وضع العقار تحت يد القضاء لا يؤدي إلى إخراج المال من ملك المدين، وأنما يؤدي فقط إلى تقييد سلطات المدين المخولة له على العقار سواء بالنسبة إلى التصرفات التي يكون محلها العقار المحجوز، أو بالنسبة لحقه في إستعمال وٕاستغلال هذا العقار على وجه يضر بحقوق الدائنين الحاجزين، وتتلخص هذه الأثار فيما يلي:

أولا: منع مالك العقار المحجوز من التصرف فيه

أ- نطاق عدم النفاذ من حيث التصرفات

يستخلص من المادة 735 ف 1 من القانون الجديد التي تتوافق مع المادة 385 ف 1 من القانون الحالي (1)، أنه بمجرد وضع العقار تحت يد القضاء يمنع على المدين المحجوز عليه وعلى حائز العقار وكذلك على الكفيل العيني القيام بكل التصرفات الناقلة للملكية من بيع، معاوضة، هبة، أو إنشاء لأحد الحقوق العينية الأصلية الأخرى كحق الانتفاع أو حق الارتفاق، كما يمنع عليهم إنشاء حقوق عينية تبعية كحق الرهن مثلا، لأنه من شأن هذه التصرفات أن تنقص من قيمة العقار، كما تبعد الراغبين من شراءه(2). على الرغم من القاعدة السابقة فإن التصرف القابل للإبطال (غير النافذ)(3)، يسري في مواجهة الدائنين بصفة استثنائية في الحالات التالية:

– إذا أودع من تلقى الحق العيني أو الدائن قبل اليوم المحدد للمزايدة مبلغا يكفي للوفاء بأصل الدين والفوائد والمصاريف المستحقة للدائنين المقيدين والحاجزين (4).

– إذا لم يتمسك بالبطلان صاحب الحق في ذلك، أو إذا أسقط حقه صراحة وتنازل عن التمسك به.

ب- نطاق عدم النفاذ من حيث الأشخاص

البطلان المقرر لذلك قانونا هو بطلان نسبي لا يجوز التمسك به إلا لمن وضع لحمايته، ويستفيد منه بالخصوص، الحاجزون المشاركون في الحجز، ويستوي في ذلك إن كانوا من الدائنين العاديين أو من أصحاب التأمينات العينية على العقار، وأصحاب الحقوق المسجلة على صحيفة العقار العينية(5)، والراسي عليه المزاد والهدف من ذلك هو حماية الدائنينن الحاجزين لأنه لو نفذت هذه التصرفات في مواجهة المشتري بالمزاد لأمتنع عن شراء العقار، أو عرض ثمنا بخسا لشراءه(6)

ثانيا: تقييد سلطة المحجوز عليه في استغلال عقاره وتأجيره

رعاية لمصالح الدائنين الحاجزين، قيد المشرع سلطة مالك العقار المحجوز ومنعه من إستغلاله بنفسه، أو عن طريق تأجيره لغيره، وعليه سنتعرض لهذه القيود في النقاط التالية:

أ- إذا إستغل المالك عقاره بنفسه

طبقا لنص المادة 730 ف 1 من القانون الجديد والتي تتطابق مع المادة 384 ف من القانون الحالي ” إذا لم يكن العقار المحجوز مؤجرا وقت قيد أمر الحجز، إستمر المدين المحجوز عليه حائزا له بصفته حارسا إلى أن يتم البيع، ما لم يؤمر بخلاف ذلك للمدين المحجوز عليه الساكن في العقار أن يبقى ساكنا فيه بدون أجرة إلى أن يتم البيع”. وبناء على ذلك إذا كان العقار المحجوز بيد المدين، وكان عقارا مبنيا يظل ساكنا فيه حتى يتم بيعه، ولا يلزم بهذا الأساس دفع أي أجرة مقابل سكنه في العقار. واذا تعلق الأمر بأرض ز ا رعية فله الحق في ز ا رعتها وأن يستخرج منها ما يقتات به هو وأسرته، وما يلزم لمعيشتهم. ويظل المدين المحجوز عليه حارسا بقوة القانون (7)، وليس له أن يستحق أي أجر على ذلك وعليه أن يبذل في إدارته عناية الرجل العادي وأن يمتنع عن إتلاف المال أو ثماره وٕالا جاز لذوي الشأن أن يطلبوا من قاضي الأمور المستعجلة تقييد سلطته أو عزله من الحراسة(8).

ب- إذا كان العقار مؤجرا

عملا بنص المادة 730 ف 3 من ق إ م د(9) إذا كان العقار مؤجرا وقت قيد أمر الحجز، إعتبرت الأجرة المستحقة محجوزة تحت يد المستأجر بمجرد تبليغه الرسمي بأمر الحجز، ويمنع عليه الوفاء بها لمالك العقار، وبالتالي فهو بمثابة حجز ما للمدين لدى الغير. واذا قام المستأجر بالوفاء بالأجرة للمدين قبل هذا التبليغ صح وفاؤه، ويسأل المدين عن الأجرة في هذه الحالة بصفته حائزا لها، وتأخذ حكم الثمار الملحقة بالعقار المحجوز(10) وٕاذا أراد أحد الدائنين الحجز على الأجرة السابقة على التبليغ، وجب عليه إتباع طريق حجز ما للمدين لدى الغير (11)

ج- تقييد سلطة المالك في تأجير العقار

قد يعمد المدين عند بدء إجراءات التنفيذ أو قبلها من الإضرار بالدائنين عن طريق تأجيره للعقار بأجرة زهيدة أو لمدة طويلة، مما قد يؤثر علي قيمة العقار عند البيع. وعليه حرص المشرع الجزائري على حماية مصالح الدائنين، إذ تدخل وضبط هذه المصالح المتعارضة وذلك بموجب المادة 384 من القانون الحالي، ثم اجتهد أكثر في تنظيمها، عند وضعه للمادة 731 من القانون الجديد، وعلى ضوء ذلك نقسم عقود الإيجار التي يبرمها مالك العقار المحجوز من حيث نفاذها إلى مجموعتين.

المجموعة الأولى : وتظم الإيجارات التي يبرمها المدين وتكون غير نافذة في حق الدائن الحاجز وهي:

-1 الإيجارات التي أبرمها المدين بعد قيد أمر الحجز(12)، حيث يمكن للدائن الحاجز والراسي عليه المزاد التمسك بأحكام المادة 21 من المرسوم التشريعي -93 03 (13)، التي تشترط الكتابة والتسجيل في الإيجارات، ومنه التمسك بعدم سريان الإيجارات المبرمة قبل القيد في حقهم.

-2 الإيجار الذي يبرمه المدين قبل قيد أمر الحجز: إذا أثبت الدائن أو الراسي عليه المزاد وقوع غش من المدين أو المستأجر، إلا أنه يصعب في هذه الحالة إثبات غش المدين، لأن الأطراف المتاعقدة دائما يعمدون إلى تبني نظام الصورية عند إقدامهم على مثل هذه العقود(14).

المجموعة الثانية : تظم الإيجارات التي يبرمها المدين وتكون نافذة في حق الدائن الحاجز وهي:

-1 عقود الإيجار التي أبرمها المدين وكان لها تاريخ ثابت قبل قيد أمر الحجز، باعتباره قد مارس حقوقه النابعة من حق ملكيته للعقار.

-2 الإيجارات التي تمت بعد قيد أمر الحجز والمرخص بها من طرف القضاء عملا بأحكام المادة 731 ف 2 من ق إ م د، ويراعي القاضي عند النظر في طلب الترخيص مدى الزيادة أو عدم الزيادة التي يمكن أن تطرأ على إيرادات العقار بعد تأجيره(15).

ثالثا: إلحاق الثمار والإيرادات بالعقار

وفقا لنص المادة 384 ف 4 من ق إ م التي تتطابق مع المادة 732 ف 1 من ق إ م د تلحق بالعقار المحجوز ثماره و وإراداته عن المدة التالية لتسجيل أمر الحجز بالمحافظة العقارية إذ أنها تصبح جزءا من العقار وتأخذ حكمه، حيث تعتبر محجوزة بقوة القانون أي بمجرد إجراء الحجز على العقار الذي ينتجها دون حاجة لأي إجراء أخر. وتطبق هذه القاعدة سواء كان العقار في يد المدين المحجوز عليه أم كان مؤجرا للغير(16). ويشتمل الإلحاق غلة العقار الطبيعية والمدنية كالأجرة والمحصولات الزراعية، وإنتاج المناجم والمحاجر (17) والغرض من هذه القاعدة هو عدم تشجيع المدين على إثارة المنازعات وتعطيل إجراءات التنفيذ، وتأخير بيع المال المحجوز حتى يستفيد من ثماره قبل بيعه وعليه تحجز مع المال المحجوز (18) إلا أنه في بعض الحالات قد تتعارض هذه القاعدة مع حقوق الغير، ويتجلى ذلك في حالة ما إذا قام المدين ببيع المحصولات وهي قائمة بالعقار، ثم يسجل أمر الحجز قبل نضجها، فهل يحتج بالبيع على الدائن المرتهن، أم تلحق هذه الثمار بالعقار. في الواقع لا يوجد نص قانوني حسم هذه المسألة، وعليه تدخل الفقه وذهب بالرأي (19) إلى ترجيح نفاذ هذا البيع في مواجهة الدائنين متى كان ثابت التاريخ قبل تسجيل أمر الحجز حتى ولو تم الجني بعد التسجيل، على شرط أن لا يشوبه تدليس. أما البيوع التي تتم بعد تسجيل أمر الحجز سواء كانت من أعمال الإدارة الحسنة أو بترخيص من القضاء يجب أن يودع الثمن بأمانة ضبط المحكمة (20)، أما إذا قام باختلاسها أو إتلافها يتعرض للعقوبات المقررة في قانون العقوبات للجرائم المتعلقة بالأموال المحجوزة، فضلا عن قيام المسؤولية المدنية عند الاقتضاء(21) .

_________________

1- تنص المادة 735 ف 1 من ق إ م د على ما يلي: ” لا يجوز للمدين المحجوز عليه، ولا لحائز العقار، ولا للكفيل العيني بعد قيد أمر الحجز بالمحافظة العقارية، أن ينقل ملكية العقار و/أو أمر الحق العيني العقاري المحجوز، ولا أن يرتب تأمينات عينية عليه، والا كان تصرفه قابلا للإبطال”، والجديد أن المشرع ذكر الممنوعون من التصرف وعددهم على سبيل الحصر، على خلاف ما هو عليه الأمر في القانون الحالي.

2- أنظر: – زروقي ليلى: إجراءات الحجز العقاري”، المجلة القضائية، العدد الثاني سنة 1997 المحكمة العليا، الجزائر ، ص 33

. – أحمد خلاصي: قواعد وٕاجرارءات التنفيذ الجبري وفقا لقانون الإجراءات المدنية الجزائري والتشريعات المرتبطة به، منشورات عشاش، الجزائر(الطبعة بدون تاريخ) ، ص 383

– مروك نصر الدين: طرق التنفيذ في المواد المدنية، دار هومة للطباعة والنشر،الجزائر 2005 ، ص 216

3- ولمزيد من الإطلاع حول النقاش الفقهي الذي دار حول استعمال المشرع الجزائري لمصطلح الإبطال بدلا من عدم النفاذ، أنظر محمد حسنين: طرق التنفيذ في قانون الإجراءات المدنية الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1982 ، ، ص 132 ، وزروقي ليلى في مقالها السابق، ص 34 ، حيث توصلت أن هذا الاختلاف في المصطلحات ليس له تأثير سلبي من الناحية العملية، وذلك ا رجع لنظام الشهر المتبع في الجزائر الذي يخول للمحافظ العقاري حق رفض إيداع أو قيد التصرفات إذا ثبت له أن الحق غير قابل للتصرف، ونحن بدورنا نميل إلى هذا التحليل.

4- وذلك ما يستخلص من المادة 675 من ق إ م د.

5- زروقي ليلى: المرجع السابق، ص 34.

6- أحمد خلاصي: المرجع السابق، ص 385.

7- تسري عليه قواعد الحراسة الخاصة الواردة في قانون الإجراءات المدنية الحالي والجديد، تكملها القواعد العامة في القانون المدني، مع العلم أنه سبق التطرق إلى هذا الموضوع في الصفحة 138 من رسالتنا.

8- لمزيد من الإطلاع أنظر: – أحمد خلاصي: المرجع السابق، ص 392.

– أحمد السيد صاوي: التنفيذ الجبري في المواد المدنية والتجارية ، دار النهضة العربية، القاهرة 2005 ، ص 352.

– زروقي ليلى: المقال السابق، ص 31.

9- هذه الفقرة التي تضمنتها المادة 730 من القانون الجديد لم تتضمنها المادة 384 من القانون الحالي.

10- وعلى ذلك نصت المادة 730 ف 4 من القانون الجديد.

11- أنظر: – السيد صاوي: المرجع السابق، ص 355.

– أحمد خلاصي: المرجع السابق، ص 393.

12- حلمي محمد الحجار: أصول التنفيذ الجبري، د راسة مقارنة، ط 2، منشو ا رت الحلبي الحقوقية بيروت 2003 ، ص 500.

13- المرسوم التشريعي 03 -93 المؤرخ في أول مارس 1993 المتعلق بالنشاط العقاري ج ر رقم 14 ، ص 4

14- لمزيد من الإطلاع أنظر: – زروقي ليلى: المقال السابق، ص 32

– أحمد خلاصي: المرجع السابق، ص 394

– السيد صاوي: المرجع السابق، ص 358

– حلمي محمد الحجار: المرجع السابق، ص 520

15- أنظر المادة 371 ف 2 من ق إ م د.

16- لمزيد من الإطلاع عن معنى إلحاق الثمار بالعقار أنظر: – أبو الوفاء: في مرجعه إجراءات التنفيذ ص 654

17- أحمد خلاصي: المرجع السابق، ص 389 و السيد صاوي في مرجعه السابق، ص 361

18- نجيب أحمد عبد الله: المرجع السابق، ص 310 . وحلمي محمد الحجار: في مرجعه السابق، ص 521

19- الرأي جاء به طلعت محمد دويدار في مرجعه السابق، ص 519 ، وأحمد خلاصي: في مرجعه السابق، ص 390

20- وهو الجديد الذي جاءت به المادة 732 من ق إ م د.

21- أنظر المادة 733 من ق إ م د

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .