ضمانات حياد القاضي الجزائي مرحلة المحاكمة أو التحقيق النهائي

هي المرحلة الأهم في مسار الدعوي الجزائية لان فيها يتم تقرير إسناد التهمة للمتهم أو يقرر عدم إسنادها لذلك فقد أولى المشرع لهذه المرحلة أهمية خاصة، وأحاطها بقواعد وشكليات معينة يجب مراعاتها واحترامها تحت طائلة البطلان.
والهدف من تشديد المشرع على هذه القواعد الإجرائية هو الوصول إلى الحقيقة مع الحفاظ على التوازن بين حماية حقوق الدفاع من جهة، وصيانة قرينة البراءة من جهة ثانية، و ضمان حق المجتمع في اقتصاص الحق العام من الجاني من جهة ثالثة ، والسعي إلى حسن سير العدالة من جهة أخرى.
واشتراط هذه القواعد الإجرائية هو في حد ذاته تطبيق لمبدأ سيادة القانون وهي قواعد يمكن إرجاعها وتأصيلها إلى فكرتين عامتين تهيمنان على كل إجراءات المحاكمة الجزائية العادلة وهما:

• مبدأ الشرعية
سيادة القانون على الحاكم والمحكوم خلال كل مراحل الدعوى الجزائية
• و مبدأ قرينة البراءة
المادة 45 من دستور 96″ كل شخص يعتبر بريئا حتى تثبت الجهة النظامية إدانته مع كل الضمانات التي يطبقها القانون”، وهذا المبدأ تنتج عنه قاعدتان أساسيتان هما..

o تفسير الشك لصالح المتهم،
o وقوع عبء الإثبات على النيابة العامة.

و أيا كان الأمر فالمشرع قد أحاط هذه المرحلة بضمانات هامة جدا، سواء منها ما تتعلق بقواعد انعقاد المحكمة أو بقواعد المرافعات وتكريس حقوق الدفاع.

أولا: الضمانات المتعلقة بقواعد انعقاد المحكمة

هي مجموع الدعامات والمبادئ العامة التي كرستها معظم التشريعات الحديثة ومن بينها التشريع الجزائري،و التي من أهمها أن يحاكم المتهم من طرف سلطة قضائية مستقلة، ومختصة بنظر الدعوى، و أن تكون هذه الهيئة مشكلة تشكيلة قانونية صحيحة ، وهي أساسيات لا يمكن بأي حال التنازل عنها كونها من النظام العام و هي:

1 سلطة قضائية مستقلة

يعتبر الفصل بين مبدأ الفصل بين السلطات من أهم ضمانات المحاكمة العادلة، كما يقصد به استقلال سلطة الحكم عن سلطة التحقيق، وهذا حسب المادة 38 ق.إ.ج، وهذا أيضا مبدأ من النظام العام، بمعنى لا يجوز للقاضي الذي قام بإجراءات التحقيق في دعوى ما الاشتراك في تشكيله محكمة الجنح أو الغرفة الجزائية، إذا كانت نفس القضية المعروضة أمامها للمحكمة قد سبق له التحقيق فيها كما لا يجوز لعضو في غرفة الاتهام أن يشترك في محكمة الجنايات إن كانت القضية عرضة عليها أثناء وجوده عضو.

2 ضمانة تشكيلة الجهة القضائية

يعتبر تنظيم الجهات القضائية من النظام العام، ومنه تنظيم الجهات القضائية الجزائية، سواء قضاء الجنح و المخالفات بدرجتين أو قضاء الأحداث بدرجتين أو محكمة الجنايات وعدم قانونية التشكيلة هو من النظام العام، كما لا يجوز أن يكون ضمن تشكيلة الدرجة الثانية قاضي كان قد شارك في تشكيلة الدرجة الأولى، وهذا مخالفة لمبدأ التقاضي على درجتين و أن ممثل النيابة و كاتب الضبط يعتبران جزءا من التشكيلة و تعتبر غير موافقة للقانون إذا تمت الجلسات أو النطق بالحكم في غياب أحدهما، حسب المادة 29 ق.إ.ج.

3 المحاكمة من جهة قضائية مختصة

أي أهلية الجهة للنظر والفصل الدعوى الجزائية وهي مسألة يجب على القاضي الوقوف عندها قبل التطرق لموضوع الدعوى وتكون المحكمة مختصة إقليميا حسب المادة 329 ق.إ.ج الاختصاص النوعي وذلك حسب طبيعة الجرم أو الأشخاص ( جنايات، جنح، مخالفات، أحداث).

4 مبدأ عدم إنكار العدالة

و يعني أنه على جهة الحكم الفصل في الدعوى المعروضة أمامها بدون تماطل وأن امتناعها عن الفصل فيها يعد خطأ مهيبا يرتب المسؤولية التأديبية.

فإذا تحقق هذا انتقل إلى مستوى آخر هو تطبيق القواعد الإجرائية باحترام قواعد المرافعات وخاصة تمكين المتهم من حق الدفاع وحق الطعن في الأحكام و هذا ما سنتناوله في المبحث الثاني.

ثانيا: الضمانات المتعلقة بقواعد المرافعات و حقوق الدفاع

هذه المرحلة تقوم على مقومات ثلاث وهي الوجاهية، العلانية و الشفاهية وهذه المقومات واجبة الاحترام وأغلبها ومن النظام العام يترتب على إغفالها أو عدم مراعاتها بطلان إجراءات المحاكمة، و بالنتيجة بطلان الحكم الصادر في موضوع الدعوى و هذه الضمانات هي:

1 علنية الجلسات

تقوم مرحلة التحقيق النهائي على أشكال جوهرية يجب احترامها تحت طائلة بطلان إجراءات المحاكمة، من بينها علانية المرافعات على عكس مرحلة التحقيق التي تتسم بالسرية تطبيقا للمادة 11 ق.إ.ج.
و قد نصت المادة 285 ق.إ.ج على مبدأ علانية الجلسات بالنسبة لمحكمة الجنايات ونصت المادتان 342 و 430 ق.إ.ج على مبدأ العلانية بالنسبة لمحكمة الجنح والغرفة الجزائية، و يقصد بالعلانية فتح مجال حضور المحاكمة لكافة الناس إلا أنه يجوز استثناء أن تقرر المحكمة انعقاد سرية إذا اقتضت ذلك دواعي النظام العام و الآداب العامة على أن يحضرها الخصوم و وكلائهم ، كذلك نصت المادتان 461 و 463 ق.إ.ج استثناء نصيا على مبدأ العلانية و تتعلق بسرية المرافعات أمام جهات الحكم الخاصة بالأحداث.
و أن هدف العلانية هو تحقيق الردع في أوساط المجتمع حيث يلقى المجرم جزاءه على مرأى الجمهور فيطمئن لان العدالة تطبق أمام ناظريه.

2 وجاهية إجراءات المحاكمة

و نعني به ضرورة حضور الأطراف والخصوم أمام القاضي في أثناء المحاكمة حيث يقوم في أساسه على تبادل البراهين والحجج بين الخصوم ومناقشتها في معرض الجلسة، وهي التي يؤسس عليها قاضي الحكم حكمه حسب المادة، وهذه الوجاهية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا كان كل خصم خاصة المتهم قد مكن من حضور جلسات المحاكمة.
و هذا التمكين لا يكون إلا بصحة استدعائه قانونا بواسطة التكليف بالحضور الذي تقوم بتبليغه النيابة العامة محترمة كل الشروط الشكلية في ذلك نصت المادة عليها المواد 440 و337 مكرر والبيانات نصت عليها المواد 334 و 439 ق.إ.ج.

3 شفاهية المرافعات

يعد من المبادئ الأساسية التي يجب مراعاتها أثناء مرحلة المحاكمة، خلافا للمحاكمات المدنية التي تتسم بالكتابة.
مبدأ الشفاهية الذي هو يمكن القاضي من تكوين قناعته بناءا على ما تمت مناقشته من أدلة في معرض الجلسة، واستيفاء الدليل من تصريحات الأطراف أمامه فلا يكفي خلال مرحلة المحاكمة بالتحقيقات الابتدائية التي أجريت بشأن الدعوى وإنما يجب على قاضي الحكم أن يعتمد بصفة أساسية على التحقيقات التي يجريها في الجلسة ما لم يجز له القانون ذلك.
وفي ذلك يقوم بـ:

أ التأكد من هوية المتهم

حسب المادة 343 ق.إ.ج التي تنص على أن يتحقق الرئيس من هوية المتهم ويعرف بالإجراء الذي رفعت بموجبه الدعوى للمحكمة كمما يتحقق عند الاقتضاء من حضور أو غياب المسؤول بالحقوق المدنية والمدعى المدني والشهود.

ب الاستجواب وتوجيه الأسئلة

و نميز بين الاستجواب و توجيه الأسئلة.

 الاستجواب:

حسب المادة 224 و300 ق.إ.ج يقوم الرئيس باستجواب المتهم قبل سماع الشهود وتلقى أقواله ويعرف الاستجواب انه إجراء من إجراءات التحقيق بهدف إلى الوصول إلى حقيقة التهمة من نفس أحوال المتهم إما باعتراف منه بصحة التهمة المنسوبة إليه إما بدفاع نفي التهمة عنه و بهذا المعنى فالاستجواب يحقق وظيفتين أساسيتين:
• إثبات شخصية المتهم ومناقشته تفصيليا في الاتهام الموجه إليه،
• تحقيق دفاع المتهم.

 توجيه الأسئلة:

حسب المادة 224 ق.إ.ج التي تحيز للنيابة العامة بتوجيه الأسئلة للمتهم كما يجيز ذلك للمدعين المدني والدفاع عن طريق الرئيس فهنا أثناء التحقيق في الجلسة فالنيابة العامة توجيه أسئلة للمتهم مباشرة بعد أن يأذن لها الرئيس أما المدعي المدني والدفاع فيوجهون الأسئلة عن طريق الرئيس.
و عليه فالاستجواب هو الذي يقوم به رئيس الجلسة وذلك من خلال طرح أسئلة عل المتهم إما الأسئلة فهي التي توجه من النيابة العامة مباشرة و المدعي أو الدفاع عن طريق الرئيس.

ج الحق في السكوت

صمت المتهم نوعان طبيعي، متعمد، ويكون طبيعيا إذا كان أصم وأبكم فهما يعين له القاضي خبير.
أما إذا تعمد الصمت فلا يعني ذلك أنه مدان فقد يكون هنا صمت المتهم ليد أسباب عديدة.
فإذا رفض المتهم الإجابة عن التهمة الموجهة إليه فلا يجوز لقاضي الموضوع أن يتخذ بعض وسائل الإكراه كحمل المتهم على الكلام و إلا يرتب على ذلك بطلان الاستجواب والحكم المبنى عليه.
وعليه فإن الصمت لا يعتبر اعترافا لان هذا الصمت لا يعتبر صراحة إقراره بالواقعة الإجرامية المنسوبة إليه، هو في حقيقته ليس إلا استعمالا لحق قرره له القانون ومع ذلك فإن مثل هذا الصمت يتخذ كقرينة ضد المتهم على ارتكابه الجريمة لان المحكمة ليسلها من حل لهذه القضية إلا هذا الأسلوب.

د- عدم الاعتراف تحت الإكراه

الاعتراف الذي يعول عليه في مجال الإثبات الجنائي يجب أن يكون صادرا عن إرادة حرة و واعية هذا يقتضي أن يكون المتهم على علم بما تم في الدعوى مدركا معنى ما يقر به متمتعا بحرية الاختيار و لذلك يجب استبعاد ذكر وسائل التأثير المختلفة كحمل المتهم على الاعتراف سواء أكانت مادية أو معنوية. و الإكراه نوعان مادي ومعنوي: ومن صور الإكراه المادي :العنف، الاستجواب المطول، استخدام كلب البوليس، أما الإكراه المعنوي : الوعد، التهديد، تحليف المتهم اليمين استعمال الحيلة والخداع.

ه -احترام حقوق الدفاع

تلعب مؤسسة الدفاع دورا بارزا وفعالا في الوصول إلى تحقيق محاكمة جزائية عادلة تحفظ كرامة المتهم وتصون حقوقه لان هذا الحق هو حق دستوري لا يمكن حرمان الشخص منه نظرا لكون المحامي يقوم بمراقبة سلامة الإجراءات وبالمرافعة عن المتهم إضافة للخبرة والصلاحيات التي يتمتع بها وليست في إمكان المتهم القيام بها، فيحرص المحامي علة تمكين المتهم من حقوقه التي قد يجهلها كحقه في الإدلاء بأقواله بكل حرية وحقه في إعلامه في حالة إعادة التكييف وحقه في إعادة التكييف الأصلح له، وفي إبداء الكلمة الأخيرة وحقه في رد القاضي وحقه في أن يكون الحكم الصادر في حقه مسببا تسبيبا كافيا تطبيقا للمادة 144 من دستور 1996.

و- تدوين التحقيق

و يعني قيام كاتب الجلسة بتحرير محضر الجلسة في المحكمة تحت إشراف رئيس المحكمة و يشمل المحضر على تاريخ الجلسة وبيان ما إذا كانت الجلسة سرية أو علنية وأسماء القضاة والكاتب ممثل النيابة و الأطراف والشهود وكامل الإجراءات وهذا حسب المادة 380 ق.إ.ج.