بواسطة باحث قانوني
تعاطى المخدرات – مناقشات و تفاصيل

يعتبر تعاطى المخدرات جريمة فى كثير من دول العالم الغربى و الشرقى, و لكن عقوبتها تتراوح من الشدة , الى اللين, و ذلك طبقا ل:
نوع المخدر,
و ضرره على المتعاطى,
و الأضرار الأخرى التى تهدد التلاحم الإجتماعى,
و صحة المواطن ,
و نقص الكفاءة الإنتاجية,
و سهولة إنحراف
و انزلاق المتعاطى فى مهاوى الخطيئة و الجريمة, لكى يوفر ثمن االمخدر.

إذن , فأضرار تعاطى المخدرات واضحة, و ضررها يكون أشد إيلاما لمتعاطيها, حيث تتدهور صحته, و يفقد قدرته على التركيز فى عمله, و ربما يصاب بأمراض نفسية و عقلية غير قابلة للشفاء, كما أنه يكون عرضة للوفاة نتيجة تعاطى جرعة زائدة.

فإذا كان الأمر كذلك, لماذا اتجهت كثير من الدول حديثا, فى الشرق و الغرب ,الى تخفيف العقوبة على المتعاطى؟, بل أن بعض الدول أعفت المتعاطى من العقوبة فى بعض الأحوال؟

الإجابة على هذا السؤال تتوقف على قيمة الإنسان بالنسبة للمجتمع الذى يعيش فيه.

فإذا كان المتعاطى يعيش فى مجتمع بوليسى, ديكتاتورى, لا قيمة فيه لحياة المواطن كفرد عند الحاكم, فإن السلطات الأمنية ستعامل المتعاطى طبقا لحرفية القانون, بغض النظر عن الظروف التى تؤدى الى الإدمان, كما ان الدولة غالبا ما ترى أن إستعمال اليد القوية سيؤدى الى إقرار النظام, و أن متحدى قوانين الدولة يجب أن يعاقبوا بشدة.

بمعنى آخر, فإن الدولة تتعامل مع المتعاطى كحثالة, يجب كنسها تحت الحصيرة, و إخفائها عن الأعين لسنوات طويلة. و يكون الضحية النهائية عم عائلة المدمن, الذين فقدوا كل ما يملكون, نتيجة إستنزاف المدمن لمدخراتهم لإشباع إدمانه, كما فقدوا أيضا إبنهم, أو أباهم, و راء حوائط السجن.

و يكون الوحيد هو مروج المخدر, أو المهرب, أو رجل الأمن الذى أغمض عينيه, وشارك فى الأرباح الملوثة بدماء ضحايا المخدرات.

أما إذا كان المتعاطى يعيش فى مجتمع متمدن, ترتفع فيه قيمة الفرد كمواطن, فإن أول ما سيخطر على بال رجال القانون, و الإجتماع, و الطب النفسى هو التساؤل:

1- لماذا يتعاطى المدمن المخدرات؟
2- ما ضرر هذا الإمان على المدمن, و ما هو خطره على المجتمع؟
3- ما هو الضرر الذى يلحق بالإقتصاد نتيجة عدم قدرة المدمن على الإنتاج؟
4- ما هى تكاليف إقامة المدمن فى السجن؟
5- هل يمكن توجيه هذه الأموال الى مشاريع تهدف الى تقويم و علاج المدمن, بدلا من عقابه ؟

هذا هو ما يفكر فيه عقلاء المجتمع, فإنهم بنظرون الى المدمن نظرة إنسانية, صحيح أنه إختار أن يكون أحمقا, و لكن ما أن ينزلق فى تيه الإدمان, إنعدمت إرادته, و أصبح مريضا, يحتاج الى العلاج, و ليس للعقاب.

لهذا, غيرت كثير من الدول نظرتها الى المدمن, بل نظرت اليه كضحية للإجرام المنظم, و مهربى و مروجى المخدرات,

و بدلا من محاربة الضحية, حاربت هذه المجتمعات المجرم الحقيقى, و لكن كيف؟؟

قامت بعض الدول بالغاء عقوبات الحبس الموقعة على المدمن, بشرط التحاقه حبريا بأحد مراكز رعاية مدمنى المخدرات.

فى هذه المراكز, يتم حجزه فترة معينة يتم فى خلالها إزالة أثار المخدر من جسمه, و تسمى هذه الفترة” فترة
الإنسحاب” و يسمى العلاج أثناء هذه الفترة: Detox.

ثم يبقى فى هذا المركز, او المصحة, لمدة ثلاثة شهور, يتم خلالها غشاراكه فى مجموعات علاج نفسى جماعية, و القيام ببعض التمارين الرياضية, كما يشاركون فى الأمر اليومية للمركز أو المصح, فمنهم من يعمل فى المطبخ, و منهم يعمل فى المغسل, و منهم يغسل الصحون, و جميعهم يقومون بتهوية اسرتهم, و يتظفون أرضية حجرهم.

و يتم عمل برنامج ترفيهى لهم, و طوال هذه الفترة لا يسمح لهم بالخروج من المصح, و لكن يمكن للأفاربهم زيارتهم للإطمئنان عليهم. و تقضية وقت إحنمعى معهم فى جو من الألفة .

بعد هذا, يعود المدمن الى أسرته, على أن يقوم بزيارة مشرف إجتماعى مرة كل أسبوع.

و هذا العلاج مجانى, وهو مقدار المال الذى كان سيصرف إذا تمت إستضافتهم فى السجومن, التى كانت ستخلق منهم مجرمين حقيقيين, و الله أعلم ماذا كان سيحدث لصغار السن منهم أثناء فترة سجنهم.

إذا عاد المدمن الى التعاطى, عادة يكون مشرفه الإجتماعى أول من يعلم, و يتم إخطار المدمن أنه سيبقى هذه المرة مدة ستة شهور.

وقد أثبتت نظرية” العلاج بدلا من العقاب” نجاحا منقطع النظير فى الدول التى جربته, و لعل عباقرة القانون و الإجتماع هنا يفيقون على أهمية المواطن لمجتمعه, و يحاولوا إنقاذ حياة المدمن, بدلا من مساعدته على إنهائها.

و فى المقابل, شددت هذه المجتمعات العقوبة على مصنعى, و مهربى, و مروجى المخدرات,
كما صادرت أموالهم و ممتلكاتهم, و بعض الدول توقع عقوبة الحبس مدى الحياة, و فى تايلاند, توقع عقوبة الإعدام .