موقف القانون من طلب الجدّ رؤية حفيده ويمتنع الحاضن

مقال حول: موقف القانون من طلب الجدّ رؤية حفيده ويمتنع الحاضن

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

الوالدان هما منبع الحب الخالص والعطف الصادق, حنانهما من حنان الله, وعطفهما قبس من رحمة الله أودعه قلوب الآباء والأمهات، وقد ذُكر برُ الوالدين والإحسان إليهما في ثماني سور في آيات مُحكمات أجمعت عليها الشرائع لم ينسخ منها شيء، وفي أساليب متنوعة من التعبير؛ ففي سورة النساء جاء الإحسان إلى الوالدين بعد عبادة الله تعالى وتوحيده بأمر صريح موجه إلى جميع البشر، بقوله تعالى: (وأعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً). وهذا الأمر يستتبع واجب شديد اللزوم به، وهو صلة الرحم التي حذر الله سبحانه وتعالى من قطعها في محكم التنزيل بقوله تعالى: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم).

والرسول الكريم بيّن في أحاديث كثيرة أن صلة الأرحام عبادة سريعة الثواب عاجلة البركة، يُرى أثرها في الدنيا إلى جانب ما يدخره الله لها في الآخرة. ولعلّ أولى الناس بصلة الرحم هما الجد والجدة لما لهما من مكانة رفيعة. ومن صور صلة الرحم التواصل والمشاهدة لاسيما وأن القانون يعتبر الجدّ مسؤولاً عن الأحفاد عند غياب الوالدين بصفته ولياً جبرياً على النفس. ولا بد من تمكين الجدّ من رؤية الحفيد الصغير لتحقيق هذه الغاية.

والسؤال هو: ما موقف القانون من طلب الجدّ رؤية حفيده عند امتناع الحاضن من تمكينه من ذلك؟

إن المادة 148 من قانون الأحوال الشخصية التي نصت في الفقرة الخامسة منها على حق الوالدين برؤية أولادهما، لم يرد فيها شيء عن حق “غير الوالدين” كالجد أو الجدة برؤية الصغير. وإن المادة 170 من قانون الأحوال الشخصية التي سوّت بين الأب والجد في الولاية على نفس القاصر وماله، وإنهما ملتزمان بها، لم تذكر حق الإراءة.

وأمام سكوت المشرّع على ذلك، ينبغي الرجوع إلى القول الراجح من المذهب الحنفي ـ عملاُ بالمادة 305، وإعمال القياس على النظائر من الأمور، والأخذ بالمبادئ العامة للشريعة الإسلامية ـ الذي ساوى بين الأب والجد في المنزلة؛ فقد جاء في حاشية ابن عابدين في الصفحة 991 من الجزء الثاني لجهة حق الصغير قبل البلوغ في اختيار الانضمام لأحد والديه؛ بأنه لا حق للصغير في ذلك… إلى أن يقول (والجد بمنزلة الأب فيه). وجاء في موضوع آخر من نفس الصفحة والمرجع قوله (إذا سقطت حضانة الأم وأخذه الأب لا يجبر على أن يرسله لها، بل هي إذا أرادت أن تراه لا تمنع من ذلك)… إلى أن يقول (بأن غير الأب من العصبيات كالأب).

“كيف يولّي القانون الجدّ على حفيده الصغير ويأتمنه على ماله ونفسه.. ويقصر حقّ رؤيته له لمرّة واحدة في العام؟”.

وجاء في كتاب شرح الأحوال الشخصية للدكتور محمد أبو زهرة ما نصه: “فالأصل أن أبا حنيفة يجعل الجد أباً في الميراث، فجعل النفقة عليه). ونلاحظ أن الجد لأب والحفيد يتوارثان، كالأب في حال وجوده. وهنالك حالات أخرى يكون فيها حق الجد كحق الأب تماماً؛ ومثل ذلك يكون حق الجد في رؤية الحفيد دورياً “لتساوي” مسؤولية الجد بمسؤولية الأب في حال عدم وجوده سواء لجهة الولاية على النفس أو الإرث وغيرهما من الأمور.

لكن اجتهاد محكمة النقض السورية استقر على أن من حق الجد رؤية الحفيد مرة واحدة في السنة قياساً على حق الزوجة في زيارة أرحامها من غير الأبوين كل سنة مرة.

وهو منح في ذات الوقت حق الإراءة للأب والأم كل أسبوع.. وكان ينبغي به أن يعامل الجد والجدة مثلهما، لأنهما كالأب والأم؛ حيث تقضي العدالة والعرف والمنطق السليم أن يعاملا كالأم والأب في رؤية الصغير دورياً، ولا فرق بينهما في ذلك، خلافاُ للأباعد من الأقارب أو المحارم ممن يوجب حق صلة الرحم التواصل معهم والإحسان إليهم. وهذا ما دفع بعض المحاكم الشرعية إلى محاولة مخالفته والحكم بخلافه لخروجه على قواعد المنطق والعرف، وما به من إجحاف وإضعاف لصلة الرحم التي هي من أسس أخلاق المسلمين التي تقتضيها الشريعة الإسلامية، لكن محكمة النقض ما تزال مصرة على اجتهادها هذا حتى الآن، ولم تغيّر نهجها من حق الجد برؤية الحفيد مرة واحدة في السنة.

وختاماً، وبالنظر لما تشهده أروقة المحاكم من منازعات بهذا الخصوص يحمل بعضها الكيدية والإساءة، ناهيك عن الحالات التي قد تفرزها ظروف الحرب التي تمر بها البلاد، فإننا نرجو من المشرّع حسم هذا الجدل، والنّص على حقِّ الجد والجدة برؤية الأحفاد مرة كل شهر على الأقل، وفي ذلك تطبيقاً لقاعدة من أبرز قواعد نظام الإسلام الخلقي والاجتماعي، وعلى اعتباره من مستلزمات الولاية الجبرية المقررة للجد.

أضف، أن قياس حق رؤية الجد للحفيد على حق الزوجة برؤية محارمها من غير الأبوين ليس غير محله لاختلاف الظروف التي أوجبت ذلك القياس، واختلاف الأزمان، وإن تبريره فيما مضى من المشقة والإرهاق على القاصر وصعوبة المواصلات بين البلدان قد زال بتقدم وسائل الاتصال والنقل الحديثة التي يسّرت أمر إقامة الصلة واجتماع الناس إلى بعضهم، الأمر الذي يوجب إعادة النظر بهذا الاجتهاد، وما قيل عن حق الزوجة برؤية محارمها من أب وأم، يصلح أن يقاس عليه حق غير الأبوين من أرحام الصغير من جد وجدة؛ فاللغة العربية تطلق كلمة الأم على الوالدة وعلى الجدة، وتطلق كلمة الأب على الوالد والجد، والفقه ساوى بين الأبوين والجدين في عدد من الأحكام.. ومؤدّى هذا يؤكد حق الجد برؤية الصغير أسبوعياً أو شهرياً، وليس سنوياً والقاعدة الفقهية تقول: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان.

شارك المقالة

1 تعليق

  1. مقالة رائعة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.