تطور القانون الدولي الجنائي تاريخياً

المؤلف : جبار محمد مهدي السعيدي
الكتاب أو المصدر : مجلة العلوم القانوفية والسياسية المجلد الرابع – العدد الثاني / 2015
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

المراحل التاريخية لتطور القانون الدولي الجنائي قبل الحرب العالمية الثانية
لقد كانت الحروب في من ادهى وأمر الظروف التي ترتكب فيها الاعمال الوحشية ضد البشر فعانت منها الإنسانية منذ بدأ الخليقة، وحاولت البشرية أن تضع حدا لهذه الممارسات، إلى أن برزت بعض القواعد والعادات تبلورت في قواعد قانوفية مكتوبة في النصف الأول من القرن التاسع عشر، فكان تصريح باريس الصادر عام1856 أول وثيقة دولية مكتوبة تنظم بعض الجوانب القانونية للحرب البحرية(1)وفي عام 1864انعقدت اتفاقية جفيف في اعقاب معارك دامية وقعت منتصف القرن التاسع عشر فكانت اول معاهدة متعددة الأطراف أرست أسس القانون الإنساني المعاصر، لما اتسمت به من قواعد مكتوبة دائمة لحماية ضحايا الحرب، لكنها اقتصرت على العسكريين الجرحى في الميدان البري فقط(2) واستمرت الجهود الدولية في التقنين فكان إعلان سان بطرس بيرج(3). الموقع عام 1868 ليعلن أن الهدف المشروع للحرب هو اضعاف قوات العدو، وان استخدام وسائل وأساليب الحرب مقيد بالضرورات العسكرية، ويعد هذا التصريح اول وثيقة دولية ترسي مبدأ حظر استخدام اسلحة معينة في الحروب(4) وانعقد مؤتمر لاهاي الأول للسلام عام 1899 وأسفر عن توقيع اتفاقيتين تمخضت عنه، تناولت الأولى قوانين وأعراف الحرب البرية، و الثانية مرضى وجرحى الحرب البحرية(5) .

وبعد ابرام اتفاقية جفيف عام 1864 اندلعت عدة حروب مما اقتضى ضرورة اصلاح العيوب التي شابتها، وتوجت هذه الاصلاحات بعقد اتفاقية جفيف عام 1906 فأوجبت احترام العسكريين المرضى والجرحى ومعالجتهم بغض النظر عن جنسياتهم من قبل سلطات الدولة التي وقعوا في قبضتها، وتعد هذه الاتفاقية متممة ومطوّرة للاتفاقية الأولى(6) .

وفي عام 1907 انعقد مؤتمر لاهاي الثاني وأسنر عن ابرا خمس عشرة اتفاقية وإعلان متضمنة عدة مبادئ مهمة اكدت على تجنب اللجوء إلى النزاعات المسلحة واستخدام الوسائل السلمية، والتزا المحاربين بالحيطة والحذر عند ممارستهم الاعمال العسكرية، واعتبار العرف الدولي مصدرا ضروريا عند ممارسة الاعمال العدائية، وإقرار مبدأ مسؤولية الدولة عن اعمال افرادها الذين ينتهكون احكا قانون الحرب وعاداتها وتلتز الدولة بالتعويض في حالة ثبوت هذا الانتهاك (7) بعدها اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914وما ارتكب فيها من فظائع اثارت الرأي العام العالمي وأخذ زعماؤه يهددون بأن هذه الجرائم لن تمر دون عقاب، وأسنر تطور هذه الجهود لأول مره عن قاعدة المسؤولية الدولية الجنائية الفردية بإقرار معاهدة فرساي عام 1919ٔ بعد ما كان سائدًا في الفقه والعمل الدولي مسؤولية الدولة وحدها، ونصت في موادها (227الى 230) على إنشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة (غليوم الثاني) اما محكمة دولية خاصة، لكن نص هذه المعاهدة لم يطبق(8) وقطعت البشرية خطوة أخرى للتقنين فقد جاء ميلاد عصبة الأمم عام 1920 ليشكل الخطوة الأولى لتقييد اللجوء إلي الحرب بعدما كان مشروع اً، وقرر أن اللجوء للحرب يشكل إخلالاً بمبادئ العهد، وفي عام1928ٕ وقع في باريس ميثاق بريان كيلوج كخطوة أخرى لحظر اللجوء للحرب حيث يعتبر أهم وثيقة دولية بعد الحرب العالمية الأولى(9) وفي عام 1929عقد مؤتمر دبلوماسي في جنيف وقام بوضع ثلاث اتفاقيات، الأولى خاصة بتحسين حال الجرحى والمرضى من القوات المسلحة في الميدان والاتفاقية الثانية خاصة بتحسين حال الجرحى والمرضى والغرقى من القوات البحرية والاتفاقية الثالثة خاصة بمعاملة اسرى الحرب(10)
__________________________
1- سورة البقرة الاية 34 .
2- د. عبد الرؤوف مهدي شرح القواعد العامة لقانون العقوبات دار النهضة العربية القاهرة 2009ص367.
3- د. سهيل حسين الفتلاوي قانون الحرب وتطبيقاته في الحرب العراقية الايرانية دار القادسية طلطباعة بغداد 1984ص22 .ٕٕ وللمزيد ينظر الموقع http://www.mohamah.net/answer/142 / تاريخ الزيارة 8/7/2015
4- د. علي حميد العبيدي مدخل لدراسة القانون الدولي العام والقانون الدولي الانساني الطبعة الأولى العاتك لصناعة الكتاب القاهرة 2009 ص230 وللمزيد ينظر الموقع http://ar.jurispedia.org/index.php/%D8 تاريخ الزيارة 8/7/2015
5- بناء علي اقتراح مجلس وزراء قيصر روسيا، وإثر عقد اجتماع للجنة عسكرية دولية في ساف بترسبورغ للنظر في ملائمة حظر استعماؿ قذائف معينة في زمن الحرب بين الأمم المتحضرة وبعدما حددت تلك اللجنة بالإجماع الحدود التقنية لضرورات الحرب إزاء متطلبات الإنسانية، فقد صرح الموقعين بموجب تعليمات من حكوماتهم بإعلاف ما يأتي : أنو يجب أف يكوف من شأف تقد المدنية التخفيف بقدر الإمكان من كوارث الحرب، ويجب أن يكوف الغرض الشرعي الوحيد الذي تستهدفه الدول أثناء الحرب هو إضعاف قوات العدو العسكرية، ويكفي لهذا الغرض عزل أكبر عدد ممكن من الرجال عن القتال وقد يتم تجاوز هذا الغرض إذا استعملت أسلحة من شأنها أن تفاقم دون أي داع آلا الرجال المعزولين عن القتال أو تؤدي حتما إلي قتلهم، ويكوف استعمال مثل هذه الأسلحة بالتالي مخالفا لقوانين الإنسانية، فإن الأطراف المتعاقدة تتعهد بالكف بصورة متبادلة في حالة نشوب الحرب بينها عن استعمال قواتها العسكرية البرية أو البحرية لأي قذيفة يقل وزنها عن(400) غرام وتكوف قابلة للانفجار أو محملة بمواد صاعقة أو قابلة للالتهاب(تنظر المجلة الدولية للصليب ألأحمر السنة السادسة العدد34 تشرين الثاني كانون الأول 1993 ص 467 وما بعدها.
6- سامح بلتاجي- حماية المدنيين في زمن النزاعات المسلحة(الجريمة اليات الحماية) الطبعة الأولى دار الفكر الجامعي الاسكندرية 2007 ص 67.
7- حسام علي محمود حماية المدنيين في زمن النزاعات المسلحة الدولية(العراق انموذجا) رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس كلية الحقوق جامعة النهرين لنيل شهادة الماجستير في القانون العام بغداد 2013ص 29
8- د. مفيد شهاب دراسات في القانون الدولي الانساني الطبعة الأولى دار المستقبل العربي القاهرة ص 19 وللمزيد ينظر الموقع http://ar.jurispedia.org/index.php/%D8 تاريخ الزيارة 29/6/2015
9- حسام علي محمود مصدر سابق ص31 وما بعدىا.
10- ومن هؤلاء تصريح رئيس الوزراء الفرنسي في 5/5/ 1917قائلا(اننا لن نطالب بعد النصر بالانتقام لكن بالعدالة فلا يجوز أن تكون هناك جرائم دون عقاب(. وكان من بين اسباب عد تسليم غليوم الثاني(تدخل البابا لصالحه وأيضا بدعوى أن التهمة الموجهة للإمبراطور لم تكن معروفة في قانون الاتحاد الهولندي لسنة 1875 كما انها لم ترد في التشريع الهولندي ولا في أي من المعاهدات التي كانت هولندا طرفا فيها وخصوصا التي ابرمتها مع الولايات المتحدة الامريكية، فرنسا، بريطانيا، بلجيكا زيادة على هذا فان المحاكمة حسب رأي الهولنديين بدت ذات طبيعة سياسية وليست جزائية، كما رأت هولندا أيضاً أن تسليم الامبراطور الالماني ومحاكمته من طرف اعدائه فيه اخلال ومساس بمبدأ المحاكمة العادلة و فوق كل ذلك ترى هولندا أن اراضيها تعد تقليديا اراضي لجوء سياسي، وكذلك فهي لم توقع على معاهدة فرساي)وللمزيد يراجع المحامي غضبان حمدي اجراءات متابعة مجرمي الحرب في القوانين الداخلية والقانون الدولي الطبعة الأولى منشورات الحلبي الحقوقية بيروت 2014 ص 163 وما بعدىا

المراحل التاريخية لتطور القانون الدولي الجنائي بعد الحرب العالمية الثانية

عاد الإنسان إلى حمأة الحرب العالمية الثانية عام 1939 بأسلحتها الرهيبة، وأغرقت العالم في بحر الدماء والدموع والماسي، فصدرت عدة تصريحات تؤكد على ضرورة قيام نظام جديد يحفظ السلم الدولي في المستقبل، وكانت من اهمها تصريح الأمم المتحدة عام 1942 الذي يعد اول تصريح يتضمن اقتراح اسم الأمم المتحدة، وتصريح موسكو عام 1943 ومشروع ديمبارتون اكس عام 1944 الذي تضمن اقامة الأمم المتحدة، ثم مؤتمر ساف فرانسيسكو عام 1945من اجل وضع وصياغة ميثاق الأمم المتحدة الذي تم اعلانه في 26 حزيران 1945مقررا المبادئ الاساسية للقانون الدولي(1) وأكد الميثاق أن شعوب الأمم المتحدة قررت توحيد جهودها لإنقاذ الاجيال المقبلة من ويلات الحرب ونص على أن من اولى مقاصد الأمم المتحدة هي حفظ السلم والأمن الدولي(2) .

وقد حرص واضعو الميثاق على أن يضمنوه الإجراءات التي تتبع في تسوية المنازعات الدولية والتدابير التي تملك الهيئة اتخاذها عند نشوب حالات تهدد السلم أو تخل به وتتمثل بالتدابير والجزاءات المقررة بموجب الفصل السابع من الميثاق والتي يملك مجلس الامن فرضها على الدولة المعتدية ويعتبر هذا الميثاق او محاولة لتحقيق فكرة الامن الجماعي، الذي يتوقف إلى حد كبير على درجة التنظيم الدولي ومدى فعالية اجهزته وإجراءاته، ومدى قبول اعضاء المجتمع الدولي التنازل عن ممارسات سيادتها المطلقة التي كانت تتمسك بها في ظل القانون الدولي التقليدي(3)

وبعد إنشاء الأمم المتحدة بدأت تعمل من اجل تحقيق مقاصدها وتوجت في ابرام العديد من الوثائق الدولية التي خرجت عن اطار الانتهاكات التي تحدث في الحروب لتشمل الانتهاكات التي تقع في وقت السلم أيضاً ومنها اتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام1948 ونصت على معاقبة مرتكبي هذه الجريمة سواء ارتكبت في وقت السلم أو الحرب، وحددت الافعال التي تعد جرائم ابادة جماعية عندما يكوف القصد منها التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو اثنية أو عنصرية أو دينية(4) وبنفس العام اقر الاعلان العالمي لحقوق الإنسان متضمنا المبادئ الاساسية لحقوق الإنسان، وفي عام1949 ابرمت اتفاقيات جنيف الاربع لضمان الحقوق الإنسانية في فترات الحرب فكانت الاتفاقية الأولى خاصة بتحسين اوضاع الجرحى والمرضى في افراد القوات المسلحة في الميدان، والاتفاقية الثانية خاصة بتحسين اوضاع مرضى وجرحى في افراد القوات المسلحة البحرية، والاتفاقية الثالثة خاصة بمعاملة اسرى الحرب، أما الاتفاقية الرابعة خاصة بحماية المدنيين اثناء الحرب.

وقد جاءت هذه الاتفاقيات مكملة لبعض القواعد الدولية المنصوص عليها في اتفاقيات لاهاي لعامي 1899و1907 وبروتوكول جنيف عام 1925 التي ظلت سارية المفعول، إلا أنو ما كاد يجف الحبر الذي سطر بو ميثاؽ الأمم المتحدة والذي منع الحرب حتى عاد البشر يقتتلون من جديد، فظهرت اوجه القصور في اتفاقيات جنيف لعام1949 فبرزت الحاجة إلى تطوير اتفاقيات جنيف واستكمالها بأحكام جديدة مما أسفر عن اصدار البروتوكول الاول الاضافي لعام1977 ،ٔ والبروتوكول الثاني الاضافي لعا1977 الملحقين باتفاقيات جنيف لعام1949 (5) إلا أنه عندما ترتكب انتهاكات جسيمة ضد البشر لا يمكن أن يترك الجناة دون مساءلة لذلك بحث الفقه الدولي امكانية تقرير المسؤولية الدولية الجنائية للفرد ابتدأت بمحاكمات نورمبرغ 1945وطوكيو 1946التي كانت اساساً لبناء نظام جنائي دولي تبلور في إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لعام1998

وظهرت ما بين هذين التاريخين محاكمات دولية عديدة كاف الغرض منها التصدي للانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها الافراد وكما يأتي:
أولاً : محكمة نورمبرغ : انشأت هذه المحكمة الدولية بموجب مقررات مؤتمر يالطا واتفاقية لندن لسنة 1945 وبينت اللائحة الملحقة بها كيفية تشكيل المحكمة وصلاحياتها والإجراءات الواجب اتباعها امامها وتختص المحكمة بمحاكمة الاشخاص الذين ارتكبوا فعلا يدخل في نطام الجرائم ضد الإنسانية والجرائم ضد السلام وجرائم الحرب(6)

ثانياً : محكمة طوكيو : وهي محكمة عسكرية دولية انشأت بعد أن وقعت اليابان على وثيقة الاستسلام في عام حيث اعلن القائد الاعلى لقوات الحلفاء في منطقة الباسيفيكي عام 1946إنشاء المحكمة العسكرية الدولية للشرق الاقصى وحددت الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة بجرائم ضد السلام وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية(7)

ثالثاً : المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة(8) بعد وقوع المجازر الرهيبة خلال النزاع في البوسنة والهرسك سنة 1991 تصدى مجلس الامن الدولي إلى محاكمة مرتكبي هذه الجرائم من خلال إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة، تختص هذه المحكمة بمحاكمة الاشخاص الطبيعية ويشمل كل فرد خطط أو حرض أو امر أو ارتكب أو ساعد أو شجع بأي وسيلة من الوسائل الجريمة من المنصوص عليها في النظام الاساسي للمحكمة، واستبعدت الحصانة التي يتمتع بها المسؤول وف في الدولة وقرر مسؤولية الرئيسعن جرائم مرؤوسيه إذا كان يعلم أو على وشك العلم بارتكابها ولم يتخذ التدابير الضرورية لمنعها أو معاقبة مرتكبيها واعتبر تنفيذ المرؤوس لأوامر رئيسه سببا لتخفيف العقوبة وحدد اختصاص المحكمة في محاكمة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت على اقليم يوغسلافيا السابقة ابتداء من اول كانون الثاني 1991 والى حين انتهاء اعمالها بقرار يصدر من مجلس الامن(9)

رابعاً : المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا(10).على أثر المجازر التي وقعت في رواندا عام 1994 عاد مجلس الامن الدولي من جديد ليتصدى إلى هذه الجرائم من خلال إنشاء المحكمة الدولية الخاصة برواندا، واختصت المحكمة بمعاقبة الاشخاص الطبيعية، ويشمل كل شخص خطط أو حرض أو امر أو ارتكب أو ساعد أو شجع بأي طريقة كانت على تنظيم أو اعداد أو تنفيذ احدى الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة، وأن صفته الرسمية لا تعفيه من المسؤولية الجنائية ولا تصلح سببا لتخفيف العقوبة ولا تنتفي مسؤولية الرئيس عن الجرائم التي يرتكبها مرؤوسيه إذا كان يعلم أو بإمكانه أن يعلم أن المرؤوس كاف يستعد لارتكاب هذا الفعل أو ارتكبه فعلا ولم يتخذ التدابير اللازمة لمنع ارتكابه أو معاقبته على جريمته، ويخرج من اختصاص المحكمة النظر في الافعال التي تعد انتهاكا لقوانين وأعراف الحرب واتفاقيات جنيف لعام 1949 لان النزاع كان حرباً اهلية، لذلك دخلت انتهاكات المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف والبروتوكول الثاني الاضافي لسنة 1977 ضمن اختصاص المحكمة(11) وعلى الرغم من الصعوبات العملية والقانونية التي واجهت محكمتي يوغسلافيا ورواندا إلا انهما ساهمتا بصورة مباشرة في تطبيق فكرة المسؤولية الجنائية للفرد على المستوى الدولي(12)

خامساً. المحكمة الجنائية الدولية : إن الجهود الدولية انصرفت منذ قيام الأمم المتحدة لبناء نظام دولي جنائي دقيق ودائم، وعلى هذا الاساس دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948 لجنة القانون الدولي إلى دراسة امكانية إنشاء هيئة قضائية دولية لمحاكمة الاشخاص المتهمين بارتكاب جرائم دولية واستمرت الجهود لأكثر من خمسين عاماً انجزت بعدها اللجنة مشروع النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية وقدمته للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها التاسعة والأربعين، وقد دعت الجمعية العامة عام 1998 إلى مؤتمر دولي لمناقشته وانعقد هذا المؤتمر في روما وفي17 تموز 1998 اعتمد المؤتمر النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية بأغلبية كبيرة حيث صوتت إلى جانبه دولة ودخل دور النفاذ في تموز عام 2002 وللمحكمة اختصاص النظر بجريمة الابادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان ويقتصر اجراء المحاكمة عن الجرائم الدولية التي ارتكبها الاشخاص الطبيعيين(13)ٕ٘ ولتجنب الاطالة بالحديث فهناك محاكم دولية خاصة اخرى مثلها المحكمة الدولية الخاصة بسيراليون والكونغو واغتيال رئيس الوزراء اللبناني.

يتضح مما تقد أن القانون الدولي الجنائي هو ليس مثل القوانين الجنائية الوطنية التي تصدرها السلطات التشريعية في الدول متضمنة المبادئ العامة الجنائية وأركان الجرائم وأصول التحقيق والمحاكمة وتنفيذ الحكم بل هو مجموعة من العادات تحولت بمرور الزمن إلى اعراف دولية تبلورت في قواعد قانونية مكتوبة في النصف الأول من القرن التاسع عشر بعد أن تم تضمين البعض منها في الاتفاقيات الدولية التي ابرمتها الدول وكاف الهدف الرئيسي منها بداية الامر ىو وضع حد للأعمال الوحشية التي ترتكب في الحروب وتطور مستقبلا ليشمل حماية الافراد من القهر والاستبداد في أوقات السلم أيضاً.
__________________
1- د. فخري رشيد المهنا صلاح ياسين داود المنظمات الدولية العاتك لصناعة الكتاب القاهرة ص263 وما بعدها .
2- تراجع نص المادة(1/1،3/4)من ميثاق الأمم المتحدة وديباجته لعام 1945 .
3- د. هادي نعيم المالكي المنظمات الدولية الطبعة الأولى مكتبة السيسبان بغداد 2013 ص 16 وما بعدها.
4- تراجع المواد(1-2-3) من اتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948 .
5- د. مفيد شهاب دراسات في القانون الدولي الانساني الطبعة الأولى دار المستقبل العربي القاهرة -2000 ص 21.
6- بدأت المحكمة اعمالها في 31 اب 1946 وعقدت(403) جلسة استمعت خلالها لأقوال المتهمين والشهود وفحصت ألاقوال الوثائق وفي اول تشرين الاول اجتمعت المحكمة مرة اخرى في قصر العدل في لاهاي للنطق بأحكامها التي تراوحت بين الاعدام والسجن المؤبد والمؤقت والبراءة .
– ينظر د. علي يوسف الشكري القانون الجنائي الدولي في عالم متغير الطبعة الأولى ايتراك للطباعة والنشر والتوزيع مصر 2005ص 29وما بعدها.
7- د. عصام عبد الفتاح مطر المحكمة الجنائية الدولية مقدمات انشائها دار الجامعة الجديدة الاسكندرية 2010ص42 وما بعدها.
8- على اثر تفكك الاتحاد اليوغسلافي السابق سنة 1992سعت كل من جمهوريات هذا الاتحاد الاستقلال بنفسها لكن هذا التوجه لم يرقى لجمهوريتي صربيا والجبل الاسود اللتان كانتا ترى في الابقاء على شكل من اشكال الاتحاد من هنا سارت المنازعات المسلحة بين الصرب والكروات والمسلمين في جمهورية البوسنة والهرسك وكان هذا الصراع في بدايته عبارة عن حرب اهلية ما لبثت أن تحولت إلى صراع دولي على اثر تدخل صربيا والجبل الاسود لمساندة صرب البوسنة ونتيجة لعد التكافؤ من حيث القوة بين طرفي النزاع فقد ارتكبت صربيا اشد الفظائع في مواجهة المسلمين فأبادوا القرى وقتلوا آلاف السكان ومارسوا اشد انواع التعذيب والدفن في مقابر جماعية فأصدر مجلس الامن الدولي القرار رقم 802 في22 شباط 1993والذي انشا بموجبه محكمة دولية لمحاكمة الاشخاص المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الانساني وتألفت المحكمة من ثلاثة اجهزة وهي الدوائر وتتألف من دائرتان للدرجة الأولى وتتكوف كل دائرة من ثلاثة قضاة ودائرة الاستئناف تتألف من خمسة قضاة وجهاز الادعاء العام وقلم المحكمة(ينظر د. علي يوسف شكري مصدر سابق ص42 وما بعدها.
9-ينظر المواد(1-6-7-) من النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا.
10- (فرضت المجازر الرهيبة التي وقعت في رواندا للفترة من 6 نيسان إلى 17تموز 1994اثر النزاع بين الهوتو والتوتسي على مجلس الامن أن يتصرف حيالها حتى لا يفهم بعد الاكتراث بالقارة الافريقية ودارت المناقشات حول ما إذا كان من الافضل إنشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة المسؤولين عن الجرائم التي تم ارتكابها في ظل هذه الاحداث ام أنه يمكن الاكتفاء بمد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا ليشمل أيضاً تلك الجرائم وانتهت بإصدار مجلس الامن قراره الرقم 955 في 8 تشرين الثاني1994 القاضي بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية لرواندا وإقرار نظامها الاساسي) ينظر د.عصام عبد الفتاح مطر القضاء الجنائي الدولي مبادئه قواعده الموضوعية والإجرائية دار الجامعة الجديدة الاسكندرية 2008 ص 50
11- راجع المادة(4،6) من النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا لسنة 1994.
12- د. عصام عبد الفتاح مطر القضاء الجنائي الدولي مصدر سابق ص52 وما بعدىا.
13- د. عصام العطية القانون الدولي العام طبعة جديدة مكتبة السنهوري بالتعاون مع مكتبة داليا – بغداد -2011ص 47.