حق الدفاع الاجتماعي

المحامي: حسن حافظ

يعتبر هذا المصطلح (حق الدفاع الاجتماعي) من المصطلحات القانونية الحديثة فهو لاينتمي الى اسرة واحدة بل يتعدى ذلك الى جملة من الاسر (اذا صح التعبير) فهو ينتمي الى كل من الاسرتين التاليتين: علم العقاب، والقانون الجنائي، وتمثل حق الدفاع الاجتماعي، حركة فكرية او اصلاحية تهدف بها تقويم التشريعات الجنائية والمؤسسات مع بقية الاجهزة في حق العدالة الجنائية فهناك من يلقي بمسؤولية الجريمة على الفرد وآخرون يلقونها على المجتمع كما يوجد صنفا اخر يلقي بمسؤولية الجريمة على الفرد اولا والمجتمع ثانيا.. ولعل مقولة الاستاذ الدكتور الراحل عبد الجبار عريم، تبدو واضحة هنا اذ سبق وان صرح بان (العقل السليم في المجتمع السليم) تبدو مقولة ناقصة.. يتعين ان يضاف اليها ما يأتي لكي تصبح متكاملة وهي (ان العقل السليم، في الجسم السليم، في المجتمع السليم).. ووفقا للمعايير الجديدة في رسم السياسات الجنائية، فان المجتمع يتحمل وزر اية قضية جنائية، ومن هنا فان حق الدفاع الاجتماعي (وحركة الدفاع الاجتماعي) يتميز بمجملها بنزعة انسانية تتجه نحو صيانة كرامة الانسان وحماية الحرية الفردية الى جانب اتجاهها الاخلاقي الذي يحرص على حماية القيم الاخلاقية المستقرة في المجتمع (راجع كتاب الدكتور عدنان الدوري/ علم العقاب ومعاقبة المذنبين/ ج3ص137) اذ انها تدور في اهدافها العامة في انها تنحو نحو محورين اساسين هما (الفرد والمجتمع).

-1الفرد فاما حماية الفرد، فتتناول فيه الفرد المجرم عن طريق اعادة تأهيله وتقويمه لمنع انغماسه في مستنقع الجريمة ثانية، ولكي يعود بذلك حرا صالحا يحترم النظام العام ولانه يخالف القانون..

-2حماية المجتمع: وتتم عن طريق اتخاذ اسباب الوقاية الاجتماعية لغرض اتخاذ المواقف الصحيحة التي تسهم في حمايته من السلوك الاجرامي فالقانون الجنائي كما لايخفى بشقيه العقابي والاجرائي كلها تسهم في تكوين السلوك الاجرامي، ولكن تكون هي السياسة ذات اتجاه انسانية، تدعو الى تقويم شخصيات وتعديل مسيرة حياتهم الى ما فيه اعادة الكرامة لذواتهم وهي بذلك تدعو ايضا الى صلاح انظمة السجون وطرق معاملة المذنبين مع وجود الرعاية الصحية والاجتماعية مع ضرورة اتخاذ التدابير الاحترازية في حالة خروجهم الى الفضاء الحر في مجتمعاتهم بعد ان يكونوا قد انهوا مدة المحكومية في السجن، وقد وفقت هذه الاراء في تحديث الكثير من انظمة السجون وتطوير اساليب معاملة المذنبين منهم، على الرغم من تلك الاراء التي تدعو الى استئصال شأفتهم بناء على رواسب المدرسة التقليدية، التي ترى انزال العقوبات، ولئلا عدنا الى الماضي لوجدنا ان هذا النظام موجود منذ قرون لدى الشريعة الاسلامية التي كانت منبعا خالدا للقيم والتقاليد والعمل التي تشكل المجتمع الجديد الذي جاء به الاسلام حيث اشترط الفقهاء في الجاني، وجود( ارادة اثمة) تتجلى في سلوك ظاهر هو السلوك الاجرامي، واذا كان القانون الوضعي يقول (لاجريمة ولاعقوبة الا بنص فان المسلمين ذلك باشتراطهم (توفر النية) اذ جاء في الحديث الشريف(انما الاعمال بالنيات) وانما كل امرئ بما نوى.. وهذا يعني ان النية وهي الاقرار بالخطيئة واذا كان بعض الناس يرمي النصوص الاسلامية بالقسوة او الانتقام الا انها غير ذلك.. لانها مؤثرة وفعالة في حماية المجتمع فالسارق تقطع يده لكي يمنع من سرقة اموال وممتلكات الاخرين، فالعقوبة هنا هادفة لحماية المجتمع وليس للانتقام..كما ان الشريعة تعمل على التوازن ما بين الجريمة والعقوبة.. وعلى وجه يحقق مصلحة المجتمع لان في انزال العقاب غاية متحقق انية واخرى بعيدة المدى وعلى حد تعبير المشرعين المسلمين (موانع قبل الفعل، زواجر بعده) ففي الفقرة الاولى تمنع وقوع الجريمة بحماية المجتمع فان وقعت الجريمة صارت زجراً لمن تسول نفسه ان يحذو حذوه (المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي/ د. محمد نجيب 1986).
ومن هنا فان النظرة الاسلامية للجريمة والى عقوباتها التي تدخل ضمن بناء مجتمع متكامل للاسلام يعمل على توحيد الشخصية الاسلامية ليربطها بالواقع بين الحق والباطل كما بين الحلال والحرام وقال الله تعالى (تلك حدود الله فلا تعتدوها) البقرة/229 وتلك الحدود التي تدخل ضمن جرائم محددة وكثيرة كالزنا وشرب الخمر والسرقة والردة والبغاء وغيرها.. وان ردع هذه الجرائم يحمل معه قيما اسلامية تعمل على حماية النفس والعقل والنسل والمال.. ومن هنا فان العقوبات الشرعية التي جاء بها الاسلام هي احكام شرعية ذات طبيعة انسانية تقوم على مبدأ المساواة بين الناس وهذا ما يذكرني بمقابلة صحفية جرت في السويد، حول موضوع المسكرات والمخدرات وتاثيرها على الشباب العربي والاوربي حيث جرى الاستفسار عن وضع المخدرات في العراق (ذا ينص قانون العقوبات باعدام من يقوم بالمتاجرة بالمخدرات والقيام بزرعها كالافيون والكافئين والكاكائين، وزهرة الخشخاش وغيرها) فصاح الحضور: انها عقوبة قاسية جدا لكن ممثل العراق رد على الحضور في ذلك المؤتمر ولكن هذه العقوبة فعالة ومؤثرة (راجع بحث المخدرات والمسكرات 1979 باشراف منظمة اليونسكو) وهكذا تراجع الحضور وهتفوا جميعا.. حيث نجد ان القانون في بعض الدول الاوربية فضفاض خصوصا في هولندا حيث يجوز للشاب هناك ان يحمل معه (30) غراما من الحشيش ولايجوز له اكثر من هذه الكمية، فلو كان احدهم يملك (150) غراما من الحشيشة واستطاع ان يوزعها على خمس من الاشخاص حصة كل واحد منهم (30) غراما كان موزع المخدرات بمنأى عن المسؤولية القانونية..

الذي نخلص اليه، هو ان العقاب الصارم يعمل على ردع الجناة عن ارتكاب جرائمهم ولاننسى ضرورة وجود التناسب بين العمل الجرمي وبين العقوبة فلايجوز مثلا ان مجرد شتم شخص معين يذهب براسه الى المقصلة؟ وقد فعل النظام السابق ذلك، اذ ورد نص في القانون على ان يشتم او يسب رئيس الجمهورية فانه يعاقب بالاعدام ثم زاد عليه القياديون واعضاء مجلس النواب، ولم تكن مثل هذه العقوبة القاسية لتطبق على من يجذف بحقه الخالق العظيم، مكون الاكوان، وخالق الحياة والزمان،!! فهل وضع الحاكم السابق ورعيته من الاتباع (فوق)! احكام الله تعالى!!.
ومن هنا نخلص ان حق الدفاع الاجتماعي من الحقوق التي تتبناها الكثير من الامم المتحضرة بغية ردع من تسول نفسه الاعتداء على حقوق الاخرين مهما امتلكوا من مؤهلات او سطوة ومناصب لان حريتك تقف عندما تبدأ حرية الاخرين كما تفيد المقولة الاجتماعية.