التنبؤ بالجريمة

المؤلف : صلاح هادي صالح الفتلاوي
الكتاب أو المصدر : الخطورة الاجرامية واثرها في تحديد الجزاء الجنائي

أن عملية التنبؤ بالفعل الإجرامي الذي يمكن أن يقدم عليه المجرم ، تعتبر مسألة مهمة جداً في عملية تحديد الخطورة الإجرامية الكامنة داخل هذا الشخص حيث أن هناك مؤشرات معينه تدل على أن شخصاً ما سيقدم على ارتكاب هذه المؤشرات بذاتها هي مؤشرات تدل على خطورة هذا الشخص لأن الخطورة … هي (احتمال الأقدام على ارتكاب جريمة) من ذلك تتضح أهمية عملية التنبؤ بالجريمة لان هذه العملية يمكن من خلالها أن توصلنا الى الخطورة الإجرامية بحد ذاتها . ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : ما المقصود بعملية التنبؤ ؟ وما هي الأسس التي يمكن الاعتماد عليها عند القيام بعملية التنبؤ بالجريمة ؟ وما هي المشاكل التي يمكن ان تواجه عمليه التنبؤ ؟ وهو ما سنحاول الاجابة عنه بالافرع الثلاث القادمة .

الفرع الاول : المقصود بالتنبؤ بالأجرام : –
لقد ظهرت بمرور الزمن الحاجة الى خبراء محترفين لتحديد مقدار أو درجة الخطورة التي يمكن أن يسببها بعض الأشخاص للمجتمع ، وذلك قد يكون عن طريق تقييم مدى ميول الأشخاص للقيام بأعمال عدوانية (الآن أو في المستقبل) أو احتمالية استمرار خطورتهم على المجتمع بعد أطلاق سراحهم(1) . ويقصد بالتنبؤ بالأجرام عملية توقع الخطورة الإجرامية وذلك عن طريق التوصل الى الدلائل القائمة في شخصية الانسان والتي يحتمل معها ارتكاب جريمة في المستقبل(2) . أي أنها تمثل عملية الوقوف على السلوك المستقبلي الذي ينطوي على خطورة إجرامية لدى بعض الأفراد الذين لم يتردوا بعد في الجريمة(3) ، ويلاحظ العلماء أن عملية التنبؤ هذه يجب أن تتم بحذر ودقة شديدين لأن التقييم الخاطئ سوف يؤدي الى التغيير من الحبس الى أطلاق سراح المتهم وبالعكس ، حيث أن التقييم الايجابي الكاذب شائع جداً بمعنى أن أعطاء التقييم بأن المتهم خطر ويجب عدم أطلاق سراحه رغم انه غير خطير فعلياً يجب ان يكون وفقاً لعملية فحص دقيقه(4) .

الفرع الثاني : أسس التنبؤ بالأجرام :-
… فأن عملية التنبؤ يجب أن تتم بصورة دقيقة وحذره بسبب الخطورة التي ينطوي عليها الخطأ في تقدير الخطورة الإجرامية ولذلك يقترح الفقهاء إحالة موضوع التنبؤ بالخطورة الإجرامية الى مختصين بالأمراض العقلية(5) حيث يتم استدعاؤهم بصورة متزايدة من قبل المحاكم لكي يزودها بقرارات حول توقع الخطورة للمتهمين بالجرائم المختلفة ، ولابد لهؤلاء العلماء من الاعتماد على أسس معينة عند تقديرهم للخطورة الإجرامية ، هذه الأسس هي لدى العالم الأمريكي (واين باتريك) : –

الاعتماد على الناحية الطبية (السريرية) وذلك عن طريق الفحص السريري للمتهم من قبل الطبيب المختص وأجراء المقابلات معه .
الاعتماد على إحصائيات سابقة تعتمد على تصرف مجرمين سابقين بكافة أنواع الجرائم المختلفة ، وبواسطة هذا التقييم يتم إقرار أمكانية أطلاق سراح المتهم من عدمه – أي الحكم بخطورته من عدمها – وتتم هذه الطريقة على أساس دراسة عينة كبيرة من المجرمين ثم استخلاص الصفات الفردية والظروف الاجتماعية التي تتوافر إزاء اكبر عدد من أفرادها ، على أن تدرس مجموعة أخرى من غير المجرمين أو من المجرمين بالصدفة حتى يمكن استبعاد السمات والظروف المشتركة بين المجموعتين ، ومن ثم الوقوف على الأمارات المحددة التي باجتماعها في شخص مجرم ما يمكن القول باحتمال ارتكاب جرائم أخرى في المستقبل أي التعرض على خطورته الإجرامية(6) .

وقد قيل في تقييم هذين الأسلوبين أن طريقة التشخيص رغم دقتها وما تتطلبها من مجهود ووقت فأنه يعوزها التنظيم والموضوعية اللذين يتحققان باستخدام الجداول الإحصائية(7) . وفي تصنيف العوامل التي تعتمد عليها دراسات التنبؤ نجد أن العلماء الأمريكيين قد اهتموا بالتعرف على العوامل الاجتماعية والبيئية كما اهتم العلماء الأوربيون والألمان خاصة بالعوامل والسمات الشخصية وبصفة خاصة العوامل البيولوجية(8) .

الفرع الثالث : المشاكل التي تواجه التنبؤ بالأجرام : –
من أهم المشاكل التي تواجه عملية التنبؤ بالأجرام (احتمالية الخطورة الإجرامية) هو أن الدلائل التي يعتمد عليها في تحديد الخطورة الإجرامية هي إما عوامل ثابتة أو عوامل متغيرة ، فالعوامل الثابتة تمثل العمر والتاريخ والأجرام أو الذنوب والعوامل العائلية وعوامل الطفولة ، وتسمى هذه العوامل ثابتة لأنها أبدية ولا تتغير (دائمية) .

إما العوامل المتغيرة فتمثل المواقف والحالات اليومية والعلاقات الاجتماعية وهي جميعها قابلة للتغيير أو يمكن أن تتغير اعتماداً على حالة المذنب أو الشخص المعني(9) .وتلعب العوامل الثابتة دوراً مهماً في تحديد حالة المذنب بالرغم من أن العوامل المتغيرة يمكنها أن تقوم بموازنة المسائل السلبية المتعلقة بالعوامل الثابتة(10) .

مثال على ذلك أن شخصاً يمتلك تاريخاً أجرامياً وفي الوقت نفسه كانت طفولته سيئة وله عائلة سيئة وبالرغم من ذلك فأنه يمتلك زوجة وعلاقة متوازنة معها وفرصة عمل مناسبة عند خروجه من السجن ، ولكن العوامل المتغيرة تشجع على أطلاق سراحه(11) . وعلى هذا الأساس نجد أن العوامل المساعدة على اكتشاف الخطورة الإجرامية ليست باته في إثبات الخطورة ولذلك جرى الاعتماد على الاطباء النفسانيين في فحص وتحليل شخصية الجاني للوصول الى الخطورة الإجرامية . وبالإضافة الى هؤلاء فأن هناك أشخاصاً يعملون بالسجن بأمكانهم أعطاء وجهات نظر صحيحة حول احتمالية الخطورة لأنهم يمتلكون خبرة طويلة وواجهوا خلال حياتهم العملية حالات كثيرة فتكون أرائهم أفضل حتى من الأطباء النفسيين(12) .
________________
1- Wain Patric ، predicting criminal dengorousness for criminals ، p.6.
2- David A – kohin ، Notes about the clinical evalution for the criminal dengerousncss ، piriakov center ، p.14.
3- د- رمضان السيد الألفي، نظرية الخطورة الإجرامية، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 1966 ، ص 203 .
4- Wain Patric ، op . p 7 .
5- David . A . Kohien ، op . p 12 .
6- د- رمضان السيد الألفي ، المرجع السابق ، ص 202 .
7- Sheldon Gluck ، Prongnosis of Recidivismy Summ criminology ، p 155 .
8- د- احمد عبد العزيز الألفي، العود الى الجريمة والاعتياد على الأجرام، منشورات المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، المطبعة العالمية، القاهره، 1965، ص 219 .
9- Wain Patric ، op cit . p 9 .
10- Mark Miller and Norval Movris ، Pridicting criminal dangerousness ، op cit . p 8 .
11- Wain Patric ، op cit . p 10 .
12- Mark Miller And Norval Mouries ، op cit . p 12 .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت