الامن القومي في الاسلام

الدكتور عادل عامر
للإسلام رؤية أمنية تقوم أساسا على ركنين أولاهما : تحقيق الأمن المادي للبشر وثانيهما : تحقيق الأمن المعنوي أو النفسي وإلى هذا أشار القرآن الكريم في فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي)سورة قريش في قوله تعالى : . كما أشار الرسول الكريم إلى تلك(أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ الحقيقة في قوله صلى الله عليه وسلم “من أصبح منكم آمنا في سربه ، معافى في جسده ،

عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا” رواه الترمذي. ويتحقق الأمن المادي بتوفير الحياة الكريمة للأفراد من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ومركب وتوفير وسائل التعليم وحفظ الصحة، كما يتحقق الأمن النفسي بأن يأمن الناس على حياتهم وأعراضهم وأموالهم فلا يعرفوا ما يسمى بتلفيق الاتهامات وزوار الفجر والاستيلاء على ممتلكات الأفراد وتقييد حريتهم على المستوى الداخلي ..

فضلا عن حماية حدود الدولة على المستوى ال

+خارجي .ولا يمكن فصل الأمن القومي عن الدين، فالدين خير سياج لحفظ الأمن، فلم يحفظ أمن مصر سوى الدين منذ عهد عمرو بن العاص – رضى الله عنه- والعهود المتوالية كصلاح الدين الأيوبي وقطز حتى حرب أكتوبر ..

وقد شهدت مصر في العصور الإسلامية قوة في الاقتصاد، وازدهار في المعرفة، ورحب في المعيشة حتى فاضت بيوت المال بالأموال ولم يجد الخلفاء من عاطل أو فقير فزوجوا الشباب، وعتقوا العبيد والإماء.. لذلك من يريد أن يخرج الدين من معترك الحياة ويري أن سيادة الإسلام سوف يحقق فرض العزلة علي مصر وسيؤدى إلى أن كثيرا سيأخذون أموالهم ويهربون من البلاد كما أن الاستثمارات ستتوقف والبطالة ستتزايد وأن مصر ستنعزل نهائيا عن العالم .. هو أمر لا يقره التاريخ والواقع والمنطق والعقل ويضر بالأمن القومي .

ويعتبر الوضع الاقتصادي للدولة من المقاييس الهامة للأمن القومي، والإسلام كنظام اقتصادي يريد أن تتوفر في المجتمع متطلبات الحياة الكريمة بالقدر الذي يجعل الفرد في سعة من العيش وفي غنى عن غيره، وهو ما يعرف بحد الكفاية لا حد الكفاف، فحد الكفاف يتمثل في توفير ضرورات المعيشة للفرد أو أسرته بالقدر الذي يسمح لهم بالبقاء على قيد الحياة، وهو ما يشكل مستوى متواضعاً للرفاهية الاقتصادية.

أما الإسلام فيوجه جهود التنمية إلى رفع مستوى معيشة البشر، وتحسينه بانتظام؛ بما يكفل توفير حد الكفاية لجميع الأفراد، وذلك يعني إغناء كل فرد بحيث يكون قادرًا على الإنفاق على نفسه وعلى من يعول؛ حتى يلحق بالناس في مجتمعهم وتصبح معيشته في المستوى المتعارف عليه الذي لا ضيق فيه..

وقد سار محاضير محمد بمساعدة وزير ماليته الإسلامي المنهج أنور إبراهيم نحو تحقيق التنمية لماليزيا – البلد متعدد الأعراق والأديان الفقير الموارد – فمنذ توليه رئاسة الوزراء عام 1982م عزز من دور الاقتصاد الإسلامي وأخلاقيات الإسلام في التعامل فقفز بصادرات ماليزيا من 5 مليار دولار عام 1982 إلى 95 مليار دولار عام 2003م ، وترك السلطة باختياره راضيا مرضيا .. فهل الواقع الاقتصادي المصري وصل بالإنسان في مصر إلى ذلك المستوى؟!.لقد كانت صادراتنا عام 1981 (2 مليار دولار) وارتفعت في 2005 إلى 11 مليار دولار. وقد أشار الدكتور أحمد نظيف في بيان الحكومة إلى أن الاقتصاد المصري حقق نموا حقيقيا خلال عام 2005/2006 نسبته 6.9% وهو ما لم يحدث – على حد قوله- منذ 15 عشر عاما .. ولكن رجل الشارع العادي فضلا عن الاقتصادي لا يجد مصداقية لهذا النمو على أرض الواقع .. فما قيمة هذا النمو في ظل تضخم جامح تعدى 11% !.

وما قيمة هذا النمو في ظل شعب يعيش 45% من أبنائه تحت خط الفقر وتصل البطالة فيه إلى 10% ، وصافي الدين الحكومي إلى 440 مليار جنيه!. إن المؤشرات الدولية والإقليمية الصادرة عن البنك الدولي والأونكتاد ومنظمة الشفافية العالمية والمؤسسة العربية لضمان الاستثمار تعطى صورة أكثر وضوحا وواقعية عن الاقتصاد المصري .. فقد بلغت حصة مصر من تدفقات الأموال العربية البينية خلال الفترة من 1995- 2005 نسبة 6.2% بقيمة 4 مليار دولار، وسبقها في ذلك السعودية ولبنان والسودان بحصة 49% و 10% و 9.4% على التوالي. وبلغت حصة مصر من الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد للدول العربية عام 2005 نسبة 8.8% وسبقها في ذلك كل من السعودية والمغرب والسودان وليبيا والكويت وسوريا بحصة 16.5% و 13.4% و 11.3% و 11.2% و 10.2% 9.9% على التوالي.

ووفقا لمؤشر أداء القطر في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر للعام 2004 جاء ترتيب مصر رقم 108 من ضمن 140 دولة على مستوى العالم بينما جاءت السودان في الترتيب رقم 18. ووفقا لمؤشر إمكانات القطر ( مستقبلا) لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر للعام 2003 جاءت مصر في الترتيب 75 بينما جاءت قطر في الترتيب 7 .. وبناء على تقاطع مؤشري أداء إمكانيات القطر في جذب الاستثمار الأجنبي (للعام 2003) صنفت (انكتاد) مصر ضمن مجموعة الدول ذات الأداء المنخفض (أداء منخفض/ إمكانات منخفضة) وهي آخر مجموعة من مجموعات التصنيف.

وتنامي عجز الميزان التجاري في مصر من 5.2 مليار دولار عام 2004 إلى 9.1 مليار دولار عام 2005 حيث بلغت الواردات 19.8 مليار دولار في حين بلغت الصادرات 10.6 مليار دولار . ووفقا لمؤشر التقويم الائتماني السيادى التجميعي الدولي عام 2005 والذي يشمل وكالات التصنيف الائتمانى العالمية (كابيتال انتيليجانس – موديز – ستاندرد أند بورز – مجموعة فيتش) تم تصنيف مصر بدرجة المضاربة ومخاطر متوسطة مع وجود بوادر لمخاطر السداد.

وبالنسبة لتقويم المخاطر القطرية عن عام 2005 فقد جاء تصنيف المؤشر المركب للمخاطر القطرية (سياسية واقتصادية ومالية) مصر بدرجة معتدلة بينما جاءت الكويت بدرجة مخاطر منخفضة جدا.

كما صنف مؤشر اليورومنى – الذي يقيس قدرة القطر على الوفاء بالتزاماته المالية كخدمة الديون وسداد قيمة الواردات وغيرها – مصر بدرجة المخاطر المرتفعة وإلى تلك النتيجة أيضا صنف مؤشر الانستيتيوشنال انفستور للتقويم القطري مصر بأنها ذات درجة مخاطر مرتفعة. ووفقا لمؤشر الكوفاس للمخاطر القطرية الذي يقيس مخاطر الدول على السداد ويبرز مدى تأثر الالتزامات المالية للشركات بالاقتصاد المحلى بالأوضاع السياسية والاقتصادية فقد جاءت مصر ضمن الدول ذات درجة المضاربة c & b في العام 2005. ووفقا لمؤشر العولمة الذي يقيس قدرة الدول على الاندماج في الاقتصاد العالمي والذي يغطي 62 دولة فقد جاءت مصر في الترتيب 59 عالميا في العام 2005.

وبالنسبة لمؤشر التنافسية العالمي الذي يقيس قدرة الاقتصاديات العالمية على الاستمرار في تحقيق معدلات نمو اقتصادية على المديين المتوسط والطويل ويتكون من مؤشرين : مؤشر النمو للتنافسية ويغطى 117 دولة وجاءت مصر في الترتيب 53 عالميا في عام 2005، بينما جاءت مصر في الترتيب 71 عالميا بالنسبة للمؤشر الآخر وهو مؤشر الأعمال التنافسية ويغطي 116 دولة. وبالنسبة لمؤشر التنمية البشرية الذي يقيس تعزيز التنمية البشرية (الصحة والتعليم ومعدل دخل الفرد) والذي يغطى 177 دولة فقد جاءت مصر في الترتيب 119 عالميا في عام 2005 بدرجة تنمية بشرية متوسطة بينما جاءت الإمارات في الترتيب 41 والكويت 44 بدرجة تنمية بشرية مرتفعة. وبالنسبة لمؤشر سهولة الأعمال والذي يقيس مدى تأثير القوانين والإجراءات الحكومية على الأوضاع الاقتصادية والذي يغطى 155 دولة فقد جاءت مصر في عام 2005 بترتيب 141 عالميا بينما جاءت السعودية والكويت في الترتيب 38 و 47 على التوالي. وبالنسبة لمؤشر الحرية الاقتصادية والذي يغطى 171 دولة فقد جاءت مصر في عام 2005 بترتيب 103 عالميا . أما مؤشر الشفافية حيث تعرف منظمة الشفافية عدم الشفافية (الفساد) بأنه استغلال المناصب العامة لتحقيق مصالح خاصة ويقيس المؤشر مدى تفشى الفساد بين موظفي القطاع العام ورجال السياسة .. وقد غطى المؤشر 159 دولة وجاءت مصر في عام 2005 في الترتيب 70 عالميا. وبالنسبة لمؤشر إمكانية الحصول على رأس المال والذي يغطى 121 دولة فقد جاءت مصر في المرتبة 92 عالميا بينما جاءت السعودية في المرتبة 33. أما مؤشر القدرة على الإبداع والذي يغطى 117 دولة فقد جاءت مصر في المرتبة 56 عالميا وسبقتها السعودية في المرتبة 55 ووفقا لتقرير التنمية الإنسانية للعام 2005 بناء على مسح لأحد عشر قطرا عربيا تبين أن الحرية النسبية في استخدام الإنترنت متاحة في ثلاث دول فقط هي الأردن وقطر والإمارات. إنني كناصح أمين .. أتمنى من أولي الأمر أن يكونوا أشد حرصا على أبناء مصر ولا يفرقوا بين أحد منهم … فليس من صالح الاقتصاد ولا سمعة البلاد أن تغلق شركات الإسلاميين وتسلط القوانين على رقابهم تحت مسمى غسل الأموال .. فتلك الإجراءات ستكون حتما دافعا لهروب رأس المال العربي والأجنبي وتقليص تحويلات العاملين بالخارج والتأثير سلبا على البورصة ومن ثم على الاقتصاد القومي .. إننا نتمنى أن يسود القانون بالعدل وأن تملأ الشفافية جنبات الاقتصاد، وأن نهجر المعالجة الأمنية للقضايا الاقتصادية، وأن نترك المجال لرجال الأعمال الشرفاء لممارسة عملهم بشفافية ويسر ، وأن تتضافر الجهود لتحقيق التعاون البناء بين أبناء المجتمع في ظل اقتصاديات الإسلام حتى نعود بمصر كما كانت دولة يعتز بعزها ويستظل بظلها العرب والمسلمون