موقف مجلس النواب الاردني من مكافحة الفساد

المحامي الدكتور ليث كمال نصراوين

مجلس النواب يتراجع عن مكافحة الفساد
2012-02-25

أثار قرار مجلس النواب الأخير بحل لجان التحقيق التي سبق أن شكلها لمتابعة قضايا الفساد موجة عارمة من السخط البرلماني والشعبي. فبعد عملية كر وفر داخل مجلس النواب صوتت أغلبية السادة النواب على إحالة قضايا الفساد التي سبق أن شكل فيها مجلس النواب لجان تحقيق إلى هيئة مكافحة الفساد التي استقبلتها مهللة ومرحبة كونها قد وجدت في ذلك ضالتها المنشودة في إعادة الثقة بهيبتها وفي قدرتها على القيام بمهامها القانونية على أكمل وجه.

إن حجة السادة النواب الذين صوتوا لصالح “فرط” لجان التحقيق تتمثل في عدم دستورية دور مجلس النواب في النظر في تلك القضايا لعدم ثبوت تورط وزراء عاملين أو سابقين فيها, فلا يوجد دور لمجلس النواب في التحقيق في قضايا لا يكون أحد المتورطين فيها من أعضاء السلطة التنفيذية الحالية أو السابقين فيها. أما قضايا الفساد المتورط بها وزراء سابقون, فقد أبقاها النواب في أروقة المجلس لممارسة دورهم الدستوري في التحقيق مع الوزراء وإحالتهم إلى النيابة العامة تمهيدا لمحاكمتهم استنادا لأحكام المادة (56) من الدستور.

إن مثل هذه الحجج التي يتمسك بها النواب المصوتون على مذكرة حل لجان التحقيق مردود عليه ولا يعفيهم من مسؤولية التأمر على مجلس النواب. فالدفع بعدم دستورية لجان التحقيق التي شكلها مجلس النواب كان يجب أن يثار من قبل هؤلاء النواب المحافظين على الدستور في فترة مبكرة جدا وتحديدا عند تشكيلها, لا أن ينتظر هؤلاء النواب “الوطنيين” أن يتم تشكيل لجان التحقيق وأن تبدأ ممارستها لأعمالها ومن ثم يقوموا بالطعن بعدم اختصاص المجلس في متابعة إجراءات التحقيق على ضوء الضغوطات الخارجية التي مورست عليهم من شخصيات متنفذة بدأت تشعر بخطورة الموقف وبأنها أصبحت قريبة أكثر من أي وقت مضى من الإدانة الرسمية بالفساد.

فمن حيث المبدأ, فإن دور مجلس النواب في التحقيق وتشكيل لجان برلمانية خاصة بذلك تثور حوله الكثير من التساؤلات الدستورية لعدم وجود نص دستوري صريح يعطي مجلس النواب صلاحية تشكيل لجان تحقيق, كما أن النصوص القانونية بتشكيل لجان تحقيق في النظام الداخلي لمجلس النواب أقل ما يمكن القول عنها انه غير ذات فاعلية. فعلى الرغم من أن المادة (51) من النظام الداخلي تعطي الحق لمجلس النواب أن يشكل لجانا مؤقتة يرى أن الحاجة ماسة لتشكيلها على أن يحدد المجلس وظائفها ومهامها وعدد أعضائها, إلا أن النظام الداخلي لم يعط هذه اللجان أية صلاحيات قانونية لإلزام الشهود بالمثول أمامها وتقديم مستندات وأوراق تحت يد الغير التي قد تكون متعلقة بالتحقيق.

ومن ناحية أخرى, فإن إحالة عدد من قضايا الفساد من مجلس النواب إلى هيئة مكافحة الفساد يأتي في الوقت الذي تعاني فيه الهيئة أكثر من أي وقت مضى من نقص ليس فقط على مستوى الإداريين والمساعدين والكوادر الفنية المؤهلة, بل على مستوى أعضاء هيئة مكافحة الفساد جراء استقالة عدد من أعضائها من دون أن يتم ملء الشاغر.

وحول ما تمسك به السادة النواب بأن قضايا الفساد التي تم تحويلها لهيئة مكافحة الفساد لا يرتبط بها وزراء عاملون أو سابقون كي ينعقد الاختصاص بالتحقيق فيها إلى مجلس النواب, فإن التساؤل يثور حول الوضع الدستوري إذا ما تبين لهيئة مكافحة الفساد أثناء تحقيقاتها أن هناك وزراء عاملين أو سابقين متورطين في قضايا الفساد المحالة من مجلس النواب. ففي هذه الحالة يجب على هيئة الفساد إعادة ملفات القضايا إلى مجلس النواب صاحب الاختصاص الدستوري في التحقيق مع الوزراء. فبين تحقيقات هيئة مكافحة الفساد ومجلس النواب ستضيع ملفات الفساد وتهدر الحقوق العامة وتتراجع الثقة الشعبية في قدرة الدولة على مكافحة الفساد وملاحقة المتورطين فيه. اضافة إلى أن الدورة العادية الحالية لمجلس النواب قد شارفت على الانتهاء بحيث من المتوقع أن يتم دعوة المجلس إلى دورة استثنائية لاقرار قوانين الإصلاح السياسية قبل أن يتم حل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية جديدة, مما يعني عدم إمكانية متابعة قضايا الفساد المعادة من هيئة مكافحة الفساد لفترة طويلة نسبيا.

لقد كان الأجدر بمجلس النواب أن يستكمل إجراءات التحقيق في قضايا الفساد بحيث إذا ما ثبت أن هناك دلائل قوية على وجود فساد وأن الأشخاص المتورطين فيه هم من غير الوزراء, أن يتم إحالة ملفات القضايا إلى هيئة مكافحة الفساد لإجراء المقتضى القانوني. أما أن تبدأ لجان التحقيق البرلمانية عملها ومن ثم يتم حلها, فإن ذلك يعكس نية مبيتة عند أفراد وجهات معينة يتم عرقلة عمل لجان التحقيق. وأكبر دليل على ذلك طريقة التصويت غير المسبوقة التي شهدها مجلس النواب على تقديم البند المتعلق بمذكرة “فرط” لجان التحقيق. فقد أعاد مجلس النواب عملية التصويت ثلاث مرات بغية الوصول إلى الأغلبية المطلوبة من عدد النواب الحاضرين من دون مراعاة أحكام النظام الداخلي لمجلس النواب.

كما أن ما يثير الشبهات بعدم قانونية التصويت على مذكرة حل لجان التحقيق أن المذكرة التي وقع عليها (75) نائبا لم تحدد القضايا التي سيتم تحويلها للفساد وتلك التي ستستمر في أروقة مجلس النواب لتورط وزراء فيها. فالمذكرة الذي صوت عليها النواب فيها جهالة فاحشة من حيث المحل والسبب. فالنواب لم يصوتوا لصالح حل لجان تحقيق محددة بذاتها, لان القرار النهائي حول ذلك قد اتخذه المكتب الدائم لمجلس النواب بعد التدقيق مع رؤساء اللجان اذا كانت القضايا المنظورة تتضمن وزراء أم لا. فقد كان الأجدر بمجلس النواب أن يحدد القضايا التي سيتم حل لجان التحقيق التي تنظرها بشكل واضح وصريح في مذكرة “فرط” لجان التحقيق والتصويت عليها وتلك التي ستبقى في أروقة مجلس النواب لاشتباه تورط وزراء فيها, وهو ما يثير شكوكا إضافية حول مشروعية حل لجان التحقيق البرلمانية.