تمييز شروط العقاب المفترضة من شروط الجريمة المفترضة :

هناك جملة فروق بين طبيعة الشروط المفترضة للجريمة وبين الشروط المفترضة للعقاب، تجعل الأولى مختلفة عن الثانية على الرغم من التشابه والتداخل الذي يحصل بين الاثنين أحيانا:

1. تعد الشروط المفترضة للجريمة عناصر تدخل في البنيان القانوني للجريمة، ومن مقومات أنموذجها القانوني. ولذلك يتركز البحث فيها وعنها في مدى اكتمال البنيان القانوني للجريمة وتطابق الواقعة مع أنموذج هذه الجريمة. أما الشروط المفترضة للعقاب فلا تدخل في تكوين الأنموذج القانوني للجريمة ولا يجري البحث عنها الا بعد اكتمال البنيان القانوني للجريمة (1) .

2. تشترك الشروط المفترضة في الجريمة مع الشروط المفترضة للعقاب في استقلال كل منهما عن نشاط الجاني، بيد ان علم الجاني لا بد من أن يحيط بالشروط المفترضة في الجريمة من دون شروط العقاب عليها. فشروط العقاب يقوم أثرها ولو جهلها أو غلط فيها الجـاني(2) .

3. ان الشروط المفترضة للجريمة بوصفها داخلة في البنيان القانوني للجريمة يلزم أن تتقدم السلوك الإجرامي وتواكبه الى حين تمامه أو توقفه، بعكس الشروط المفترضة للعقاب التي تلحق الجريمة وتليها ليترتب على تلك الجريمة استحقاق العقاب. وهي بذلك لا ترتبط بالسلوك ارتباطاً سببياً، لذلك جاز القول أن دراسة الشروط المفترضة تدخل في دراسة النظرية العامة للجريمة على حين تدخل شروط العقاب في دراســــــة النظرية العامة للعقوبة (3) .

______________

1- د0 عبد العظيم مرسي وزير-الشروط المفترضة في الجريمة-دار الجليل للطباعة-مصر-1983-ص97 وما بعدها. وينظر: د. مأمون محمد سلامة-قانون العقوبات/القسم العام/الجريمة-ط2-ملتزم الطبع والنشر دار الفكر العربي ودار غريب للطباعة-القاهرة-1976.وللمؤلف نفسه-شرح قانون العقوبات/القسم العام-دار النهضة العربية-القاهرة-1991-ص347.

2- المصدر والموضع السابق.

3- د0 مأمون سلامة – القسم العام ص 347. وينظر : د0 عوض محمد – قانون العقوبات القسم العام – دار المطبوعات الجامعية / الاسكندرية – بدون تاريخ – ص 53 وما بعدها.

معيار شروط العقاب :

على الرغم من الصعوبة التي يمكن أن تواجه من يبحث في موضوع شروط العقاب، الا أن مكمن الصعوبة الحقيقية يتركز في البحث عن معيار يحدد جوهر الفكرة ليمكن استظهار خصائصها. اذ طرح الفقهاء في إيطاليا الكثير من المعايير من أجل ذلك، فقال الفقيه ((فانيني)) إننا نكون بصدد شروط العقاب ((إذا كان لا يترتب على استبعاده ذهنياً أي تغيير في تجانس الواقعة مع الصفة الموضوعية القانونية التي تميزه )). بمعنى أنه لا يترتب على شروط العقاب أي تغيير في الضرر الناجم عن الواقعة المرتكبة. وانتقد البعض هذا المعيار كونه يعول على الضرر المتعلق برد الفعل الاجتماعي الذي ينشأ بتحقق شرط العقاب من دون التعويل على الضرر الفعلي الحاسم الذي يترتب على المساس بالمصلحة المحمية.

أما الفقيه ((مانزيني)) فيقول أن شرط العقاب لا يمثل أكثر من النتائج الآثمة المترتبة على سلوك الجاني. وهذا الاتجاه منتقد أيضا بوصفه يقحم شروط العقاب ضمن مكونات الواقعة مخالفاً طبيعة هذه الشروط كونها أمور مستقلة عن السلوك الإجرامي وخارجة عن بنيان الجريمة.وأما الفقيه ((فروز)) فقد ذهب مذهباً نال تأييد الفقه الإيطالي كونه يتفق ويتسق مع أحكام المادة (44) من قانون العقوبات الإيطالي، فضلاً عن انسجامه مع جوهر شروط العقاب، فقال عن المعيار الذي اختاره أن ((أي ظرف يمكن إن يكون شرطاً للعقاب إذا لم تكن بينه وبين الفعل أي من علاقتي الخطأ أو السببية، فأن كان لهذه العلاقة ثمة وجود غدا الظرف عنصراً في الركن المادي ودخل في مكونات الجريمة وانحسرت عنه صفته كشرط للعقاب عليها )).

كما أن (فروز) يضيق الى هذا المعيار معياراً آخر ـ لقي قبولاً كبيراً في الفقه لمصري- مناطه أننا نكون بصدد شرط عقاب ((إذا كانت المصلحة الأصلية محل الحماية قد ضحى بها إذ لا ينتج الاعتداء عليها أثره في العقاب الا بعد تحقق الشرط )). فهذا المعيار يسمح بتفسير الحلول التشريعية والقضائية، ولا سيما تفسير مسألة الأعذار المعفية التي يراها البعض النظرية المقابلة لفكرة شروط العقاب (1) .

_________________________

(1)– عماد فتحي محمد السباعي-النظرية العامة للاعذار المعفية في القانون الجنائي-رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق في جامعة القاهرة-1986 – ص 395 وما بعدها

المؤلف : مجيد خضر احمد عبد الله
الكتاب أو المصدر : نظرية الغلط في قانون العقوبات

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .