علاقة الارهاب بالاجرام

يتدخل الإرهاب بوصفه مجموعة من الأعمال التي تشكل في غالبيتها, جرائم في القانون العام, مع صور عديدة من الإجرام التي تتميز بخصوصية معينة مثل الإجرام المنظم، و في هدا الاطار يقر مجموعة من المتخصصين بالعلاقة الوطيدة بين الارهاب و الاجرام المنظم ،،يؤكد دلك مجموعة من التقاريرالتي صدرت عن مراكز و منظمات متخصصة ، من قبيل المنظمة الدولية للشرطة الجنائية(الأنتروبول)، حيث أكدت هده الاخيرة في أكثر من تقرير عن العلاقة القائمة بين التنظيمات الارهابية و جماعات الاجرام المنظم،و هوما يدفعنا الى البحث في سراديب هده العلاقة من خلال البحث عن بعض التوضيحات للاسئلة التالية:
• ماهو الفرق بين الجريمة المنظمة و الجريمة الارهابية؟
• ماهي أوجه العلاقة بينهما ؟

أولا : تعريف الجريمة المنظمة
يمكن التمييز في إطار تعريف الجريمة المنظمة بين عدة تعريفات فهناك تعريفات على المستوى الدولي (أ), وكذلك تعريفات على مستوى التشريعات الوطنية (ب) .

أ: الجهود الدولية لتعريف الجريمة المنظمة : في إطار الجهود الدولية لتعريف الجريمة المنظمة يمكن أن نميز بين تعريفات مجموعة من الجهات, حيث عرفها الأنتربول في الندوة الدولية الأولى التي عقدها حول الإجرام المنظم بفرنسا في مايو سنة 1988م بأنها : ” أي جماعة من الأشخاص تقوم بحكم تشكيلها بارتكاب أفعال غير مشروعة بصفة مستمرة وتهدف أساسا إلى تحقيق الربح دون التقيد بالحدود الوطنية “(1) .
ويعاب على هذا التعريف أنه لم يشر إلى البناء التنظيمي للجماعة الإجرامية , كما أنه لم يتضمن العنف كوسيلة تستخدمها الجماعة الإجرامية المنظمة لتحقيق أغراضها, ونظرا لهذه الانتقادات التي وجهت إلى هذا التعريف , فقد أعاد الأنتربول تعريفها بأنها : ” أية جماعة من الأشخاص لها بناء تنظيمي وتهدف إلى تحقيق الربح بطرق غير مشروعة وتستخدم عادة التخويف والفساد” (2) .
ويتضح من خلال هذا التعريف الجديد رغم استدراكه لما أهمله التعريف الأول من عنصري البناء الهيكلي التنظيمي واستخدام العنف والرشوة كوسائل للجماعة الإجرامية , أنه تجاهل القواعد الداخلية التي تحكم أعضاء التنظيم الإجرامي , ذات الطابع الأسري التي تهدف إلى ضمان ولاءهم لأوامر من يرأسهم.
وبالإضافة إلى تعريف الأنتربول هذا, هناك التعريف الذي وضعته “مجموعة مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة” بالاتحاد الأوربي في سنة 1993, حيث عرفتها بأنها : ” جماعة مشكلة من أكثر من شخصين تمارس مشروعا إجراميا , ينطوي على ارتكاب جرائم جسيمة لمدة طويلة أو غير محددة, ويكون لكل عضو مهمة محددة ,في إطارالتنظيم الإجرامي الذي يهدف إلى السطو وتحقيق الأرباح وتستخدم عند اللزوم في ارتكاب الجريمة :
– الأنشطة التجارية.
– العنف وغيره من وسائل التخويف.
– ممارسة التأثير على الأوساط السياسية والإعلام والإدارة العامة والهيئات القضائية والاقتصاد (3) .
وقد ذكرت المجموعة المشار إليها إحدى عشر معيارا أو صفة لتمييز الجريمة المنظمة واشترطت توافر ستة شروط حتى يمكن أن توصف الجريمة بأنها منظمة*.

ب: تعريفات بعض التشريعات الوطنية

1- الولايات المتحدة الأمريكية :
انطلاقا من كون نظام الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية يأخذ شكلا فيدراليا فإن كل ولاية حاولت وضع تعريف محدد للجريمة المنظمة في تشريعاتها , ولعل أهم التعريفات التي أعطيت للجريمة المنظمة هو التعريف الذي جاء به تشريع ولاية
” الميسيسيبي” حيث اعتبرها بأنها : ” الجريمة التي ترتكب من شخصين أو أكثر لمدة طويلة وتكون لغرض تحقيق مصلحة “, واعتمد تشريع ولاية “كاليفورنيا” نفس التعريف إلا أنه ركز على الارتباط بالأهداف على المدى الطويل, ويعرفها القانون الاتحادي للرقابة على الجريمة المنظمة لسنة 1970: ” بأنـهـا مشــروع إجرامـي له نوع من الديمومة يمارس عدة أنشطة إجرامية ويقوم على عدد من الأشخاص متفقون أو متعاونون على الاستثمار المخطط للحصول على الربح من خلال السوق غير المشروعة” (4).
وعرفها مكتب التحقيق الفدرالي في و.م .أ بأنها : ” جماعة مستمرة من المجرمين, لها بناء هيكلي منظم وتعتمد على التخويف والفساد وغرضها تحقيق الربح ” وعرف نفس المكتب جماعات الإجرام المنظم الدولية بأنها : ” مؤسسات إجرامية تتعدى أنشطتها غير المشروعة الحدود الوطنية ” (5) .
ومن خلال ما تقدم يتبين أن التعريفات المعطاة للجريمة المنظمة في و.م.أ, تحتوي مجموعة من العناصر المميزة لهذا النوع من الإجرام وأهمها الاستمرارية, التنظيم, الاعتماد على القوة وكذلك قوة التنسيق والتخطيط والسعي إلى الكسب المادي.

2- التشريع السويسري:
عرف قانون العقوبات السويسري الجريمة المنظمة في المادة 260 المضافة بأنها: ” أي شخص يشارك في منظمة ويحتفظ على انضمامه لها وعلى أسرارها ويمارس أنشطة تتسم بالعنف كهدف في حد ذاته أو يحصل على أرباحه بوسائل إجرامية يعاقب بالحبس الانفرادي أو الاعتقال لمدة تصل إلى خمس سنوات على الأكثر, ويخضع للعقاب كل شخص يرتكب أي عمل إجرامي بالخارج في حالة قيام المنظمة بتنفيذ أنشطتها كليا أو جزئيا في سويسرا” (6) .
ويلاحظ من خلال التعريف السويسري أن التورط في الجريمة المنظمة , يكون من خلال الانضمام والاشتراك أو الحصول على أرباح أو الاستمرار في المنظمة الإجرامية فالعضوية في ذاتها تعد جريمة فلا توجد حاجة لإثبات فعل إجرامي معين.

3- التشريع الصيني :
تعرف الجريمة المنظمة وفقا للقانون الصيني بأنها : ” قيام شخصين أو أكثر , هدفهم الرئيسي الحصول على مكاسب غير قانونية من خلال التخطيط لارتكاب جريمة بصورة مشتركة حتى دون وجود اتفاقيات على الأرباح فيما بينهم” (7) .
ومن خلال هذا التعريف يمكننا أن نستخلص , خصائص الجريمة المنظمة حسب منظور القانون الصيني على الشكل التالي :
– هدف الجريمة المنظمة هو الحصول على الربح.
– أنه يكفي لاعتبار الجريمة منظمة أن تتم عبر شخصين أو أكثر.
– وجود هيكل تنظيمي بين المجرمين قبل ارتكاب الجريمة .
وخلاصة القول وعلى ضوء التعريفات التي أوردناها , سواء على المستوى الدولي, أو على مستوى أهم التشريعات الوطنية يمكننا أن نستخلص تعريفا تركيبيا للجريمة المنظمة ومؤداه أن الجريمة المنظمة هي كل فعل غير قانوني يرتكب من طرف جماعة إجرامية تتكون من شخصين أو أكثر, وهي ذات تنظيم محكم ومتدرج ، وتتمتع بصفة الاستمرارية .
ويعمل أعضاءها, وفق تنظيم داخلي يحدد دور كل منهم بما يكفل إطاعتهم لأوامر رؤسائهم , ويكون الغرض من هذا الفعل في غالب الأحيان , الحصول على الربح , وتستخدم الجماعة الإجرامية التهديد أو العنف أو الرشوة لتحقيق أهدافها ويمكن أن يمتد نشاطها عبر عدة دول.
إذن من خلال هذه المعطيات السؤال الذي يطرح هو ما هي العلاقة بين الإرهاب والجريمة المنظمة؟

ثانيا: العلاقة بين الإرهاب والجريمة المنظمة

يمكننا أن نرصد العلاقة بين الإرهاب والجريمة المنظمة من خلال التطرق إلى أوجه الشبه (أ), وأوجه الاختلاف (ب) بينهما.

أ: اوجه الشبه بين الإرهاب والجريمة المنظمة
تشترك الجريمة المنظمة والجريمة الإرهابية في كثير من الخصائص والسمات التي يمكن إجمالها على الشكل التالي :
– تعتمد كل من الجريمة المنظمة والإرهاب على تنظيمات سرية معقدة , تظفي نوع من الرهبة والسرية على العمليات الإجرامية التي تقوم بممارستها في ظل مجموعة من المبادئ والقواعد الداخلية الصارمة القسوة لكل من يخالفها من الأعضاء أو المتعاملين معها.
– تماثل الهياكل التنظيمية للإجرام المنظم والإرهاب في ظل طبيعتهما العابرة للحدود ووسائلهما غير المشروعة وغسل الأموال.
– وحدة التهديدات التي تشكلها الجرائم المنظمة والإرهاب على الأمن والاستقرار الوطني والدولي وقيم الديمقراطية(8) .
كلاهما يسعى إلى إفشاء الرعب والرهبة في النفوس, وقد يكون ذلك الرعب موجها للمواطنين و السلطات في نفس الوقت , فعصابات الجريمة المنظمة , تفرض الرعب على الناس, لتحصيل أموالهم وعلى رجال السلطة لكي لا يتدخلوا في شؤونها , ومنظمات الإرهاب قد ترهب المواطنين لإثارة الرأي العام ضد السلطات وإظهار عجزها عن حمايتهم, كما توجه عملياتها إلى رجال السلطة باعتبارهم رموزا للنظام السياسي .
– إن بعض المنظمات الإرهابية لها صلات قوية بعصابات الجريمة المنظمة , حيث تستأجر المنظمات الإرهابية أحيانا, عصابة من عصابات الجريمة المنظمة للقيام بعمليات قتل أو تخريب لحسابها (9) .
– يتسم كل من الإرهاب والجريمة المنظمة بنزوحهما نحو العالمية, وعبور الحدود, فالجماعات الإرهابية مثلها مثل الجماعات الإجرامية المنظمة, قد تعمد إلى تجنيد أتباعها في دولة, وتدريبهم في دولة أخرى والبحث عن مصادر تمويل من جهات متعددة والقيام بأنشطتها الإجرامية في دول أخرى (10) .
ويمكننا أن نستخلص أن مجالات التشابه بين الجريمة المنظمة والإرهاب هي متنوعة وكثيرة, حتى أن البعض يعتبر الإرهاب إحدى الصور الجريمة المنظمة إلا أن ما بينهما من اختلاف, أساسي وجوهري في إطار الأنشطة والأهداف والدوافع يجعل التمييز بينهما واضحا وجليا, إذن فكيف ذلك؟

ب : أوجه الاختلاف بين الإرهاب والجريمة المنظمة .
يختلف الإرهاب عن الجريمة المنظمة من خلال مجموعة خصائص يمكن أن نجمل أهمها فيما يلي :
– إن الإرهاب يهدف إلى تحقيق أهداف ومطالب سياسية , بينما تسعى منظمات الجريمة إلى تحقيق أرباح مالية بطرق وأساليب غير مشروعة , وهذا الاختلاف الواضح يرتكز في نوعية الدافع خلف النشاط, فالدافع عند الإرهابي نبيل وشريف
من وجهة نظره, حيث يسعى إلى تحقيق مبادئ تمثل الحق والعدالة عنده، ويضحي بذاته في سبيل إقرارها, بينما الهدف الوحيد لمنظمات الجريمة المنظمة هو الحصول على الأموال والأرباح الطائلة بصرف النظر عن مصدرها وحتى لو كانت من خلال القمار والدعارة (11) .
– الجريمة الإرهابية يمكن أن تقع من مجرم واحد, وهو ما أشارت إليه النصوص التشريعية التي عرفت الإرهاب أو تلك التي حددت الحالات التي يوصف فيها العمل الإرهابي, وذلك بعكس الجريمة المنظمة فهي دائما جماعية تتطلب وجود عدد ملحوظ من الأعضاء.
– الإرهابيون يرفضون غالبا الاعتراف بجرائمهم, ويرفضون وصف ما يقومون به من إرهاب “بالجريمة”, وقد يقومون بعد ارتكاب جريمة بإصدار تصريحات سياسية, و تعتمد على وسائل الإعلام لتفسير أعمالها, أما الجماعات الإجرامية المنظمة فتحافظ على سريتها وتحرص على إخفاء أنشطتها غير المشروعة(12) .
بالإضافة إلى هذه الاختلافات يمكن أن نضيف أن الجماعات الإرهابية تركز على الدعاية لنفسها على الجانب الفكري والعقائدي من أجل ضم المزيد من المتطوعين ومن أجل ضمان الوفاء والإخلاص للجماعة عكس جماعات الجريمة المنظمة التي تركز على الإغراءت المادية من أجل ضم مزيد من الأعضاء إلى تنظيماتها.
وخلاصة القول فإن الاختلافات المميزة لكل نوع من الجرائم لا تحول دون تعاون الجماعات الإرهابية مع جماعات الجريمة المنظمة, لأن ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما, و فكلا النوعين من الجماعات يعملان وينشطان خارج القوانين الوطنية والدولية ويعاديان الدول والشعوب على السواء, وهذا ما يجعلنا نطرح السؤال التالي:
هل يمكن أن تواجه الجرائم المنظمة والجرائم الإرهابية بنفس الوسائل أم أن كل نوع تلزمه وسائل خاصة ومداخيل معينة لمكافحته؟ ولماذا نلاحظ أن المجتمع الدولي ينشط في التنديد بالجرائم الإرهابية والدعوة إلى مكافحتها أكثر مما ينشط في التنديد بالاجرام المنظم و الدعوة لمكافحته؟؟

يونس زكور
باحث في العلوم السياسية
جامعة محمد الخامس – آكدال – الرباط