مقال قانوني مميز حول الحقوق المدنية

أ/ ابراهيم العناني

الحقوق المدنية

وهي مجموع مايقره المشرع من حقوق للفرد بموجب طبيعته الآدمية ، المدنية. أي ما يتصل بحياة الفرد وما ينشأ عن ذلك من علاقات مع الآخرين.

وهذه الحقوق تنقسم إلى:

حقوق عامة:
تنشأ للفرد باعتباره عضو فى المجتمع.

حقوق خاصة:
وتنشأ بموجب ما يصدر عن الفرد من علاقات مع الآخرين.

المطلب الأول الحقوق العامة

وهذه الحقوق تثبت للفرد استنادا إلى صفته الآدمية، وبحكم وجوده في المجتمع، وبصرف النظر عن جنسيته، أو أصله، أو نوعه، أو مركزه الاجتماعي.

وتتميز هذه الحقوق بأنها ملازمة للطبيعة البشرية، وما يميزها عن باقي المخلوقات من خصائص إدراكية ، وأنها من ضرورات الحياة.
ولهذا يسميها البعض بـ : حقوق الانسان.

ومن أمثلتها:

الحق في الحياة – الحق في الحرية والمساواة – الحق في التملك – الحق في التنقل – الحق في حرية التعبير ..

وكانت الشريعة الإسلامية سباقة في تقرير الحقوق العامة للا نسان.

ولقد تبنت الشرائع الوضعية هذا الأثر ، فقررت الحقوق العامة إعلاء للطبيعة الآدمية للانسان.

وظهر ذلك جليا في الإعلان العالمي لحقوق الانسان.

وتميل الدول إلى تقرير هذه الحقوق العامة في الدساتير، وأحيانا في القوانين العادية . والنص عليها يكون على سبيل المثال لا الحصر.

خصائص الحقوق العامة:

أولا: الطبيعة غير المالية للحقوق العامة:

أي أنها غير متقومة بمال ، لأن محلها الانسان نفسه.

فالشخص يكتسب هذه الحقوق بسبب صفته الآدمية دون بذل أي مقابل، وتمنح له لهذا السبب، وليس بموجب ما له من إرادة أو مقدرة على التصرف.

ولهذا لا يجوز للشخص التصرف في هذه الحقوق تبرعا أو معاوضة.

بل قد يكون الشخص ملزما باستعمال حقوقه العامة، كالحق في الانتخاب، ويؤاخذ قانونا إذا امتنع عن هذا الاستعمال دون عذر مشروع.

والحقوق العامة لا تسقط بالتقادم مهما مضى على عدم استعمالها من وقت، فيجوز للشخص معاودة هذا الاستعمال فيما بعد.

ثانيا: الحقوق العامة مطلقة نسبيا:

أى لا يجوز تقييدها من قبل الدولة إلا في حدود المصلحة العامة أو في حدود الضرورة.

ويترتب على ذلك أن يقع على عاتق الدولة واجب حماية تلك الحقوق.

المطلب الثاني الحقوق الخاصة

هي مجموع ما ينشأ للفرد من حقوق نتيجة علاقاته مع الآخرين، كالزواج، والوصية، والبيع، والشركة…

وهكذا تختلف الحقوق بحسب طبيعة التعامل ومضمونه وأطرافه.
وتنقسم الحقوق الخاصة إلى:

أولا: حقوق الأسرة:

وهذه الحقوق تثبت للفرد باعتباره عضو في أسرة معينة، وحسب المركز الذي يشغله.

ومعنى الأسرة قانونا مجموعة أفراد يجمعهم أصل مشترك. وتنشأ لكل عضو في الأسرة حقوق في مواجهة العضو الآخر.

وينظم القانون حقوق الأسرة باعتبار الأخيرة هي الخلية الأساسية في المجتمع، لكي يحافظ عليها وعلى استقرارها.

ثانيا: الحقوق المالية:

وهي ما ينشأ نتجة معاملات الشخص المالية مع الآخرين.
وتنقسم هذه الحقوق إلى ثلاثة أنواع، هي:

(1) – الحقوق العينية:

الحق العيني هو سلطة مباشرة يقررها القانون للشخص على شئ معين، فيكون له بموجبها استعمال، واستغلال، والتصرف في الشئ.

نوعا الحقوق العينية:

(أ) – الحقوق العينية الأصلية:

وهي التي تنشأ مستقلة بذاتها غير مستندة إلى حق آخر يسبقها.

( مثل: حق الملكية ).

وهذه الحقوق تمثل عنصرا من عناصر النظام العام لاتصالها بالنظام الإقتصادي في المجتمع.

وقد أوردها القانون على سبيل الحصر، وهي:

* حق الملكية:

وهو الحق الذي بمقتضاه يوضع شئ معين تحت تصرف شخص معين بوجه دائم وبصورة تقتصر عليه دون غيره.

ويعرف الفقه الإسلامي حق الملكية بأنه علاقة تقوم للشخص إذا حاز شيئا وكان له وحده حق الانتفاع به والتصرف فيه شرعا.

وجوهر التعريفين أن عناصر حق الملكية فيهما واحدة، وهي الاستئثار بالشئ من قبل المالك باستعماله، واستغلاله، والتصرف فيه.

وحق الملكية أهم وأوسع الحقوق العينية، لأنه يخول المالك جميع السلطات على الشئ.

ويقصد لااستعمال الإفادة من الشئ مباشرة فيما أعد له.

أما الاستغلال فيعني الإفادة من الشئ بصورة غير مباشرة، كتأجير المنزل مثلا .

أما والتصرف فيعني التصرف المادي، أو التصرف القانوني.

* الحقوق المتفرعة عن حق الملكية:

وهي كل حق يتقرر للشخص على مال مملوك للغير، وهذه الحقوق على سبيل الحصر، وهي:
& حق الانتفاع:

وهو حق عيني يتقرر لشخص معين، على ملك الغير، يخوله استعمال، واستغلال الشئ وفقا لما هو معد له . في حين يكون للماك سلطة التصرف، ولذا يسمى بمالك الرقبة.

وينشأ الانتفاع بإرادة المالك، أو بالتقادم .

ويلتزم المنتفع برد الشئ لمالكه بعد مدة الانتفاع.

& حق الاستعمال:
وهو حق عيني يخول الشخص سلطة استعمال الشئ مؤقتا، دون استغلاله.

& حق السكنى:

وهو صورة من صور الاستعمال ( السكن ).

ويقتصر حق السكنى على الشخص وأسرته وممن يعولهم شرعا، دون الغير.

ولا يجوز التصرف في حق السكنى ، وذلك على خلاف الانتفاع والاستعمال.

& حق الحكر:
وهو حق عيني يخول صاحبه الانتفاع بملك الغير استعمالا واستغلالا، لمدة محددة تطول، وبعوض محدد، ويسمى صاحبه بالمحكر.

ويرجع مصدر هذا الحق للفقه الإسلامي، وذلك بهدف إعمار الأرض الوقف خشية التلف من عدم الاستعمال.
وللمحكر تعمير ملك الغير والانتفاع به .

ويلتزم المحكر بصيانة والمحافظة عليه بقصد تحقيق مصلحة للمحكر ولجهة الوقف.

وحق الحكر يشبه حق المساطحة.
وينشأ حق الحكر بالإرادة، أو بأي سبب من أسباب كسب الملكية.

والتوقيت في حق الحكر والمساطحة عنصرا جوهريا. ويمكن انتقالهما إلى الورثة عند وفاة المالك في خلال المدة المقررة لأي منهما، وذلك على عكس حقوق الانتفاع والاستعمال والسكنى.

& حق الارتفاق:

وهو حق عيني يتقرر لفائدة عقار، وليس لشخص، على عاتق عقار آخر.

مثال :
حق المرور- وحق المطل – وحق المسيل.

وهذا يفترض وجود عقارين مملوكين لشخصين مختلفين .
وحقوق الارتفاق تكتسب بالإرادة أو بالتقادم، ويمكن أن تكون مؤبدة ، كما يمكن الاتفاق على توقيتها.

(ب) – الحقوق العينية التبعية:

وهي ما ينشأ للدائن من حق على مال مملوك للمدين كضمان للوفاء بدينه.

والحق العيني التبعي يخول الدائن به سلطة التقدم على باقي الدائنين.

وهذا الحق لا يطلب لذاته ، كما هو الحال في الحق العيني الأصلي، وإنما كضمان للدين . ولهذا ينقضي الحق العيني التبعي بانقضاء الالتزام الأصلي.

وحدد المشرع الحقوق العينية التبعية على سبيل الحصر، وهي:

* الرهن التأميني:

وهو حق رضائي، ينشأ باتفاق خاص بين الدائن (المرتهن)، والمدين ( الراهن )، يكسب به الأول حقا عينيا تبعيا على عقار المدين ، ويخصص هذا الحق للوفاء بدين المرتهن.

ويظل العقار في حيازة المدين، ويكون الرهن التأميني وفقا لشكل معين يتطلبه القانون، لأنه لا يرد إلا على العقار.

والرهن التأميني يخول الدائن المرتهن ميزة:

التقدم:

أي حق الدائن المرتهن في استيفاء حقه من ثمن العقار قبل غيره من الدائنين، ولا يتأثر بتبعات قسمة الغرماء.
التتبع:

أي حق الدائن المرتهن في تتبع انتقال ملكية العقار المرهون إلى أي شخص آخر والنفاذ بدينه في المالك الجديد.

* الرهن الحيازي:

وهو حق رضائي ينشأ بين الدائن المرتهن والمدين الراهن بموجب اتفاق يتسلم الدائن بمقتضاه المال المرهون ليكون في حيازته إلى حين حلول أجل الدين ، وإذا لم يوف المدين بالدين كان للدائن اقتضاء دينه من ثمن المال المرهون.

وينشأ الرهن الحيازي من تاريخ تسلم الدائن للمال المرهون، وهذه الحيازة تقوم مقام التسجيل في الرهن التأميني ، كما تخول الدائن حق التقدم على الدائنين العاديين والتاليين له في المرتبة.

والرهن الحيازي يكون أصلا في المنقول ، واستثناء في العقار إذا اتفق الأطراف على نقل الحيازة إلى الدائن المرتهن.

ويختلف الرهن الحيازي عن التأميني ، من حيث:

& اللرهن الحيازي يرد على المنقول والعقار ، والتأميني لا يرد إلا على العقار.

& التسليم عنصر أساسي في الرهن الحيازي ، على عكس التأميني الذي يقوم التسجيل فيه مقام التسليم.

* حق الاختصاص:

وهو يتقرر على عقار للمدين بموجب حكم قضائي ، ويخول الدائن ميزتي التقدم والتتبع.

وحق الاختصاص يشبه الرهن التأميني من حيث أنه يرد على العقار دون المنقول، ولا يتطلب نقل حيازة المال من المدين إلى الدائن.

ولكن حق الاختصاص يختلف عن الرهن التأميني في أن الأول يكون بموجب حكم قضائي.

* حق الامتياز:

ويتقرر بموجب نص في القانون ضمانا لديون معينة، نظرا لطبيعتها، كالنفقة، ودين المقاول.

ويخول الدائن سلطة التقدم والتتبع.

والامتياز قد يكون عاما يتقرر على جميع أموال المدين، من عقارات ومنقولات، وقد يكون خاصا يتقرر على مال معين من أموال المدين.

(2) – الحقوق الشخصية:

هي علاقة بين شخصين هما الدائن والمدين يلتزم بمقتضاها المدين قبل الدائن بنقل شئ معين( نقل ملكية مثلا ) ، أو القيام بعمل( أيا كان وصف العمل ) أو الامتناع عن عمل.
وهكذا الالتزام في الحق الشخصي ينقسم إلى:

(أ) – الالتزام بنقل حق عيني:
كنقل الملكية.

ويختلف طبيعة الالتزام حسب طبيعة الشئ محل الالتزام.

فقد يكون المحل منقولا ، وقد يكون عقارا، وقد يكون شيئا معينا بذاته أو بنوعه.

(ب) – الالتزام بالقيام بعمل معين:

والالتزام قد يكون بتحقيق نتيجة ( كالتزام المقاول بانجاز البناء )، وقد يكون ببذل عناية ( كالتزام الطبيب بفحص المريض والعلاج )، والمعيار في بذل العناية هو عناية الرجل المعتاد.

(ج) – الالتزام بالامتناع عن عمل معين:

هو التزام سلبي بعد القيام بعمل معين ( كعدم المنافسة ، وعد افشاء سر معين ).

المدين هو الأساس في الحق الشخصي:

لأن الالتزام يتعلق بذمته، ولهذا:

إذا تخلف المدين انعدم الحق الشخصي.

ويمكن للحق الشخصي أن ينشأ دون أن يكون الدائن به معلوما لدى المدين، بعكس المدين الذي يجب أن يكون معرفا.

كما أن شخص المدين قد يكون محل اعتبار عند الوفاء في بعض الأحوال، كالتزام الطبيب مثلا.

ما يتميز به الحق العيني عن الحق الشخصي:

الحق العيني ينصب مباشرة على شئ معين بموجب ما له من سلطة مباشرة عيه تخوله الاستعمال والاستغلال والتصرف.
ولهذا يجب تحديد محل الحق العيني ابتداء.

في حين الحق الشخصي هو رابطة بين شخصين .
ولهذا يكون للجانب الشخصي اعتبار لا يمكن اغفاله.

الحق العيني مطلق في حين أن الحق الشخصي نسبي.

الحق العيني هو التسلط على شئ معين بالذات، أم الحق الشخصي فقد يكون تسليم شئ أو عمل أو الامتناع عن عمل.

الحق العيني يبقى ما بقي الشئ محله ، أما الحق الشخصي فهو مؤقت.