توسيع سلطة القاضي في توجيه الدعوى المدنية

القاضي جعفر كاظم المالكي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

ينظر القاضي الدعوى وأمامه الخصوم وشهودهم وهم غالبا في نزاع مرير ونفسية منفعلة ميالة للتحيز وإنكار الحق فالمدعي يعمد عادة الى تكييف دعواه بما يتلاءم مع مصلحته، في حين ينكر المدعى عليه ذلك التكييف ويقاومه وينازع فيه ويعلن للمحكمة رفضه ومخالفته للقانون ويصوره بالشكل الذي يتفق ومصلحته.

ومن هذا الوسط المتشنج، ومن تلك الامواج المتلاطمة من المطالب والرغبات المتناحرة فان القاضي وحده مسؤول عن تكييف وقائع الدعوى دون الالتزام بالتكييف الذي يراه احد الخصوم وعلى القاضي ان يقوّم الادلة بعد ان يستمع الى ما يعرضه المدعي منها وكذلك الى الدفوع التي يقدمها المدعى عليه ويقوم وهو بصفته المهيمن والموجه للدعوى بتحري الحقيقية ويصوغها بصورة قانونية عادلة بعيدة عن التحيز وبحياد تام ونزاهة مطلقة، وهو ملزم بإصدار الحكم حتى في حالة غموض النص او عدم وضوحه او حتى في حالة عدم وجوده اصلا، لأنه غير ملزم بقاعدة لا جريمة ولا عقوبة الا بناءً على قانون.

بل المفروض عليه ان يصدر حكما في الدعوى والا عد ممتنعا عن احقاق الحق وتعرض حكمه للنقض وهذا هو التكييف القانوني السليم الذي جاءت به (المادة / 1) من قانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979 المعدل والتي نصت (( توسيع سلطة القاضي في توجيه الدعوى وما يتعلق بها من ادلة بما يكفل التطبيق السليم لاحكام القانون وصولا الى الحكم العادل في القضية المنظورة )) وبذلك قررت الهيأة الموسعة لمحكمة التمييز الاتحادية في احد قرارتها الذي جاء فيه:

( ان تكييف واقعة الدعوى مسألة قانونية لا يتقيد فيها القاضي في تكييف المدعي لدعواه ولا ما يرتبه هذا التكييف من اثار قانونية لان المدعي قد يخطأ بتكييف دعواه عن جهل او يتعمد تكييف دعواه تكييفا خاطئا للوصول الى غرض يريده، فعلى القاضي ان يصل الى حقيقة دعوى المدعي، فاذا وصل اليها كيفها التكييف القانوني الصحيح ثم اصدر حكمه في الدعوى على مقتضى هذا التكييف).

ومن قبيل التكييف القانوني للدعوى معرفة المحكمة المختصة بنظرها فهنا لا بد من الاشارة الى مذاهب الاثبات التي انتهجها المشرع في مختلف قواعد الاثبات فمنها ما اخذ بالمذهب الحر ومنها ما اخذ بالمذهب المقيد ومنها ما اخذت بالمذهب التوفيقي او المختلط ونجد ان المشرع العراقي قد اخذ بالمذهب الاخير كونه اقرب للعدالة ويعطي حرية كاملة للقاضي للوصول الى الحقيقية.

فنجد أن قانون الإثبات قد حدد مسالك متعددة للقاضي كانت كفيلة بالوصول الى الحكم العادل ومنها ما أشارت له (المادة / 9) من قانون الإثبات والتي أعطت الحق للقاضي أن يأمر أيا من الخصوم لتقديم ما لديه من دليل الإثبات الذي يكون بحوزته وكذلك له الحق في تقدير قيام المانع الأدبي او الأدبي في حالة تعذر انشاء الدليل الكتابي وكذلك ما اشارت له ( المادة /17 ) من القانون والتي اعطت الحق للقاضي ومن تلقاء نفسه اتخاذ أي إجراء من إجراءات الإثبات ليراها لازمة لكشف الحقيقة وتتعدد الامثلة على ذلك ومن خلال ما تقدم فان القانون قد وضع للقاضي سلطة موسعة في الوصول الى الدليل مما يكفل التطبيق السلم لأحكام القانون.