مَن يصنع الديكتاتور القانون ام القضاء ؟ / القاضي سالم روضان الموسوي

للقضاء وظيفة وللقانون وظائف ، وظيفة القضاء تطبيق القانون على وفق الاحكام الواردة في نصوصه ويتلمس القاضي حاجة المجتمع وغاية المشرع ويجتهد في حدود النص القانوني ولا يجتهد تجاهه ، و سيعمل على تطوير روح النص وليس النص بذاته لان العبرة بالأحكام التي يسعى إلى تحقيقها النص القانوني معبرا عن فلسفة المشرع، وهذه مهمة كبيرة تولاها القضاء العراقي عبر العديد من أحكامه التي أصدرها تجاه حالات لم يرى في ظاهر النص حكم ينظمها إلا أن قدرة القاضي وحرفيته ومهنيته مكنته من استجلاء الغاية واستنباط الحكم وذلك عبر تاريخه منذ تشكيل المحاكم العراقية وحتى الآن، اما القانون فان وظائفه متعددة ويرى الباحثون في علم القانون وفن الصياغة التشريعية ان القانون له اكثر من وظيفة منها وظيفة سياسية حينما يضخم الخوف من العنف السياسي او عندما يجرم الافعال بوصفها السياسي وتقييد الحريات العامة ومنها حرية التعبير عن الرأي، ووظيفة اجتماعية حينما يصبح اداة للتغيير الاجتماعي وكان للقانون دور في عملية تحول المجتمعات من رأسمالية الى اشتراكية وبالعكس ، فضلا عن وظيفته في رسم شكل الدولة وتنظيم مكوناتها والقانون يجعل من نظام الحكم تعددي ديمقراطي تداولي ، وذات القانون جعل في زمان مضى او في مكان اخر نظام الحكم وراثي او شمولي وسلطوي، ويرى الكاتب الفرنسي الكسندر فيالا (Alexandre Viala ) من جامعة مونبيليه بان الاتحاد الاوربي بما وصل اليه من نظام ديمقراطي فانه يعاني من فوضى القواعد القانونية التي تؤدي الى ظهور خطر تفكك الاتحاد وخسارة المكاسب التي تحققت ،

وهذه الوظائف الخطيرة والكبيرة للقانون دعت العلماء في شتى العلوم الانسانية الى التعامل مع مفردة القانون بمزيد من الحذر والتأني وملؤا المكتبات بالبحوث والدراسات واحدهم قال (ان اسوء انواع الطغيان هو القانون السيء) ، لان القانون اذا تبنى عقيدة وفلسفة تسلطية شمولية لا يقوى احد على منعه إلا بتعطيله او الغاءه وفي جميع بلدان العالم الثالث والبلدان العربية التي عصفت بها رياح ما يسمى بالربيع العربي ، كان القانون هو من يحمي الدكتاتور ويشرعن له الاعمال والعراق ليس ببعيد عن هؤلاء وتخبرنا التجربة في هذه البلدان ان ملاذ المواطن والشعوب كان القضاء الذي وقف ضد الطغيان بقدر الفسحة التي يقتنصها في مفردات النص التشريعي ، وقاوم اساليب التفرد بالقدر المتاح مما دعا السلطات انذاك الى انشاء محاكم استثنائية تشكل من موظفين في الدوائر القريبة من السلطة وأضفى عليهم عنوان قاضي ، و الحاكم ،اعني به كل أشكال أنظمة الحكم، قد تنوعت أساليبه في سلب الحقوق من الشعب والتغول حينما وجد له مسرباً ويذكر الفيلسوف مونتسكيو في كتابه (روح الشرائع) ((ان كل شخص يحوز السلطة يكون محمولا على تجاوزها))

فكان للقضاء العراقي وقفة قدم فيها من قضاته قرابين صلبت في محراب العدالة حينما ابعدهم عن القضاء او زج بهم في غياهب السجون ولم يقتصر الامر على العراق بل في مصر عام 1971 عندما عزل اكثر من مئة قاضي وسميت بمجزرة القضاء لأنهم لم ينتظموا مع خط التجاوز على القانون ، وأعود فأقول ان القضاء لم ولن يسهم في صناعة الدكتاتور ، وانما القانون يكون من اهم الفعاليات التي تؤسس للأنظمة الديكتاتورية لان القانون هو الوسيلة التي تخضع المواطن للأوامر التي يتضمنها النص والذي عادة ما يعبر عن وجهة نظر من شرعه ، وهنا لابد من الإشارة إلى ان الموضوع يتعلق بالقوانين الوضعية التي هي من وضع البشر حصراً ولا علاقة لنا بسواها من القواعد،

لذا فان مجرد صدور القانون من قبل السلطة القابضة على مقادير الحكم يكون ملزم وواجب التطبيق من قبل أجهزة السلطة وواجب التنفيذ من قبل المواطن، دون النظر عن كون هذه السلطة التي أصدرته مكتسبة الشرعية الدستورية أو مفوضة من قبل الشعب أم إنها استولت على الحكم بواسطة قوة السلاح والأساليب البوليسية، وكل من يخالف هذه الأحكام يصبح مجرم ويستحق العقاب فيما يتعلق بالقوانين الجزائية، ومن خلال القوانين سنتمكن من معرفة العقيدة السياسية التي يؤمن بها من شرع القانون، مثلما سنعرف حجم الاستقرار السياسي في البلد،

والأهداف التي يطمح اليها المجتمع السياسي في البلد، فإذا هيمن حزب او جهة على مقاعد مجلس النواب وشكل الاغلبية المطلقة سيتمكن من تمرير افكاره بقوانين يشرعها بأريحية عالية جداً، مثلما حصل في تركيا عندما سيطر حزب اردوغان على اغلبية مقاعد البرلمان التركي تمكن من تعديل الدستور بما يحقق تولي اردوغان لرئاسة الحكومة، كما يستطيع المراقب للعمل التشريعي ان يعرف حجم الكتل والتيارات التي يتكون منها البرلمان، وعدم توفر الاغلبية لأي جهة سينتج قوانين توافقية تسعى لتحقيق رضا وقبول المختلفين، الذي لا يدرك، وعلى من يرى ان دكتاتوراً قد ظهر او انه في طور التكوين فليلتفت الى القوانين التي تشرع او النافذة ويبحث عن الخلل فيها ولا يلقي بما لم يقدر عليه على عاتق القضاء.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت