المركز القانوني للأجانب

——————————————————————————–

يقصد بالمركز القانوني للأجانب Condition juridique des étrangers مجموعة القواعد القانونية التي تنظم الحقوق التي يتمتع بها الأجانب والالتزامات التي تترتب عليهم في أثناء وجودهم على أرض دولة ما خارج بلادهم.

والأجنبي في دولة معينة هو كل شخص لا يتمتع بجنسيتها، سواء أكان يحمل جنسية دولة أخرى أم كان لا يحمل جنسية دولة ما، أي عديم الجنسية، وسواء أكان مقيماً على إقليمها أم لا.

ومن الناحية التاريخية لم تكن المجتمعات القديمة تعترف بأية حقوق للأجانب في أقاليمها، بل كان الأجنبي بمنزلة عدو لها مهدد دائماً بالعبودية ومجرد من أية حماية قانونية، فكان في حكم الأشياء محلاً للحق لا طرفاً فيه، يباع ويشترى من دون أن يكون أهلاً للتمتع بالحق. وظل الأجنبي زمناً طويلاً محروماً من الشخصية القانونية في نظر هذه المجتمعات.

ومن أبسط الحقوق الملازمة لوجوده ولإنسانيته كحق الزواج والإرث والتصرف والتملك. ولم يتحسن وضع الأجنبي إلا مع تطور علاقات الأفراد والمجتمعات البشرية وتطور حاجاتها وأفكارها ومشاعرها، مما أدى إلى إيلاء وجود الأجنبي بعض الاهتمام.

فكان نظام الضيافة، الذي عرف في الحقوق اليونانية، ثم في الحقوق الرومانية، أول تعبير قانوني عن تقدم وضع الأجنبي. وعندما تطورت علاقات الرومان بالأجانب من شعوب البلاد التي خضعت لحكمهم، وضع الرومان قانوناً خاصاً بالأجانب، هو ما يُعرف باسم «قانون الشعوب»، يحدد حقوقهم وينظم علاقاتهم فيما بينهم من جهة، وعلاقاتهم مع الرومان من جهة أخرى.

وهكذا بدأ وضع الأجانب بوجه عام بالتحسن تدريجياً، ولكن هذا التحسن لم يصل إلى حد انتزاع شعور الكراهية من النفس البشرية تجاه الأجنبي والحذر منه ولاسيما في أوربة. ففي عهد الإقطاع مثلاً، الذي ساد في العصور الوسطى، ساء وضع الأجنبي ولم تعد له حرمة في شخصه أو ماله.

أما الشريعة الإسلامية[ر] فقد عرفت بهذا الشأن نظاماً يضمن للأجانب في دار الإسلام[ر] التمتع بحقوق معينة. فمن المعلوم أن دار الإسلام كانت تضم، إلى جانب المسلمين، الذميين والمستأمنين. والذميون هم أتباع الكتب السماوية المقيمون إقامة دائمة في دار الإسلام بموجب عقد الذمة[ر]، وهؤلاء كانوا يعدون وفق الرأي الراجح في الفقه من أتباع دار الإسلام تحدد حقوقهم وواجباتهم وفقاً لنظام عقد الذمة.

أما المستأمنون، وهم الذين يتبعون دولاً وأمماً من أهل دار الحرب[ر] والذين يقيمون إقامة مؤقتة في دار الإسلام بمقتضى نظام الأمان[ر]، فكانوا يُعدون من الأجانب في دار الإسلام، وكان لهم بموجب هذا النظام حق الإقامة المؤقتة لمدة لا تزيد على سنة واحدة من دون التعرض لهم بسوء في هذه المدة، وكذلك التمتع بالحقوق الخاصة التي كان يتمتع بها الذميون، وعلى المستأمن بعد عام الأمان أن يعود إلى بلاده أو أن يعلن إسلامه، فإذا لم يعد ولم يُسلم زال الأمان عنه.

وفي زمن الامتيازات الأجنبية [ر] التي سادت البلاد العربية في أثناء الحكم العثماني من القرن السادس عشر حتى أواخر الحرب العالمية الأولى طرأت تطورات مهمة على مركز الأجانب.

فلقد أصبح هؤلاء، أفراداً ودولاً، يتمتعون بحقوق وامتيازات متعددة قانونية وقضائية ومالية وذلك بمقتضى الاتفاقيات الثنائية التي عقدتها الدولة العثمانية مع بعض الدول الأوربية، وكونت ما يسمى بنظام الامتيازات الأجنبية، وبموجبه ظل الأجنبي، من أتباع هذه الدول، المقيم في البلاد العثمانية، خاضعاً لأحكام قضاء بلاده وقوانينها.

وظل الأمر على هذه الحال حتى ألغيت الامتيازات الأجنبية عام 1923، وبعد ذلك طرأ تطور تشريعي مهم على المركز القانوني للأجانب في البلاد العربية، ولاسيما بعد أن نالت هذه الدول استقلالها، حتى أعيد تنظيمه وفقاً لمبادئ القانون الدولي ولمتطلبات المصلحة الوطنية والقومية وفي ضوء المبادئ العامة الناظمة للمركز القانوني للأجانب السائدة في العصر الراهن.

المبادئ العامة الناظمة للمركز القانوني للأجانب

تتمثل هذه المبادئ بالقواعد التي أقرها المجتمع الدولي لحماية حقوق الأجانب، وبالأسس والأساليب التي تسير عليها التشريعات الوطنية لمختلف دول العالم عند تنظيمها للمركز القانوني لهم.

مبادئ القانون الدولي: هناك اتجاه في القانون الدولي ينادي بحرية الدولة واستقلالها في تحديد الحقوق التي يتمتع بها الأجانب في إقليمها، وحريتها في ذلك لا يحدها أي قيد. وعلى هذا فالأجنبي الموجود خارج إقليم دولته لا يتمتع إلا بالحقوق التي يمكن أن تمنحه إياها قوانين الدولة المضيفة وتتنازل له عنها تنازلاً طوعياً.

وهناك اتجاه آخر يرى، على العكس، أن حرية الدولة في تحديد هذه الحقوق ليست مطلقة بل هي مقيدة بالتزامات دولية وإنسانية تفرضها العدالة الدولية، وتقضي بضرورة الاعتراف للأجنبي بالحقوق الأساسية التي ترافق الإنسان وتلازمه أينما وجد. ويؤيد هذا الاتجاه الفقه والقضاء الدوليان، وتنادي به المحافل والمؤسسات الدولية، ولقد تم تأكيده في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،

والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادرين عن هذه الجمعية أيضاً عام 1966، وقد صدق هذين العهدين أو انضم إليهما عدد كبير من الدول الأجنبية والعربية الأعضاء في الأمم المتحدة (سورية عام 1969)،

وعليه يمكن القول إن التعامل الدولي في هذا الصدد يقوم على أساس وجود قواعد دولية مشتركة تلزم الدول الاعتراف للأجنبي بالقدر اللازم من الحقوق الأساسية التي لا تستقيم حياته من دونها وتلازمه أينما وجد، ويمثل هذا القدر الحد الأدنى من الحقوق تكفله الدول للأجانب على أرض إقليمها، وبالتالي فإن إخلال الدول بهذا الالتزام بحرمان الأجنبي من هذه الحقوق كلها أو بعضها يعرضها، بموجب مبادئ القانون الدولي، للمساءلة الدولية وفقاً لهذه المبادئ ولنظام محكمة العدل الدولية.

إضافة إلى هذه المبادئ تكون الاتفاقيات الدولية الثنائية والجماعية قيداً على حرية الدول في تنظيم مسألة تمتع الأجانب بالحقوق في إقليمها، كما تعد وسيلة ناجعة ومهمة لمعالجة كثير من المشكلات المتعلقة بهذه المسألة. وغالباً ما تنطوي هذه الاتفاقيات على تقرير مبادئ مهمة في هذا المجال كمبدأ الدولة الأولى بالرعاية مثلاً وبموجبه تضمن الدول المتعاقدة لرعاياها الحصول على معاملة تساوي أفضل معاملة يمكن أن تمنحها أي من الدول المتعاقدة لرعايا دولة أخرى.

وإذا كانت حرية الدول في هذا المجال تتقيد بمبادئ القانون الدولي والقواعد الاتفاقية فإنها في نظر الفقه الدولي يجب أن تقف أيضاً عند حدود معينة تمنع استخدامها استخداماً تعسفياً، فإذا كان من حق الدول أن تلزم الأجانب احترام القواعد الدستورية والإدارية والجزائية والإجرائية، فإنها لا تملك ذلك إلا بشرط أن تحترم هي أيضاً هذه القواعد في تعاملها معهم، فلا يجوز لها مثلاً توقيف الأجنبي على إقليمها أو أن تبعده عنه إبعاداً تعسفياً أو خلافاً لأحكام التوقيف والإبعاد المنصوص عليها قانوناً، ولا أن تحرمه من حق الملكية بطريقة لا يبيحها قانونها لا لشيء إلا لكونه أجنبياً عنها، وفيما عدا ذلك تبقى حرية الدولة واسعة جداً في تنظيم تشريعاتها المتعلقة بالمركز القانوني للأجانب.

التشريعات الوطنية: تحدد الدول بتشريعاتها الوطنية الحقوق التي يمكن أن يتمتع بها الأجانب على إقليمها استناداً إلى مبادئ القانون الدولي بهذا الشأن، من دون الإخلال بالتزاماتها الدولية التعاقدية أو غيرها. ويحرص بعضها على ضمان الحقوق الأساسية للأجانب بنصوص دستورية.

ولكن من الملاحظ أنه ليس هناك اتفاق أو نهج موحد حول تحديد مضمون الحد الأدنى الذي يجب أن تلتزمه دول العالم. كما أن الدول عندما تتولى تنظيم المركز القانوني للأجانب تنتهج سياسة وطنية خاصة بها تختلف عن سياسة غيرها وتتأثر في ذلك بعوامل متعددة سياسية وديموغرافية واقتصادية واجتماعية وعقائدية ودينية.

فهي في الدول التي تعاني من زيادة السكان أو من البطالة[ر] مثلاً تغاير ما في الدول الفقيرة إلى السكان، وهي في الدول التي تعاني من الاضطرابات الاجتماعية أو السياسية تختلف عما في الدول ذات الاستقرار الاجتماعي والسياسي. لذلك تعد القواعد الخاصة بتحديد المركز القانوني للأجانب من عوامل التحكم والتأثير في كثير من المسائل الوطنية.

ومن حيث الأسلوب الذي تنتهجه التشريعات الوطنية المختلفة، يتضح أيضاً أن هذه التشريعات تنطلق بوجه عام، في تحديد الحقوق التي يمكن أن يتمتع بها الأجانب، من مركز الشخص الوطني نفسه في تشريعات الدول التي ينتمي إليها الأجانب أو من مركزه في تشريعاتها الوطنية، وإذا كانت النتيجة لذلك واحدة تدور حول المساواة بالوطني أو عدمها فإن الأسلوب المتبع يختلف باختلاف الدول واتجاهاتها ومصالحها.

فقد أخذ بعضها بمبدأ المعاملة بالمثل [ر]، وبموجب هذا المبدأ يتمتع الأجنبي في إقليم هذه الدول بالحقوق التي يتمتع بها رعاياها في الدولة التي ينتمي إليها الأجنبي. وبهذا المعنى يستخدم هذا الأسلوب وسيلة دفاع لدرء المعاملة القاسية التي تتبعها بعض الدول مع الأجانب من جهة، ووسيلة لحمل الدول على الاعتراف للأجانب في إقليمها بالحقوق التي تحرص على توفيرها لرعاياها في الخارج من جهة أخرى.

وسار بعضها الآخر، ممن وجد له مصلحة في ذلك، على مبدأ تشبيه الأجنبي بالوطني إذ يتمتع الأجنبي بحقوق مشابهة للحقوق التي يتمتع بها الوطني باستثناء الحقوق السياسية والحقوق الأخرى التي حرم منها أصلاً بنصوص محددة.