مقال متميز حول ماهية التعدد المعنوي للجرائم ؟

ماهية التعدد المعنوي للجرائم :

يعني التعدد المعنوي للجرائم تعدد الأوصاف الإجرامية للفعل الواحد بحيث يسوغ القول بأن هذا الفعل تقوم به عدة جرائم باعتبار أن كل وصف تقوم به جريمة علي حدة , وقد حدد الشارع مجال التعدد المعنوي بأنه حالة ما ” إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة ” (المادة 32 من قانون العقوبات , الفقرة الأولي ) . ولما كان كل وصف يتضمنه نص تجريم , فإن من السائغ وصف التعدد المعنوي بأنه ” اجتماع نصوص تجريم إزاء فعل واحد أو انطباق نصوص متعددة علي هذا الفعل ” . ويتضح بذلك أن التعدد المعنوي يقوم علي عنصرين : وحدة الفعل وتعدد الأوصاف . ويكفل العنصر الأول التمييز بينه وبين التعدد المادي للجرائم , ذلك أنه إذا تعددت الأفعال تعددت تبعا لذلك الجرائم الناشئة عن كل منها , فذلك تعدد مادي للجرائم . ويمثل العنصر الثاني جوهر التعدد المعنوي , ذلك أنه إذا انتفي التعدد في الأوصاف , أي كان للفعل وصف واحد فمعني ذلك أنه تقوم به جريمة واحدة , ومن ثم لا يكون محل تعدد الجرائم . ويفترض هذا العنصر أن الأوصاف المتعددة جميعا تصدق علي الفعل , أما إذا كان أحدها يستبعد سائرها بحيث لا يخضع الفعل في النهاية إلا لنص واحد , فليس ثمة تعدد في الجرائم , وإنما تعد حالة ” تنازع نصوص ” يتغلب أحدها في النهاية , فلا تقوم بالفعل غير جريمة واحدة . وأمثلة التعدد المعنوي أن يهتك المتهم عرضا في مكان عام , فتقوم بهذا الفعل جريمتا هتك العرض والفعل الفاضح العلني , أو أن يستعمل شخص محررا مزورا مع علمه بذلك للاحتيال علي غيره , فتقوم بفعله جريمتا استعمال المحررات المزورة والنصب أو الشروع فيه.

حالات التعدد المعنوي للجرائم :

الحالات الأصلية للتعدد المعنوي للجرائم هي حالة ارتكاب فعل واحد ترتبت عليه نتيجة إجرامية واحدة يصدق عليهما وصفان إجراميان أو أكثر , وقد تقدم ذكر مثالين لها . ولكن التعدد المعنوي يتضمن حالتين أخريين : فيتضمن كذلك حالة ارتكاب فعل واحد أفضي إلي نتائج عديدة متنوعة , كل منها تقوم به جريمة علي حدة , ويضم التعدد المعنوي في النهاية حالة ارتكاب فعل واحد أفضي إلي نتائج عديدة متماثلة , كما لو أطلق شخص رصاصة واحدة أصابت شخصا فقتلته ثم نفذت منه فأصابت شخصا ثانيا فقتلته كذلك , فهذا الفعل الواحد تتعدد به جريمتا قتل تعددا معنويا .

تكييف التعدد المعنوي للجرائم :

يثور الجدل في الفقه حول ما إذا كان التكييف الصحيح للتعدد المعنوي أن تقوم به جريمة واحدة أم جرائم متعددة , والسبب في ذلك اختلاف النظرة من حيث الوصف الإجرامي ومن ناحية أخري الجريمة بأركانها المتعددة مجتمعة , وقد تبني المشرع الرأي القائل بتعدد الجرائم في حالات التعدد المعنوي حتي ولو كان الفعل واحدا , فقد وصف التعدد المعنوي بأنه تكوين الفعل الواحد ” جرائم متعددة ” .

حكم التعدد المعنوي :

حدد الشارع حكم التعدد المعنوي للجرائم بقوله ” إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد والحكم بعقوبتها دون غيرها ” . ويعني ذلك التزام القاضي بأن يقتصر علي تطبيق النص الذي يقرر العقوبة الأشد وأن يغفل سائر النصوص التي تقرر العقوبات الأقل شدة , وفي عبارة أخري فإن عليه أن يقضي في الفعل علي أساس وصفه الأشد ويصرف النظر عن سائر أوصافه . ومؤدي ذلك أن قاعدة تعدد العقوبات لا تطبق في حالات التعدد المعنوي , وإنما يحكم القاضي بالعقوبة الأشد من بين العقوبات المتعددة التي تقررها للفعل أو أوصافه . وخطاب الشارع في شأن التعدد المعنوي متجه إلي القاضي لا إلي سلطة التنفيذ : فالقاضي عليه أن يفحص الأوصاف المختلفة للفعل , والحكم بالعقوبة التي حددها هذا النص , ومن ثم يعد القاضي مخطئا في تطبيق القانون إذا نطق بعقوبات متعددة من أجل الفعل (باعتبار عقوبة عن كل وصف ) وأمر سلطات التنفيذ بأن تقتصر علي توقيع العقوبة الأشد . وعلة الاقتصار علي العقوبة الأشد أن المتهم لم يصدر عنه غير فعل واحد , فهو لا يستحق عدالة إلا عقوبة واحدة . ويحدد القاضي النص الذي يقرر العقوبة الأشد علي أساس المقارنة بين العقوبات الأصلية التي تقررها النصوص المختلفة التي تحدد أوصاف الفعل وتعيين أشد هذه العقوبات , ويطبق القاضي في هذه المقارنة الضوابط الخاصة بشأن ” تطبيق النصوص الأصلح للمتهم ” , ويعني ذلك أن العقوبات التبعية أو التكميلية أو التدابير الاحترازية التي تقررها هذه النصوص لا يجوز أن تكون عناصر في هذه المقارنة .

وغني عن البيان أن القاضي لا يلتزم بالحكم بالحد الأقصى للعقوبة الأشد , فله أن يستعمل سلطته التقديرية وفقا للقواعد العامة , ومؤدي ذلك أن يكون له الحكم بالحد الأدنى لهذه العقوبة , وقد تكون العقوبة التي يقضي بها علي هذا النحو أقل من الحد الأقصى للعقوبة المقررة حسب الوصف الأخف للفعل .

وترتبط بهذه القاعدة النتائج التالية : يختص بالدعوي القضاء المنوط به النظر في أشد أوصاف الفعل لأنه يستطيع النطق بالعقوبة المقررة لهذا الوصف . وإذا صدر في شأن الفعل حكم بالبراءة أو الإدانة علي أساس أحد أوصافه كان حائلا دون تحريك الدعوي علي أساس وصف آخر ولو كان أشد , وذلك تطبيقا لمبدأ ” عدم جواز المحاكمة مرتين من أجل فعل واحد ” (المادة 455 من قانون الإجراءات الجنائية ) .

وتطبيق النص الذي يقرر الوصف والعقوبة الأشد ينطوي علي أمرين : الأول , أن هذا النص يجب أن يطبق بجميع أحكامه , فينطق القاضي بما يقرره من عقوبات أصلية وتكميلية وتدابير احترازية و والثاني أن النصوص التي تقرر العقوبات الأقل شدة يجب أن تستبعد , فكما لا يجوز للقاضي أن ينطق بما تقرره من عقوبات أصلية و لا يجوز له كذلك أن ينطق بما تقرره من عقوبات تكميلية أو تدابير احترازية .

أ.د محمود نجيب حسني – المرجع السابق

حسني سالم المحامي