لا يكاد الحكم في التشريعات العربية يختلف عن حكم الشريعة الاسلامية بشان الوصية مع اختلاف الدين : فالقانون المصري لا يشترط اتحاد الدين بين الموصي والموصى له ، اذ ورد في المادة (3) من قانون الوصية المصري رقم 71 لسنة 1946 ما يأتي : “……اذا كان الموصي غير مسلم صحت الوصية الا اذا كانت محرمة في شريعتة وفي الشريعة الاسلامية ” .

ونصت المادة (9) من هذا القانون على انه : “تصح الوصية مع اختلاف الدين والملة ، وتصح مع اختلاف الدارين ، الا اذا كان الموصي تابعا لبلد اسلامي والموصى له غير مسلم تابع لبلد غير اسلامي تمنع شريعتة من الوصية لمثل الموصي ” . وورد فيه ايضا : “اختلاف الدين والمله لا يمنع صحة الوصية ،فتجوز الوصية من المسلم للذمي او المستأمن بدار الإسلام ، ومن الذمي والمستأمن للمسلم والذمي ولو في غير ملته ، ويجوز للمستأمن الذي لا وارث له بدار الإسلام ان يوصي بجميع ماله ، وان اوصى ببعضه يرد الباقي الى ورثته ، وتنفذ وصية الذمي من ثلث ماله لغير الوارث ، ولا تنفذ للوارث الا باجازة الورثة الاخر ” وبذلك يكون القانون المصري قد حدد الشخص غير المسلم الذي تجوز له الوصية وهو الذمي او المستأمن ،بخلاف الحربي . ومن ذلك يتضح ان القانون المصر قد اخذ في هذه المسالة برأي الحنفية والامامية القائل بجواز الوصية للذمي والمستأمن وعدم جوازها للحربي .

القانون السوري:

لقد اجاز قانون الاحوال الشخصية السوري الوصية مع اختلاف الدين ، اذ نصت الفقرة (1) من المادة (215) من هذا القانون على ما يأتي :

“تصح الوصية للأشخاص مع اختلاف الدين والمله بينهم وبين الموصي “

والملاحظ على هذا النص انه لم يتعرض لشروط صحة الوصية ،بل قصر النص على جواز الايصاء بين المسلم وغيره مع اختلاف الدين .

القانون اليمني :

وكذا سار القانون اليمني على ما تقدم فلقد نصت المادة (240) من قانون الاحوال الشخصية اليمني رقم 20 لسنة 1992 على انه : ” تصح الوصية لمختلِف المله غير الحربي ،وكذا للاجنبي غير اليمني وانتقال الاموال والمعاملة بالمثل متروك لولي الامر “.

ومن هذا النص يمكن ان نستنتج ان الوصية مع اختلاف الدين جائزة ، خلا الحربي فانه لا تجوز الوصية له ، وكذا فان الوصية جائزة مع اختلاف الجنسية، ويترك تقدير امر المعاملة بالمثل لولي الامر ، وهو ما يعني ان المعاملة ليست شرطا مطلقا ، بل هي منوطة بتقدير ولي الامر .

القانون الجزائري :

لقد جاء في المادة (200) من قانون الأسرة الجزائري ،ما يأتي :

“تصح الوصية مع إختلاف الدين ” . وهذا نصٌ صريح في القول بجواز الوصية مع إختلاف الدين . ولم تتطرق بعض القوانين العربية للموضوع لكونها تكاد تتفق عليه وليس هنالك ما تبحث فيه (1). اما قانونا العراقي ، فلقد اورد احكام الوصية في كل من القانون المدني النافذ رقم 40 لسنة 1951 في المواد 1108-1112 ، وفي قانون الاحوال الشخصية النافذ رقم 188 لسنة 1959 في المواد 64-74 . ولقد جاء في المادة (73) من القانون الاخير ضرورة مراعاة احكام القانون المدني النافذ المتعلقة بالوصية ، وان الاحكام الواردة بشان الوصية تطبق على العراقيين كافة الا ما استثنى منهم بقانون خاص . وفي ضوء هذه الاحكام يمكن القول انها تجيز الوصية من المسلم لغيره ،مسلما كان او غير مسلم، والعكس بالعكس . فالمادة (67) من قانون الاحوال الشخصية لم تشترط الإسلام في الموصي اذ ورد فيها : ” يشترط في الموصي ان يكون اهلا للتبرع قانونا، مالكا لما اوصى به ” وكذا الموصى له لا يشترط فيه الإسلام ، اذ تطرقت المادة (468) الى شروط الموصى له ولم يرد فيها ذكر لشرط الإسلام . ثم جاءت المادة (71) من هذا القانون لتحدد بشكلٍ قاطع صحة الوصية مع اختلاف الدين بقولها : “تصح الوصية بالمنقول فقط مع اختلاف الدين، وتصح به مع اختلاف الجنسية بشرط المقابلة بالمثل “.

وبناءاً على ذلك يمكن استخلاص النتائج الاتية :

1-لقد اخذ القانون المصري براي الفقهاء القائلين بجواز وصية غير المسلم للمسلم ، وبجواز وصية المسلم لغير المسلم اذا كان ذميا او مستأمنا ، وبعدم جوازها اذا كان حربيا ، وكذا سار القانون اليمني ،واجاز ذلك القانون السوري دونما تفصيل ، مما يعني ضرورة الرجوع الى رأي الفقه الحنفي حسب هذا القانون . ولقد نعلم ان الفقه الحنفي قد اجاز الوصية مع اختلاف الدين، سوى الحربي فانه لا تجوز الوصية له . ولقد عزفت بعض القوانين عن التطرق الى الموضوع تاركةً اياه للقواعد العامة .

2-لقد سار القانون العراقي على نهج الشريعة الاسلامية كمبدأٍ عام بصدد الوصية مع اختلاف الدين ، فأجاز الوصية مع ذلك الاختلاف ، الا انه لم يعترف فيما اذا كان غير المسلم ذميا ، او مستأمنا ، او حربيا ، فيصار في هذه الحالة الى تطبيق الفقرة الثانية من المادة الاولى من قانون الاحوال الشخصية التي تجيز الرجوع في مثل هذه الحالات الى مبادئ الشريعة الاسلامية الاكثر ملائمةً لنصوص هذا القانون .

3-طبقا لنص المادة (71) من قانون الأحوال الشخصية العراقي ،فان وصية المسلم لغير المسلم تصح ، بيد انها تصح بالمنقول فقط ، اما اذا كان الشيء الموصى به غير منقول( عقار ) فان الوصية لا تصح آنئذ ، ولاشك في ان هذا الموقف بالقياس الى موقف فقهاء الشريعة يمثل موقفاً غريبا ، ذلك ان احدا من اولئك الفقهاء لم يقل به ، وان هذا الحكم يعد خروجاً على ما استقر عليه الفقه الاسلامي بصدد عدم التفرقة بين كون الموصى به منقولا او غير منقول ،مادام كان متقوماً غير محرم في نظر الشريعة الاسلامية .

وتزداد اهمية الموضوع فيما لو كان الموصي المسلم هو الزوج ، والموصى له هي زوجته الكتابية (2).وهو الفرض الذي يتوقع حصوله غالبا بصدد الوصية مع اختلاف الدين .

4- لو كان الموصي والموصى له المختلفان ديناً ، مختلفين جنسيةً ايضا ، وحسب الفرض السابق ،كما لو كان الزواج مختلطا من ناحية الدين والجنسية ، وذلك بان يكون الزوج مسلماً عراقيا ، والزوجة غير مسلمة “كتابية” اجنبيةً ، أي من جنسيةٍ اخرى ، فان وصية زوجها المسلم العراقي لا تصح لها الا بشرطين :

الشرط الاول : ان يكون الموصى به منقولا لا عقارا .

الشرط الثاني : تحقق مبدأ المقابلة بالمثل ، معنى ذلك ضرورة كون قانون دولة الزوجة “غير العراقية” يعامل العراقي بالمثل .

وغنيٌ عن البيان “ان الطوائف غير الاسلامية في العراق ، ومن ضمنها الطوائف اليهودية والمسيحية ، تطبق بحقهم نفس احكام الوصية التي تطبق بحق المسلمين بجميع شروطها واركانها المنصوص عليها في قانون الاحوال الشخصية والقانون المدني ، وان المحكمة المختصة بمثل هذه الدعاوى هي محكمة المواد الشخصية ، وتبقى محكمة الاحوال الشخصية مختصة بدعاوى المسلمين” (3)…..

____________________

[1]- احمد وميض الهيتي ، مسائل الاختلاف الفقهية في قوانين الاحوال الشخصية في البلاد العربية ، رسالة دكتوراه مقدمة الى جامعة بغداد ، كلية الشريعة ، 1991 ، ص287.

2- لقد قيدنا القول بزواج المسلم بالكتابية لا بغيرها في حالة زواج المسلم بغير المسلمة ،وذلك انسجاماً مع موقف جمهور الفقهاء المسلمين القائلين بجواز زواج المسلم بالكتابية دون غيرها من الملل غير المسلمة من جهة ، واتساقا مع موقف القوانين العربية والاسلامية وعلى رأسها القانون العراقي القائل بمثل ذلك حسب منطوق المادة (17) من قانون الاحوال الشخصية العراقي النافذ رقم 188 لسنة 1959 .

3- سعدون الربيعي ، احكام الاحوال الشخصية للطوائف غير الاسلامية في العراق ، مطبعة الحافظ ، 1995 ، بغداد ، ص191 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .