مقال هام عن التعديلات القانونية في المشرع المغربي

“مقتضيات التقادم في ظل تعديل المسطرة الجنائية”
نحن في حاجة إلى تعديل تشريعنا الداخلي حتى يكون مسايرا لباقي التشريعات المقارنة

إن هذا التعديل هو إجراء مسطري أصبح ساريا بأثر فوري، لأن قوانين المسطرة تسري بأثر فوري، وهذا القانون الجديد يدخل في إطار الحاجة الملحة لتعديل تشريعنا الداخلي حتى يكون مسايرا لباقي التشريعات المقارنة التي تتضمن مدد تقادم أقل نظرا للتطور المتسارع لوسائل البحث العلمي، وتشعب التقنيات الحديثة للكشف المبكر عن مرتكبي الجرائم وسهولة الوصول اليهم في ظل التكنولوجيا الرقمية والعولمة. ومما لا شك فيه أن جل التشريعات التي أخذت بمبدأ تقادم الدعوى العمومية تعتبر مرور الوقت دون أن يتخذ أي إجراء ضد مرتكب الجريمة يعتبر قرينة على نسيان الجريمة في الوسط الاجتماعي، ومن جهة أخرى فمع مرور الزمن تتأثر وتندثر وسائل الإثبات ويصعب الحصول عليها كما هو الحال بالنسبة إلى وفاة الشاهد أو انتقاله إلى مكان غير معلوم أو صعوبة اجراء الخبرة لاندثار العينات التي يمكن أخذها لأجل انجاز الخبرة، نظرا لتأثرها بعامل مرور الزمن.
ولعل أهم ما جاء في هذا التعديل أن المشرع المغربي قلص مدد تقادم الدعوى العمومة من جهة ومن جهة ثانية حدد وعرف الاجراءات القاطعة للتقادم، حيث نصت المادة 5 على ما يلي: تتقادم الدعوى العمومية ما لم تتضمن قوانين خاصة خلاف ذلك بمرور:

1 – خمس عشرة سنة ميلادية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب الجناية.
2 – أربع سنوات ميلادية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب الجنحة.
3 – سنة ميلادية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب المخالفة.

فمدد تقادم الدعوى العمومية تختلف حسب نوع الجريمة، فتكون 15 سنة من يوم ارتكاب الجناية و4 سنوات من يوم ارتكاب الجنحة وسنة من يوم ارتكاب المخالفة.
فهذه المدد هي القاعدة العامة ما لم توجد نصوص تتضمن مدد تقادم أطول كما هو الحال بالنسبة إلى التقادم في قضايا الاعتداء على الضحايا القاصرين حيث لا يبدأ التقادم بالسريان إلا من تاريخ بلوغ الضحية سن الرشد الجنائي، وكذلك ما نصت عليه المادة 15 من مدونة العدل العسكري، أن مدة التقادم في جريمتي العصيان والفرار من الجندية لا يبتدئ احتساب تقادمها إلا من اليوم الذي يبلغ فيه سن العاصي أو الفار من الجندية خمسين سنة من عمره.

واعتبارا للطبيعة الخاصة لبعض القضايا التي يتعين البت فيها بصورة استعجالية، فإن المشرع وضع مدد تقادم قصيرة كما هو الحال في جرائم الصحافة إذ نصت المادة 78 من قانون الصحافة، على أن جريمة القذف بواسطة الصحافة تتقادم بمرور أجل 6 أشهر من تاريخ نشر المقال، وما نصت عليه كذلك المادة 25 من قانون الصيد البري التي أشارت إلى أن تقادم الدعوى يكون بمرور عام واحد من تاريخ انجاز المحضر المثبت للمخالفة، وبالرجوع الى مقتضيات المادة 5 من قانون المسطرة الجنائية، نلاحظ أن أجل التقادم يبتدئ احتسابه من تاريخ ارتكاب الجريمة أي من تاريخ وقوع الركن المادي لها متى كانت الجريمة فورية أو من تاريخ انتهاء الحالة الاجرامية في الجرائم المستمرة وهو آخر فعل مكون لاستمرار إرادة الجاني لارتكاب الفعل المجرم، سواء كان انتهاء هذا الفعل بإرادته أو بغير إرادته كإلقاء القبض عليه.

إن المشرع المغربي في ظل القانون رقم 35.11 حسم النقاش ووضع حدا لكل تأويل، عندما عرف الإجراءات القاطعة للتقادم بقوله في المادة 6 «ينقطع تقادم الدعوى العمومية بكل إجراء من إجراءات المتابعة أو التحقيق أو المحاكمة تقوم به السلطة القضائية أو تأمر به.
ويقصد بإجراءات المتابعة في مفهوم هذه المادة كل اجراء يترتب عنه رفع الدعوى العمومية إلى هيأة التحقيق أو هيأة الحكم، ويقصد بإجراءات التحقيق في مفهوم هذه المادة كل اجراء صادر عن قاضي التحقيق خلال مرحلة التحقيق الاعدادي أو التحقيق التكميلي وفق مقتضيات القسم الثالث من الكتاب الأول من هذا القانون ويقصد بإجراءات المحاكمة في مفهوم هذه المادة كل إجراء تتخذه المحكمة خلال دراستها للدعوى.

فرغم أن التعريفات هي عمل فقهي، فالمشرع المغربي، دفعا لكل تأويل أو لبس، تدخل وحدد مفهوم الاجراءات القاطعة للتقادم سواء كانت أمام قضاء النيابة العامة أو التحقيق أو الحكم. واشترط أن تكون هذه الإجراءات صادرة عن سلطة قضائية أو أمرت بها، فلا يتقطع التقادم بالإجراءات غير الصادرة عن السلطة القضائية، كالبحث الذي تباشره الضابطة القضائية تلقائيا أو طعن المتهم في الحكم أو التماس المطالب بالحق المدني للاستماع للشهود أو مرافعات الدفاع، لكون تلك الاجراءات غير صادرة عن سلطة قضائية أو بإذنها.

إن العبارة التي تضمنتها المادة 6 من قانون المسطرة الجنائية الملغى والتي مفادها أن تقادم الدعوى العمومية ينقطع بكل اجراء من اجراءات التحقيق أو المتابعة تقوم به السلطة القضائية أو تأمر به جعلت الفقه يعتبر قرار المحكمة بالبحث والأحكام التمهيدية ومناقشة القضية بالجلسة تدخل في إطار إجراءات التحقيق والمتابعة. «انظر على سبيل المثال الدكتور الخمليشي في شرح قانون المسطرة الجنائية» لكن هذا التعبير غير دقيق ذلك أن هذه الإجراءات القضائية هي اجراءات قضائية اتخذتها هيأة الحكم. إن التقادم ينقطع بكل اجراء قضائي تتخذه النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو هيأة المحكمة، ويجب أن يكون هذا الإجراء صحيحا غير باطل، ويجب أن تتخذه هذه الهيئات القضائية بنفسها أو على الأقل تأمر به.

إعداد: لحسن منسي