن هذا الأخير بات يعرف بين الفينة والأخرى إكراهات عدة بفعل الكم الهائل من القضايا المرفوعة إليه ومرد ذلك تشعب المجالات العملية وتزايد وثيرة الخلافات والنزاعات المترتبة عن العلاقات الناشئة بين الأفراد تعاقدية كانت أو غير تعاقدية ولعل أبرزها نجد النزاعات الناشئة عن علاقات الشغل والتي تعد من أخطر النزاعات الناشئة بين أفراد المجتمع في العصر الحالي والتي تهدد الامن والسلم الاجتماعيين .

وبالموازاة مع ذلك زادت الحاجة إلى آليات بديلة عن القضاء من شأنها أن تسهم في تسوية هذا النوع من النزاعات بشكل سلمي وودي ومن هذه الوسائل نجد نظام التحكيم الذي أضحى يكتسي أهمية بالغة في الفكر القانوني والاقتصادي داخل المجتمع والذي عرف تنظيما قانونيا من قبل المشرع المغربي.

فإذا كان المشرع الاجتماعي قد نص صراحة على اللجوء إلى التحكيم كآلية احتياطية لتسوية نزاعات الشغل الجماعية وذلك بعد فشل مسطرة التصالح حسب مقتضيات المادة 550 [1] من مدونة الشغل التي جاء فيها “تسوى نزاعات الشغل الجماعية وفق مسطرة التصالح والتحكيم المنصوص عليهما في هذا الشأن فإنه بالمقابل سكت عن امكانية اللجوء إلى التحكيم كلما تعلق الأمر بنزاع شغل فردي واقتصر تنظيمه على الصلح كحل ودي لهذه النزاعات سواء تعلق الأمر بالصلح التمهيدي الذي يقوم به العون المكلف بتفتيش الشغل،أو تعلق الأمر بالصلح القضائي الذي يقوم به القاضي كإجراء إلزامي قبل البث في النزاع.

وفي ظل سكوت المشرع المغربي حول مسألة جواز التحكيم في نزاعات الشغل الفردية من عدمه فإن ذلك فتح الباب على مصراعيه بين رأي يتشبث بجواز الاتفاق على اللجوء التحكيم لإنهاء هذا النوع من الخلافات وبين اتجاه ثاني يستنكر ذلك ولكل مبرراته وحججه.ومن التساؤلات التي تثار في هذا الإطار هل يمكن الأخذ بالقاعدة الفقهية أن الأصل في الأشياء الإباحة وبمعنى آخر فإذا كان المشرع المغربي قد سكت عن امكانية اللجوء إلى التحكيم في نزاعات الشغل الفردية فإلى أي حد تصلح هذه القاعدة حتى نقول بجواز التحكيم في منازعات الشغل الفردية، وعلى اعتبار أن نزاعات الشغل الفردية تعد من بين النزاعات القابلة للتسوية عن طريق الصلح فإلى أي مدى يمكن الأخذ بقاعدة “جواز التحكيم في المسائل التي يجوز فيها الصلح”.

ومن هذا المنطلق فإننا سنعالج هذا الموضوع انطلاقا من اشكالية محورية تتمثل في مدى قابلية نزاعات الشغل الفردية للتحكيم،وأي دور للقضاء المغربي في تكريس هذا المبدأ؟

وسنحاول معالجة هذه الإشكالية من خلال محورين اثنين،سنتطرق في الأول إلى التحكيم في نزاعات الشغل الفردية بين الجواز والحظر،على أن نرصد في المحور الثاني إلى بعض اجتهادات القضاء المغربي ومساهمته في تكريس مبدأ اللجوء إلى التحكيم كآلية لإنهاء نزاعات الشغل الفردية.

المحور الأول التحكيم في نزاعات الشغل الفردية بين الجواز والحظر.

لا مراء أن التحكيم أضحى يكتسي أهمية بالغة في حل الخلافات والنزاعات وقد تعددت البواعث والأسباب التي شجعت الأفراد على اللجوء إليه أهمها الاستفادة بما يتمتع به التحكيم كنظام خاص من امتيازات عدة من بينها السرعة والسرية والمرونة في الإجراءات فالتحكيم أصبح يغزو جل المجالات إن لم نقل جميعها باستثناء بعض المجالات التي لم ينص المشرع المغربي على قابلية نزاعاتها للتحكيم ولعل أبرزها النزاعات المترتبة عن علاقات الشغل الفردية حيث تباينت الآراء بين مؤيد ومعارض خاصة في ظل غياب نص قانوني يجيز ذلك من جهة، ومن جهة ثانية نجد أن المشرع المغربي قد وضع توازنا دقيقا بين مصلحتين متعارضتين هما الأجير من جهة والمشغل من جهة مقابلة. وبالتالي فإننا نتساءل في هذا الإطار عن موقف كل من الاتجاهين وما ما مبررهم في ذلك.

أولا: جواز التحكيم في نزاعات الشغل الفردية.

إن أساس التحكيم بصفة عامة هو مبدأ سلطان الإرادة وذلك من خلال اتفاق أطراف علاقة معينة باللجوء إلى التحكيم لفض نزاع نشا بينهما أومن المتوقع أن ينشأ مستقبلا بناء على العلاقة نفسها ،وهي المقتضيات التي تستشف من مدلول الفصل 307 [2] من قانون 05/08 الذي نص على أن “اتفاق التحكيم هو التزام الأطراف باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ بناءا على علاقة قانونية معينة تعاقدية أو غير تعاقدية”.على اعتبار أن علاقات الشغل علاقة قانونية، فالسؤال الذي يطرح في هذا الصدد ، إلى أي حد يمكن اسقاط مقتضيات هذا الفصل على النزاعات الناشئة عن علاقة شغل فردية؟

إن الجواب على هذا الإشكال يتطلب منا منذ الوهنة الأولى الإحاطة بمختلف النصوص القانونية المؤطرة لنزاعات الشغل الفردية من جهة ومن جهة ثانية تحليل المقتضيات القانونية المنظمة للتحكيم على مستوى قانون 08.05 باعتباره الإطار العام المنظم للتحكيم الداخلي .

فبالرجوع للفصل 308 من القانون المذكور أعلاه نجده ينص على أنه ” يجوز لجميع الأشخاص من ذوي الأهلية الكاملة سواء كانوا طبيعيين أو معنويين أن يبرموا اتفاق التحكيم في الحقوق التي يملكون حرية التصرف فيها ضمن الحدود ووفق الإجراءات والمساطر المنصوص عليها في هذا الباب مع التقيد بمقتضيات الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (13 غشت 1913)بمثابة قانون الالتزامات والعقود كما وقع تغييره وتتميمه و لاسيما الفصل 62 [3] منه”. وبالتالي نجد أن المشرع المغربي من خلال هذه المقتضيات قد أقر قاعدة أنه يجوز لجميع الأشخاص كاملي الأهلية اللجوء إلى التحكيم كآلية بديلة لتسوية النزاعات الناشئة بينهم وذلك في حدود الحقوق التي يملكون حرية التصرف فيها. إلا أن هذه القاعدة ليست مطلقة بل ترد عليها مجموعة من الاستثناءات نص عليها الفصل 309 من القانون نفسه والمتمثلة في النزاعات التي تهم حالة الأشخاص وأهليتهم أو الحقوق الشخصية التي لا تكون موضوع تجارة. ولعل ما يمكن إبداؤه حول الفصلين أعلاه أن المشرع المغربي جعل الفصل 308 هو القاعدة أي إباحة التحكيم في كل النزاعات بينما الفصل 309 اعتبره استثناء من القاعدة، وما يلاحظ على هذا الفصل الأخير أنه لا يتضمن أية إشارة لحظر اللجوء إلى التحكيم لإنهاء نزاع شغل فردي.

وعلاوة على ذلك نجد القاعدة الفقهية التي مفادها جواز التحكيم في المسائل التي يجوز فيها الصلح وبمفهوم الموافقة فإن كل نزاع يقبل التسوية عن طريق الصلح فهو مباشرة يقبل الحل عن طريق مسطرة التحكيم، وبرجوعنا للمادة 41 من مدونة الشغل نجدها تنص على أنه” يمكن للأجير الذي فصل عن الشغل لسبب اعتبره تعسفيا اللجوء إلى مسطرة الصلح التمهيدي كما نجد المادة 532 من نفس القانون في فقرتها الأخيرة التي جعلت من بين اختصاصات متفشية الشغل إجراء محاولات التصالح في نزاعات الشغل الفردية.

وبناءا على هذه المقتضيات يتضح لنا وبشكل جلي أن المشرع المغربي قد أقر صراحة اللجوء إلى الصلح في حالة نشوب أي نزاع بين الأجير والمشغل،وهو الأمر الذي يجيز صلاحيات التحكيم في هذا النوع من النزاعات إذا ما سلمنا بالقاعدة الفقهية السالفة الذكر.

لكن ما ينبغي الإشارة إليه في هذا الإطار أن علاقات الشغل الفردية تجسد لنا مصلحتين متعارضتين. مصلحة المشغل من جهة الذي يعد الطرف القوي في العلاقة الشغلية ومصلحة الأجير الذي يشكل الحلقة الأضعف في هذه العلاقة، وهذا يضرب لنا في أهم الأسس التي يقوم عليها نظام التحكيم وهو مبدأ سلطان ألإرادة لذا ينبغي التمييز بين محل الصلح ومحل التحكيم في نزاع الشغل الفردي.فإذا كانت الغاية من مسطرة الصلح التمهيدي إما إرجاع الأجير إلى عمله والحالة هذه لا يستحق الأجير أي تعويض إلا ما يتعلق بمبالغ الأجور المستحقة من تاريخ الفصل من العمل إلى تاريخ الرجوع،أما الفرضية الثانية وهي الاتفاق على تعويض معين يحسم النزاع حسب مقتضيات المادة 41 من مدونة الشغل.اما محل التحكيم في نزاعات الشغل الفردية فيتجلى فقط في الاتفاق على التعويض المستحق للأجير جراء فصله تعسفيا من قبل المشغل ،إضافة إلا أن اللجوء إلى التحكيم يتم بعد انعدام عنصر التبعية بين الطرفين، وهذا ما استقر عليه اجتهاد محكمة النقض في إحدى قراراتها.

ثانيا: عدم جواز التحكيم في نزاعات الشغل الفردية.

في مقابل الاتجاه الذي يمسك بإمكانية اللجوء للتحكيم في نزاعات الشغل الفردية، نجد البعض قد تشبث بفكرة عدم جواز التحكيم في هذا النوع من النزاعات بذريعة أنه مخالف للنظام العام وذلك راجع لانعدام التوازن بين الأجير والمشغل وأن المشرع من خلال القوانين المنظمة لعلاقات الشغل قد أفرد توازنا دقيقا بين مصالح متعارضة لأن ذلك يمكن أن يمس لنا بطريقة أو بأخرى الضمانات القانونية والاقتصادية الممنوحة للأجير باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة الشغلية.

كما نجد البعض قد تمسك بفكرة مفادها أن الاختصاص في النظر في نزاعات الشغل الفردية ينعقد حصرا للمحكمة الابتدائية استنادا للفصل 20 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه “تختص المحاكم الابتدائية في القضايا الاجتماعية بالنظر في:

– النزاعات الفردية المتعلقة بعقود الشغل والتدريب المهني والخلافات الفردية التي لها علاقة بالشغل او التدريب المهني؛

– التعويض عن الأضرار الناتجة عن حوادث الشغل و الأمراض المهنية طبقا للتشريع الجاري به العمل؛

– النزاعات التي قد تترتب عن تطبيق المقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالضمان الاجتماعي.

والإشكال الذي يمكن أن يقع في هذا الإطار أنه إذا ما أخدنا بمقتضيات القانون 05/08 وبالضبط الفصل 327 منه الذي يقضي بإمكانية بث المحكمة بعدم قبول الطلب كلما تعلق الأمر بنزاع معروض على هيئة تحكيمية عملا باتفاق تحكيم وذلك في حالة ما إذا دفع المدعي بذلك قبل الدخول في جوهر النزاع، وهذا قد يؤدي بنا لا محال إلى هدر أهم الحقوق المكفولة دستوريا ألا وهو حق التقاضي وخاصة كلما كان الأمر يهم الأجير كطرف ضعيف في علاقة الشغل وبالتالي فلجوء الأطراف إلى التحكيم سيكون قيدا على رفع النزاع إلى القضاء العادي،كما نجد بالمقابل أن هذا النوع من العلاقات قد أفرد له المشرع المغربي قواعد قانونية من شأنها أن تضبط كل النزاعات المتمخضة عن هذه العلاقات سواء تعلق الأمر بتنظيمه لمساطر إدارية يتولى الإشراف عليها مفتشي الشغل من خلال إجراء محاولات التصالح بين الأجير والمشغل طبقا للمادتين 41 و 532 من مدونة الشغل،وذلك باعتبارها جزء من المهام المنوطة بهم قانونا،أو من خلال تنظيمه لمسطرة قضائية يشرف عليها قاضي الموضوع وتنظيمها بقواعد خاصة تبدأ بمحاولة إجراء صلح بين طرفي النزاع باعتباره مسطرة إلزامية قبل البث في موضوع النزاع.

المحور الثاني: دور القضاء في تكريس مبدأ التحكيم في نزاعات الشغل الفردية.

في ظل الاختلاف والتباين بين الآراء والاتجاهات حول جواز التحكيم في نزاعات الشغل الفردية من عدمه كان لزاما العودة إلى العمل والاجتهاد القضائيين المغربي في هذا الإطار وكيف تعامل مع المقررات التحيكيمية المرفوعة إليه والمطلوب تذييلها بالصيغة التنفيذية،فهل رفضها بعلة مخالفتها للنظام العام وقضى ببطلان الحكم التحكيمي الصادر بشأنها أم كان العكس ،وأي توجه لقضاء محكمة النقض في هذا الصدد ؟

وفي هذا الإطار نستحضر مجموعة من الأحكام والقرارات القضائية ذات الصلة بالموضوع ومدى تكريسها لمبدأ التحكيم في نزاعات الشغل الفردية خصوصا بعد التعديل الذي عرفه قانون المسطرة المدنية بمقتضى قانون 05/08 الذي كان السبب في تشجيع الممارسين على إعمال التحكيم في نزاعات الشغل الفردية حيث أبانت الممارسة العملية على حد قول أحد المحكمين بمدينة الدار البيضاء على أنه تم إنهاء العديد من علاقات الشغل عن طريق التحكيم وذلك منذ دخول القانون السالف الذكر حيز التنفيذ رغم غياب نص قانوني صريح يؤطر آلية التحكيم كوسيلة بديلة لحل نزاعات الشغل الفردية وإنما مرد ذلك هو التوجهات الحديثة للقضاء المغربي في هذا الإطار.

وعطفا على ما سبق فإننا نستحضر إحدى قرارات محكمة النقض الصادر بتاريخ 12 شتنبر 2013 في الملف الاجتماعي عدد 1163/5/2/ 2012، حيث جاء فيه “لا مانع يمنع طرفي عقد الشغل من إنهاء العلاقة فيما بينهما عن طريق التحكيم كحل بديل لحل منازعات الشغل الفردية،مادام أن عنصر التبعية قد أصبح منعدما وعليه لا يمكنه الطعن في المقرر التحكيمي”[4].

فمن خلال القرار القضائي المذكور أعلاه يتضح لنا جليا أن القضاء المغربي تجاوز إشكالية صلاحية التحكيم في نزاعات الشغل الفردية،بحيث أن هذا القرار صير إمكانية التحكيم في نزاعات الشغل الفردية وكذلك آثار الأحكام التحكيمية ومدى إمكانية التنازل المسبق عن الطعن فيها،كما أن هذا القرار بين لنا أن الطابع الحمائي لقانون الشغل لا يتعارض مع التحكيم في نزاعات الشغل الفردية[5] كما سبق تبيانه بخصوص الرأي الرافض لفكرة إعمال التحكيم في نزاعات الشغل الفردية.

وفي قرار آخر سابق لھا اعتبرت محكمة النقض وبشكل صریح بأن “مقتضیات قانون الشغل الذي تمسكت بھا المحكمة الابتدائیة ومحكمة الاستئناف وكذا مسطرة التحكیم المنصوص علیھا في قانون المسطرة المدنیة، لا یستثني النزاعات المتعلقة بالشغل من مسطرة التحكيم ولا من أي مسطرة أخرى قد یتفق علیھا الطرفان لفض النزاعات بینھما”.

كما نجد قرار آخر صادر عن المحكمة نفسها حيث جاء في مايلي ” من الثابت من وثائق الملف ومستنداته أن طالبة النقض وبإرادتها الحرة قامت باختيار محكم فريد وهو الأستاذ صلاح الدين بنرحال المحامي بالبيضاء،وذلك بمقتضى الإشهاد المؤرخ في 5/11/2008 الصادر عنها والمصحح بالإمضاء من طرفها ،كما أنها صادقت على حكم التحكيم إلى جانب مشغلها لدى السلطات المختصة ولم تتقدم بأي طعن في الحكم التحكيمي إلى جانب مشغلها لدى السلطات المختصة ولم تتقدم بأي طعن في الحكم التحكيمي المذيل بالصيغة التنفيذية بتاريخ 12/11/ 2008 بناءا على طلبها بالإضافة إلى عدم إبدائها لأية ملاحظة أو دفع أثناء مسطرة التحكيم…”

وعلاوة على ذلك نجد مجموعة من الأحكام الصادرة عن محاكم الموضوع والتي قضت فيها بتذييل مجموعة من المقررات التحكيمية بالصيغة التنفيذية وندرج مناها الحكم الصادر عن المحكمة التجارية بالبيضاء حيث جاء فيه ” إن المدعيتين كانت تربطهما علاقة شغل تم إنهاؤها بمبادرة من المدعية الثانية وأنه تم تحديد التعويضات المستحقة للمدعية الأولى بمقتضى مقرر تحكيمي أولي وآخر نهائي تم إيداعها بكتابة الضبط لذلك تلتمسان معاينة خلو المقرر التحكيمي من أية مخالفة لمقتضيات الفصل 306 وما يليه من قانون المسطرة المدنية والأمر بإعطاء الصيغة التنفيذية للمقرر التحكيمي الأولي والنهائي.

وأمام الثبوت القاطع بأن الحكم التحكيمي يرجع النظر في الطعن فيه وكذا بإبطاله إلى المحكمة المختصة نوعيا للبث في النزاع والذي كان موضوع عملية التحكيم فإن تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية لا يخرج عن ذلك ، ومن تم يتعين الرجوع إلى الجهة الموكول إليها ذلك بشأنه تلك الصيغة بحسب الأحوال إما رئيس المحكمة الابتدائية إذا تعلق الامر بنزاع مدني وإما لرئيس المحكمة التجارية إذا تعلق الامر بنزاع تجاري.

وحيث إن الطلب الحالي يتعلق بحكم تحكيمي صدر في إطار نزاعات الشغل ومعلوم أن هذه الاخيرة تخرج عن الاختصاص النوعي للمحكمة التجارية وبالتالي فطلب تذييله بالصيغة التنفيذية المقدم لرئيس المحكمة التجارية إنما قدم لجهة غير مختصة نوعيا ويتعين التصريح بذلك [6].

وبالتالي فالحكم الوارد أعلاه أقر لنا بإمكانية تذييل الأحكام التحكيمية بالصبغة التنفيذية أولا وبين لنا الجهة القضائية المختصة في ذلك ثانيا بحيث اعتبر أن المحكمة المختصة في النظر في طلبات تذييل الأحكام التحكيمية بالصيغة التنفيذية هي المحكمة الابتدائية المدنية وليست التجارية أخدا بعين الاعتبار اختصاصها النوعي في النظر في نزاعات الشغل الفردية في حالة عدم وجود اتفاق تحكيم استنادا للفصل 20 من قانون المسطرة المدنية وكذلك تقييده بمقتضيات الفصل 312 من قانون 05/08 الذي ينص على أن المراد برئيس المحكمة في هذا القانون رئيس المحكمة التجارية مالم برد خالف ذلك أي امكانية الللجوء إلى رئيس المحكمة الابتدائية حسب طبيعة النزاع.

وعموما فإذا كانت مسألة قابلية نزاعات الشغل الفردية قد عرفت تباينا على مستوى الآراء والاتجاهات الفقهية بين مؤيد ومعارض فإننا نقول بجواز ذلك مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة اتفاق التحكيم فإذا كان في صورة عقد التحكيم وهو العقد الذي يبرم بعد نشوء النزاع فإن اتفاق التحكيم والحالة هذه يعد صحيحا ومنشئا لآثاره القانونية كما ينبغي الأخذ بعين الاعتبار انعدام عنصر التبعية كأساس لصحة إبرام اتفاق التحكيم لإنهاء نزاع شغل فردي. أما إذا تم ابرام هذا الاتفاق في صورة شرط التحكيم أي قبل نشوب النزاع فإن هذا الشرط يعد باطلا لأن ذلك يتعارض مع الطابع الحمائي لقانون الشغل، وعطفا على ذلك فإن محل التحكيم في هذا النوع من المنازعات حيث استقر العمل القضائي على امكانية ذلك في الحالة التي يكون فيها محل التحكيم حسم الخلاف حول التعويض المستحق للأجير الذي فصل عن الشغل تعسفيا.

وبالتالي فما ينبغي قوله في هذا الإطار أنه بات من اللازم على المشرع المغربي أن يتدخل بنص صريح يجيز من خلاله اللجوء إلى التحكيم في نزاعات الشغل الفردية ولو في شروط معينة أو في حالات محددة اسوة ببعض التشريعات المقارنة.

لائحة المراجع

– ظهير شريف رقم 194.03.1 صادر في 14 من رجب 1424 (11 سبتمبر 2003) بتنفيذ القانون رقم 99.65 المتعلق بمدونة الشغل.

– الظهير الشريف الصادر في رمضان 1331 (12 غشت 1913) بمثابة قانون الالتزامات والعقود.

– قانون 05.08 الذي نسخ وعوض الباب الثامن من الكتاب الخامس من قانون المسطرة المدنية.

– مصطفى بونجة/نهال اللواح، التحكيم في المواد التجارية والإدارية والمدنية، الطبعة الأولى 2015.

– مصطفى بونجة، التعليق على قرار محكمة النقض عدد 1172 /5/2/2/2012، الصادر بتاريخ 13 شتنبر 2013.

[1] تنص المادة 550 من مدونة الشغل على أنه: “تسوى نزاعات الشغل الجماعية وفق مسطرة التصالح والتحكيم المنصوص عليها في هذا الشأن”.

[2] ينص االفصل 307من قانون 08.05 على أن: “اتفاق التحكيم هو التزام الأطراف باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن علاقة قانونية معينة ، تعاقدية أو غير تعاقدية.

يكتسي اتفاق التحكيم شكل عقد تحكيم أو شرط تحكيم “.

[3] ينص الفصل 62 من قانون الالتزامات والعقود على أنه: ” الالتزام الذي لا سبب له أو المبني على سبب غير مشروع يعد كأن لم يكن.

يكون السبب غير مشروع إذا كان مخالفا للأخلاق الحميدة أو النظام العام أو للقانون”.

[4] قرار صادر عن محكمة النقض عدد 1172/2/2012 بتاريخ 13 شتنبر 2013 في الملف الاجتماعي عدد 1163/2/5/2012.

[5] مصطفى بونجة، التعليق على قرار عدد 1163/5/2/2012 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 12 غشت 2013.

[6] أمر رئاسي صادر من نائب رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء ملف عدد 261/1/2008 بتاريخ 05/03/2008 امر برقم 569 (غير منشور).

إعادة نشر بواسطة محاماة نت