نظام المشتريات الحكومية ومنازعات عقود الأشغال العامة
د. محمد عرفة
ينظم عقود الأشغال العامة في السعودية نظام المنافسات والمشتريات الحكومية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م58) وتاريخ 4/9/1427هـ الذي حل محل نظام تأمين مشتريات الحكومة وتنفيذ مشروعاتها وأعمالها، الصادر بالمرسوم الملكي ذي الرقم (م/14) وتاريخ 7/4/1397هـ، ولائحته التنفيذية، والذي ألغي كل ما يتعارض معه من أحكام، وطبق بعد 120 يوماً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، ثم صدرت لائحته التنفيذية بقرار وزير المالية رقم (362) وتاريخ 20/2/1428هـ، وتم العمل بها اعتباراً من 20/2/1428هـ، ويقوم هذا النظام على المبادئ الأساسية الآتية: * تحقيق المصلحة العامة وحماية المال العام:

إذ إنه يهدف إلى تنظيم إجراءات المنافسات والمشتريات التي تقوم بها الجهات الحكومية ومنع تأثير المصالح الشخصية فيها، وذلك حماية للمال العام. * تحقيق أقصى درجات الكفاية الاقتصادية للحصول على المشتريات الحكومية وتنفيذ مشروعاتها بأسعار تنافسية عادلة، وتعزيز النزاهة والمنافسة.

* توفير معاملة عادلة للمتعهدين والمقاولين؛ تحقيقاً لمبدأ تكافؤ الفرص: إذ إنه يعطى جميع المؤسسات والشركات والأفراد الراغبين في التعامل مع الحكومة ممن تتوافر فيهم الشروط التي تؤهلهم لهذا التعامل فرصاً متساوية فيعاملون على قدم المساواة دون أي تمييز بينهم لأي سبب، ومع ذلك فإن هناك بعض الحالات التي قد تقتضي التمييز، مثالها ما يتعلق بمشروعات الاستثمار الأجنبي، ولهذا نصت المادة (7) من هذا النظام على ضرورة الإعلان عن جميع المنافسات الحكومية في الجريدة الرسمية، وفي صحيفتين محليتين، وبالوسائل الإعلانية الإلكترونية وفقاً لما تحدده اللائحة التنفيذية لهذا النظام، ويجب أن يُحدد في الإعلان عن المنافسة موعد تقديم العروض وفتح المظاريف ومكانهما؛ أما الأعمال أو المشاريع ذات الطبيعة الخاصة التي لا يتوافر لها متعهد أو مقاول داخل السعودية فيتم الإعلان عنها خارج السعودية إضافة إلى الإعلان عنها في الداخل.

* تحقيق الشفافية في جميع مراحل إجراءات المنافسات والمشتريات الحكومية، بتوفير المعلومات الواضحة الكاملة والموحدة عن العمل المطلوب وإتاحتها بسهولة ويسر للمتنافسين، وتمكينهم من الحصول عليها في وقت محدد، فتوافر نسخ كافية من وثائق المنافسة لتلبية طلبات الراغبين في الحصول عليها، ولا يجوز الامتناع عن بيعها أو الاعتذار عن توفير هذه الوثائق لأي سبب كان، ما دامت المدة المحددة لقبول العروض سارية المفعول (م6/1) من اللائحة.

* الالتزام بأحكام الأنظمة والقواعد القانونية المعمول بها في مجال عقود الإنشاءات: إذ تنص المادة (2) من النظام على أن: تتعامل الجهات الحكومية عند تنفيذ منافساتها وتوفير مشترياتها مع الأفراد والمؤسسات والشركات المرخص لها بمزاولة العمل الذي تقع في نطاقه الأعمال طبقاً للأنظمة والقواعد المتبعة، فلا يجوز قبول العروض والتعاقد بموجبها إلا طبقاً للشروط والمواصفات الموضوعة لها.

* إعطاء الأولوية في التعامل لكل ما هو وطني كالمصنوعات والمنتجات والخدمات الوطنية، وما يعامل معاملتها من منتجات وخدمات الدول الأخرى، وفقاً لقواعد تفضيل المنتجات الوطنية، ويتم النص على ذلك في شروط ومواصفات الأعمال المطلوب تنفيذها.

* القاعدة العامة في التعامل في مجال المنافسات الحكومية أن جميع الأعمال والمشتريات الحكومية يجب أن يتم طبقا لنظام المنافسة العامة؛ إلا ما يستثنى بموجب أحكام هذا النظام.

* أن تكون الأسعار التي يتم التعاقد طبقا لها عادلة: فيجب أن يتم الشراء وتنفيذ الأعمال والمشاريع بأسعار عادلة لا تزيد على الأسعار السائدة، وتعد المنافسة الوسيلة العملية للوصول إلى ذلك وفق الأحكام الواردة في هذا النظام. وهذا ما نصت عليه المادة (6/ج) من اللائحة التنفيذية بقولها: “على الجهة الحكومية تحري الدقة في تحديد أسعار وثائق المنافسة، حيث تكون الأسعار متناسبة مع تكاليف إعدادها، وأن لا تبالغ بتقدير أثمانها، بما يؤدي إلى إحجام الراغبين عن التقدم للمنافسة”. * جواز تجزئة المنافسة أو إلغاء بعض بنودها: فيجوز أن تتضمن شروط المنافسة، نصاً يُجيز تجزئة المنافسة عند الترسية، متى كانت التجزئة تحقق مصلحة للجهة الحكومية. كما يجوز أن تتضمن شروط المنافسة نصاً يُجيز للجهة الحكومية إلغاء بعض البنود أو تخفيضها للوصول إلى المبالغ المعتمدة للمشروع (م 8 لائحة).

والواقع أنه على الرغم من أهمية هذا النظام ودوره المنتظر في تسوية منازعات عقود الأشغال العامة إلا أنه لم يقدم آلية واضحة وسريعة لتسوية المنازعات الناشئة عن عقود الأشغال العامة؛ إذ إنه من ناحية التطبيق العملي يثار بشأن هذا النوع من المنازعات العديد من الصعوبات؛ حيث يتم اللجوء إلى ديوان المظالم برفع دعوى إدارية لطلب تنفيذ أحد الالتزامات التي تقع على عاتق الإدارة أو على عاتق المتعاقد معها. وهذا يستغرق عادة سنوات عديدة حتى يتم البت في الدفوع الشكلية وأوجه الدفاع الموضوعية التي يتقدم بها كل طرف ضد الآخر، وتتم الاستعانة بمكاتب خبرة معتمدة، وتقدم تقارير، وقد يحدث تضارب في التقارير، وهكذا يطول أمد النزاع، ولهذا فإن الحكم القضائي الصادر عن ديوان المظالم والذي يحصل عليه الطرف المتعاقد مع جهة الإدارة يفقد من الناحية الاقتصادية قيمته الحقيقية نظراً لارتفاع الأسعار وانخفاض القيمة الحقيقية للنقود. وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل عن مدى إمكانية اللجوء إلى وسيلة أخرى مثل التحكيم لتسوية منازعات عقود الأشغال العامة. وهذا ما سنتناوله في مقال لاحق إن شاء الله.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت