بقلم ذ مبارك السباغي

موثق بالدارالبيضاء

اختلطت الأوراق على المشرع خلال العقد الأول من القرن الحالي، عندما تطرق لمؤسسة التعرض وأضاف لها فقرة جديدة، دون أن يبين الأسباب والأهداف المتوخاة من مقتضياتها. هذا التعديل هم الفصل 24 من ظهير التحفيظ العقاري المؤرخ في 12 – 08 – 1913 والمعدل بالقانون رقم 14 – 07، إذ جاء فيه ما يلي : ” يمكن لكل شخص يدعي حقا على عقار تم طلب تحفيظه،

أن يتدخل عن طريق التعرض في مسطرة التحفيظ، خلال أجل شهرين يبتدئ من يوم نشر الإعلان عن انتهاء التحديد في الجريدة الرسمية، إن لم يكن قام بذلك من قبل وذلك: 1- في حالة المنازعة في وجود حق الملكية لطالب التحفيظ أو في مدى هذا الحق أو بشأن حدود العقار. 2- في حالة الادعاء باستحقاق حق عيني قابل للتقييد بالرسم العقاري الذي سيقع تأسيسه. 3- في حالة المنازعة في حق وقع الإعلان عنه طبقا للفصل 84 من هذا القانون “.

نلاحظ أن مشرع قانون 14 – 07، قد أضاف الفقرة رقم 3 المذكورة أعلاه إلى الفصل الأصلي 24، دون أي مبرر يذكر، تاركا المجال مفتوحا لكل التأويلات والاحتمالات، والوقوع في الخطأ الذي إن حصل، تكون عواقبه وخيمة على طالب للتحفيظ.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى ورد في المادة 305 من القانون 39 – 08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية ما يلي:
” إذا كان العقار في طور التحفيظ فلا يعتد بطلب الشفعة، إلا إذا ضمن الشفيع تعرضه بمطل التحفيظ المتعلق به”.

هذه الكلمة («تعرض») هي بدورها استفزت عدة أقلام وخلقت مجالا للنقاش والتحليل والتأويل. وما زال الجدل والتناقض قائمين في غياب تحليل منطقي وقانوني وموضوعي لهذه الكلمة الفريدة في قانون مدونة الحقوق العينية، يوصلنا إلى المبتغى والهدف المقصودين من طرف المشرع. غير أن الاجتهاد الإداري من محافظين ومحافظ عام على الملكية العقارية حسم في الإشكالية، معتبرا أن المقصود من كلمة «تعرض»

الواردة في المادة 305 المشار إليها أعلاه، لا يقصد منها التعرض المذكور في الفصل 24، بل لها علاقة بالتطهير العقاري لا بالنزاع القائم حول العقار المراد تحفيظه. بمعنى آخر للمادة 305 من (ق م ح ع) علاقة خوف وتخوف من الفصلين الأول و62 من (ظ ت ع)، لا أقل ولا أكثر.

فوجود هذا «التعرض»، يعتبر ضوءا أحمر يمنع المحافظ العقاري من اتخاذ قرار التحفيظ إلى حين البت في الشفعة المعروض مقال استحقاقها على أنظار القضاء، محتفظا بملف مطلب التحفيظ الذي لا يحيله على القضاء إلا في حالة وجود تعرضات أخرى عادية تم قبولها طبقا للفصول 24 ، و 29 ( استثناء ) و26 و 27 و31 و 32 من (ظ ت ع).

ما كان على المشرع المغربي أن يقنن بهذه الكيفية، لأن الفصلين معا مصدر عرقلة وتعقيد وضياع لحقوق الناس أكثر مما توقعه المشرع، وربما لن يفكر كثيراً في ما سينتج عنهما من سلبيات لا تخدم مصلحة أي جهة، ولا حتى في التناقض الواضح بين فقرات الفصل 24 التي لا تتناغم فيما بينها ولا تنسجم بالمرة.

-2التعريف بالفصلين 83 و 84 من ظهير التحفيط العقاري.
قبل التطرق لإشكالية الفصل 84، لا بأس من التعريف بمقتضياتها. لقد جاء في الفصل 84 ما يلي:» إذا نشأ على عقار في طور التحفيظ حق خاضع للإشهار أمكن لصاحبه- من أجل ترتيبه والتمسك به في مواجهة الغير- أن يودع بالمحافظة العقارية الوثائق اللازمة لذلك. ويقيد هذا الإيداع بسجل التعرضات.

يقيد الحق المذكور عند التحفيظ بالرسم العقاري في الرتبة التي عينت له إذا سمحت المسطرة بذلك”.

وورد في الفصل 83 ما يلي:» بغض النظر عن المسطرة المقررة في الفصل 84 من هذا القانون، يمكن لصاحب حق وقع إنشاؤه أو تغييره أو الإقرار به أثناء مسطرة التحفيظ أن يطلب نشره بالجريدة الرسمية بعد إيداع الوثائق المنشئة للحق بالمحافظة العقارية.

تتابع مسطرة التحفيظ بصفة قانونية مع أخذ الحق المنشأ أو المغير أو المقر به بعين الاعتبار. يكتسب صاحب هذا الحق المنشأ أو المغير أو المقر به صفة طالب التحفيظ في حدود الحق المعترف به. إذا كان الإعلان عن انتهاء التحديد قد تم نشره بالجريدة الرسمية، فيجب أن يعاد نشره من جديد ليفتح أجل شهرين للتعرض، يبتدئ من تاريخ الإعلان عن الحق المنشأ أو المغير أو المقر به. وفي هذه الحالة لن تقبل إلا التعرضات المنصبة مباشرة على الحق المذكور . يؤخذ بعين الاعتبار عند التحفيظ الحق المنشأ أو المغير أو المقر به خلال المسطرة”.

الفصل 84 خلافا للفصل 83 من (ظ ت ع) عمره أطول من الأخير، والدليل على ذلك، هو أن بدايته تبدأ مع فتح مطلب التحفيظ وتنتهي مع نهايته أي عند إلغائه أو تحويله إلى رسم عقاري. أما الفصل 83، في غالب الأحيان يجد أرضية ملائمة له قبل انتهاء أجل التعرضات، لأنه إذا استعمل بعد انتهاء هذا الأجل، تُفتح آجال التعرضات من جديد، الشيء الذي لا يرغب فيه المستفيد من الحق الذي آلِ إليه، خوفا من مواجهته من طرف أشخاص معترضين جدد أو من مرت عليهم فرصة التعرض من قبل. وقد يلجأ المحافظ إلى استعمال الفصل 83 ما بعد المرحلة القضائية تنفيذا للأحكام القضائية النهائية والباثة في صحة التعرضات.

أما الفصل 84 فيبقى نشيطا لا يبالي لا بالمرحلة الإدارية ولا بالمرحلة القضائية، لأنه مجرد «غرفة» تحتضن كل الإيداعات الناتجة عن تصرفات من بيع وقسمة وتبرع وشفعة ورهن وحجز ومبادلة وغيرها. غير أنه في اختيار أحد الفصلين، يجب مراعاة المرحلة التي وصل إليها مطلب التحفيظ والأشواط التي قطعها. فكلما اقترب من النهاية إلا وكان الفصل 84 الأفضل، لأن باب التعرضات قد سد، وتأسيس الرسم العقاري قريب الولادة.

وأشير إلى نقطة أخرى، هو أن الفصل 84، يمكن أن يتحول إلى الفصل 83، والعكس غير صحيح. صاحب الفصل 84، يوجد في قاعة الانتظار، ومكانته توجد خلف طالب التحفيظ ولا أهلية له في الدفاع عن حقوقه وعن مصير مطلب التحفيظ، لأن المؤهل والمسؤول عن مسطرة التحفيظ هو طالب التحفيظ دون أصحاب الفصل 84. أما إن فضل صاحب الفصل 84 أن تصبح له الأهلية والصفة، عليه أن يستعمل الفصل 83 الذي يعطيه صفة طالب التحفيظ وبذلك يحل محل سلفه بعد نشر خلاصة إصلاحية بالجريدة الرسمية.

وللتوضيح أكثر، أعطي أمثلة:
كأن يبيع طالب التحفيظ كافة الملك ذي المطلب المعني ذي مساحة تقريبية لن تحدد بعد، لمشتر له الخيار بين الفصلين 83 و84. الاختيار للأول أو للثاني جائز، ولكن الأفضل هو الفصل 83. لماذا؟، لأن أجل التعرضات ما زال مفتوحا وأن متابعة إجراءات التحفيظ من طرف البائع الذي قد يتراخى ولا يهتم بشيء فوته للغير،لا تضمن للمشتري الحزم والسهر على مصالحه لو كان هو طالب التحفيظ.
أما إذا باع طالب التحفيظ كافة ملكه للغير بعد انتهاء أجل التعرضات في المرحلة الإدارية أو حتى القضائية، فلا مفر من استعمال الفصل 84، الأفضل للمشتري الذي عليه البقاء وراء طالب التحفيظ.
3- إشكالية التعرض في حالة المنازعة في «حق» وقع الإعلان عنه طبقا للفصل 84.

التعرض على إيداع ( الفصل 84 )، خطأ من المشرع، لأن كل ما لا ينشر بالجريدة الرسمية يعتبر غير موجود. إذ يبقى «الحق» مخبئا وغير معروف. الهدف من النشر بالجريدة الرسمية هو تدعيم حق طالب التحفيظ من جهة، وتمكين أي شخص آخر من العلم بمسطرة التحفيظ لكي يدافع عن حقه عن طريق التعرض، في مواجهة طالب التحفيظ. لا يمكن أن تنجح مسطرة التحفيظ ولا يمكن تأسيس أي رسم عقاري نهائي إلا بفضل النشر بالجريدة الرسمية.

الإيداع لا يواجه به الغير إلا من تاريخ تأسيس الرسم العقاري
الإيداع المقرر في الفصل 84 ليس إيداعا بمفهوم التقييد بالرسم العقاري. لا مجال للمقارنة. هذا الإيداع ما هو بتعرض وما هو بتقييد احتياطي، بل مجرد إشارة على وجود حق محتمل ومعلق لا يرقى إلى ادعاء بتملك عقار كما هو الشأن بالنسبة إلى الفصل 83 الذي ينشر الحق بالجريدة الرسمية. إذن لا يعتد إلا بما نشر وأصبح معلوما عند كافة الناس، أو ما قيد بالسجلات العقارية بالنسبة إلى الرسوم العقارية. خلاصة مطلب التحفيظ معناها نشر كل ما يتعلق بالعقار وكل ما يتعلق بطالب التحفيظ وكل ما يتعلق بالمستندات.

عملية النشر مهمة جدا، ولولاها ما كان هناك تحفيظ إطلاقا. فالنشر الأول بالجريدة الرسمية يفتح الباب للحضور يوم التحديد من أجل الوقوف على العقار المراد تحفيظه وتقديم التعرضات المُحتملة، إن لم تكن وقعت من قبل، وتبيح التحديدَ الطبوغرافي في المكان عينه بطريقة علنية بامتياز.

أما النشر الثاني والأخير، فأهميته تتجلى في إنهاء أجل التعرضات ضد طالب التحفيظ. فكل شخص يدعي حقا على عقار في طور التحفيط إلا وله الحق في التعرض ابتداء من فتح مطلب التحفيظ أي قبل نشر خلاصة مطلب التحفيط وحتى قبل التحديد الطبوغرافي.

كل شخص معناه، كل من له حق ينصب على مطلب التحفيط، إما أن استمد حقه مباشرة من طالب التحفيظ، ويعتبر خلفه الخاص وإما بطريقة غير مباشرة تنقطع فيها الصِّلة بينهما، كأن يكون المشتري الثالث مثلا.

هنا إن تعرض على مطلب التحفيظ يكفيه التعرض بعقد شرائه ولو في غياب العقدين الأولين للبيع. لأنه لا إلزامية في مسطرة التعرض الإدلاء بكل العقود بطريقة تسلسلية كما هو الحال بالنسبة إلى الرسم العقاري ( المادة 28 من القرار الوزاري المؤرخ في 03 – 06 – 1915 كما تم تتميمه وتعديله بالمرسوم رقم 18 . 13 . 2 المؤرخ في 14 يوليو 2014 ، دون نسخه خلافا لما ورد في المادة 35 منه). فالمشتري الأخير لا يمكنه أن يصبح مالكا مقيدا إلا بعد تقييد العقدين الأولين، وإلا تعذر على المحافظ قبول طلبه، خلافا لمطلب التحفيظ الذي يسمح لكل واحد من المشترين الثلاثة التعرض انفراديا.

لا يمكن إطلاقا التعرض على ما لا وجود له، فالحق الذي يحميه مؤقتا الفصل 84، غير موجود، ولا يوجد إلا إذا أصبح إيداعا يتمتع بالأثر القانوني والأثر المنشأ للحق.

لا يمكن أن يواجه الغير بمقتضيات الفصل 84، من حيث وجود الحق وجودا قانونيا.

لو قارنا بين الفصل 84 والفصلين 66 و 76 من (ظ ت ع)، نجد الفصل 84 ما هو بتعرض وما هو بتقييد احتياطي، وما هو بإيداع منشئ للحق. ليست له لا قوة ثبوتية ولا قوة قانونية ولا إمكانية مواجهة الغير به. لذا كيف بمكن التعرض عليه؟.

بالرجوع إلى هذه النازلة، هل سيتم قبول التعرض ضد الإيداع ( الفصل 84 )، ويرسل ملف مطلب التحفيظ من جديد إلى المحكمة الابتدائية المختصة للبت فيه؟. كيف يمكن البت فيه والمحافظ بين يديه أحكام قضائية نهائية وجب عليه تنفيذها؟. هل القضاء مؤهل ومختص في البت في نزاع بين مستفيد من الفصل 84 ، ومتعرض عليه، دون طالب التحفيط؟.

لا ثم لا، لأن البت في التعرض يتم بقوة القانون في إطار الفصل 37 من (ظ ت ع)، الذي ينص على ما يلي:» عند افتتاح المناقشات يعرض القاضي المقرر القضية ويعين المسائل التي تتطلب حلا دون أن يبدي أي رأي ثم يقع الاستماع إلى الأطراف ويقدم ممثل النيابة العامة إن اقتضى الحال مستنتجاته، ثم يفصل في القضية إما في الحين وإما بعد المداولة.

تبت المحكمة في وجود الحق المدعى به من قبل المتعرضين وطبيعته ومشتملاته ونطاقه، وتحيل الأطراف للعمل بقرارها، بعد اكتساب الحكم قوة الشيء المقضي به، على المحافظ على الأملاك العقارية الذي له وحده النظر في قبول أو رفض مطلب التحفيظ كلا أو بعضا مع الاحتفاظ بحق الطعن المنصوص عليه في الفصل 37 مكرر. تبين المحكمة في حكمها حدود ومساحة الأجزاء المحكوم بها لفائدة المعترضين، وفي حالة الشياع نصيب كل واحد منهم…»

– 4 – مفهوم الإيداع الوارد في الفصل 84 حسب القضاء.
هذا الإيداع لا يواجه به الغير إلا من تاريخ تأسيس الرسم العقاري، وقبل ذلك، ما هو إلا بيان بسجل التعرضات، لكي لا تشمله قاعدة التطهير التي تأتي على الأخضر واليابس، دون تمييز.

ففي هذا السياق، نجد اجتهاد القضاء على صواب عندما كان يستثني من مبدأ التطهير (قبل دخول القانون 38 – 08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية حيز التطبيق)، حالة استحقاق الشفعة معتبرا أن الإيداعات طبقا للفصلين 83 و 84 لا يعتد بهما في ممارسة الشفعة وأن العبرة بالتقييد لا بالإيداع بمطلب التحفيظ. وهذا ما صدر عن محكمة النقض في قرارها الذي اعتبر أن « التضمين بمطلب التحفيظ هو مجرد بيان مرتبط بمصير مسطرة التحفيظ سلبا أو إيجابا و ليس تسجيلا أو تقييدا بمفهوم الفصلين 66 و 67 من ظهير التحفيظ العقاري،

وأنه ما دام البيع قد وقع تضمينه في مطلب التحفيظ بعد ختم مسطرة التحديد و الإشهار فإنه يبقى مجرد بيان لا يمكن أن يرتب أية آثار قانونية في مواجهته بمفهوم الفصلين 2 (الفصل 1 حاليا ) و 62 من القانون المذكور نفسه، لأن صاحبه اختار ضمان رتبته من تاريخ إنشاء الرسم العقاري…،

وبالتالي، فإن احتساب أجل ممارسة الشفعة لن يسري إلا من تاريخ إنشاء الرسم العقاري الذي قيد به المطلوب شراءه…ومورست في حقه الشفعة…، وأن القرار الاستئنافي المتبني للحكم الابتدائي لم يطبق القانون تطبيقا سليما وهو يبت في مسألتين دقيقتين وهما القوة الثبوتية التي تكتسيها الرسوم العقارية عن طريق مؤسسة التحفيظ التي تطهر العقارات، الفصلان 2 ( الفصل الأول حاليا ) و62 بشأن التحفيظ العقاري، ومؤسسة الشفعة التي تبقى حقا ثابتا (الفصل 25 من القانون المطبق على العقارات المحفظة قبل دخول مدونة الحقوق العينية حيز التطبيق)،

فالطالب لم يتأت له العلم بوقوع البيع لا في إطار الفصل 83 ولا في إطار الفصل 84، أما التضمين في سجل الإيداع فهو لا يفترض العلم، والمحكمة التي بنت قرارها على هذه العلة تكون قد أساءت تطبيق القانون وعرضت قرارها للنقض…،

والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه عندما استندت في ما قضت به إلى ما ورد في تعليله المشار إليه أعلاه دون أن تناقش ما استدل به الطاعن ولم ترد عليه فإنها تكون قد عللت قرارها تعليلا ناقصا ينزل منزلة انعدامه وعرضته للنقض. لهذه الأسباب: قضى المجلس الأعلى بنقض القرار المطعون فيه و إحالة القضية على المحكمة نفسها للبت فيها من جديد طبقا للقانون…»

قرار عدد 1540 مؤرخ في 6/4/2008 في الملف المدني عدد 2489/1/4/2008
الهدف من التعرض إنهاء المنازعة قضاء إما بحكم في الموضوع أو بالتنازل

– 5 – إشكالية آجال التعرضات.

كل هذا لنبين أن الإيداع طبقا للفصل 84 لا يرقى إلى حجية وجود الحق لأنه يبقى معزولا عن المسطرة الإدارية والقضائية للتحفيظ، ولا شيء يربط بينهما، ما لم يتحول هذا الإيداع إلى خلاصة إصلاحية خلال مسطرة التحفيظ أو تقييد متزامن مع تأسيس الرسم العقاري.

قد نتساءل: ما علاقة هذا الإيداع بطالب التحفيظ؟. فعلا قد يكون خلفه الخاص ولا حق له في أن يحل محل طالب التحفيظ. هذا الأخير يبقى المسؤول الوحيد عن متابعة مسطرة التحفيظ ولو أنه باع كافة مطلبه لخلفه الذي فضل الفصل 84 على الفصل 83.

وحتى لو افترضنا شرعية التعرض على إيداع، فمتى يمكن التعرض؟ هل خلال شهرين من تاريخ الإيداع ؟. أم لا يمكن التعرض إلا داخل الأجل المنصوص عليه في الفصل 24 ؟.

الجواب هو أنه لا يمكن ربط التعرض بالإيداع في جميع الحالات، لأن المشرع لن يحدد أجلا خاصا غير الآجال المنصوص عليها في الفصل 24. بمعنى آخر إن الفصل 24 كل لا يتجزأ، وأن كل تعرض كيفما كان نوعه وشكله، يجب أن يقدم للمحافظ داخل الأجل القانوني وهو أجل الشهرين المتتابعين يبتدئ من يوم نشر الإعلان عن انتهاء التحديد في الجريدة الرسمية، باستثناء التعرض من أجل الشفعة، الذي هو في الحقيقة مجرد بيان أو إعلان، أو إشارة للمحافظ كي يتريث في اتخاذ قرار التحفيظ إلى أن يتوصل بأحكام نهائية، وإلا تُعرقَل مسطرة التحفيظ، وتبقى عالقة،

بل لا أمل في أن تنتهي تعرضات الفصل 84، وبالتالي لا أمل في تأسيس الرسم العقاري. لذلك وجب القول إن أجل التعرضات المنصوص عليه في الفصلين 24 و27 من (ظ ت ع)، أجل قطعي مرتبط بسير مسطرة التحفيظ، إذ أنه بعد التحديد النهائي، لابد من إغلاق باب التعرضات بصفة نهائية، كي يتحول مطلب التحفيظ إلى رسم عقاري نهائي وغير قابل للطعن، أو يلغى من طرف المحافظ، بمعنى أنه يجوز حسب النص القانوني، التعرض على إيداع الفصل 84، داخل أجل التعرضات، ويستحيل قبوله خارج الأجل القانوني المقرر في الفصل 24.

فبأي منطق استحالة التعرض على مطلب التحفيظ أي ضد طالب التحفيظ، خارج الآجال القانونية، وإمكانية التعرض على إيداع أي ضد المستفيد من الفصل 84 خارج أجل التعرضات؟. هذا من باب العبث.

وقد نتساءل هل من حق المحافظ قبول تعرضات خارج أجل التعرضات، على«حقوق» تم الإعلان عنها طبقا للفصل 84.

طبعا لا يمكنه قبولها لأنها ليست في مواجهة طالب التحفيظ من جهة ومن جهة أخرى، سيكون المحافظ مجبرا على قبول كل الطلبات لأنه ليس هناك تمييز بين إيداع وآخر، طالما أن الطلب الهادف إلى التعرض ينصب على الإيداع (الفصل 84)، لا ضد مطلب التحفيظ الذي انتهى أجل التعرض عليه، وبالتالي لا مجال لتطبيق مقتضيات الفصل 29 من (ظ ت ع).

وإن افترضنا أنه تم تدوين تعرض على إيداع داخل الأجل القانوني للتعرضات، وقرر صاحب الإيداع نشر خلاصة إصلاحية بالجريدة الرسمية لمتابعة إجراءات التحفيظ شخصيا خوفا من إلغاء مطلب التحفيط من طرف المحافظ نتيجة تراخي طالب التحفيظ الذي أصبح بعد البيع، غير مهتم بمتابعة مسطرة التحفيظ. هنا ما مصير التعرض المنصب على إيداع لن يبقى له أثر بعد أن حل محله الفصل 83 ؟.

ربما نقول أن المحافظ ملزم بتحويله إلى تعرض ضد طالب التحفيظ. إذن نرجع إلى نقطة الصفر، ونتيجة لذلك، أحسن طريق للتعرض هي التعرض ضد مطلب التحفيظ خلال الأجل القانوني، كما ورد في الفصل 24 بصريح العبارة التي تقول:»» يمكن لكل شخص يدعي حقا على عقار تم طلب تحفيظه أن يتدخل عن طريق التعرض في مسطرة التحفيظ…».

وبالتالي يجب إلغاء الفقرة الأخيرة من الفصل 24 («…في حالة المنازعة في حق وقع الإعلان عنه طبقا للفصل 84 من هذا القانون»)، لأنها تتناقض كل التناقض مع الفقرة المشار إليها أعلاه.

المسطرة الإدارية للتحفيظ والقضائية إن اقتضى الحال ذلك، لا تبالي بالإيداعات التي يشهدها مطلب التحفيظ، ولن يكن لها تأثير على مطلب التحفيظ إلا بعد تحويلها إلى الفصل 83 الذي يلزم النشر بالجريدة الرسمية للحقوق المودعة طبقا للفصل 84.

– 6 – الخلاصة.

نستخلص من هذه الدراسة، أن التعرض واحد لمن يدعي حقا على عقار تماشيا مع ما يتضمنه الفصل 24. ولا يمكن أن يتم إلا في هذا الإطار ونتيجة لذلك يجب على مشرع قانون 14 / 07، التفكير في حذف الفقرة الأخيرة من الفصل 24، والإبقاء على صياغة وصيغة الفصل 24 كما كانت سابقا.

نظام التحفيظ العقاري عامة ومسطرة التحفيظ خاصة، يسعيان إلى تطهير العقار وجعله نقيا سليما مطهرا، ومؤسسة التعرض لا تقارن إلا بمطلب التحفيظ، وجميع الأحكام القضائية والفقه والاجتهادات القضائية تقر بذلك. والدليل على ذلك ما جاء في الفصول التابعة للفرع الرابع والفرع الخامس من الباب الثاني من القسم الأول المتعلق بالتحفيظ، في المرحلة الإدارية والمرحلة القضائية التي تبين العلاقة الوطيدة بين طالب التحفيظ والمتعرض وما ورد في عدة قرارات قضائية.

التعرض دائما على حق تم نشره بالجريدة الرسمية لا على حق تم إيداعه طبقا للفصل 84، وإلا سيتم قبول تعرض على إيداع والمطلب تم إرجاعه للمحافظ العقاري بأحكام قضائية نهائية.

فإن كانت لصالح المتعرض، وجب نشر خلاصة إصلاحية كي يصبح المتعرض طالب التحفيظ من جهة، ولكي يتسنى لمن له حق على الحق المعترف به قضاء، أن يتعرض. إذن التعرض دائما ضد طالب التخفيظ، لا ضد شخص ليست له صفة طالب التحفيظ.

يستنتج من الفصل 24، أن الهدف من التعرض هو إنهاء المنازعة قضاء إما بحكم في الموضوع أو بحكم بالتنازل.

وبعد ذلك يأتي دور المحافظ لاتخاذ القرار المناسب حسب ما حكم به القضاء، إما بتحفيظ العقار أو بتعديل مطلب التحفيظ بنشر خلاصة إصلاحية بالجريدة الرسمية، أو بإلغائه، تحت مسؤوليته الشخصية، عملا بمقتضيات الفصل 37 من (ظ ت.ع. )

في الأخير، نستشف مما تم تحليله وبيانه أعلاه، أن التعرض بمفهومه الحقيقي هو النزاع الذي تفرضه مصلحة المتعرض في أن يتدخل في مسطرة التحفيظ، دفاعا عن حقوقه المُحتملة سواء كانت حقوقا لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالعقار المراد تحفيظه أو حول حدوده المتنازع بشأنها، أو كانت حقوقا عينية انبثقت من الملكية التامة للملك ذي مطلب التحفيظ.

إذن، كل شخص يرى ضررا في مسطرة التحفيظ، ويشعر بخوف من ضياع حقوقه، كيفما كان نوعها وشكلها ومداها، من حقه التعرض على مسطرة التحفيظ. هذه المسطرة هي الأساس والمبتغى من التحفيظ العقاري. والتحفيظ العقاري معناه إخضاع العقار للمسطرة الإدارية واستثناء للمسطرة القضائية كي يضع حدا لكل ادعاء ومنازعة.