– المقصود بالمعاينة :

يقصد بالمعاينة انتقال المحكمة لمعاينة الشيء المتنازع عليه، وانتقال المحكمة للمعاينة قد يكون من تلقاء نفسها وقد يكون بناء على طلب كلا الخصمين او احداهما. وهي من اهم الادلة في المسائل المادية، لكونها لها اثر مباشر في حسم النزاع لا يمكن الاستغناء عنه، لكونه دليلا ينصب على المسائل الملموسة او الحسية والمعاينة تعني الكشف ايضا(1). وتتحقق المعاينة عن طريق الانتقال الى محل النزاع او المكان الذي يوجد فيه المطلوب معاينته سواء اكان من الاموال بنوعيها المنقولة وغير المنقولة او كان من الاشخاص كان تنتقل المحكمة لمعاينة الشخص المطلوب الحجر عليه وقد شدد المشرع في وجوب ان تتم معاينة الشخص مع كامل الحيطة والحذر اللازمين لضمان احترامه والابتعاد عن كل ما قد يسيء الى كرامته وضمان حريته الشخصية وعدم التدخل في شؤونه الخاصة او العائلية او العمل على توجيه اللوم او الانتقاد اليه(2).

ولا يشترط ان تنتقل المحكمة بكامل هيئاتها اذا كانت مشكلة من هيئة مثل محكمة الاستئناف وانما يجوز لها ان ترسل او تنتدب او تخول او تعطي صلاحية الكشف الى حد اعضائها (قضاتها) للانتقال الى المحل المطلوب معاينته، كما يجوز لها ان تأمر في جلسة المرافعة المحددة مكانا وزمانا باحضاره امامها اذا كان ذلك ممكنا بعد تعيين موعدا لذلك تحدده في جلسة المرافعة مستندة في رأيها هذا الى امكانية جلب الشيء اذا لم يصعب جلبه ولم يحتاج الى تكاليف صرفية كثيرة(3). ان قرار محكمة الموضوع بالانتقال الى المكان المتنازع فيه لمعاينته كان يكون عقارا او منقولا او شخصا طبيعيا حيث تتم هذه المعاينة من القاضي نفسه بمعرفته او قد يتعين بمعرفته خبيرا اذا كانت المعاينة تحتاج الى خبرة فنية خاصة كالاستعانة بخبير مساح لتثبيت حدود العقار او لمسح ارض وتحديد مساحتها وغير ذلك من الامور التي تحتاج الى خبرة خاصة كمعرفة متانة بناء وتقدير الاضرار الحاصلة فيه(4). بعد ان تنتهي المحكمة من اجراء المعاينة المطلوبة لضرورات استلزمتها ظروف القضية المنظورة امامها يجب عليها او يستلزم الامر ان تنظم تقريرا (محضرا) بذلك تضمنه ملاحظتها ومشاهداتها والاوصاف بصورة تامة وحقيقية من دون ان تبين رأيها الخاص عن تلك المعاينة، ويحق لكل ذي علاقة ان يطلب نسخة مصدقة منه ويحق لكل من الخصمين بيان ملاحظاته بشأن تلك المعاينة وقد توجه الى الخبير بعض الاسئلة من قبل الخصم بواسطة المحكمة لتوضيح ما لديهم او لتكملة النقص ان وجد(5).

بعد ان تقرر المحكمة اجراء المعاينة وقبل ان تنتقل لذلك يجوز لها الرجوع عن قرارها هذا بشرط ان تعلل اسباب عدولها عن اجراء تلك المعاينة في محضر الجلسة ذاتها التي قررت فيها الرجوع عن رأيها كان تجد في محاضر جلسات المرافعة او ان موضوع الدعوى وظروفها يغنيها عن اجراء تلك المعاينة او ان المعاينة غير منتجة في الدعوى وليست متعلقة بها وعلى اية حال متى ما قررت المحكمة العدول عن قرارها فيجب ان يكون قرارها هذا مسبباً اذ ان المشرع قد منح القاضي الخيار في العدول عن قراره اذا راى ذلك بشرط ان يبين اسباب العدول فهو غير ملزم بعد العدول عن قراره(6)، ويجب على المحكمة عندما تقرر اجراء المعاينة في جلسة المرافعة فعليها ان تجري المعاينة في مدة اقصاها اسبوعان من تاريخ قرارها هذا الا اذا استجدت ظروف حالت دون ذلك تعتبر اسبابا مشروعة حتى بالنسبة لمحكمة الموضوع وهذه الظروف او الموانع كثيرة لا حصر لها وانما تقدر حسب الظروف الموضوعية لكل دعوى وحسب ظروف المحكمة. (7)

تقدير المعاينة:

ان تقدير المعاينة غير ملزم لمحكمة الموضوع ولكن لها سلطة تقديرية تخولها ان تتخذ من تقرير (محضر المعاينة) سببا لحكمها، اذ يجوز لها ان تعتبر تقدير المعاينة دليلا يكمله دليل اخر كأن تقرر توجيه اليمين الى احد الطرفين(8). المعاينة لكي تنتج اثرها القانوني يلزم ان يراعى فيها الاجراءات القانونية المطلوبة مثل وجوب قيام القاضي بمعاينة محل النزاع بنفسه، او من ينوب عنه، لانه لا يجوز له الاستناد الى معاينة تمت في دعوى اخرى سابقة او الكشف الذي قامت به دائرة اخرى غير مخولة بذلك قانونا مثل دائرة التسجيل العقاري(9). ولما كانت المعاينة من ادلة الاثبات غير الملزمة المباشرة مع امتلاك القاضي (قاضي الموضوع) سلطة في تقدير الدليل الناتج عن المعاينة، فالقاضي حر في مدى الاخذ بما حصل عليه من علم نتيجة المعاينة ولكنه ملزم في حالة الاخذ به تسبيب قرار الحكم كما هو الحال في أي دليل مقنع غير ملزم، بالاضافة الى ان عدم تسبيب الحكم يؤدي الى نقضه تمييزاً لوجود خطأ في الاسناد(10).

________________

1- م (125) اثبات عراقي: (للمحكمة من تلقاء نفسها او بناء على طلب احد الخصوم ان تقرر الانتقال لمعاينة المتنازع فيه او تندب لذلك احد قضاتها لمعاينة او احضاره لديها في جلسة تعينها، لذلك متى رأت في هذا مصلحة لتحقيق العدالة)؛ (طلب الانتقال الى محل النزاع لمعاينته هو من الرخص القانونية لمحكمة الموضوع فلا عليها ان تستجيب الى ذلك متى وجدت في اوراق الدعوى ما يكفي لاقتناعها بالفصل فيها) نقض مدني في 25/2/1960، مجموعة المكتب الفني س11 ص184؛ ابراهيم المشاهدي، نافذه على القانون و القضاء، شركة السندباد للطباعة و النشر، بغداد، 2002، ص52.

2- د. محمد يحيى مطر، الاثبات في المواد المدنية و التجارية، الدار الجامعية، الاسكندرية، 1987، ص223؛ د. آدم وهيب النداوي، شرح قانون البينات الاردني، ص221.

3- (ان انتقال المحكمة بكاملها الى محل النزاع عوض عن انابه قضاتها لا يعد من اسباب النقض، لان الغرض من انابه القاضي تسهيل مهمة التحقيق و الاقتصاد في النفقات فلا يخل اشتراك باقي قضاة المحكمة في جوهر التحقيق و لا يؤدي الى القول بان المحكمة اطلعت على الواقع و لا يجوز لها ان تقضي بعلمها ما دام مستند الحكم هو البينات التي يتضمنها محضر التحقيق) نقض سوري رقم 64 في 1، 4، 1950؛م(308 فق2) من قانون المحاكمات المدنية اللبناني:(اذا تعلق النزاع بمال منقول و كان نقله ممكنا فللمحكمة ان تقرر جلبه امامها ما لم تر انه من الاجدى للتحقيق معاينته في مكانه)؛ د. محمد يحيى مطر، المصدر السابق، ص224.

4- محمد الصوري، التعليق على مواد قانون الاثبات، ج3، ص1234؛ (الكشف يجب ان يشمل كل العقار و الاطلاع على مرافقه و ان تحديد الاضرار يتطلب تثبيت مسبباتها سواء ان كانت استخدام اعتيادي او غيره) قرار تمييز محكمة العراق غير منشور 1151، م1 عقار، 2002 في 13، 6، 2002 ؛ قرار رقم 3962، م2، 1996، ص73، مجلة القضاء عدد 1، 2، 3، 4 / 1997

5- م(127) اثبات عراقي: ( تنظم المحكمة محضرا بالمعاينة تبين فيه جميع ملاحظاتها من دون ان تثبت فيه انطباعها عن المعاينة او رايها الخاص، و لكل من ذوي العلاقة ان يحصل على صورة مصدقة منه) ؛ ادم وهيب النداوي، دور الحاكم المدني في الاثبات، رسالة ماجستير، كلية القانون، بغداد، ط1، الدار العربية للطباعة والنشر، بغداد، 1396هـ 1976م، ص460.

6- د. سليمان مرقس، اصول الاثبات في المواد المدنية، ط2، المطبعة العالمية، مصر، 1953، ج3، ص290؛ ادم وهيب النداوي، دور الحاكم المدني في الاثبات، ص459؛ د. . ادم وهيب النداوي، شرح قانون البيانات و الاجراء الاردني، مكتبة دار الثقافة للنشر و التوزيع، عمان، الاردن، 1998، ص220.

7- م(129) قانون الاثبات العراقي: ( على المحكمة ان تحدد اجلا لا يتجاوز اسبوعين لاجراء المعاينة، الا اذا قام مانع مشروع يحول دون ذلك)؛ احمد ابو الوفاء، الاثبات في المواد المدنية و التجارية، الدار الجامعة للطباعة و النشر، بيروت، 1983، ص50؛ د. صلاح الدين الناهي، الوجيز في مبادئ الاثبات و البينات، ص77.

8- م(131) قانون الاثبات العراقي: ( للمحكمة ان تتخذ من تقرير المعاينة سببا لحكمها)؛ حسين المؤمن، نظرية الاثبات، ج4، ص269.

9- د. محمد حسن قاسم، الاثبات في المواد المدنية و التجارية،ط1، الدار الجامعية بيروت، 2001، ص 305؛ د. ادم وهيب النداوي، شرح قانون الاثبات العراقي، ص265، (لا يجوز الاستناد الى اقوال الخبراء الذين ابدوا اراءهم و اقوالهم في قضية اخرى فلكل حادثة قضائية اسانيدها الخاصة) قرار تمييزي عراقي رقم 2221 في سنة 1961، مجلة القضاء عدد 3، 4 لسنة 1961، ص643.

10- محمد علي الصوري، التعليق على مواد قانون الاثبات، ج3، ص1238؛ قرار محكمة تمييز العراق غير منشور رقم 1383، ش 2002 ت 4256 في 17، 18، 2002.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .