طبيعة حق الدولة على البحر الإقليمي

المقصود بطبيعة حق الدولة على بحرها الإقليمي هو التكيف القانوني الذي يصدق على حقوق الدولة في شأنه وبيان السلطات التي تستطيع الدولة أن تمارسها في نطاقه، ولقد انقسم الفقه إلى فريقين:
الأول: يعتبر البحر الإقليمي قسماً من البحر العالي لا يعتبر ملكاً للدولة وإن كان لها بعض الحقوق والاختصاصات عليه والتي تقتضيها سلامة الدولة وأمنها ومصالحها الاقتصادية والصحية، ومن زعمائه فوشي ولا براديل ولكن نظريتهم تعرضت للنقد لما تنطوي عليه من تعارض بين فكرة ممارسة الدولة الشاطئية لبعض الحقوق في البحر الإقليمي على سبيل الإنفراد، في الوقت الذي تنادي فيه النظرية بحرية البحر العالي من جهة أخرى.

الثاني: يرى أن البحر الإقليمي يعتبر امتداداً لإقليم الدولة وبالتالي يدخل في ملكيتها ويخضع لكامل سيادتها.
ولقد أقرت حكومات أغلب الدول الشاطئية الرأي الثاني الذي يعتبر البحر الإقليمي امتداداً لإقليم الدولة لما فيه من تقرير لسيادتها على البحر الإقليمي.

ويجمع الفقه والقضاء وأحكام القانون الدولي المعاصر على أنه البحر الإقليمي هو قسم من إقليم الدولة الشاطئية تغمره المياه، وهو لا يختلف من حيث طبيعته القانونية عن أي قسم آخر من أقسام الدولة وعلى ذلك فإن البحر الإقليمي يجب أن يخضع لذات النظام القانوني الذي يخضع له إقليم الدولة ويترتب على ذلك أيضاً أن نطاق سيادة الدولة على بحرها الإقليمي يشمل السيادة على قاع هذا البحر إلى ما لا نهاية في العمق ويشمل أيضاً السيادة على طبقات الجو والهواء التي تمتد فوق سطحه إلى ما لا نهاية في الارتفاع.

أولاً- نتائج سيادة الدولة على البحر الإقليمي:
1- حق القيام بأعمال البوليس في هذا الجزء من البحر.
2- حق تحديد المراسم البحرية التي يجب على السفن التجارية مراعاتها أثناء وجودها في البحر الإقليمي.
3- حق قصر الملاحة الشاطئية والصيد في حدود البحر الإقليمي على رعاياها.
4- حق القضاء بالنسبة لسفنها الموجودة في البحر الإقليمي على وجه الإطلاق وبالنسبة للسفن التجارية الأجنبية في كل ما يمس أمنها وسلامتها ويستوجب تدخلها في مواجهة السفن التي تقع عليها أعمال تهدد النظام العام في الدولة الشاطئية.
5- حق منع اقتراب السفن المحاربة من شواطئ الدول المحايدة ومنع السفن الأجنبية من القيام بأي أعمال حربية في المياه الإقليمية للدولة الشاطئية.

6- حق قصر الاستغلال الاقتصادي لقاع البحر وللطبقات التي توجد تحت هذا القاع على رعايا الدولة الشاطئية دون غيرهم.

ثانياً- القيود التي ترد على سيادة الدولة على بحرها الإقليمي:
هذه القيود ترتبها اعتبارات سياسية وجغرافية وأقرها العرف الدولي وتتلخص هذه القيود فيما يلي:
1- حق المرور البريء:
استقر العرف الدولي على أن تكون البحار الإقليمية مفتوحة لمرور السفن التابعة لجميع الدول، ما دام عبورها يتسم بالبراءة ولا ينطوي على إهانة للدولة الشاطئية أو على الإضرار بمصالحها، والمرور لبريء ليس رخصة بل هو حق ثابت ترتب عن طريق العرف بين الدول وعن طريق العمل والقضاء الدوليين وأساس ذلك هو الحق الثابت لكل أعضاء الأسرة الدولية في الاتصال بعضهم بالبعض الآخر، وللمرور البريء وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982 هو عبور البحر الإقليمي على صورة من إحدى الصور التالية:
أ- عبور إقليمي في اتجاه أحد موانئ الدولة.

ب- الاتجاه منها إلى أعالي البحار.
ج- المرور في المياه الإقليمية في محاذاة الشاطئ للاتجاه إلى مياه دولة أخرى مجاورة.
هذا ولابد أن يكون المرور متواصلاً وسريعاً، وإن كان في الإمكان الوقوف أو الرسو في المياه الإقليمية في الحدود التي تستلزمها الملاحة العادية أو إذا اقتضت ذلك قوة قاهرة أو تعرضت السفينة لمحنة، أو حين يكون لغرض تقديم المساعدة إلى أشخاص أو سفن أو طائرات في حالة خطر أو شدة.
وعناصر البراءة ثلاثة هي: عدم الإضرار بالسلم، وعدم الإضرار بحسن النظام، وعدم الإضرار بأمن الدولة الشاطئية، وهي أمور يترك تقديرها لسلطات الدولة الشاطئية.

* سفن الصيد: يكون مرورها في البحر الإقليمي بريء إلا إذا لم تحترم القوانين واللوائح التي تصدرها الدولة الشاطئية.
* الغواصات: يجب أن تكون طافية على سطح الماء وأن تظهر أعلامها التي تدل على جنسيتها.
* جميع السفن: يجب عليها احترام القوانين واللوائح التي تصدرها الدولة الشاطئية وأحكام القانون الدولي.

ولقد أشارت اتفاقية عام 1982 لبعض حالات المرور غير البريء فيها:
أ- أي تهديد بالقوة أو أي استعمال لها ضد سيادة وسلامة وأمن الدولة الساحلية.
ب- أي عمل عدائي يهدف إلى المساس بدفاع الدولة الساحلية.
ج- إطلاق أي طائرة أو أي جهاز عسري أو إنزاله أو تحميله.
د- أي من أنشطة صيد السمك.
ه- القيام بأنشطة بحث أو مسح.
و- أي نشاط آخر ليست له علاقة مباشرة بالمرور.

وأخيراً فإنه يحق للدولة الساحلية أن تعتمد قوانين وأنظمة بشأن المرور البريء عبر البحر الإقليمي، تتناول الأمور التالية كلها أو بعضها:
أ- سلامة الملاحة وتنظيم حركة المرور البحري.
ب- حماية وسائل تيسير الملاحة.
ج- البحث العلمي البحري.
د- منع خرق قوانين وأنظمة الدولة الساحلية الجمركية أو الضريبة أو المتعلقة بالهجرة أو الصحة.
ويشترط أن تعلن الدولة الساحلية الإعلان الواجب عن جميع هذه القوانين والأنظمة.
* الممرات البحرية ونظم تقسيم المرور في البحر الإقليمي:
تملك الدولة الساحلية كلما اقتضت ذلك سلامة الملاحة أن تفرض على السفن الأجنبية التي تمارس حق المرور البريء خلال بحرها الإقليمي، استخدام الممرات البحرية واتباع حركة المرور التي قد تعينها أو تقررها لتنظيم مرور السفن، ويجوز بصفة خاصة أن تفرض على الناقلات والسفن التي تعمل بالطاقة النووية والسفن التي تحمل مواد خطرة أن تقصر مرورها على تلك الممرات البحرية.

ولكن يجب مراعاة توصيات المنظمة الدولية المختصة ويجب أن تبين الدولة الساحلية بوضوح حدود هذه الممرات البحرية ونظم تقسيم حركة المرور في خرائط يعلن عنها الإعلان الواجب.

* الحالات التي يجوز فيها وقف المرور البريء:
يجوز في بعض الحالات وقف المرور مع توافر جميع عناصر البراءة ولكن ضمن القيود التالية:
أ- أن تقرره الدولة الشاطئية بصفة مؤقتة لا دائمة.
ب- أن يكون الوقف في مناطق مخصصة من البحر الإقليمي لا في البحر الإقليمي كله.
ج- أن يكون عاماً دون تمييز.
د- أن يكون جوهرياً لحماية أمن الدولة.
ه- أن تعلن عنه الدولة وتنشر عنه، ولا ينفذ الوقف إلا بعد الإعلان والنشر.
و- لا يجوز الوقف في المضايق التي تستعمل في الملاحة الدولية إذا كان المضيق يصل بين البحار العالية أو البحر الإقليمي لدولة أجنبية.

2- سلطان الدولة على السفن الأجنبية في بحرها الإقليمي: إن سيادة الدولة على البحر الإقليمي تقتضي ممارسة اختصاصها التشريعي والقضائي عليه، ولكن هذا الكلام يرد عليه قيد حيث لا يمتد هذا الاختصاص إلى السفن الأجنبية الموجود في البحر الإقليمي والتي يكون عبورها بريء، ولكن ذلك يقتضي منا التفرقة السفن العامة والخاصة.
– السفن الأجنبية العامة: وهي التي تكون مملكة لحكومات أجنبية ومخصصة لخدمة عامة كالسفن الحربية والمستشفيات، فلا تخضع على وجه الإطلاق في أي شأن من شئونها لاختصاص الدولة الشاطئية فيما عدا التزامها بمراعاة القواعد التي وضعتها السلطات الإقليمية لتنظيم المرور في بحرها الإقليمي، ولهذه السلطات في حالة مخالفة السفن العامة الأجنبية لهذه القواعد أن تكلفها بإتباعها وإلا جاز لها أن تأمرها بمغادرة المياه الإقليمية للدولة.

– السفن الأجنبية الخاصة: وهي السفن المملوكة لأفراد أو حكومات أجنبية ولكنها مخصصة لأغراض تجارية أو خاصة، وهنا يجب التفرقة بين الاختصاص القضائي الجنائي والاختصاص القضائي المدني:
أ- الاختصاص القضائي الجنائي: نفرق بين نوعين من الجرائم:
الأول: الجرائم التي تشكل خرقاً مباشراً لقوانين الملاحة بالدولة وتنظيم الانتفاع بالبحر الإقليمي وفيها يثبت الاختصاص القضائي الجنائي للدولة الشاطئية.
الثاني: الجرائم التي تشكل خرقاً غير مباشر لقوانين الملاحة: لا يثبت فيها الاختصاص للدولة الشاطئية إلا في الحالات التالية:
– امتداد آثار الجريمة إلى الدولة الشاطئية.
– إذا كانت الجريمة من النوع الذي يعرض سلامة الدولة للاضطراب أو يؤثر حسن النظام في البحر الإقليم.
– إذا طلب القبطان أو قنصل الدولة التي تحمل السفينة علمها مساعدة السلطات المحلية.

ب- الاختصاص القضائي المدني:
نفرق في هذا الصدد بين حالتين:
الأولى: مركز السفينة الأجنبية الراسية أو القيمة أو التي تمر بالبحر الإقليمي بعد مغادرتها للمياه الداخلية: هذه حكمها حكم الأجنبي الموجود على إقليم الدولة، حيث تخضع لكافة القوانين النافذة في الدولة الساحلية ولجميع السلطات بما فيها القضائية وبالتالي يمكن مباشرة الحجز على هذا النوع من السفن.

الثانية: مركز السفينة الأجنبية التي تمر مروراً عادياً في البحر الإقليمي من غير أن تكون في الحالات السابقة، لا يجوز للدولة الساحلية مباشرة الاختصاص القضائي “المدني” عليها، ولا يجوز حجز السفينة أو مباشرة إجراءات الدعوى المدنية عليها إلا بالنسبة للمسئوليات التي تتحملها السفينة ذاتها خلال إبحارها في البحر الإقليمي للدولة الشاطئية أو بسبب هذا المرور وذلك تيسيراً للملاحة والعمل على إنمائها.

ملاحظة هامة: لا يجوز تحصيل رسوم على السفن الأجنبية لمجرد مرورها فقط في البحر الإقليمي، وإنما يجب أن تكون هذه الرسوم مقابل خدمات خاصة تؤديها الهيئات المعنية التابعة للدولة الشاطئية لهذه السفن دون تمييز أو تفريق بينها

اعادة نشر بواسطة محاماة نت