بحث قانوني كبير حول الولاية على النفس و مستجداتها

إعداد
الدكتور أحمد محمد الشديفات
المفتش في المحاكم الشرعية

المُحْتَوَى
الفصل الأول : مفهوم الأهلية والولاية على النفس في الفقه الإسلامي
المطلب الأول : معنى الأهلية
الفرع الأول : معنى الأهلية ( لغة واصطلاحاً )
المطلب الثاني : الولاية وأحكامها في الفقه الإسلامي
الفرع الأول معنى الولاية ( لغة واصطلاحاً )
الفرع الثاني : أقسام الولاية وموضوعها :
أ- أقسام الولاية بإعتبار مُتعلقاتها:-
1- ولاية قاصرة .
2- ولاية متعدية .
ب- أقسام الولاية موضوعياً :
1- الولاية على النفس .
2- الولاية على المال .
3- الولاية على النفس والمال .
الفصل الثاني : مستجدات الولاية ، الولائية والقضائية
الفرع الأول : مسؤولية الولي تولي العقد لا اختيار الزوج .
الفرع الثاني : استحباب استشارة الأم في زواج ابنتها .
الفرع الثالث : أهلية الزوجة بعد عقد الزواج .
الفرع الرابع : تزويج المرأة الثيب التي لم تبلغ .
الفرع الخامس : قصر مدة مشاهدة الصغير .
الفرع السادس : شروط ولاية البالغ في الزواج .
الفرع السابع : زواج الصغار .
الفرع الثامن : حجج الإقرار بالحضانة

مُقدمة:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مُضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم .
تعنى هذه الورقة البحثية بتوضيح مرحلة مهمة في حياة الإنسان في موضوع الولاية على النفس ومُستجداتها ومن هذا نرى أن مهمة الولي على النفس جداً خطيرة وأن له دوراً حاسماً في حياة المولى عليه إذ أن من المتفق عليه اشتراط أن يكون من له الولاية على النفس أميناً في الأمور المتعلقة بشخص المولى عليه كولاية التعليم والحضانة والتربية وولاية التزويج ولا يملك الولي التنازل عن الولاية ما دام أهلاً لها .
إلا أن بعض المستجدات قد طرأت على الحياة الاجتماعية مما أوجد لها انعكاسات وآثار لا بد لها من حلول شرعية .
نسأل الله التوفيق والسداد في البحث والنتيجة فيها .

الفصل الأول مفهوم الأهلية والولاية على النفس في الفقة الإسلامي

يدور الكلام عن الأهلية من حيث قُدرة الإنسان على تحمل المسؤولية وصلاحية الشخص لوجوب الحقوق له أو عليه , فالأهلية تدل على أن الإنسان قادر على تحمل تبعية ونتائج أفعاله وذلك حين يكون مُدركاً لمعانيها فاهماً لمقاصدها ونتائجها فلا تثبت أهلية التكليف إلا لمن أوتى عقلاً كاملاً بأن كان بالغاً مدركاً للتكليف لأن التكليف خطاب وخطاب من لا عقل له ولا فهم محال كالجماد والبهية(1) .
ويتبين لنا ذلك من خلال تناولنا لمفهوم الأهلية:-

المطلب الأول:- معنى الأهلية .

الفرع الأول:- معنى الأهلية .

أولاً: الأهلية لغة نسبة إلى الأهل, فيقال فلان أهل لكذا أي مستحق له وخليق به أو صالح للقيام به أو للطلب منه . (2)
ثانياً: الأهلية اصطلاحاً:- هي صلاحية الشخص لوجوب الحقوق المشروعة له أو عليه .
ومعنى ذلك أن الإنسان صالح لاكتساب الحقوق وأداء الواجبات المترتبة عليه, ومؤاخذ بأقواله وأفعاله إضافة لمطالبته بتنفيذ الالتزامات التي نشأت جراء أقواله وأفعاله, فيكون هذا منشأ لترتب الحقوق على ذمته . (3)
فمعرفة الأهلية مهم من أجل مباشرة التصرف القانوني أو اتخاذ الإجراء القضائي, إذ من حق الشخص قبل إبرام أي عقد ما معرفة ما إذا كان القانون يجيز له ذلك وما إذا كان الطرف الآخر في العقد أهل لما يقرره التعاقد من حقوق وما يفرضه من التزامات .

المطلب الثاني:- الولاية وأحكامها في الفقه الإسلامي .

فالولاية كلمة تشعر بالتدبير والقدرة على الفعل والتصرف في شؤون الغير جبراً عنه سواء أكان ذلك في الشؤون العامة كالحكام والقضاة, أم في الشؤون الخاصة كما هو الشأن في الأب والوصي بالنسبة للصغير, وثبوت هذه الولاية للولي على الصغير وأمثاله قائم على أن الولي قادرٌ على ذلك لكمال رأيه وعقله, ومن ثم يجب أن يقوم بها عوناً للضعيف وغوثاً للمحتاج . (4)
(1) الآمدي: الإحكام في أصول الأحكام ج1, ص215
(2) الفيروز أبادي : القاموس المحيط , ج3 ص392 , الفيومي : المصباح المنير ج1 ص33
(3) شرح المنار مع حاشية الرهاوي ص937
(4) محمد يوسف موسى إحكام الأسرة الشخصية ص 146,150
ويتبين لنا من خلال ما ذكرنا الآتي :-

الفرع الأول:- معنى الولاية
أولاً: معنى الولاية لغة:- الولي الذي يلي عليك أمرك وولي اليتيم الذي يلي أمره ويقوم بكفايته وكل من ولى أمراً أو قام به فهو مولاه ووليه وقد تختلف مصادر هذه الأسماء فالولاية بالفتح في النسب والنصرة والعتق, والولاية بالكسر في الإمارة, والولاء في المعتق, والمولاة من وال القوم, وكل من ولى أمراً لواحد فهو وليه . (1)
الولاية اصطلاحاً: سلطة تمكن صاحبها من مُباشرة العقود وترتيب آثارها عليها دون توقف على رضا غيره . (2)
أو هي القدرة الشرعية: على التصرف الصحيح النافذ سواء تصرف الإنسان لنفسه أو لغيره بنيابة من الشارع. (3)
أو سلطة يثبتها الشارع لإنسان معين تمكنه من رعاية المولى عليه من نفس – ومال – وحفظه وتنميته بالطرق المشروعة .
أو سلطة تجعل لمن تثبت له القدرة على إنشاء التصرفات والعقود وتنفيذها من غير التوقف على إجازة أحد فإن كانت متعلقة بشئونه كتزويجه نفسه أو التصرف في ماله فهو الولاية القاصرة . (4)
وقد روعي في هذه التعاريف ما يلي:-
أولاً:- الارتباط بين المعنى اللغوي والاصطلاحي فالولاية: لغة سلطة وكذلك شرعاً وهي لغة تحتاج إلى قدرة وتدبير ليتمكن صاحبها من القيام بما نيط به وهي كذلك شرعاً وهي لغة فيها معنى النصرة والقرب وهي كذلك شرعاً لأنها تمكن إنساناً معيناً من مباشرة أعمال وتصرفات المولى عليه وبذلك يكون أقرب الناس إليه وأكثر نصرة له وتحقيقاً لمصالحه .
ثانياً: سلطة شرعية أي مكتسبة من قبل الشرع , منحها للإنسان مباشرة ليدير شؤونه وشؤون من يدخل تحت رعايته كالأب .
ثالثاً: سلطة تمكنه من رعاية المولى عليه سواء كان المولى عليه نفساً أو مالاً ويندرج تحت هذا ولاية الإنسان على نفسه إذا كان أهلاً لذلك وولايته على نفس غيره ممن يحتاج إلى هذه الولاية وولاية الإنسان على ماله إذا كان أهلاً لذلك وولايته على مال غيره ممن يحتاج إلى هذه الولاية.
رابعاً: أن هذه السلطة التي تمكن الإنسان من القيام بهذه المهام توجب أن يكون تصرفه نافذاً لا يتوقف على إجازة أحد ما دام تصرفه في حدود المشروع فإن خرج عن ذلك رد تصرفه .
(1) ابن منظور: لسان العرب , ج2 , ص287 , الزبيدي: تاج العروس , ج10, ص398
(2) علي حسب الله: الولاية على المال ص2
(3) صالح الجبوري: الولاية على النفس ص31
(4) شلبي: أحكام الأسرة في الإسلام ص254

الفرع الثاني:- أقسام الولاية مُتعلقاتها وموضوعها .

أولاً: أقسام الولاية :- بإعتبار متعلقاتها:-

1- ولاية قاصرة: وهي ولاية الشخص على نفسه وماله وهي تثبت للشخص الكامل الأهلية بالحرية والبلوغ والعقل, فمتى كان الشخص بالغاً عاقلاً رشيداً تثبت له سلطة الولاية على نفسه وماله .
2- ولاية متعدية:- وهي ولاية الشخص على غيره ولا تكون إلا لمن ثبتت له ولاية نفسه وتنقسم الولاية المتعدية من حيث من تثبت له ولاية أصلية وولاية نيابية:-
أ- الولاية الأصلية: هي الولاية التي تثبت ابتداءً من غير أن تكون مستمدة من الغير كولاية الأب والجد فإن ولايتهما تثبت ابتداءً بسبب الأبوة وليست مستمدة من غيرهما .
ب- الولاية النيابية: وهي الولاية المستمدة من الغير كولاية القاضي والوصي فإن كان القاضي يستمد ولايته من الحاكم فهو نائب عنه فيما يتولاه من الأمور والوصي ولايته مستمدة ممن أقامه وصياً فهو نائب عنه في الوصاية وفيما يتولاه من شؤون القاصر .
وتنقسم الولاية المتعدية إلى ولاية عامة وولاية خاصة:-
فالولاية العامة: هي الثابتة لرئيس الدولة أصالة وللقضاة نيابة عنه .
الولاية الخاصة: وهي الثابتة للأفراد بصفتهم الشخصية لا بصفتهم حكاماً والولاية الخاصة مقدمة على الولاية العامة فقهاً عند تعلقهما بشيء واحد ومعنى هذا إذا كان لفاقد الأهلية أو ناقصها ولي من أقاربه فهو أولى بالولاية عليه . (1)

ثانياً: أقسام الولاية من حيث موضوعها:-

أولاً: الولاية على النفس: وهي التي تجعل للولي القدرة على التصرف في الأمور المتعلقة بشخص المولى عليه كالتربية والتعليم والتزويج وهي تثبت للأب وسائر الأولياء .
ثانياً: الولاية على المال: وهي التي تجعل للولي القدرة على تدبير شؤون القصر المالية من استثمار وتصرف وحفظ وانفاق وتثبيت للأب والجد ووصيهما ووصي القاضي .
ثالثاً: الولاية على النفس والمال : وتشمل الشؤون الشخصية والمالية بالمولى عليه كولاية الأب على أولاده فاقدي الأهلية أو ناقصيهما . (2) وأكتفي بهذا الإيجاز غير المخل ببيان الولاية على النفس لأن مجالهـا الرجـوع إلـى كتب الفقه المتعددة وانتقل لتوسع في المستجدات التي رافقت الولاية ولائياً وقضائياً .
(1) بدران أبو العينين: الفقه المقارن للأحوال الشخصية ص134 .
(2) المصدر السابق ص 136

الفصل الثاني : – مستجدات الولاية على النفس ( الولائية والقضائية )

من خلال الممارسات القضائية في المحاكم الشرعية الأردنية ونظراً للظروف الاجتماعية التي طرأت على حياة المواطن فقد ظهرت مستجدات لا بد من بيان الحكم الشرعي فيها ، وإيجاد الحلول المناسبة لها بما يتفق وشمولية الشريعة الإسلامية وسعتها ، ووضعها ضمن أطرها المشروعة .

من هذه المستجدات :

الفرع الأول : مسؤولية الولي تولي العقد لا اختيار الزوج .
الفرع الثاني : استحباب استشارة الأم في زواج ابنتها .
الفرع الثالث : أهلية الزوجة بعد عقد الزواج .
الفرع الرابع : تزويج المرأة الثيب التي لم تبلغ .
الفرع الخامس : قصر مدة مشاهدة الصغير .
الفرع السادس : شروط ولاية البالغ في الزواج .
الفرع السابع : زواج الصغار .
الفرع الثامن : حجج الإقرار بالحضانة .

﴿ ******* ﴾

مسؤولية الولي تولي العقد لا اختيار الزوج

فقد اشترطت الشريعة الإسلامية رضا واختيار الزوجة لزوجها ففي الحديث ( إن الرضا والاختيار إلى النساء والعقد إلى الأولياء ) (1) .
فقد عقب ابن حبان عقب ذكر الحديث : ” فكيف بمن يمضـي النكاح ويوافق عليه دون استئذانها ، حتى تجد نفسها ملزمة بقبول من لا تعرفه ولاتدريه وربما نفرت منه بعد معرفته والاطلاع على طباعه وأحواله ” .
فللزوجة حق اختيار شريك حياتها الكفؤ ، وإن للأولياء ترك الحرية للمرأة في اختيار زوجها حسـب رغبتهـا المنضبطـة لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : ” احملـوا النسـاء على أهوائهن ” (2) .
قال المناوي في التعليق على هذا الحديث ” احملوا أيها الأولياء النساء على أهوائهن : أي زوجوهن بمن يرتضينه ويرغبن فيه إذا كان كفؤاً ، وكذا إذا كان غير كفء ورضيت المرأة به ، فإذا التمست بالغة عاقلة التزويج من كفء لزم الولي إجابتها ، فإن امتنع فعاضل فيزوجها السلطان ” (3) .
فاستئذان البكر منصوص عليه في حديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ” … ولا تنكح البكر حتى تُستأذَن . قالوا : يارسول الله ، وكيف إذنها ؟ قال أن تسكت ” (4) .
وهذا الاسـتئذان مشـروط عنـد بعض العلماء ، قال ابن حَجَرٍ أثناء شرحه هذا الحديث : ” واختلفوا في الأب يزوج البكر بغير اذنها ، فقال الأوزاعي ، والنوَوي ، وأبو حنيفة ووافقهم أبو ثور : يشترط استئذانها ، فلو عقد عليها بغير استئذان لم يصح ، فقد أشار القاضي عبد الوَهّاب من المالكية : إذا تقدم العقد على الاستئذان فالصحيح ألا يجوز فذهبوا إلى سنية الاستئمار فقد ذكر ابن نجيم : ” والسنة أن يستأمر البكرَ وليُّها قبلَ النكاح بأن يقول : إن فلاناً يخطبك أو يذكرك فسكتت ، وإن زوجها بغير استئمار فقد أخطأ السنة وتوقف على رضاها ” (5) .

(1) [ صحيح ابن حبان 9/399 رقم 4089]
(2) [ فيض القدير شرح الجامع الصغير 1/257]
(3) [ فيض القدير 1/257]
(4) [ أخرجه البخاري 5/1974]
(5) [ البحر الرائق 3/121 ]

وكذا عند الحنابلة : ” ويسن استئذان بكر بالغة هي وأمها ” (1) .
ومحصلة ذلك عدم إهمال حرية اختيار الفتاة زوجها ، وألا يفرض عليها من لا تحبه أو ترضـاه فقد أكدت أحاديث عديـدة علـى هـذا الجانب عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( جاءت فتاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يارسول الله إن أبي زوجني ابن أخيه يرفع بي خسيسته فجعل الأمر إليها ، قالت فإني قد أجزت ما صنع أبي ، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء (2) وفي رواية الدارقطني : ( … ليرفع بي خسيسته ولم يستأمرني ، فهل لي في نفسي أمر ؟ قال نعم .
قالت ماكنت لأرد على أبي شيئاً صنعه ، ولكني أحببت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء ) (3) فرضا الفتاة واستشارتها مما أرشد إليه الدين الحنيف وتشريعه .
ومن هنا ارتأى بعض العلماء القدامى والمحدثين رفض نظام الإجبار كلياً واعتماد نظام ولاية المراجعة والاختيار ، قال ابن حجر شارحاً قول البخاري ” باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها ” والحديث دال على أنه لا إجبار للأب عليها إذا امتنعت حكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم ، ثم إن الترجمة معقودة لاشتراط رضا الزوجة بكراً كانت أو ثيباً صغيرة كانت أو كبيرة وهو الذي يقتضيه ظاهر الحديث ” (4) .
كما صرح ابن جزي : ” إذا أكره أحد الزوجين أو الولي على النكاح لم يلزم وليس للمكره أن يجبره لأنه غير منعقد ” (5) .
وعد عز الدين بن عبد السلام الإجبار مفسدة فقال : ” وكذلك إجبار النساء على النكاح مفسدة … ” (6) .
وقد علل الدكتور يوسف القرضاوي ما ذهب إليه الشافعي من إجبار البكر البالغة فقال : ” وقد عاش الإمام الشافعي في عصر قلّما كنت تعرف الفتاة عمّن يتقدم لخطبتها شيئاً إلا ما يعرفه أهلها عنه ، لهذا أعطي والدها خاصة حق تزويجها ولو بغير استئذانها لكمال شفقته عليها ، وافتراض نصحه وحسن رأيه في اختيار الكفء المناسب لها … ومن يدري لعل الشافعي (رضي الله عنه) لو عاش إلى زماننا ورأى ما وصلت إليه الفتاة من ثقافة وعلم وأنها أصبحت قادرة على التمييز بين الرجال الذين يتقدمون إليها ، وأنها إذا زوجت بغير رضاها ستستحيل حياتها الزوجية إلى جحيم عليها وعلى زوجها ، لعله لو رأى ذلك لغير رأيه كما غيره في أمور كثيرة … ” (7) .

(1) [ كشاف القناع على متن الإقناع 5/43 ]
(2) [ أخرجه الإمام أحمد 6/136 ]
(3) [ أخرجه الدارقطني في سننه 3/233 ]
(4) [ فتح الباري ج 9 ص 164 ]
(5) [ ابن جزي ، القوانين الفقهية ص 172]
(6) [ قواعد الأحكام في مصالح الأنام ج1 ، ص 79 ]
(7) [ لقاءات وحوارات قضايا الإسلام والعصر ، ص 173]

استحباب استشارة الأم في زواج ابنتها

فمن باب استطابة نفس الأم في أمر تزويج البنت تطييباً لخاطرها وهـو أدعـى إلـى الألفة وأبعد عن وقوع الفتنة بينهما إذا لم يكن برضا الأم إذ البنات إلى الأمهات أميل ، وفي سماع قولهن أرغب ولأن المرأة ربما علمت من حال ابنتها أمراً يخفى على أبيها لا يصلح معه النكاح من علة تكون بها أو سبب يمنع من الوفاء بحقوق الزوج (1) .
وقد راعى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هذا الإحساس ، فحث الآباء على حسن استشارة الأمهات عند زواج البنات فقال ( عليه الصلاة والسلام ) : ” آمروا النساء في بناتهن ” (2) وهذا مبدأ أقرَّهُ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – وربَّى عليه صحابَتَهُ – رضوان الله عليهم – وهذا المبدأ استشارة الأم استحبته كل المذاهب الفقهية فقد أورد الشافعية أن الاستشارة استحباباً وتطييباً لنفس الأم ولا خلاف أنه ليس للأم أمر ، لكنه على معنى استطابة النفس ” (3) .

وقول الحنابلة في ذلك ” ويستحب استئذان المرأة في تزويج ابنتها لقول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( آمروا النساء في بناتهن ) ولأنها تشاركه النظر لابنتها ، وتحصيل المصلحة لها بشفقتها عليـها ، وفـي استئذانها تطييب قلبها وإرضاء لها فتكون أولى ” (4) وهذا حد من صلاحية الإجبار التي يتمتع بها بعض الأولياء ويمارسونها بنوع من التعسف والإكراه أحياناً .

” أهلية الزوجة بعد عقد الزواج “

بعد عقد الزواج من القاضي أو مأذونه بموجب وثيقة رسمية أو تثبيته أصولاً تصبح الزوجة كاملة الأهلية في جميع ما يعود لحقوقها الزوجية ولو كانت قاصرة لم تبلغ سن الرشد بعد ، على اعتبار أن إجراء عقد الزواج يجعلها مأذونة بصورة حتمية بإجراء التصرفات الناجمة عن هذا العقد وكاملة الأهلية في هذا الخصوص فالإبراء منها لزوجها في مجلس القضاء لا تملكه إلا بموافقة ولي المال ويبطل إبرائها .

(1) [ النهاية لابن الأثير ج1 ص 65 ]، [ تكملة المنهل ج3 ، ص 265 ]
(2) [ سنن أبو داوود ج2 ، ص 232 ]
(3) [ فتح الباري 9/194]
(4) [ المغني 7/384]
أمّا الناحيـة الثانيـة : فالزوجـة تملك الخصومة مع زوجها وتملك التوكيل وهي دون سن الرشد ، إلا أنها لاتملك قبض ما يحكم لها من نفقة أو حقوق تترتب على عقد الزواج ، ولأجل القبض لا بد من إنابة ولي المال في ذلك .
أمّا الناحية الثالثة : فهي تخص الأبناء في سن البلوغ فيما يشبه حال الزوجة فهم يملكون حق مخاصمة الأب فيما لهم من حق النفقة عليه إلا أنهم لا يملكون حق القبض والتوكيل في بعض الأحيان فيما يحكم لهم من حقوق ، وقد يكونوا عند حاضنتهم وبما أنها لا تملك حق المخاصمة عنهم فهي لا تملك قبض ما يحكم لهم ، مما يوقع المحكمة في حرج من تعنت الآباء بعدم دفع النفقة لوالدتهِم – حاضنَتهم – لعدم وجود صفة تخولها قبض المال لهم .

” تزويج المرأة الثيب التي لم تبلغ ”

المرأة الثيب لا يصح شرعاً تزويجها إلا بإذنها ورضاها ؛ قال صلى الله عليه وسلم :

” لا تنكحوا الأيامى حتى تستأمروهن ” . (1) ، والأيّم في الحديث هي من لا زوج لها بكراً كانت أو ثيباً ، والمراد بها هنا الثيب التي فارقت زوجها بموت أو طلاق .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ” الأيم أحق بنفسها من وليها … ” (2) .
فالأيّم أحق بنفسها في الزواج ولفظ أحق يقتضي المفاضلة ، أي أن لها في نفسها في النكاح حقاً ولوليها حقا ، وحقها أوكد من حقه فإنه لو أراد تزويجها كفؤ وامتنعت لم تجبر ولو أرادت أن تتزوج كِفْءً فامتنع الولي أجبر فإن أصر على امتناعه زوجها القاضي فدل ذلك على تأكيد حقها ورجحانه ” من وليها ” ؛ أي فلا يزوجها إلا بأمرها .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ” ليس للولي مع الثيب أمر ” (3) .
فهذه الأحاديث بمجملها تدل على أن الثيب لا تجبر في النكاح وإنما تستأمر ولا تُزَوَّج إلا برضاها لأنها عرفت مقصود النكاح فلا تجبر عليه ، ولممارستها الزواج قبل ذلك يستبعد أن تستحي من التصريح به ، لذلك قال الفقهاء : ” إن علامة رضاها هو الكلام وليس السكوت كالبكر ” . (4) .
قـال الإمـام النـووي رحمـه الله : ” … وأمـا الثيب فلا بد فيها من النطق بلا خوف سواء كان الولي أباً أو غيره لأنه زال كمال حيائها بممارسة الرجال … ” (5) وظاهر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الثيب أحق بنفسها ” . أنه لا فرق بين الصغيرة والكبيرة (6) .

(1) رواه الترمذي
(2) أخرجه الإمام مسلم
(3) أخرجه أحمد
(4) [ بتصرف من كتاب الزواج / الدكتور محمد الحفناوي ]
(5) [ شرح النووي لصحيح مسلم 5/221]
(6) [ نيل الأوطار 6/123]

” قِصَر مدة مشاهدة الصغير “

درجت المحاكم الشرعية في أحكامها أن مدة المشاهدة للصغير ثلاث ساعات الخ… في كل أسبوع وهذا حق ثابت لكل من والديه شرعاً ، وحرمان ، أحدهما ضرراً لقوله تعالى :
” لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده ” … (1) .
ولأن جانب الشفقة والرحمة بالطفل يتحقق في الوالدين بالرعاية التامة بالطفل ، والتحديد بساعات معدودة في كل أسبوع لا دليل عليه ولا يتفق وما ورد في النصوص الفقهية المعتبرة من أن الصغير إذا كان عند أحد الأبوين فللآخر حق رؤيته مرة كل أسبوع.

فقد جاء في جامع أحكام الصغار : ” إذا كان الغلام والجارية عند ألأم فليس لها أن تمنع الأب من تعاهدهما ، وإذا صار إلى الأب فليس له أن يمنع الأم من تعاهدهما والنظر إليهما ”
وفي السراجية : ” إذا سقطت حضانة الأم وأخذه الأب لا يجبر على أن يرسله لها بل هي إذا شاءت أن تراه لا تمنع من ذلك ” .
وإن عمـل المحـاكم الشـرعيـة يجب أن يتفق والقانـون ففـي المادة (163) فقرة (ب) ” عند الاختلاف في مشاهدة الصغير تحدد رؤيته للأم والولي مرة كل أسبوع … ” .
وإن الأحكام سابقاً قد جرت على تحديد موعد الرؤية كل أسبوع قياساً من الفقهاء على أن لوالدي الزوجة زيارتها كل أسبوع .
وقد نقل شارح الدر في باب الحضانة ” له إخراجه إلى مكان يمكنها أن تبصر ولدها ”
وعلق ابن عابدين لأنه أرفق ، قال عليه الصلاة والسلام : ” والمنع قطيعة رحم ” .
ولم يحدد الفقهاء المدة بأسبوع إلا للأم فقط ؛ أما غير الأم كالأقارب وغيرهم فيكفيهم ساعات معدودة للمشاهدة لأن الغاية تحققت لهم بذلك ، أما المشاهدة بخصوص الولي غايتها الألفة والصلة والتفاهم والتقارب بين الحاضن والمحضون ولا تتحقق هذه بسويعات قليلة ، فالمحضون بحاجة أن يتعرف على أهله وأقاربه ويختلط معهم لتتم الصلة والمحبة ، ويتم التخفيف على المؤسسات التي ترعى شؤون القاصرين التي لم تعد تستوعب حالات المشاهدة في ردهاتها ، على أن تبقى تلك المؤسسات ينحصر دورها في رعاية الصغار الرضع أو من في سنهم أو المشاهدة الخاصة بالأقارب وحينئذ للمحاكم الشرعية تنظيم هذا الحق حتى لا يتخذ ذريعة للإضرار بالحاضن .

(1) [سورة البقرة الآية 233]

شرط ولاية البالغ في الزواج

درجت بعض المحاكم الشرعية على الامتناع عن قبول ولاية من بلغ من العمر خمسة عشر عاماً أن يجري أي عقد زواج , مع أن له حق الزواج والتزويج بنص قانون الأحوال الشخصية الأردني في المادة العاشرة منه ونصها “يشترط في الولي أن يكون عاقلاً بالغاً…..” .

فالبلوغ هو ما يتم فيه الصبي قواه العقلية , غير أن هذا أمر باطني لا يمكن الاطلاع عليه , ثم الحكم عليه بالتمام والنقصان , لذا قدر الفقهاء له معياراً محسوساً سهل الاعتماد عليه, فيثبت حد البلوغ بالاحتلام والاحبال والحيض والحبل فمن إدرك منتهى سن البلوغ ولم تظهر فيه آثار البلوغ بالغاً حكماً (1).

ذهب الفقهاء من الشافعية والحنابلة وأبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة (2) إلى تقدير سن البلوغ بخمس عشرة سنة للذكر والأنثى اعتماداً على ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عمر قال عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد في القتال, وأنا ابن أربع عشر سنة فلم يجزني, وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني” (3) الذي يحصل في ذلك أن من بلغ هذه السن له حق إجراء عقد زواجه, إلا أنه لا يملك إجراء عقد زواج غيره مع الأصل أنه طالما يملك ابتداء إجراء عقد الزواج لنفسه ودفع المهر فمن باب أولى يقوم فيما يلزمه في حق غيره والله أعلم .

(1) أنظر المادة (985) وما بعدها من المجلة .
(2) ابن الهمام , فتح القدير ج7 ص323 , داماد: مجمع الأنهر ج2 ص444, الدردير: الشرح الكبير ج5 ص291 ابن قدامه: المغتي ج4 ص508 .
(3) البخاري ج5 ص276, مسلم ج3, ص1490 .

ج.زواج الصغار

المقصود بذلك زواج الصغير والصغيرة قبل بلوغهما أهلية الزواج المنصوص عليها في المادة (5) من قانون الأحوال الشخصية ونصها ” يشترط في أهلية الزواج أن يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين ، وأن يكون كل منهما قد أتم الثامنة عشر سنة شمسية إلا أنه يجوز للقاضي أن يأذن بزواج من لم يتم منهما هذا السن إذا كان قد أكمل الخامسة عشرة سنة من عمره … ” .
إذن ما دون هذا السن المنصوص عليه يمنع إجراء عقد الزواج ، وقد فرض قانون العقوبات الأردني بنص المادة (279) فقرة (2) ” عقوبة الحبس من شهر إلى ستة أشهر لمن زوج فتاة أو أجرى مراسيم الزواج لفتاة لم تتم الخامسة عشرة من عمرها أو ساعد في إجراء مراسيم زواجها بأي صفة كانت ” .

أما من الناحية الشرعية فزواج الصغار مباح عند جمهور الفقهاء المسلمين قال ابن عبد البَرّ : ” أجمع العلماء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يشاورها ” (1) واحتـج بفعل أبي بكر ( رضي الله عنه ) حيث عقد للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) على ابنته عائشة ( رضي الله عنها ) قالت : تزوجني رسول الله عليه الصلاة السلام وأنا أخوض المطر بمكة وما عندي ما يرغب فيه الرجال ، وأنا بنت ست سنين فلما بلغني أنه تزوجني ألقى الله علي الحياء ثم إن رسول الله – عليه الصلاة السلام – هاجر وأنا معه فاحتملت إليه وقد جاءني وأنا بنت تسع سنين … ” (2) .

إلا أنه رغم شرعيته فقد أُعتبر زواج الصغار في نظر القانون زواجاً فاسداً موجباً للفسخ ، وبذلك عدل القانون عن رأي جمهور الفقهاء وأخذ برأي المانعين لأنه لا تتحقق الفائدة للصغير والصغيرة من هذا العقد إذ المقصود من الزواج السكن النفسي والتناسل … الخ ، وهذا لا يتحقق في زواج الصغار ، وقد يكون فيه ضرر بالغ بهم ؛ إذ أنه إجبار لهم على حياة مشتركة ، دون التأكد من الانسجام بينهم وقد شرعت الولاية على الصغار لرعاية مصالحهم ودفع الأذى عنهم لا للإضرار بهم ” (3) .

(1) [ ابن عبد البَر : الاستذكار ، ج16 ، ص 49 ]
(2) [ أخرجه أبو داود ج4 ، ص284 ]
(3) [ السباعي ، الأحوال الشخصية ، ص 130 بتصرف ]

والمنع على إطلاقه ضرر ، فلم يراعي القانون فيما لو حصل اعتداء جنسي على صغيرة وظهر حمل أو ولادة ، أو أن هذا العقد حصل في ظل قانون يجيزه في بلد إسلامي أو حصل في ظروف زواج عرفي … الخ ، وأصبحنا أمام أمر واقع ، والأسـلم بقـاء العقوبـة مشـددة علـى الواقعة حين حصولها مع الإذن بإجراء مراسيم الزواج في حينه .

حجج الإقرار بالحضانة

تقوم المحاكم الشرعية كافة باستصدار وتنظيم حجج الإقرار بالحضانة وخاصة لجهة أم القاصرين الصغار دون الالتفات لرأي أوليائهم في ذلك .
وبما أن الحضانة تنطوي على حقوق ثلاثة ؛ حق الصغير ، وحق الحاضنة ، وحق الولي ، ومصلحة الصغير هي المقدمة ، وحضانة الأم تقوم على تربية الصغير وحفظه وهي بالنسبة لها ولاية نظر في مصالحه ، والشارع الحكيم حين أودعها وسلطها على حضانة الصغير لمصلحته لا لمصلحة أبيه ولا لمصلحة أي شخص آخر وإنما للصالح العام الذي يحتم رعاية الصغار والقيام بتربيتهم وجميع شؤونهم وبما أن القضاء يسبق القانون في أحيان كثيرة من خلال الوقائع والمستجدات لذا أرى أن يتم تنظيم عملية حجج الإقرار هذه وفق أطر شرعية وقانونية بما يتفق ومعطيات الشريعة الإسلامية فينظر إن كان الأولاد في سن الحضانة والأم وأم الأم لم تسقط حضانتهما بسبب موجب أن يصدر القاضي أمراً ولائياً ببقائهم أو تسليمهم لهما دون حكم قضائي ، وترك الأمور الأخرى التي تحتاج للفصل للقضاء ، وهذا الأمر يخفف في القضايا المعروضة على المحاكم الشرعية ويسهل الإجراءات بالنسبة للآباء والأمهات على حد سواء ، طالما القانون حدد سن الحضانة والانتهاء منه ، مع العلم أن الخصومة والتنازع على حضانة الصغار أو الذين انتهت حضانتهم قد تأخذ في بعض الأحيان مدداً طويلة مما يفوت الحق على طالبه وهو لم يحصل عليه بعد أو يهنأ بحضانة صغيره أو الانضمام إليه

التوصيـــــــات

من خلال هذه الورقة البحثية أجد أن من الواجب الاهتمام بالمُستجدات المطروحة من خلال إجراء تعديلات على المواد القانونية المتعلقة بتلك المُستجدات .