منازعات أراضي الجموع عن طريق الممارسة القضائية (قضايا التحفيظ نموذجا) – المغرب

باسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على سيدي محمد الصادق الامين و على صحبه و كل من والاه الى يوم الدين

منازعات أراضي الجموع من خلال الممارسة القضائية – قضايا التحفيظ نموذجا – الجزء الأول[1]

تمهيد أساسي ومركزي :

تشكل الأملاك الجماعية[2] نظاما عقاريا فريدا من نوعه، يصعب على الدارس والمهتم بالحقلين القانوني والاجتماعي تحديد تاريخ ظهوره و بدايته، غير أن المجمع عليه لدى شريحة عريضة من الدارسين و المهتمين هو أن هذا النظام يرجع من حيث اصله التاريخي إلى حقبة قبل ظهور الإسلام[3]، و قد ارتبط في جوهره بفكرة التملك الجماعي لوسائل الانتاج داخل القبيلة و العشيرة التي ينتمي اليها الفرد، و ظلت الأعراف والتقاليد والعادات المحلية هي الاساس في تنظيم الروابط الاجتماعية بين الافراد بشان الانتفاع من تلك الأملاك، و كل ما تثبته كتب التاريخ عن نمط الملكية، ان الذي كان سائدا هو الملكية الجماعية للأرض من طرف القبيلة، [4].

فالأملاك الجماعية و كما لا يخفى على الجميع تعد أصل الملكية العقارية بالمغرب وأعرقها تاريخا، وعنها تفرعت باقي أنماط الملكية الأخرى، وهي بحق تعد ثروة وطنية[5] بسبب وظائفها الاجتماعية، والاقتصادية، في نماء ذوي حقوقها، واستقرارهم، وتنمية معظم أهل البوادي والقرى، والمتمعن في نمطها يجدها محكومة بنفس قواعد تدبير المرافق العامة، بدءا من مجانية الانتفاع بها من طرف ذوي الحقوق بالرعي، والحرث والحطب، والسكن، وغير ذلك من أوجه الانتفاع [6]،

في مساواة تامة بين ذوي الحقوق، دون تمييز بينهم نساء ورجالا ، على الدوام ودون توقف بشكل يتماها مع مبدأ الاستمرارية الذي يحكم المرافق العامة في أداء وظائفها، وان توقف هذا الاستغلال إما بتفويتها إن تم نزع ملكيتها لفائدة المصلحة العامة[7]، أو تم تأجيرها [8]يترتب عليه حتما توزيع مداخلها بين ذوي حقوقها مناصفة بينهم بعد اقتطاع ميزانية التسيير المقررة لوزارة الداخلية بصفتها الوصية على الأملاك الجماعية[9]،

كما ان هذه الأملاك غير قابلة للحجز والتفويت وهو نفس المبدأ التشريعي المقرر للأملاك العامة، وان كان استغلال هذه الأراضي من طرف أفراد الجماعات قد يطول، وقد ينتقل لذوي حقوق الفرد المتوفى [10]مع ما قد يولده ذلك من انطباع بالتملك، أو بفعل المضاربات العقارية، غير ان المشرع حسم ذلك بطريق لا تترك مجالا لأي لبس او غموض ، بعدما نص الفصل الرابع من الظهير الشريف 27 ابريل 1919 على ان ” الأراضي الجماعية غير قابلة للتقادم ولا للتفويت والحجز ” وقد تم تأكيد هذا المنحى ضمن مقتضيات المادة 261 من مدون الحقوق العينية [11]

صراحة بإقرار مبدأ عدم قابلية الأملاك الجماعية للاكتساب بالحيازة مهما طالت مدتها على غرار الاملاك العامة و غيرها ، وذلك سواء تم استغلال تلك الأراضي بصورة جماعية تمكن كل أفراد الجماعة من استعمال العقار في الرعي والحطب، أو تم استغلالها عن طريق تخصيصها لفرد من أفراد الجماعة ليستغلها في الفلاحة، فإن الجماعة تبقى هي المالكة والحائزة للعقار الجماعي .

وعليه فإنه و مهما طالت مدة استغلال أعضاء الجماعات للأراضي الجماعية، ومهما أنشئت من رسوم استمرار في شأن هذه الأراضي من طرف الأعضاء، أو غير الأعضاء، المنتسبين للجماعة السلالية، ومهما أبرمت عقود تفويت في شأن الأراضي الجماعية، فإن كل ذلك لا ينفي عنها الصبغة الجماعية، ولا يفقد الجماعات المالكة ملكيتها، ومع ذلك فإن الأملاك الجماعية مهددة باستمرار بأطماع أفراد الجماعات، و الأغيار في تملكها بطريقة غير مشروعة عن طريق ادعائهم بحيازتها لمدة طويلة مستغلين في ذك طريقة الاستغلال التي تجعلهم يتمتعون بحق الاستغلال بدون تحديد للمدة وتجعل حقهم ينتقل لذوي حقوقهم بعد وفاتهم، وكذلك خاصيات العقارات الجماعية كعقارات لا تتوفر كلها على سندات الملكية،[12]

غير القضاء ادرك جيدا الخطر المحدق بالأراضي الجماعية، مما جعله يضع مجموعة من القواعد الاصيلة الضابطة لهذا النوع من الأملاك ، تأخذ بعين الاعتبار طبيعته القانونية وخصوصياته ومميزاته، والتي يجب استحضارها عند كل فصل في نزاع يتعلق بملك جماعي .

وفي هذا الاطار ارتأيت ان اقف رفقة اهل العلم و الحلم من رجالات القانون الافاضل عند تلك الضوابط والضمانات التي اقرها القضاء في تعاطيه مع منازعات الأملاك الجماعية في شقه المتعلق بقضايا التحفيظ العقاري ، على ان اتولى في مناسبة قادمة التطرق لتلك القواعد الخاصة بالمادة الجنائية و خاصة جنحتي انتزاع الحيازة العقارية ، وتفويت عقارات لا تقبل التفويت ومن تم سيكون تناولنا للموضوع كالأتي :

القاعــــدة الأولى : مفهــــوم الجماعـــات السلالية وكيفية تشكلها.

مدلول القاعدة : إن الجماعات السلالية كيان واقعي خصه المشرع بشخصية، ووجود قانونيين،[13] فهي منشئة بفعل الواقع ومعلنة بفعل القانون ، والكثير من المهتمين من الفقه، والقضاء يعتقد ان الانتماء الدموي والعرقي والقبلي هو المصدر الوحيد لوجود الجماعات السلالية بالمغرب ، و الحال هذا النمط فقط يعتبر احد أسباب نشوء الجماعات وتكونها بعيدا عن شكليات إجرائية محددة،

ذلك ان استغلال الأرض بشكل مشترك وجماعي، ومحكوم بهاجس الاستمرارية، والدوام بين مجموعة من الناس كاف لتشكل جماعات سلالية وتكونها دونما حجة لرابطة الدم والانتماء لنفس النسب والسلالة والاعتراف بها من طرف سلطات الوصاية أو تقديم تعرضها بصفتها جماعة سلالية وتأكيده من طرف الوصي .

التأكيد القضائي : أكدت محكمة النقض[14] في قرار جد حديث صادر عنها هذا المنحى،[15] حيث أضفى القرار المذكور على تعرض مقدم من طرف أفراد ساكنة مدشر معين رغم عدم تقديم تعرضهم بصفتهم ذوي حقوق جماعة السلالية، صفة التعرض المقدم من طرف جماعات سلالية، وبموجبه أدرجته ضمن الأملاك الجماعية المفترضة الواجب التحقق من صبغتها الجماعية، وفق إجراءات التحقيق المقررة قانونا ، بعدما سبق لمحكمة الاستناف بتطوان ان قضت بعدم قبول الاستئناف المقدم من الجماعة المذكورة بعلة خلو ملف التحفيظ ما يفيد وجود جماعة سلالية وتقديم تعرض باسمها وتأكيده من طرف وزير الداخلية يصفته وصيا على الاملاك الجماعية ، وقد جاء في تعليل قرار محكمة النقض ما يلي ” حيث صح ما عابه الطاعن على القرار ذلك انه علل عدم قبول استئناف الجماعة السلالية ترتكعلو بما ورد في التعليل المشار اليه في السبب اعلاه ، في حين،

ان التعرض امام المحافظ باسم سكان المدشر لا يمنع الجماعة السلالية التي ينتمون اليها من التقاضي امام المحكمة المعروض عليها النزاع باعتبارها الشخصية الاعتباراية القانونية المخولة للدفاع عن حقوقهم بواسطة النواب المعينين لهذا الغرض، لا سيما وانه يتجلى من وثائق ملف المطلب ان التعرض قدم امام المحافظ على الاملاك العقارية من طرف سكان مدشر تركعلو الذين اوضحوا في رسالة تعرضهم ان تعرضهم الجماعي جاء للمطالبة بالأرض موضوع مطلب التحفيظ باعتبارها ارضا سلالية ،

ومن جهة اخرى فانه، وخلافا لما جاء في تعليل القرار فان التقاضي امام المحكمة الابتدائية تم باسم الجماعة السلالية للمدشر المذكور وصدر الحكم ضدها بهذه الصفة، وان المحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه لما قضت بعدم قبول استئنافها مع الوصي مع انها طرف في الحكم المستأنف يكون قرارها خارقا للقانون و معرضا بالتالي للنقض و الابطال .”[16]

هذه القاعدة لا محال تطرح عليها سؤالا جوهريا و اساسيا مؤداه تحديد طبيعة العلاقة الرابطة بين ظهير 27/04/1919 والأملاك الجماعية و هو موضوع القاعدة الثانية .

الــــقاعـــــدة الثـانيــــة : موقع ظهير 27/04/1919 من الأملاك الجماعية :

كما لا يخفى على المهتمين فقد تولى المشرع تنظيم الاملاك الجماعية و حمايتها من الترامي و الاستيلاء عليها بموجب ظهير 27 أبريل 1919 بشأن تنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات وضبط تدبير شؤون الأملاك الجماعية وتفويتها كما تم تعديله و تتميمه بموجب ظهير 6 فبراير 1963، إضافة الى ظهير 25 يوليوز 1969 المتعلق بالأراضي الجماعية الواقعة ضمن دوائر الري و مجموعة من الدوريات و المناشير و الضوابط المشتركة ذات الصلة بالموضوع أخرها الدورية الصادرة عن السيد وزير الداخلية بتاريخ 23/06/2016 تحت عدد 33 ،

غير ان تحديد موقع وعلاقة الظهير اعلاه بالأملاك الجماعية لازال محل لبس وغموض لدى عديد المهتمين بالحقل القانوني عامة و العقاري على وجه الخصوص، بل و في كثيرا من الحالات تصادف بعضا من مذكرات الدفاع تخلط بين ما يقرره الظهير المذكور للجماعات السلالية من حماية قانونية و حقيقة وجودها التاريخي السابق من حيث النشأة للظهير المذكور[17].

مدلول القاعدة : ان ظهير 27/04/1919 لم يقرر لإثبات الوجود التاريخي للأملاك الجماعية، و انما لحمايتها من الترامي و الاستيلاء، و من هذا المنطلق فلا غرابة ان صادف الباحث يوما نزاعا قضائيا بين جماعة سلالية و الغير او جماعة أخرى يعود الى حقبة ما قبل الحماية بعقود من الزمن ، ذلك انه وفي هذا الاطار سبق ان عرض نزاع من هذا القبيل على محكمة النقض بشان ملكية تعود لسنة 1338 هجرية الموافق لسنة 1908 ميلادية بمناسبة ملف عقاري بين صاحب الرسم المذكور و جماعة سلالية تدعى اولاد الفتوح .

التأكيد القضائي : لقد كان قرار محكمة النقض غاية في الدقة و مرجعا حقيقيا في تحديد الفواصل بين الظهير اعلاه و حقيقة الأملاك الجماعية، حيث جاء في القرار[18] مايلي : ” ……في حين ان اثبات الطابع الجماعي يكون بجميع وسائل الاثبات و من بينها البحث الذي تجريه المحكمة بعين المكان ، وان ظهير 1919 انما صدر لتنظيم الاملاك الجماعية و الحفاظ عليها لوجودها قبل صدوره، وانه لا يستفاد من البحث الذي اجرته المحكمة انه تناول طريقة استغلال العقار موضوع النزاع و طبيعته قبل اقامة الملكية المستدل بها من المطلوب في النقض نظرا لما لذلك من تأثير على الفصل في النزاع الامر الذي يكون معه القرار المطعون فيه معللا تعليلا ناقصا و خارقا للقانون و معرضا بالتالي للنقض و الابطال .”

هذه القاعدة بدورها تجرنا الى طرح تساؤل اخر حول كيفية اثبات الملك الجماعي في نزاعات التحفيظ العقاري و هو موضوع القاعدة الموالية :

القاعدة الثالثة : الصبغــــة الجمــــاعيـــة مفترضة وهي الأصل.

مدلول القاعدة : ان الأصل في الصفة الجماعية للأرض عند النزاع هو افتراض و قد سبق التعبير عنه صدر هذا المقال من ان الاصل في الملكية العقارية بالمغرب انها جماعية و هو منحى يمكن تأكيده والاستدلال عليه وفق ما يلي :

المنشور الصادر عن الصدر الاعظم بتاريخ 06/مارس/1914 و الذي يمنع من خلاله على القضاة تحرير رسوم ملكية يكون موضوعها الاراضي الجماعية .

يمنع على العدول أن يحرروا رسوم الملكية أو الاستمرار إلا بعد الحصول على شهادة تثبت أن الأرض ليست جماعية طبقا لظهير 7يوليوز1914 و الذي الغي بموجب ظهير 18/07/1995 و اخيرا قانون خطة لعدالة النافذ حاليا .

فتح مطالب التحفيظ الخاصة بأملاك الجماعات السلالية من طرف المحافظين العقارين وقبول تعرضاتهم على مطالب التحفيظ كذلك منذ صدور ظهير 1913 الى يومنا هذا بناء على الحيازة الطويلة الامد ودون الادلاء بأي سند للملكية ، ليس عملا عبثيا وإنما هو الاعمال و التطبيق السليم للمبدأ اعلاه، وما يؤكد ذلك هو ان هذا الوضع ألامتيازي لا تستفيد منه بعض الانماط الخاصة من الملكية، من قبيل الملك الخاص للدولة حيث لا يمكن قبول فتح مطلب للتحفيظ باسمها، او تقييد تعرض لصالحها دون سند كتابي .

تصفية الأملاك الجماعية قانونا ، يتم إما في إطار ظهير فاتح غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري كما وقع تعديله أو تتميمه، أو في إطار ظهير المتعلق بالتحديد الإداري للأملاك الجماعية 24 فبراير1924، وهو ما يقابله ظهير 03/01/1916 ، المنظم للتحديد الإداري للأملاك المخزنية المكمل بظهير 20 ماي 1922 ، المتطابقان تماما من حيث الإجراءات والآثار التطهيري لهما معا ليس من باب الصدفة والعبث، بل بسبب أنهم نمط ملكية يختلفان عن الملكية الخاصة ، محكومين بنظام قانوني واحد في التدبير والاستغلال والحماية والإثبات .

التأكيد القضائي : لقد كرست محكمة النقض وقبلها المجلس الاعلى هذه المبادئ وذلك بالتنصيص على ان من يحدد الصبغة الجماعية للأرض هو موقعها وطبيعتها والقسمات المنجزة عليها ونمط استغلالها ماضيا المثبت بشهادة الشهود والقرائن الدالة عليه و ذلك في العديد من القرارات المتواترة عنها منذ مدة نورد بعضا منها على سبيل المثال لا الحصر و تبعا لتسلسلها التاريخي.

قرار عدد 4029 في الملف المدني عدد 4004/1/1/06 الصادر بتاريخ 19/11/08 و الذي جاء فيه “ يثبت الملك الجماعي بشهادة الشهود كما يثبت بالقرائن الدالة والمؤكدة له، وأن المعاينة التي أجرتها المحكمة مقدمة على موجب الاستغلال ما لم يقم المتعرض بإثبات الترامي الحاصل على المدعى فيه ”

قرار عدد 1559 الصادر بتاريخ 29/04/2009 في الملف العقاري عدد 2046/1/3/2008 و الذي جاء فيه : ” حقا ان الفصل الاول من ظهير 27/04/1919 عرف الاراضي الجماعية كما يلي : الاملاك الجماعية هي اراضي معدة للحرث و الرعي تنتفع بها القبائل او الدواوير او غيرها بصفة جماعية .”

و الصفة الجماعية يتم اثباتها بالأساس من خلال طبيعتها و موقعها و كيفية استغلالها ، و المحكمة عندما ردت طلب تدخل الطالبة في الدعوى اعتمادا على انها لم تدل بالرسوم المثبتة للصفة الجماعية للأرض المدعى فيها ، و الحال ان الامر كان يستدعي القيام بالبحث اللازم و الوقوف على عين المكان للتأكد منا اذا كانت تكتسي طابعا جماعيا ام لا و ليس اجراء معاينة من اجل تطبيق الرسوم ، و انها عندما لم تبرر عدم استجابتها للطلب المقدم اليها بهذا الشان ، تكون قد جعلت قرارها ناقص التعليل الموازي لانعدامه يستوجب نقضه .”

قرار عدد 349/8 الصادر بتاريخ 18/06/2013 في الملف العقاري عدد 368/1/8/2013 و الذي جاء فيه ” …ان البحث في الطابع الجماعي للعقار يقتضي من المحكمة او المستشار المقرر الوقوف على المكان للتاكد من الحيازة و ما اذا كان العقار يستغل بشكل جماعي ام لا ، و هو ما لم تقم به فجاء بذلك قراراها ناقص التعليل مما عرضه للنقض و الابطال ”

قرار عدد 384/4 المؤرخ في 10/06/2014 في الملف المدني عدد 2630/1/4/2013 جاء فيه ما يلي ” حيث صح ما عابته به الطاعنة القرار ذلك أنها أثارت دفوعات منها أن المدعى فيه أرض جماعية وأن الجماعة السلالية تتصرف فيها بصفتها تلك بناءا على محضر توزيع وأن المحكمة لما وقفت على عين المكان اكتفت بتطبيق رسوم المطلوبين دون رسومها ولم تبحث في طبيعة العقار المدعى فيه من حيث مشتملاته وطبيعة الغطاء النباتي،

والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما صدت نظرها عن البحث في الطبيعة القانونية للمدعى فيه والمتمثلة في طبيعته الجماعية بالنظر إلى رسومها وإجراء بحث بالاستماع إلى الشهود وملاحظة الغطاء النباتي للمدعى فيه وباقي العناصر التي يمكن اعتمادها في تحديد الطبيعة القانونية للأرض الجماعية وتطبيق محضر التوزيع على العقار موضوع النزاع لتبني حكها على انتهى إليها تحقيقها، تكون قد عللت قرارها تعليلا ناقصا وهو بمثابة انعدامه مما يعرضه للنقض “.

قرار رقم 8/1 الصادر بتاريخ 07/01/2014 في الملف المدني رقم 1566/1/8/2013 جاء تعليله كالآتي :

” حيث صاح ما عابته الطاعن على القرار ذلك أنه علل بأن المستأنف عليه عزز تعرضه برسمي الشراء الأول مؤرخ في 20/08/1987 والثاني مؤرخ في 15/05/1985 شهدا فيهما العدلان باعتراف البائع بتسليم المبيع للمشتري وأنه وفق التصميم البياني للمحافظة العقارية فإن موضوع التعرض محاط بعقارات للخواص كما أن مساحته لا تتعدى 559 م م وبالتالي لا ينطبق عليها وصف أراضي الجموع لأنها غير معدة للحرث والرعي وأنه وفق شراء المستأنف عليه والمعزز بالحيازة وعدم وجود ما يفيد خروج الحيازة من يده، وعدم مطابقة وصف أرض الجموع على مساحة القطعة موضوع التعرض وعدم إدلاء المستأنفة بأي حجة تفيد أن ما تم الشروع في تحديده ملك لها،

في حين أن مجرد صغر مساحة عقار النزاع وإحاطته بعقارات الخواص لا يعد في حد ذاته قرينة على عدم اعتبار المدعى فيه ملكا جماعيا، وإنما المعتبر هو كيفية استغلاله، وأنه كان على المحكمة التأكد من الطابع الجماعي للعقار بالوسائل المخولة لها قانونا بما في ذلك من الوقوف على عين المكان والبحث مع الشهود والجيران للتأكد من كون العقار المذكور أرض جماعية أم لا، الأمر الذي كان معه القرار ناقص التعليل المنزل منزلة انعدامه ومعرضا للنقض والإبطال ”

القرار حديث صادر عن محكمة النقض بتاريخ 10/06/2014 تحت عدد 326/1 في الملف عدد 886/1/7/2013 و الذي جاء فيه ما يلي : ” إن الملك الجماعي كما يثبت بشهادة الشهود يثبت بالقرائن الدالة عليه والمؤكدة له، وأن الرعي الجماعي في البقعة ذات المعلم رقم 6 والاستغلال السكني في البقعة ذات المعلم رقم 2 من جميع أفراد الدوار وإحداث مدرسة لدليل قوي على الصفة الجماعية للمدعى فيه ”

القرار حديث صادر تحت عدد 4/330 بتاريخ 16/6/2015 في الملف المدني عدد 3743/1/4/2014 و الذي جاء فيه ما يلي ” وحيث إن حجة الطالبين لا تنطبق على المدعى فيه،وأن الحيازة بيد المطلوبين بمعاينة المحكمة وجود دوار أولاد أصخار بأرض النزاع والمتكون من عدة منازل ومدارس ومسجد،وأن جزءا كبيرا منه كان غابة لازالت جدوع وجدور أشجارها قائمة في إطار اتفاق أبرم مع إدارة المياه والغابات مند سنة 1962 لم يدل الطاعنون بأي اعتراض عليه ،وأن الأرض تستغل من طرف سكان الجماعة بإقرار الخصوم ومعاينة المحكمة بالزراعة والرعي ،وقضت تبعا لذلك برفض طلب الاستحقاق لعدم الإثبات من طرف مدعيه ،تكون قد عللت قرارها تعليلا قانونيا سليما ،ولم تخرق أي مقتضى من القانون ولا قواعد الترجيح ولا القواعد الإجرائية في الدعوى”

النتيجة : ان ثبوت الصبغة الجماعية للأملاك يجعلها مؤبدة، ولا يمكن إخراجها من دائرة الأملاك الجماعية، وان صفة الأرض الجماعية تنفي عنها أية إمكانية للملكية الخاصة وهي غير قابلة للتقادم ولا للتفويت والحجز، بغض النظر عن وضعها المادي الحالي الناتج عن المتغيرات العمرانية والاجتماعية بسبب التوسع العمراني أو التغير في أنماط معاش البشر من الرعي إلى الحرث أو غير ذلك من أسباب المعاش أو أعمال الاحتيال والغش التي ترمي إلى إتلاف الملك الجماعي وهدم خصائصه و مميزاته ، لكن اذا كان هذا هو الوضع بالنسبة لمحكمة النقض، فانه و بالمقابل فان الوضع لدى قضاء الموضوع لا يسير دائما في نفس المنحى ، لذل كان لزاما ان نتطرق اليه .

كيف تعامل قضاء الموضوع مع المستجدات التشريعية و توجهات محكمة النقض ؟

ان اعتبار الصبغة الجماعية مفترضة من طرف قضاء محكمة النقض، ليس قاعدة مسلم بها من طرف قضاء الموضوع في كثير من الحالات، و لا ادل على ذلك حجم القرارات الاستئنافية التي يتم نقضها بسبب عدم إعمال المبدأ أعلاه، رغم ما لمحكمة النقض من سلطة معنوية في توحيد العمل القضائي، اذ ان المتتبع للعمل القضائي الصادر في هذا الإطار يجد ان عشرات الأحكام والقرارات القضائية قضت بعدم صحة تعرضات الجماعات لعدم إدلاءها بسند كتابي يفيد الصبغة الجماعية،

بينما جعلها مفترضة يجب التحقق منه تلقائيا من طرف المحكمة بالقيام بإجراءات التحقيق كما هو الحال بالنسبة للأملاك الغابوية، وهو ما لا يتم القيام في الغالب الأعم تلقائيا ، كل ذلك أما بسبب سوء فهم ماهية الأملاك الجماعية، وطرق إثباتها قضاء أو بسبب النظر إليها على أنها ارض غير مهمة ، وغير مشمولة بنفس الحماية والحصانة التي افردها المشرع للأملاك الخاصة والعامة للدولة وللأملاك الحبسية و الغابوية .

لذلك فان الضرورة تقتضي من قضاء الموضوع، مراجعة خلفية تعاطيه مع آليات إثبات الأملاك الجماعية، بجعلها مفترضة، والتحقق من صبغتها الجماعية بإجراء معاينة ولو دون ان يطلبه أطراف الخصومة ، باعتباره إجراء جوهري لا غنى عنه للتحقق من الصبغة الجماعية ، موقعا وطبيعة وحيازة واستغلالا ماضيا وحاضرا ، وتجاوز النمط العادي في اجراء المعاينات القضائية بما يقتضي ذلك من سعة صدر المحكمة بالاستماع لأكبر قدر من الشهود خاصة كبار السن وإجراءات مشاهدات وأوصاف دقيقة للعقار والتحقق من طبيعته النباتية الأصلية وحدوده الفعلية وغير ذلك من إجراءات التحقيق اللازمة.

القاعدة الرابعة : عدم سلوك مسطرتي التحفيظ العقاري[19] او التحديد الإداري لا ينفي الطابع الجماعي أو الغابوي للعقار الجماعي :

مدلول القاعدة : تشكل مسطرتا التحفيظ العقاري و التحديد الاداري الاداة الفعالة و المناسبة لتسوية الوضعية القانونية للأملاك الجماعية و تحصينها ضد كل مطالبة محتملة، او منازعة حول حق الملكية قد تأتي من الغير، فضلا عن الرفع من قيمة الوعاء العقاري، و توفير امكانية تعبئته و ادماجه في منظومة الاستثمار، وللإشارة فقط فان مسطرة التحفيظ العقاري للأملاك الجماعية تهم تلك المساحات التي تقل عن 500 هكتار،

اما المساحة التي تفوق تلك المساحة فتباشر بشاتها مسطرة التحديد الإداري ومن تم فان إثبات الصبغة الجماعية للأرض السلالية ليس له أي علاقة او ارتباط بمسطرتي التحفيظ او التحديد الإداري ، والتي تبقى الغاية منهما اخراج العقار الجماعي من دائرة النزاع و تحديد المراكز القانونية للأطراف متى وجد تعرض على تلك المسطرة ، وعليه فمن غير المقبول اطلاقا ربط اثبات الملك الجماعي اثناء المنازعة القضائية بسلوك المسطرتين المذكورتين .

التأكيد القضائي : جاء في قرار صادر عن محكمة النقض بتعليل واضح وصريح ما يلي[20] ” ليس في مقتضيات ظهير 18/2/1924 بشأن إثبات الصفة للأراضي الجماعية ما يفيد أن عدم سلوك الجماعة السلالية لمسطرة التحديد الإداري يترتب عنه عدم سماع دعواها مما يتعين على المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه أن تناقش حجة الطاعن على مقتضاها وترتب على ذلك النتائج القانونية ”

القاعدة الخامسة : عبئ الإثبات عندما تكون الجماعة في وضعية متعرض ضدها :

مدلول القاعدة : إن طلب الجماعة تحفيظ أراضيها يعطيها صفة المدعى عليه ولا يجب عليها الإدلاء بحجة حتى يدعم المتعرض تعرضه بحجة قوية، وفق لما جاء بظهير التحفيظ العقاري والقواعد الأصيلة في تدبير المسطرة القضائية للمنازعة العقارية في طور التحفيظ ، كما استقر عليه عمل محكمة النقض ، إلا ان محاكم الموضوع،

في عديد المناسبات حينما تكون الجماعات السلالية في وضعية طالبت التحفيظ تنتقل للبحث في الصبغة الجماعية للأرض موضوع مطالب تحفيظها، دون بسط يدها ومراقبتها الفعلية لحجج المتعرض هل هي مستوفية للشروط المقررة قانونا وقضاء لسماع دعوى التحفيظ أم لا ، للانتقال بعد ذلك لمناقشة الصبغة الجماعية، مما يجعل من نتائجها في الغالب الأعم ضد الجماعات السلالية ،

لأسباب عديدة ، أهمها ان تاريخ تقديم مطالب التحفيظ سابق وبكثير وبعدة سنوات وفي بعض الاحيان بعدة عقود من الزمن عن تاريخ انتهاء إجراءات المرحلة الإدارية للمسطرة وإحالة المطلب على المحكمة وانجاز المعاينات، يجعل بسبب توسع العمران وفعل البشر بهدم خصائص الملك الجماعي، دليلا عن نفي صبغتها الجماعية بسبب اندثار العناصر الدالة عليه والحال ان القضاء في اطار مبدأ المساواة في المراكز القانونية كما هي مقررة بقانون التحفيظ العقاري والعمل القضاء القار والأصيل ، عليه ان يتأكد من مدى استجماع حجج المتعرض على أساسها ضد مطالب الجماعة، الشروط المتطلبة قانونا من عدمها وانه إذا ما تأكدت من عدم استجماعها هذه الشروط،

مثلا البيع المجرد من مدخل التملك، التعرض بموجب رسم تصرف….، ان تقوم بحسم النزاع خلال هذه المرحلة من التقاضي بتصريحه بعدم صحة التعرض، دون اللجوء مباشرة لتطبيقها والتأكد من الصبغة الجماعية، عملا بمقتضيات القانون الذي جعل صبغتها مفترضة وجعلها ايضا الحيازة غير منتجة في مواجهتها وعدم قابليتها للتفويت، وأساسا باعتبارها طالبة التحفيظ لا تناقش حججها حتى يعزز المتعرض تعرضه بمساند مقبولة قانونا وقضاء، وهو امر يفرض على القضاء تمتيع الجماعات السلالية بضمانات قواعد الإثبات بنفس الكيفية التي تعالج بها مطالب التحفيظ المتعلقة بالملكية الخاصة .

القاعدة السادسة : إثبات الملك الجماعي بسند كتابي يجعل وضعها الجماعي مؤبد :

مدلول القاعدة : ان إثبات الجماعة السلالية الصبغة الجماعية بسند كتابي يجعل صبغتها الجماعية مؤبدة ومن تم متى تبت ان ارض النزاع تدخل في وعاء السند الكتابي للجماعة السلالية فان النتيجة التي يتعين الانتهاء اليها هو التصريح بعدم صحة التعرض .

التأكيد القضائي لقد اكد محكمة النقض على هذا المنحى في قرار جاء فيه ما يلي [21]:

“….ولذلك ولما للمحكمة من سلطة في تقدير الأدلة، و استخلاص قضائها منها، فإنها حيث عللت قضائها بأنها ” استجلاء منها لحقيقة النزاع وتحقيق العدالة بين الخصوم، عملت على الوقوف على عين المكان رفقة خبير قصد تطبيق وقائعها على أرض النزاع، وتبين لها أن أرض النزاع تدخل ضمن رسم الملكية المدلى به من طرف الجماعة السلالية المضمن اصله في كناش الاملاك 48 ص 476 ع 643 و تاريخ 11/01/1965،وانه بمجرد ثبوت الملك للجماعة، فإن جميع الحجج والرسوم المستدل بها من طرف الخصم مجردة من القوة الثبوتية، على اعتبار أن الأرض الجماعية تكتسي حصانة خاصة لعدم سريان التقادم عليها وعدم قابليتها للتفويت، الامر الذي يكون معه القرار معللا بما فيه الكفاية، وما بالوسيلة بالتالي غير جدير بالاعتبار. “

القاعـــــدة السابعة : رسم الجماعة لا يشترط فيه شروط الملك .

مدلول القاعدة : ان الأهمية القانونية للرسوم بالنسبة للملك الجماعي لا يتعدى أن تكون معلنة لطابعها الجماعي وليست منشئة له، بعكس الرسوم المتعلقة بالأشخاص الطبيعيين فهي منشأة للحق ومعلنة له، وعليه فان الرسوم الخاصة بالأملاك الجماعية تختلف في شروطها على رسوم الملكية الخاصة، بحيث لا يشترط فيها توفر الشروط المقررة في الرسوم العادية المتعلقة بالملكية الخاصة المنصوص عليها في مدونة الحقوق العينية [22]

التأكيد القضائية : لقد أكدت محكمة النقض في عديد القرارات الصادرة عنها على هذه الخاصية منها على سبيل المثال لا الحصر [23]،

حيث جاء في احدها ما يلي : ” حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار، ذلك انه استبعد حجتها بعلة أنها ناقضة على درجة الاعتبار لما اكتنفتها من قوادح تتمثل في ان شهودها لم يشهدوا بالنسبة مع انه من بين شروط الملك لملكية النسبة، في حين ان البينة التي تشهد بالصفة الجماعية لا يشترط فيها وبالضرورة ان تتوفر على جميع شروط الملك المعمول بها في باقي الملكيات، إذ يكفي ان يشهد شهودها بالصبغة الجماعية وعلى المحكمة، فيما إذا رأت بخلاف ذلك، ان تتخذ التدابير التكميلية للتحقيق المنصوص عليها في قانون التحفيظ العقاري للتأكد من الصفة الجماعية المشهود بها أو عدمها ثم ترتب الأثر القانوني على النزاع سلبا أو إيجابا وهو ما لم تقم به، فجاء قرارها غير مرتكز على أساس قانوني، ومعرضا للنقض والإبطال “.

وفي نفس المنحى ذهب قرار اخر لمحكمة النقض والذي جاء فيه ما يلي : ” ان البينة التي تشهد بالصبغة الجماعية لعقار معين لا يشترط فيها بالضرورة ما يشترط في الملكيات الخاصة ، اذ يكفي فيها ان يشهد شهودها بان العقار ملك لجماعة سلالية او قبيلة او عشيرة تتصرف فيه بشكل جماعي وفق عوائد وأعراف الجماعة .”

القاعدة السابعة ثبوت الصبغة الجماعية للملك يجعل كل تصرف قانوني باطلا

كما سبقت الإشارة إلى ذلك فان الأملاك الجماعية محصنة من تصرف قانوني بموجبه تنتقل ملكيتها لذوي الحقوق أنفسهم أو لفائدة الغير سواء عن طريق البيع او غيره من أوجه التصرفات القانونية خارج الحالات الاستثنائية المنصوص عليها في الفصل [24]11 من ظهير 27/04/1919 و ذلك بتقرير إمكانية تفويتها لفائدة الدولة و المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية بالتراضي أو عن طريق نزع الملكية من اجل المنفعة العامة ،

وهو أمر نابع بالأساس من رغبة المشرع الدائمة في حماية الرصيد العقاري الجماعي كموروث وطني أصيل فضلا عن حصر منفعتها في ذوي حقوق الجماعية لوحدهم ، وهي خاصية تميز أراضي الجموع إلى جانب بعض الأنظمة العقارية الخاصة من قبيل أملاك الدولة العامة و غيرها ، وعليه ، فان جميع التصرفات القانونية سواء منها الناقلة للمكية او غير الناقلة للملكية تبقى باطلة بطلانا مطلقا يتعين على المحكمة المعروض عليها النزاع بمناسبة المحرر المتضمن لدلك التصرف التصريح ببطلانه تلقائيا ، اعتبارا إلى أن محله مما لا يجوز التصرف فيه خارج الأحوال المقررة سلفا.

التأكيد القضائي : رغم أننا لم نعثر على عمل قضائي لمحكمة النقض يكرس القاعدة المذكورة بشكل صريح لكن كثيرة هي القرارات التي تناولت الإشكالية من زوايا مختلفة ارتباطا بطبيعة المنازعات المعروضة على محاكم الموضوع ، و في هذا الإطار جاء في قرار محكمة النقض [25]ما يلي :

“ولذلك ولما للمحكمة من سلطة في تقدير الأدلة، و استخلاص قضائها منها، فإنها حيث عللت قضائها بأنها ” استجلاء منها لحقيقة النزاع وتحقيق العدالة بين الخصوم، عملت على الوقوف على عين المكان رفقة خبير قصد تطبيق وقائعها على أرض النزاع، وتبين لها أن أرض النزاع تدخل ضمن رسم الملكية المدلى به من طرف الجماعة السلالية المضمن أصله في كناش الأملاك 48 ص 476 ع 643 و تاريخ 11/01/1965،وانه بمجرد ثبوت الملك للجماعة، فإن جميع الحجج والرسوم المستدل بها من طرف الخصم مجردة من القوة الثبوتية، على اعتبار أن الأرض الجماعية تكتسي حصانة خاصة لعدم سريان التقادم عليها وعدم قابليتها للتفويت، الأمر الذي يكون معه القرار معللا بما فيه الكفاية، وما بالوسيلة بالتالي غير جدير بالاعتبار.”

وفي ذات المنحى و بشكل صريح ذهبت المحكمة الابتدائية بتزينت[26] في حكم قضائي حديث صادر عنها إلى التصريح ببطلان عقد بيع عدلي محله ارض جماعية ثابتة لمجموعة من الدواوير و عددها ستة وعشرون و ذلك بعد أن تبث لها من المعانية المنجزة بعين المكان و رسم التصرف و الاستغلال المنجز من طرف اعيان الدواوير المدورة الطابع الجماعي لأرض النزاع ، و مما جاء في حيثيات الحكم المذكور ما يلي :

” حيث يهدف موضوع الطلب الى الحكم على المدعى عليهم برفع الضرر اللاحق بالمدعي و ذلك بإزالة قناة الماء الشروب التي تم تمريرها وسط الملك المدعى فيه المحدود و الموصوف أعلاه و كذا جميع مظاهر احتلال جزء من الملك المذكور المقدرة في مترين و ستين سنتمترا تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 500.00 درهم عن كل يوم تأخير و بأدائهم له تعويض عن الضرر قدره و نهايته 5000.00 درهم مع تحميلهم الصائر .

وحيث إن المحكمة وأمام عدم توافرها على العناصر الكافية للبت في الطلب موضوع الدعوى ، و اعتبارا منها لطبيعة الدعوى و خصوصيته ، واستجلاء منها لحقيقة النزاع وتحقيق العدالة بين الخصوم، فقد ارتأت بموجب حكمها التمهيدي الصادر بتاريخ 23/11/2015 إجراء بحث بين الطرفين بعين المكان قصد التأكد من طبيعة الضرر المدعى فيه و درجته و مصدره و تطبيق وثائق ومستندات الطرفين ووقائع الدعوى على محل النزاع ، والبحث في طبيعة العقار المدعى فيه من حيث مشتملاته وطبيعة الغطاء النباتي السائد فيه ، أنجز بتاريخ : 02/02/2016 ، وقد تبت للمحكمة من خلاله معاينتها الميدانية وبشهادة الشهود المستمع إليهم السادة :

إبراهيم مباركي بن سعيد، مبارك سحيبات بن علي، إبراهيم بلوش بن احماد وعلي السملالي بن محمد، عديد القرائن الدالة على الاستغلال الجماعي للمدعى فيه والمؤكدة عليه ، من رعي و حرث و حصاد جماعي في الملك موضوع النزاع من جميع أفراد و اهالي الدواوير جماعة تنكرتيل إضافة إلى إحداث مدرسة وسط الملك تحت مسمى ” مجموعة مدارس تجاجت ” ووجود ملعبين لكرة القدم من جهتيه القبلة و الجوفية و أعمدة كهربائية وطرقات و قناة الماء الصالح للشرب ، وعقبه استمعت المحكمة الى طرفي النزاع المدعي و المدعى عليه فأكدا على حد سواء أن أرض النزاع تدخل ضمن لفيف التصرف المدلى به من طرف المدعى عليهم و المنجز من طرف سكان دواوير تنكرتيل جماعة سبت النابور المضمن أصله تحت عدد 444 كناش الأملاك رقم 18 و تاريخ 12/12/2014 ،

و عليه فان الأمر في نازلة الحال يتعلق بالأملاك الجماعية التي تولى المشرع في الفصل الأول من ظهير 27/04/1919 تعريفها بكونها أرض معدة للحرث و الرعي تنتفع بها القبائل أو الدواوير أو غيرها بصفة جماعية ، وأن ثبوت الصفة الجماعية للمدعى فيه يشل جميع أفعال الحيازة والتصرف للغير مهما طال أمده عملا بأحكام الفصل 4 من ظهير 27/4/1919 و ا المتعلق بتدبير الأملاك الجماعية ، المعدل و المتمم بظهير 06 فبراير 1963 ، و المادة 261 من مدونة الحقوق العينية واللذين أقرا معا أن الأرض الجماعية تكتسي حصانة خاصة لعدم سريان التقادم عليها وعدم قابليتها للتفويت, و عليه، فإن رسم الشراء المستدل به من طرف المدعي المضمن أصله بعدد 525 صحيفة 365 سجل الأملاك رقم 31 و تاريخ 10/02/2010 يبقى مجردة من القوة الثبوتية ، للعلل المفصلة أعلاه ،

و انه وخلافا لما تسمك به دفاع المدعى عليه فان الأهمية القانونية للرسوم و السندات الخاصة بالأملاك الجماعية لا تتعدى أن تكون معلنة لطابعها الجماعي وليست منشئة له، بعكس الرسوم المتعلقة بالأشخاص الطبيعيين فهي منشأة للحق ومعلنة له، وعليه فان الرسوم الخاصة بالأملاك الجماعية تختلف في شروطها على رسوم الملكية الخاصة، ذلك أن البينة التي تشهد بالصفة الجماعية لا يشترط فيها وبالضرورة ان تتوفر على جميع شروط الملك المعمول بها في باقي الملكيات الخاصة المنصوص عليه في المادة 240 من مدون الحقوق العينية ، إذ يكفي أن يشهد بعض شهودها بالصبغة الجماعية ،

هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن انتماء بعض شهود لفيف التصرف أو ممن تم الاستماع إليهم خلال المعاينة للجماعة السلالية أو كونهم من المستفيدين من أرض الجموع لا يضير في شهادتهم بالصبغة الجماعية لأرض النزاع ، لأنهم من جهة لم يشهدوا لأنفسهم وإنما شهدوا للجماعة السلالية التي لها شخصية مستقلة عن ذويها بما فيهم نائبها أو نوابها ، و خصها المشرع بمركز قانوني مستقل عن ذاتية مكونيه من ذوي حقوق الجماعة ، في إطار مقتضيات ظهير 23/05/1916 ومن جهة أخرى فهم أكثر اطلاعا على واقع الأرض وطبيعة التصرف فيها من غيرهم بحكم معرفتهم بأدق تفاصيل استغلال العقار المدعى فيه ،

الأمر الذي تبقى معه الدفوع المثار بهذا الخصوص على غير أساس و يتعين لذلك ردها، وعليه و طالما أن الأملاك الجماعية لا يجوز التصرف فيها بأي وجه من أوجه التصرف الناقلة للمكية خارج الحالات الحصرية المنصوص عليها في الفصل 11 من الظهير أعلاه والتي لا يندرج عقد البيع المستدل بن من طرف المدعي، و أن مقتضيات البطلان من صميم النظام العام التي يتعين على المحكمة التصريح به كلما تبين لها توافر موجباته كما في نازلة الحال ، عملا بأحكام الفصل 306 من قانون الالتزامات و العقود، فإنه واعتبارا له وجب التصريح ببطلان رسم الشراء العدلي المبرم بين المدعي و وكيله و المضمن أصله بعدد 525 صحيفة 365 سجل الأملاك رقم 31 و تاريخ 10/02/2010 .

القاعدة الثامنة :جواز الاستماع لأهل الجماعة في شأن الطابع الجماعي :

المبدأ يقضي آلا يستفيد الخصم من حجة صنعها لنفسه ليلزم بها غيره ، غير ان اعمال هذا المبدأ في نطاق الاملاك الجماعية فيه خرق للقانون ولوسائل إثبات الطابع الجماعي للعقار،لكون هذا المنطق يجرد شهادة أفراد الجماعة من كل حجية قانونية في إثبات الطابع الجماعي،مما سيؤدي إلى انهيار مفهوم أراضي الجماعات السلالية والقضاء عليها نهائيا من خريطة العقارات بالمغرب ،لأن الشهود المقيمون في الجماعة وفقا لهذا التصور الخاطئ لا يحق لهم الشهادة بشأن طبيعة الأرض وخصائصها ومميزاتها لأنهم يشهدون لأنفسهم ،كما أن الشهود المقيمين خارج الجماعة لا يحق لهم الشهادة بشأنها لأنهم غريبين عنها ولا يعرفون لا أحوالها و لا أصلها ولا فصلها،وهذا المنطق فيه ما ينبئ عن قصور واضح في التفسير وجهل بأحكام القانون ،

والحال إنه ليس في القانون ولا في الفقه ولا في القضاء من جعل من موانع الشهادة ومبطلاتها في الأراضي الجماعية ركن الانتماء لها أو الإقامة فيها ،لأن الشهود هنا لا يشهدون لأنفسهم ،وإنما يشهدون للجماعات السلالية التي لها شخصية مستقلة عن ذويها بما فيهم نائبها أو نوابها ، و خصها المشرع بمركز قانوني مستقل، عن ذاتية مكونيه من ذوي حقوق الجماعة ، وتتمتع بشخصية معنوية وحقوقية مستقلة عنهم استقلالا كليا ، وقد خصها المشرع بترسانة من القوانين من اجل تنظيم تدبير ممتلكاتها والحفاظ عليها كما فرض عليها بالمقابل وصاية على كل تصرفاتها عهد بها إلى مجلس الوصاية الذي اسند رئاسته للسيد وزير الداخلية [27]، كل ذلك في إطار أحكام ظهير 27 ابريل 1919 كما وقع تعديله وتتميمه .

التأكيد القضائي : ذهبت محكمة في عديد القرارات الحديثة الصادر عنها هذا المنحى و من ذلك على سبيل المثال لا الحصر :

الPقرار الصادر تحت عدد 293/1 المؤرخ في 12/5/2015 ملف مدني عدد 5679/1/1/2014 و الذي جاء فيه ما يلي ” إن انتماء بعض شهود الاستمرار أو ممن تم الاستماع إليهم خلال المعاينة للجماعة السلالية أو كونهم من المستفيدين من أرض الجموع لا يضير في شهادتهم بالصبغة الجماعية لأرض النزاع ،لأنهم من جهة لم يشهدوا لأنفسهم وإنما شهدوا للجماعة ،ومن جهة أخرى فهم أكثر اطلاعا على واقع الأرض وطبيعة التصرف فيها من غيرهم ”

القاعدة التاسعة : عدم اعتبار إقرار نائب الجماعة السلالية بنفي الصبغة الجماعية عن ارض النزاع

الأصل أن الإقرار حجة قاطعة ليس فقط على صاحبه و إنما حتى على خلف وورثته من بعده وفق ما تنص عليه أحكام الفصل 410 من قانون الالتزامات و العقود ، و بصدره عن احد أطراف النزاع تكون الخصومة القضائية منتهية و يتعين الحكم لفائدة من صدر لمصلحته ، غير أن هذا الأصل يجد له استثناء في مجال نزاعات أراضي الجموع .

كثيرة هي الحالات التي يحضر فيها نائب الجماعة السلالية إلى إجراءات التحقيق التي تأمر ربها محاكم الموضوع وخاصة المعاينات القضائية ، و أثناء إجراءات البحث يقر النائب الحاضر بكون ارض النزاع لا تدخل ضمن الوعاء العقاري للجماعة السلالية المتعرضة او يقبل التعرض المنصب على مطلب التحفيظ او التحديد الإداري الخاص بها فما هو يا ترى التكييف الصحيح لما يصدر عن النائب من تصريحات نافية للصيغة الجماعية ؟

لقد اشترط القضاء لإعمال الإقرار الصادر عن نائب الجماعة السلالية بنفي الصبغة الجماعية عن ارض النزاع أو قبول التعرض المنصب على مطلب التحفيظ او التحديد الإداري صدور إذن من الجهة الوصية على تلك الأملاك و في غيبها يبقى الإقرار في حكم العدم لا عبرة به ، و في هذا الإطار جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي ر: “

حيث ان تصريح نائب الجماعة،وان كان يخضع في تقديره لسلطة المحكمة، فان ذلك لا يبرر صرف النظر عن تطبيق رسم الاستمرار سند المتعرضة في التعرض على المدعى فيه،واتخاذ كافة التدابير التكميلية للتحقيق بشان هذا الانطباق عملا بحكام الفصل 43 من ظهير التحفيظ العقاري كما عدل و تمم بالقانون 07-14 وان تصريح نائب الجماعة بكون الأرض ليست جماعة او ان الرسم المعتمد في التعرض لا يتعلق باي ارض جماعية، وتأكيد ذلك بشهود عمل على إحضارهم و بمبادرة منه،يعد بمثابة تنازل عن التعرض على مطلب التحفيظ يقتضي الاذن من وزير الداخية عملا بالفصل 5 من ظهير 27/04/1919، الأمر الذي يكون معه القرار المطعون فيه غير مرتكز على أساس قانوني .

القرار عدد 412/8 بتاريخ 30/06/2015 في الملف المدني رقم 6352/1/8/2014 .

القرار عدد 687/1 بتاريخ 29/12/2015 في الملف المدني 5825/1/1/2014.

وجاء في قرار اخر ما يلي ” حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار ، ذلك انه استبعد حجتها بعلة ان المحكمة وفي اطار البحث و التحقيق أجرت معاينة على ارض النزاع قام بها القاضي المقرر ، وبعد استفساره لنائب الجماعة محمد بن عبد الرحمان الزفري الحاضر بعين المكان حول حجته ومواجهته بقرار السيد عامل الإقليم تراجع عن أقواله وصرح للمحكمة ان ارض المطلب ليست أرضا جماعية و إنما هي في ملكية الأخوين محمد البدال …..”.

في حين ان الطاعنة مادامت قد أدلت باللفيف عدد 287 الذي يشهد شهوده بالصبغة الجماعية للمدعى فيه ، فان المحكمة كان عليها، فيما إذا رأت خلاف ما أفاده الموجب – أن تتخذ التدابير التكميلية للتحقيق بالاستماع الى الشهود والبحث بعين المكان للتأكد من صحة او عدم صحة الصبغة الجماعية المشهود بها ، خاصة وان النائب الذي اعتمد القرار تصريحه بنفي الصبغة الجماعية عن المدعى فيه هو نفسه الذي تعرض بالنيابة عن الطاعنة ضد مطلب التحفيظ عبى محل النزاع وهو ما يؤكد ضرورة البحث الذي لم يتم في النازلة وفق ما ذكر ، فجاء القرار بذلك ناقص التعليل المنزل منزلة انعدامه ، ومعرضا للنقض والإبطال “.

Pقرار عدد 5467 بتاريخ 13/12/2011 في الملف عدد 2511-1-1-2010 غير منشور

القاعدة العاشرة : التصرف في الأرض الجماعية بالغرس والبناء لا ينفي عنها صبغتها الجماعية لأن التحقيق يجب أن يشمل وضعها الأصلي :

كثيرا ما تتعرض الأملاك الجماعية لعملية تغيير كلي او شبه كلي تشمل وضعيتها المادية بسبب أعمال التصرف المادي الذي يباشرها الحائز المادي للعقار الجماعي و ذلك بتشييد بناءات او أغراس او غيرها من المظاهر العامة للعيش ، بشكل يترتب عنه إزالة معالمها الطبيعية مما يطرح التساؤل حول تأثير ذلك على الملك الجماعي ، نقول في هذا الإطار ان تلك البناءات و الاغراس ومهما طالت وكيفما كانت لا تنتج أي أثر على الملك الجماعي كما هو ثابت قانونا وفقا لأحكام المادة 261 من مدونة الحقوق العينية والمادة الرابعة من ظهير 27 ابريل 1919،

مما يجعل من أعمال البناء غير ذي عبرة و لا يمكن ان تعد سندا قانونيا لنفي الصبغة الجماعية وهو ما أكد عليه القرار الصادر عن محكمة النقض الحديث على نازلة مماثلة احتج صاحبها بالبناء على الأرض الجماعية، الصادر بتاريخ 10/06/2014 في الملف عدد 886/1/7/ 2013 تحت عدد 326/1 جاء تعليله كالآتي:

” في حين أن انطباق رسم ملكية المطلوب على المدعى فيه، ووجود أبنية به وعدم إدلاء الجماعة برسم ملكيتها لا تكفي لرد دفع الجماعة السلالية بكون الأرض جماعية، وإنما يجب البحث في بعين المكان عن طبيعة الأرض، وما يجاورها من أراضي والاستماع للشهود بخصوص وجه الاستعمال، وكيفيته ماضيا وهو ما لم تحققه المعاينة الابتدائية المعتمدة في القرار، التي اكتفت بالاستماع للطرفين، وبتطبيق رسم ملكية المطلوب، والإشهاد بوجود مباني في الملك، والحال أن رسم الملكية المعتمد في التحفيظ لم يرفق بما يفيد أن الأرض غير جماعية، فكان تعليل القرار ناقصا مما يعرضه للنقض والإبطال.

وبالنتيجة :

فان استغلال الأملاك الجماعية ليس من الضروري ان يكون دائما بالرعي والحرث ، وهو وضع يفرض على القضاء عند انجازه المعاينات القضائية كما أسلفنا القول ، ان لا يهتم بالاستغلاليات المنجز على الأملاك الجماعية من خصوم الجماعات أو الغير أو من ذوي حقوقها بالغرس والبناء وحفر الآباروالتسييج وغير ذلك من أعمال التصرف المادي، عليه ان يكون حذرا ويعمل كما أسلفنا القول على البحث عن أصل العقار وحالته الطبيعية قبل تغيير حالته، إعمالا للمادة 261 من مدونة الحقوق العينية والمادة الرابعة من ظهير 27 ابريل 1919 ، ذلك ان مقتضيات الظهير الأخير انما شرعت لحماية الأملاك الجماعية و ليس لإثباتها ، ولذلك يجب البحث في واقع الحيازة عن طريق الاستماع الى الشهود قبل صدور الظهير المذكور لكون الواقع العملي اثبت وجود ملكيات انجزت قبل صدور الظهير .

القاعدة الحادية عشرة : المساواة في الإثبات بين الجماعات السلالية وإدارة المياه والغابات :لا مجال لأفضلية القرينة الغابوية لأحدهما عن الآخر

قاعدة اساسية : كثيرا ما يقع الخلط لدى بعض الممارسين بين النظام الغابوي و الملك الغابوي و الحال ان الفرق بين بينهما ، ذلك ان ظهير 10/10/1917 كما وقع تعديله وتتميمه بمقتضى ظهير 17/04/1959 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 2427 بتاريخ 01/05/1959 والذي عوض مقتضيات الجزء الأول من ظهير10/10/1917، يتعلق بالنظام الغابوي ، الذي هو مجموع من الضوابط والآليات لحماية الملك الغابوي وتنظيم استغلاله والإشراف عليه وتحديد الجهة المنوط لها القيام بذلك ، فهو لا يؤسس لحق ملكية الغابات لفائدة إدارة المياه والغابات بل هو نظام لتدبير والصيانة جميع أنماط الغابات المنصوص عليها به كيفما كانت طبيعة نبتها، سواء كانت جماعية أو غابوية ،

في حين ان الفصل الأول من ظهير 10/10/1917 كما وقع تعديله وتتميمه نص على ملكية الجماعات السلالية للغابات الطبيعية النبت إلى جانب ملكية الدولة للغابات الطبيعية النبت وان ملكيتها مفترض لهما معا على قد المساواة ، و الخلاصة هي ان جميع أنماط الغابات تخضع للنظام الغابوي ويقع تدبيرها طبقا لظهير 10/ 10/1917 بما فيها الغابات المملوكة للجماعية السلالية إلى جانب الغابات المملوكة للدولة بغض النظر عن طبيعة نبتها هل هي طبيعية النبت أم مشجرة ، ومن تم فإن ادارة المياه والغابات متى كانت متعرضة يجب ان تثبت تعرضها بموجب قانوني مقبول ،

لا يكفيها التمسك بالقرينة القانونية البسيطة القابلة لإثبات العكس المقررة بموجب الفصل الأول من ظهير 10/10/1917 وهو الامر الذي اكدته محكمة النقض في قرار حديث :

القرار عدد 689/8 صادر بتاريخ 15/02/2015 في الملف المدني عدد 3323/1/8/15 الذي جاء تعليله كالآتي:

” لكن، ردا على الوسيلتين معا لتداخلهما، فإن لا مجال لتمسك الطاعنة بشروعها في تحديد الغابة الواقع بها عقار النزاع، لأنه بمقتضى الفصل الثامن من ظهير 02/01/1916 الذي سن المقتضيات القانونية المنظمة لتحديد أملاك الدولة، فإن الأثر التطهيري لمسطرة التحديد الإداري لا ينتج عن مجرد الإعلان عنها وسريان إجراءاتها، وإنما بانتهائها والمصادقة عليها بموجب مرسوم وزيري يتم نشره بالجريدة الرسمية، وأن الطاعنة تقر بموجب عريضة النقض بأن إجراءات التحديد الإداري للغابة الواقع بها محل النزاع لا زالت جارية، وقد ثبت للمحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه من خلال المعاينة أن العقار محل النزاع مستغل من طرف الجماعة طالبة التحفيظ بالرعي وجمع الحطب، وأن الطاعنة وباعتبارها متعرضة لم تثبت تملكها له،

وأنه لا يكفيها التمسك بالقرينة القانونية المقررة بموجب الفصل الأول من ظهير 10/10/1917، لأن القرينة المذكورة تعتبر قرينة بسيطة يمكن إثبات ما يخالفها، خاصة أن ظهير 10/10/1917 كما وقع تعديله وتتميمه بالظهير الشريف رقم 1.58.382 الصادر بتاريخ 17/04/1959 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 2427 بتاريخ 01/05/1959 نص في فصله الأول على أن غابات الجماعات القابلة للتهيئة والاستغلال بصفة منتظمة هي من ضمن الأملاك الخاضعة للنظام الغابوية التي يقع تدبيرها طبقا للظهير المذكور، ويكون بذلك قد سلم بإمكانية تملك الجماعات السلالية لهذا النوع من الغابات، وبالتالي فإن كون الأرض طبيعية النبت مظهر يمكنه أن تتقاسمه الأملاك الغابوية التابعة للمياه والغابات وتلك التابعة للجماعات السلالية، ولذلك فإن المحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه ولما لها من سلطة في تقديير الأدلة واستخلاص قضائها منها، فإنها حين عللت قرارها بأن:

(قرينة وجود أعشاب غابوية النبت المتمسك بها من طرف المستأنف عليها ليست قرينة قانونية قاطعة على أنها ملكا غابويا للدولة، لأن الغابة قد تكون ملكا للدولة وقد تكون ملكا للجماعة السلالية، كما أنه لا إمكانية للاحتجاج بالمرسوم رقم 2/99/82 الصادر بتاريخ 18/02/1999 الرامي إلى تحديد القسم الغابوي بني مسعود التابع للغابة المخزنية المسماة (انجرة الشمالية) لأنه ولترتيب ظهير 02/01/1916 يتعين إثبات استفتاء الإجراءات الشكلية المنصوص عليها في المواد الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة منه، وأن طالبة التحفيظ هي الحائزة للمدعى فيه وتتصرف فيه بالرعي والحطب، وأدلت برسم ملكيتها له عدد 31 المستوف لشروط الملك “، فإنه نتيجة لما ذكر يكون القرار معللا والوسيلتين غير جديرتين بالاعتبار “.

_القرار الصادر تحت عدد 350/08 بتاريخ 18/06/2013 في الملف المدني 5126/1/8/2012 جاء تعليله كالآتي :

” حيث صح ما عابه الطاعنان على القرار، ذلك أنه اقتصر في تعليل قضائه على ما ورد في الوسيلة أعلاه وعلى أن الحيازة والاستغلال للملك الغابوي لا يكسب الحائز والمستغل صفة المالك، لأن الملك الغابوي غير محظور على الجماعات الواقع بدائرتها استغلاله بالحطب والرعي على شرط الحفاظ عليه وعدم الإضرار به، في حين أن الظهير رقم 1.58.382 الصادر بتاريخ 17/04/1959 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 2427 بتاريخ 01/05/1959 والذي عوض مقتضيات الجزء الأول من ظهير 10/10/1917 قد نص في فصله الأول على أن غابات الجماعات هي من ضمن الأملاك الخاضعة للنظام الغابوي والتي يقع تدبيرها طبقا للظهير المذكور، وأنه بذلك يكون قد سلم بوجود هذا النوع من الغابات في ملكية الجماعات السلالية بصرف النظر عن طبيعة نبت أشجارها، وأن القرار لم يبين الشروط التي تنقص الملكية المستدل بها من الطاعنة حتى تتمكن محكمة النقض من بسط رقابتها الأمر الذي يكون معه القرار ناقص التعليل المنزل منزلة انعدامه وخارقا لمقتضى المحتج به وجاء بالتالي معرضا للإبطال “.

خاتمــــــــــــــــــــــة :

لقد حاولنا على امتداد صفحات هذه المداخلات المتواضعة و المختصرة أن نعرض إلى أهم القواعد و الضوابط التي اقرتها محكمة انقض في باب تكريس ان موضوع الارض الجماعية يتعدى الحديث عن ماهية الأرض إلى نمط حياة أصيل حمايته وتطويره وتدعيمه، ولذلك يعد حماية للتراث الإنساني المغربي ومقومات وجوده التاريخية والاجتماعية والثقافية ،ونظرا لما تكتسي الأراضي الجماعية من أهمية إن على مستوى النشاط الاقتصادي الوطني او على مستوى الأوضاع الاجتماعية لشريحة كبيرة من المواطنين الحماية القضائية المقررة للأملاك الجماعية من زاويتها المدنية دون البحث الجانب الزجزي ،الذي ارتأينا عدم البحث فيه لوجود اهل الاختصاص معنا وهي قواعد تبقى قابلة للتطور باستمرار بحسب اجتهاد الفقه و مذكرات الدفاع ومقررات القضاء ،

باعتبار الاجتهاد القضائي منتوج متكامل يساهم فيه جمع أطراف العملية القضائية وفقا للمنظور الدستوري المتمثل في حماية الحقوق والحريات وصون الأمن القانوني والقضائي ، وذلك باستحضار الجميع دائما وابدأ للطبيعة القانونية للأرض الجماعية و استيعاب و فهم وسائل اثبات صفتها الجماعية ، و هو امر ليس بالعسير متى كانت الارادة وسعة الصدر لدى الجميع ،

و استحضار المعيقات الميدانية المستمرة التي يعانيها ذوي الحقوق في التنقل و الحضور للجلسات و المعاينات الى غير ذلك من المعيقات الواقعية التي لا محال تؤثر على استمرارية الاملاك الجماعية والأمر كله ليس سوى محاولة للاقتراب من موضوع يعاني من تعقيدات عملية ومن إكراهات كبيرة يجعل من ادعاء ملامساته بشكل كامل لا يتعدى المغامرة بالقول، ومن هذا المنبر يجب توجيه تحية تقدير كبيرة لوزارة الداخلية التي ساهمت بقسط وافر ومجهودات جبارة التي لولاها لاندثر الملك الجماعي بالمغرب أو جزء كبير من وعائه ، و اذ اوكد للجميع إن الثروة الجماعية باعتبارها ثروة وطنية يجب أن تتم بعمل تشاركي وتكاملي بين الجهة الوصية وزارة الداخلية والقضاء بمكونيه الواقف والجالس والمجتمع المدني وذوي الحقوق وكل من لهم صلة بالموضوع بتبني مبدأ واحد أن حماية الأرض الجماعية وتتميمها يعد أحد المداخل الكبرى لتنمية الوطن والمواطنين ، و السلام عليكم ورحمة الله و تعالى وبركاته .

انتهى بحمد الله تعالى وحسن توفيقه

والله من وراء القصد وهو المستعان

———————————————————————–

[1] – المداخلة في أصلها محاولة بسيطة لوضع الباحث و الممارس في مجال الحقل القانوني عموما و الأملاك الجماعية على وجه الخصوص عند أهم القواعد الأصيلة لمحكمة النقض التي تجسد القواعد المسطرية و الموضوعية الضابطة للنزاعات الجماعية في المادة العقارية ، و ذلك من خلال وضع القاعدة و الانتهاء الى مؤيداته القانونية و الفقهية ، على أن نخصص الجزء الثاني من المداخلة للحماية الجنائية للأملاك الجماعية من خلال اهم المساطر المعروضة امام القضاء ويتعلق الامر بجنحة انتزاع الحيازة العقارية و جنحة التصرف في اموال غير قابلة للتفويت .

[2] – الاملاك الجماعية، او اراضي الجموع، او الاراضي السلالية او اراضي الجماعات الاصلية، او اراضي الجماعات الاهلية، هي ” اراضي تملكها جماعات سلالية، اما في شكل “دواوير” أو “فخدات” أو “قبائل” أو “عائلات” اصبحث حقوق الفرد فيها غير متميزة عن حقوق الجماعة ”

-استاذنا محمد خيري،العقار و قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي،مطبعة المعارف الجديدة،الرباط،طبعة 2014 ص 79 وما يليها.

وفي نفس المنحى ذهب الاستاذ محمد الصوالحي ، حيث عرفها بكونها ” الاراضي المخصصة منفعتها للجماعات للتصرف فيها بالحرث و رعي المواشي،او الكراء للغير بواسطة مندوبيها تحت وصايى وزارة الداخلية تبعا للاعراف المحلية و عائدات القبائل الموجودة بها طبقا لمجموعة من الظهائر المنظمة لها ”

– نظام اراضي الجموع بالمغرب، منشور منشور بمجلة ” المحامون ” التي تصدر عن هيأة المحامين بأسفي عدد 3،عدد خاص بندوة العقار السنة الثانية 1993، ص 21

وعرفهاPaul Decroux ، بأنها ” اراضي قروية تملكها جماعات اثنية،و يصعب بالتالي تحديد حقوق الفرد فيها من بين حقوق الجماعة أي ان الحقوق فيها مشاعة، وتسند رئاسة تسييرها لمجموعة رؤساء العائلات، المشكلة للجماعات القبلية في اطار يطلق عليه ” مجلس الجماعة “.

Paul Decroux : Droit foncier marocain, Imprimeie El Maarif Al jadida Rabat, édition la porte, Rabat, 1977, p.463 .

[3] – ان تحديد الفترة الزمنية التي ظهر فيها نظام الاملاك الجماعية ، ظل محل جدال فقهي متباين الفروض و الاتجاهات ، وهكذا نجد ان Albert GUILLAUME في مؤلفه La Propriete Collective” au Maroc ” الملكية الجماعية ” يؤكد على ان التملك الجماعي للأرض كان هو السمة الغالبة على هذه المناطق ، وان اصل الملكية القبلية الجماعية يرجع الى ما قبل الاسلام ، فلا وجود لها في القرآن الكريم ، او الحديث النبوي الشريف ، ولا حتى المذهب المالكي، وعلى النقيض من ذلك يرى البعض ان نظام اراضي الجموع هو نوع من الاراضي الموات التي يعود مصدره للفقه الاسلامي .

وفي اعتقادي المتواضع ان ذهب اليه انصار الاتجاه الثاني يبقى محل لنظر لعدة اعتبارات، اهمها ان الفقه الاسلامي لم يعرف إلا ثلاثة انواع من الملكية فحسب وهي : الملكية الخاصة،والملك الحبسي،و الارضي الموات وهي الانماط التي اشار اليها الفقيه ابو الحسن الماوردي في كتابه ” الاحكام السلطانية .

انظر للمزيد من الايضاح بشان هذه الاتجاهات :

-استاذنا محمد خيري : مرجع سابق، ص 79 وما يليها و انظر في نفس الاطار مقاله :

اراضي الجموع بيت الاستمرارية و الزوال، منشور بمجلة ” المحامون ” التي تصدر عن هيأة المحامين بأسفي عدد 3،عدد خاص بندوة العقار السنة الثانية 1993 ص 35.

– استاذنا عبد الكريم الطالب،العرف في القانون المدني المغربي،التأصيل النظري و الواقع العملي،مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء،الطبعة الاولى شتنبر 2015،الصفحة 67 وما يليها.

-محمد الصوالحي، نظام اراضي الجموع بالمغرب، منشور منشور بمجلة ” المحامون ” التي تصدر عن هيأة المحامين بأسفي عدد 3،عدد خاص بندوة العقار السنة الثانية 1993، ص 21.

– Albert GUILLAUME , La Propriete Collective au Maroc,Edition la porte , rabat 1960 .pp.14 et 18 .

– عبد الوهاب رافع،اراضي الجموع بين التنظيم و الوصاية،سلسلة المكتبة القانونية المعاصرة،المطبعة و الوراقة الوطنية مراكش،الطبعة الاولى 1999،ص16 وما يليها.

عبد الكريم بالزاغ :اراضي الجموع ، محاولة لدارسة بنيتها السياسية و الاجتماعية و دورها في التنمية ، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الاولى 1998 ص 16 و ما يليها .

[4] – يرى بعض الباحثين ان اهمية الملكية ترتب عنه شيوعية في الميدان الفلاحي، حيث كانت تقسم ثمار الارض الناتج عن عمل الجميع بين افراد المجموعة، او توزيع الارض بين العائلات بصفة وقتية، و كتم ذلك عاملا على المساواة و اقتسام المحاصيل حافزا على التكتل و التعاون حتى اصيبت شمال افريقيا بويلات الاستعمار من فنيقين، و قرطاجيين، و رومان، و نذال، و بيزنطين، فبسط الاستعمار نفوذه على الاراضي الخصبة منتزعا اياها بالقوة، وهكذا ظهرت الملكية الفكرية التي ساعدت على التفاوت في الثرورات.

محمد الصغير، التطور التاريخي لأراضي الجموع، حمايتها، التحديد الإداري و التحفيظ العقاري ، منشورات مجلة الحقوق المغربية، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، الطبعة الثانية 2012، ص23 .

ولإشارة فان نظام الانتفاع بعائدات الأراضي الجماعية الفلاحية لازالت قائما الى غاية الان هذا في عديد المناطق المغربية، من قبيل الجماعة السلالية لكعابة التابعة للجماعة الترابية لتزولين، إقليم زاكورة، بخصوص توزيع غلة الشعير التي يتم حصادها سنويا في إحدى القطع الأرضية الفلاحية البورية المتواجدة بالفيجة ، بشكل جماعي و متساو بين أرباب العائلات بحسب عدد الصيام أي الأبناء المتزوجين .

[5] – على سبيل البيان ، فإن المساحة الاجمالية لأراضي الجموع بالمغرب تبلغ حوالي 14651714 هكتار تكاد تغطي مختلف جهات المملكة الشريفة، بحيث تشمل 60 إقليما وعمالة من أصل 75 إقليم وعمالة، وتأتي جهة الشرق في صدارة الجهات الأكثر مساحة بحوالي 4943363 هكتارا، تليها في المرتبة الثانية جهة درعة – تافيلالت بحوالي 4656083 هكتارا ،

وتبقى جهة كلميم واد نون اقل الجهات شمولية لهذا الصنف من الأملاك العقارية بمساحة إجمالية لا تتعدى 10000.00 هكتار تقريبا، وتنتفع من تلك الاملاك ساكنة تقدر حوالي 10 ملايين نسمة، موزعة على 4600 جماعة سلالية يمثلها 8000 نائب ونائبة سلالية وهي أراضي يستغل الجزء الكبير منها في النشاط الفلاحي، اذ تمثل حوالي 46.1% من مجموع الأراضي الفلاحية بالمغرب، في حين يبقى الجزء الأخر مخصص للرعي، أو للاستثمار، بنسب قليلة وهي موجهة أساسا للتنمية الاقتصادية وعلى الخصوص لاستغلال المقالع والمعادن والاستغلال الفلاحي للمساهمة في انجاز مشاريع تدخل ضمن مخطط المغرب الأخضر أو الاستغلال الغابوي والنباتات العطرية أو الاستغلال لأغراض تجارية أو صناعية أو سياحية ، وبذلك أصبحت تشكل في عديد من المناطق المغربية ، القاطرة الاساسية لتحقيق النمو ، وتوسيع وعاء المراكز الحضرية ، والقروية ، وتوطيد الاستثمارات ، والمشاريع التنموية.

– للمزيد من التفصيل يراجع موقع مديرية الشؤون القروية بوزارة الداخلية على الانترنيت.

[6] – تنص مقتضيات الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 4 من الظهير الشريف المؤرخ في 26 رجب 1337 الوافق ل 27/4/1919 كما تم تتميمه وتعديله، بموجب الظهير الشريف رقم 1.62.179 المؤرخ في 12 رمضان 1382 الموافق ل 6 فبراير 1963 بشأن تنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات وضبط تدبير شؤون الأملاك الجماعية وتفويتها على ما يلي : ” وتؤهل جمعية المندوبين لتوزيع الانتفاع بصفة مؤقتة بين أعضاء الجماعة حسب الأعراف وتعليمات الوصاية.

ويمكن أن تكون هذه الأراضي بناء على طلب جمعية المندوبين أو مقرر في مجلس الوصاية موضوع تقسيم يعطى بموجبه لكل رب عائلة من العشيرة حق دائم في الانتفاع ضمن الكيفيات والشروط المحددة بموجب مرسوم، وأن هذا الحق غير قابل للتقادم ولا يمكن تفويته أو حجزه إلا لفائدة الجماعة نفسها، ويجوز تبادل القطع المجزأة بين المستفيدين منها، غير أن كرائها أو الاشتراك فيها لمدة أقصاها سنتان فلاحيتان بين المستفيدين منها فقط يتوقف على إذن جمعية المندوبين”

وقد ترتب عن عدم التنصيص الدقيق على المقصود بذي حق أو الشروط الواجبة لاكتساب هذه الصفة إلى عدم إمكانية وضع لوائح أعضاء الجماعة السلالية او اختلاف توزيع الانتفاع بصفة مؤقتة بين أعضاء الجماعات السلالية بيت القبائل بشان تحديد الفئات المنتفعة من الأملاك الجماعية، الشيء حتم على الوصاية التدخل لمحاولة وضع معايير و ضوابط بشان توزيع الانتفاع بين افراد الجماعات، بموجب الضابط عدد 2977 الصادر بتاريخ 13 نونبر 1957 سمي بضابط تقسيم الاراضي الجماعية و ذلك بهدف ازالة اللبس و الغموض الذي يعتري ظهير 27/04/1919 حول تقسيم الاملاك الجماعية ،

وهو الأخر افرز وضعا شدا مؤداه ان الحق في الاستفادة و الانتفاع من الاملاك الجماعية يثبت لأرباب العائلات المتزوجين منذ سنة اشهر على الاقل أو ارامل اعضاء الجماعة اللائي لهن ولد واحد ذكر على الأقل، اضافة الى الموظفين و العسكرين الذين تركوا بالقبيلة اقارب تحت كفالتهم بعد ضمان المقدار الحيوي الادنى لرؤساء العائلات الذكور المقيمين بصفة دائمة ،

وحرمان الارامل اللائي انجبن الانات يتم حرمانهن من الانتفاع ، و حرمان المرأة السلالية بالمرة من الانتفاع تأصيلا أو عن طريق الارث،في مخالفة صريحة للشريعة الإسلامية، و الاتفاقات الدولية للقضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة التي صادق عليها المغرب سنة 1993، فضلا عن حرمان الاجانب عن القبيلة و الذكور غير المتزوجين رغم بلوغهم سن الرشد القانوني ، الا ان الوضع تغير حاليا بشان المراة السلالية بعد ان استفتت وزارة الداخلية المجلس العلمى الأعلى حول وضع المرأة داخل الجماعات السلالية وحرمانها الاستفادة من التعويضات المادية التي يستفيدها الرجل إثر العمليات العقارية التي تجري على بعض الأراضي الجماعية.

وكان حول جواب المجلس بفتوى شرعية بتاريخ 18 ماي 2010 خلصت إلى تقرير حق المرأة في الجماعات السلالية في أن تستفيد كما يستفيد الرجل من الانتفاع بالأراضي الجماعية ومنتوجها داخل الأسرة والجماعة، خلال حصول الانتفاع بها، ومن كل تقسيم للمنفعة إذا حصل تقسيم فيها، ومن العائدات المالية التي تحصل عليها الجماعة إثر العمليات العقارية التي تجري على الأراضي الجماعية، عقب ذلك أصدرت وزارة الداخلية دورية في الموضوع تحت عدد 60 بتاريخ 25 اكتوبر بعنوان “استفادة النساء من التعويضات المادية والعينية التي تحصل عليها الجماعات السلالية” وقد حثت الدورية على ضرورة إدراج العنصر النسوي في لوائح ذوي الحقوق المستفيدين من التعويضات المذكورة ،

تماشيا مع الطفرة الحقوقية التي تعرفها المملكة في مجال المناصفة بين الرجل والمرأة ، ونظرا لعدم كفاية دورية سنة 2010 أصدرت الوزارية الوصية على الأملاك الجماعية دورية اخرى اتحت عدد 17 بتاريخ 30 مارس 2012 تحت عنوان: “تمتيع العنصر النسوي بحقوق الانتفاع العائدة لأفراد الجماعات السلالية”.

وقد أشارت الدورية فيي مضامينها على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ومقتضيات دستور سنة 2011، ومبادئ المساواة والمناصفة التي ترسخت في المملكة ،ونصت على أنه يجب العمل على تمتيع العنصر النسوي بحقوق الانتفاع العائدة لأفراد الجماعات السلالية وذلك في حالة توزيع الحصص الأرضية وفي حالة توزيع عائدات الملك الجماعي ، و ذلك تقرير حق المراة السلالية في الاستفادة على غرار الرجل السلالي من المنافع المادة و العينية التي تحصل عليها الجماعات السلالية جراء العمليات العقارية التي تجرى على بعض الأملاك الجماعية من بيع و كراء و غيره ، و الأمل معقدو على إن يتعاطى الجميع رجال سلطة و أفراد جماعات سلالية و مجتمع مدني و حقوقي من الدوريات المذكورة بشكل من الإيجابية بعيدة عن منطق الترابية الاجتماعية و النظرة الدونية للمرأة .

-انظر للمزيد من الاطلاع بشان السياق التاريخي لوضعية المرأة السلالية : حياة اليوسفي ، الوضعية الحقوقية و القانونية للمرأة السلالية .

[7] – القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية من اجل المنفعة العامة و الاحتلال المؤقت المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3586 بتاريخ 3 رمضان 1403 الموافق ل 15 يونيو 1983، صفحة 980 تم تعديله بالقانونين التاليين:

القانون رقم 58.11 المتعلق بمحكمة النقض، المغير بموجبه الظهير الشريف رقم 1.57.223 الصادر في 2 ربيع الأول 1377 (27 سبتمبر 1957) بشأن المجلس الأعلى، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.170 بتاريخ 27 من ذي القعدة 1432 (25 أكتوبر 2011)؛ الجريدة الرسمية عدد 5989 مكرر بتاريخ 28 ذو القعدة 1432 (26 أكتوبر 2011)، ص 5228؛

القانون رقم 41.90 المحدث بموجبه محاكم إدارية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.91.225 الصادر في 22 من ربيع الأول 1414 (10 سبتمبر 1993)؛ الجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ 18 جمادى الأولى 1414 ( 3 نوفمبر 1993)، ص 2168.
الاصل في الاملاك الجماعية انها لا تقبل التفويت استنادا الى مقتضيات الفصل الرابع من ظهير 27 ابريل 1919، كما تم تعديله و تتميمه بظهير 06 فبراير1963 في فقرته الأولى و التي نصت على ما يلي: “إن الأراضي الجماعية غير قابلة للتقادم ولا للتفويت والحجز” ، غير ان هذا المنع القانوني ترد عليه استثناء نصت عليه مقتضيات الفصل 11 من الظهير أعلاه، بموجبه يمكن للجماعات السلالية تفويت حقها إما إلى جماعة سلالية أخرى، أو إلى الدولة، والجماعات المحلية، والمؤسسات العمومية، وذلك إما بالمراضاة حيث يتفق الأطراف معا على شروط التفويت والثمن إلى غير ذلك، وإما عن طريق نزع الملكية للمنفعة العامة.

[8] – اجازت مقتضيات الفصل السادس من ظهير 27 ابريل 1919، كما تم تعديله و تتميمه بظهير 06 فبراير1963 امكانية ابرام عقود كراء الاملاك الجماعية لفائدة الغير من اجل الاستغلال الفلاحي لمدة ثلاثة سنوات قابلة للتجديد بعد موافقة اسيد وزير الداخلية بصفته الوصي على الاراضي الجماعية ، اما كراء تلك الاملاك من اجل انجاز مشاريع تجارية، او صناعية، اوسكنية، او سياحية، او مقالع حجرية، او رملية، او من اجل البحث عن المعادن، فهي تبقى غير معنية بالمدة المذكورة ، اعتبارا لما يتطلب الاستثمار بشأنها من استقرار .

[9] – استنادا إلى ظهير 27 أبريل 1919 السالف الذكر كما وقع تعديله بتاريخ 28 يوليوز 1956 يعهد بالوصاية على الجماعات السلالية إلى وزير الداخلية، وقد اسندت المهمة عمليا لمديرية الشؤون القروية بعد ان كان قسما من الأقسام الإدارية التابعة لوزارة الداخلية، يدعى بقسم الأراضي الجماعية طبقا للفصل 10 من مرسوم 26 يناير 1976، غير أنه وبمقتضى المادة 35 من المرسوم بتاريخ 15 دجنبر 1997 في شأن اختصاص وتنظيم وزارة الداخلية، أصبح من اختصاص مديرية الشؤون القروية ممارسة الوصاية باسم وزير الداخلية على الجماعات السلالية، وكذا إدارة ممتلكاتها والمحافظة عليها والدفاع عن مصالحها وإعادة هيكلة الأراضي الجماعية ، وتشتمل هذه المديرية على أربعة أقسام وهي :

*قسم الأراضي الجماعية ؛

*قسم الشؤون العقارية ؛

*قسم التنمية القروية ؛

*قسم الشؤون العامة .

[10] – استنادا الى الضابط عدد 2977 الصادر بتاريخ 13 نونبر 1957 بشان تقسيم الاراضي الجماعية، فانه متى توفي احد افراد الجماعة المتمتع بنصيب معين من الاملاك الجماعية،فان حقه ينتقل الى زوجته و اولاده الذيم لم ينالوا نصيبا بعد، الا ان الحق المنتقل الى الورثة يبقى وجوبا مشاعا بينهم،و لا يخضع للقسمة البتية، اما اذا لم لم يكن للهالك اولاد او زوجة، فان النصيب الذي كان تحت يده يتم اعلانه فارغا، ويمنح لفرد اخر من الجماعة لا نصيب له،

وعلى النقيض من ذلك فان الاراضي الجماعية الواقعة ضمن دوائر الري و المقننة بموجب ظهير 25 يوليوز 1969، وضع الفصل الثامن منه مسطرة خاصة لانتقال الحصة الجماعية عقب وفاة المستفيذ منها تجنبا لكثرة الملاكين على الشياع، تقضي بانتقال الحصة المشاعة الى احد الورثة الذي يتم اختياره اما بالاتفاق مع باقي الورثة، او بتدخل من مجلس الوصاية، على ان يؤدي للورثة الاخرين قيمة حقوقهم.

[11] – القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.178 صادر في 25 من ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر 2011) المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 27 ذو الحجة 1432 (24 نوفمبر 2011)، ص 5587 كما تتميمه بالقانون رقم 22.13 ؛ المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6208 بتاريخ 24 محرم 1435 (28 نوفمبر 2013)، ص 7328.

– تنص مقتضيات المادة 261 من المدونة اعلاه على مايلي : لا تكتسب بالحيازة:

أملاك الدولة العامة والخاصة؛
الأملاك المحبسة ؛
أملاك الجماعات السلالية؛
أملاك الجماعات المحلية؛
العقارات المحفظة؛
الأملاك الأخرى المنصوص عليها صراحة في القانون.

[12] – لقد تنبهت الوزارة الوصية لأهمية انشاء رسوم التملك الخاصة بالعقارات الجماعية ، ولذلك وجه السيد وزير الداخلية دورية وزارية في الموضوع تحت عدد 33 بتاريخ 23/06/2016 عقب الندوة الوطنية المنظمة من طرف محكمة تيزنيت بمعية عديد الشركاء وعلى رأسهم مديرية الشؤون القروية بوازرة الداخلية يومي 22 و 23 ابريل 2016 يحث بموجبها السادة الولاة و العمال على الحرص على حماية الاملاك الجماعية من خلال انشاء رسوم الملكيات الخاصة بتلك الاملاك .

[13]– تتمتع الجماعية السلالية بشخصية معنوية مستقلة عن الافراد المنتمين اليها .

[14] – القانون رقم 58.11 المتعلق بمحكمة النقض، المغير بموجبه الظهير الشريف رقم 1.57.223 الصادر في 2 ربيع الأول 1377 (27 سبتمبر 1957) بشأن المجلس الأعلى، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.170 بتاريخ 27 من ذي القعدة 1432 (25 أكتوبر 2011)؛ الجريدة الرسمية عدد 5989 مكرر بتاريخ 28 ذو القعدة 1432 (26 أكتوبر 2011)، ص 5228 .

[15] – قرار عدد 222/8 صادر بتاريخ 19 ابريل 2016 في الملف المدني عدد 6525/1/8/2015 غير منشور .

[16] – وقد جاء في تعليلات القرار الاستئنافي الصادر عن محكمة الاستئناف بتطوان تحت عدد 170 بتاريخ 01/12/2014 في الملف العقاري عدد 54/1403/2013 ما يلي : ” وحيث تمسكت المستأنف عليها بأن الجماعة السلالية المستأنفة لا صفة لها في تقديم الاستئناف على أساس أن الحكم لمستأنف صدر في مواجهة المتعرضين سكان مدشر ترتكعلوا والمتعرض السيد عبد السلام مراون، ذلك تأسيسا على أن التعرض المدون على مطلب التحفيظ 12889/ط دم باسم سكان مدشر ترتكعلوا بتوقيعات شخصية من طرف بعض سكان كمتعرضين.

وحيث بالرجوع وثائق ملف المطلب خاصة شهادة التعرض يتبين أن التعرض المذكور قدم في اسم سكان مدشر ترتكعلوا باسماء شخصية و من طرف اشخاص ذاتتين حسب اللائحة المتضمنة لتوقيعاتهم، ومادام الامر كذلك فإن الجماعة السلالية تبقى صفتها في الاستئناف غير ثابثة سيما وان الحكم المستأنف صدر في مواجهة المتعرضين و ليس من بينهم الجماعة السلالية و يتعين التصريح بعدم قبول الاستئناف. ”

[17] – يراجع بشان البنية التاريخية لأراضي الجموع : محمد بزاع ، مرجع سابق ، ص 16 و ما يليها.

[18] – قرار عدد 594/8 بتاريخ 03/11/2015 في الملف المدني عدد 2466/1/8/2015 غير منشور .

[19] – يراجع بشان مسطرة التحفيظ :

– الظهير الشريف الصادر بتاريخ 9 رمضان 1331 الموافق ل 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري، كما تم تغييره و تتميمه بموجب القانون رقم 14.07 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.177 بتاريخ 22 نونبر 2011 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 24 نونبر 2011، ص 5575 .

– المرسوم رقم 2.13.18 الصادر بتاريخ 30 رمضان 1435 الموافق ل 14 يوليوز 2014 في شان اجراءات التحفيظ العقاري، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6277 بتاريخ 28 يوليوز 2014 ، ص 6119 .

– الظهير الشريف الصادر في 12 رجب 1342 الموافق ل 18 فبراير 1924 المتعلق بمسطرة التحديد الإداري لأملاك الجماعات السلالية المنشور بالجريدة الرسمية عدد 569 و 570 بتاريخ 25 مارس و 01 ابريل لسنة 1924، ص،413.

[20] – قرار عدد 597 بتاريخ 26/8/2010 في الملف الإداري عدد 734/4/1/2010 منشور بمجلة القضاء والقانون عدد 159 سنة 2011 ص 282

[21] – القرار عدد 1642 المؤرخ في 3/4/2012 ملف مدني عدد 2297/1/8/2011 غير منشور .

[22] – تنص المادة 240 من مدونة الحقوق العينية على انه :

يشترط لصحة حيازة الحائز:

أن يكون واضعا يده على الملك؛
أن يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه؛
أن ينسب الملك لنفسه، والناس ينسبونه إليه كذلك؛
ألا ينازعه في ذلك منازع؛
أن تستمر الحيازة طول المدة المقررة في القانون؛
وفي حالة وفاة الحائز يشترط بالإضافة إلى ذلك عدم العلم بالتفويت.
[23] -القرار تحت عدد 5775 الصادر تاريخ 27 دجنبر 2012 في الملف المدني عدد 319 – 1- 1- 2010 غير منشور.

[24] – راجع الفصل 11 من الظهير الشريف المؤرخ في 27 أبريل 1919 شأن تنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات وضبط شؤون الأملاك الجماعية كما وقع تغييره وتتميمه المنشورة بالجريدة الرسمية بتاريخ 18 غشت 1919 ،ص: 410 و بشان المسطرة القانونية المتبعة في عملية تفويت أملاك الجماعات السلالية :

– محمود شوراق : “الدلیل العملي في تدبیر أراضي الجموع”، مطبعة دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع الرباط الطبعة الثانية منقحة و مزيدة 2012 ، ص، 10.

[25] – القرار تحت عدد 5775 الصادر تاريخ 27 دجنبر 2012 في الملف المدني عدد 319 – 1- 1- 2010 غير منشور.

[26] – حكم عدد 93 بتاريخ 20/03/2017 في الملف المدني عدد 52/1201/2017 ، غير منشور .

[27] – تم إسناد الوصاية على الجماعات السلالية إلى السيد وزير الداخلي بعد تديل مقتضيات ظهير 27 أبريل 1919 بتاريخ 28 يوليوز 1956 .