المحاكم المتخصصة والعنف المنزلي

بدأت في السبعينات من القرن الماضي في الولايات المتحدة حركة تهدف إلى رفع درجة وعي عامة الشعب بالعنف المنزلي وتأثيره المدمر، ليس على الضحايا فحسب، بل وعلى العائلات والمجتمع بوجه عام أيضا. وقد تم القيام بجهد متفق عليه لتشجيع تنفيذ إصلاح واسع القاعدة لتغيير كيفية تفكير المجتمعات المحلية والمؤسسات حول جريمة العنف المنزلي وطريقة الرد عليها.

وتم توجيه اهتمام كبير إلى مسألة تحسين رد نظام العدالة الجنائية ع ى العنف المنزلي. وعمل الناشطون في هذه الحرك ة على تبديد التفكير القائل بأن العنف المنزلي مسألة عائلية خاصة، وطالبوا بإصدار قوانين تقر بخطورة هذه الجريمة وإجراءات تحمي الضحايا وتحاسب المسيئين. وكما بينت سوزان كايليتز في بحثها التخصص في إدارة قضايا العنف المنزلي في المحاكم: مسح قومي، كانت أجهزة تطبيق القوانين أول جزء في نظام العدالة يقوم بتغيير نهجه في معالجة حالات العنف المنزلي، ثم تبعته عمليات الاتهام، والوضع تحت المراقبة واختبار السلوك، وصولاً، في نهاية المطاف، إلى المحاكم. وكان عدد قليل من المدن مثل فيلادليفيا، بولاية بنسلفانيا؛ ومقاطعة كوك كاونتي، بولاية إيلنوي؛ وكوينسي بولاية ماساتشوسيتس، رائداً في إصلاح محاكم العنف المنزلي خلال الثمانينات من القرن الماضي. وواصلت ولايات ومدن أخرى تطبيق هذه الإصلاحات بجدية خلال التسعينات. وقدرّت كايليتز أنه بحلول عام 2000 كان قد أصبح لدى ما يزيد عن 300 نظام قضائي في أنحاء الولايات المتحدة المختلفة الهيكليات، والإجراءات، والممارسات القانونية المتخصصة بالتعامل مع قضايا العنف المنزلي. ويشار إلى هذه الهيكليات والإجراءات والممارسات بشكل عام على أنها “محاكم العنف المنزلي.”

وتزامنت مع اعتماد هذه الإصلاحات في أساليب استجابة العدل الجنائي للعنف المنزلي، مبادرة متوازية تهدف إلى تحسين استجابة المحاكم لمشاكل العائلات والأطفال. وتمثل أحد مصادر القلق في أنه لم يكن من غير المعتاد أن تكون عائلة واحدة متورطة في عدة قضايا، تنظر فيها محاكم متعددة، ضمن نظام قضائي واحد، وفي وقت واحد. وبدأت المحاكم تدرك عدم فعالية التعامل مع كل قضية بصورة منفصلة. وكما أشار كل من كارول فلانغو، وفكتور فلانغو، وإيتش. تيد روبين في بحثهم بعنوان كيف تنسق المحاكم القضايا المتعلقة بالعائلات؟ كان من المحتمل أن تقود مثل هذه الاستجابة المفككة إلى صدور قرارات متضاربة عن المحاكم. كما لاحظت المحاكم أن عبء القضايا القانونية المتعلقة بالأحداث والعائلة بدأ يزداد ويصبح أكثر تعقيداً، مع ما رافق ذلك من صعوبات أخرى أساسية عديدة. ورغم ذلك، لم يقدم الكثير من الأنظمة القضائية سوى مساعدة ضئيلة جداً في مجال خدمات العائلات، ولم تكن هذه المساعدات منسقة بوجه عام عبر جميع المحاكم المختلفة. وقد ظهرت محكمة العائلة إلى حيز الوجود كأحد أساليب معالجة هذه المشاكل، وتمثلت بإنشاء محكمة واحدة أو قسم من محكمة شُكل على نحو نموذجي كنتيجة لتوحيد القضايا المتعلقة بالأحداث والعائلة، وبحيث يملك سلطات قضائية في مجال واسع من المسائل المتعلقة بالعائلة. وتقوم محكمة العائلة هذه بالمساعدة، في الكثير من الولايات والمدن، في معالجة المسائل القانونية المتعلقة بالعائلات بطريقة منسقة، وشاملة، وفعالّة.

وتزود محاكم العائلة، سوية مع محاكم العنف المنزلي، النظام القضائي بأدوات لتحسين الاستجابة لمسألة العنف المنزلي. وتبحث هذه المقالة في الحاجة لاستجابة المحاكم المتخصصة لهذه الجرائم، وفي نماذج المحاكم المتخصصة بالعنف المنزلي، وكيفية بروز محاكم العائلة وطريقة تركيبها ومدى معالجتها لقضايا العنف المنزلي، وأهمية الاستجابة القضائية المنسقة للعنف المنزلي التي تعزز ضمان سلامة الضحية ومحاسبة الجاني.

تحسين الاستجابة القضائية
إن محاكم العنف المنزلي والكثير من محاكم العائلة مؤهل لتحسين الرد القضائي على العنف المنزلي. إلا أنه ينبغي أن تستند هذه المحاكم، كي تكون فعالة، إلى فهم لطبيعة هذه الجريمة ومصادر القلق الخاص لدى ضحاياها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يجب أن تدرك هذه المحاكم ما يلي:

تختلف جرائم العنف المنزلي عن الجرائم الأخرى من نواح كثيرة. فالعنف يمارس بين أفراد تربطهم صلة قوية ببعضهم البعض وليس بين أ غراب، كما أنه يتعاظم عادة مع مرور الزمن. ويخشى الضحايا في كثير من الأحيان، وهناك ما يبرر هذا الخوف، من أن تدخل النظام القضائي في هذه القضايا سيستفز المعتدي إلى زيادة تهديداته وإساءاته. وقد يؤدي هذا الخوف إلى ممانعة الضحايا في طلب مساعدة المحاكم. كما أنهم قد يمتنعون عن طلب تدخل المحاكم خوفاً من اتهامهم بالفشل في حماية أطفالهم من سوء المعاملة ومن احتمال خسارة حق حضانتهم. وللتغلب على هذه العوائق القائمة أمام ضمان السلامة والعدالة، قد يحتاج الضحايا والأطفال إلى حماية معززة تشمل مراقبة دقيقة للمسيئين إليهم، خلال تدخل المحكمة وبعد حدوثه. ويجب وضع آليات لإبقاء الوالدين غير المؤذين وأطفالهم مع بعضهم البعض.

كما أن العنف المنزلي يختلف عن الكثير من المشاكل التي تواجه العائلات. وقد أشارت إلى ذلك كل من بيلي لي دنفورد – جاكسون، ولوريتا فريدريك، وباربرة هارت، وميريديث هوفورد في بحث بعنوان محاكم العائلات الموحدة: كيف ستخدم ضحايا العنف المنزلي؟ فمثلا، في حين تسعى المحاكم عادة إلى حل النزاعات العائلية بطريقة توافق عليها جميع الأطراف، لا يمكن لجميع المعنيين “الربح بالتساوي” في قضايا العنف المنزلي. وفي حين أن هناك أساليب بديلة لحل النزاع، كأسلوب التوسط الذي يمكن أن يشكل وسيلة مفيدة لمساعدة العائلة في إيجاد حلول لبعض مشاكلها، فقد تسمح هذه الأساليب للمعتدين، عندما يكون العنف المنزلي ضمن موضوع النزاع، بالتلاعب أكثر بالضحايا واستخدام الأطفال كأدوات أو حجارة شطرنج لتحقيق مآربهم. وفي حين أن المحافظة على وحدة العائلة قد تكون أمراً يشجع عليه عند معالجة الكثير من النزاعات العائلية، فإن الضحايا وأطفالهم يحتاجون في كثير من الأحيان، عندما يكون العنف المنزلي عنصراً في المشكلة، إلى حمايتهم من المسيئين إليهم وإلى مساعدتهم على تحقيق استقلالهم.

ولا تشكل معالجة مرتكبي العنف المنزلي (المعروفة أيضا ببرنامج التدخل ضد المعتدين)، وحدها وبحد ذاتها، تدخلا ملائماً. ذلك أن مثل هذا البرنامج قد يساعد المسيئين في تعلم كيفية تعديل سلوكهم، ولكنه لا يضمن عدم عودتهم إلى إيذاء الضحايا. ويستدعي التدخل الفعال لمنع حصول العنف المنزلي قرن المعالجة بفرض عقوبات وتقييدات وشروط تتناسب مع خطورة الجريمة، وذلك من أجل منع حصول أعمال عنف لاحقة واستعادة الضحية لاستقلالها.

المحاكم المتخصصة بالعنف المنزلي
هناك أشكال كثيرة من محاكم العنف المنزلي تشكّل بعضها ضمن الإطار العام للمحاكم العائلية، أو أنه يعمل بالتشاور معها. لكنْ، ورغم هذا التنوع، برز عدد من النماذج الواضحة المعالم لمحاكم العنف المنزلي المتخصصة. وقد وصفت إملي ساك في بحثها ” في سبيل إنشاء محكمة العنف المنزلي: توجيهات وأفضل الممارسات”، النماذج التالية:

السجل الخاص بقضايا أوامر الحماية المدنية: يسعى الكثير من ضحايا العنف المنزلي إلى الحصول على أوامر للحماية المدنية من المحاكم. ويفرض مثل هذا الأمر على المسيء الامتناع عن مهاجمة أو حتى الاتصال بالضحية أو القيام بأعمال محددة (مثلا، الذهاب إلى مكان عمل الضحايا أو إلى مدارس أطفالهم). وتمثل عادة عرائض طلب إصدار أوامر الحماية وجلسات التحقيق في الانتهاكات معظم قضايا العنف المنزلي، وهذا هو ما يجعل السجلات الخاصة بقضايا أوامر الحماية المدنية (والسجل هو جدول أعمال القضايا العالقة أمام قاض معين أو محكمة معينة) الخيار المنطقي للتخصص في الكثير من الأماكن.

وتختلف سجلات أوامر الحماية من حيث مقدار الوقت الذي تخصصه لسماع المرافعات وعدد القضاة الذين يوكل إليهم أمر متابعة هذه السجلات، ومن حيث ما إذا كانت تتم معالجة تطبيق أوامر الحماية والانتهاكات. وفي حين يبقى هذا النموذج محدوداً لأن المحكمة التي تتعامل فقط مع أوامر الحماية المدنية لا يمكنها معالجة جميع احتياجات الأطراف المعنية القانونية الأخرى المتصلة بالموضوع، فإن بإمكان هذه السجلات تسهيل عملية إصدار أوامر الحماية المدنية وتحسين فعالية عملية الحصول عليها وتبسيط تنظيمها. وتعزز سجلات أوامر الحماية المدنية سلامة الضحية، وتشجع على الاستخدام الكامل لأساليب معالجة الأمر التي يؤمنها نظام العدالة، وتربط المتخاصمين بخدمات المجتمع المحلي.

النموذج الجنائي: تنظر محاكم العنف المنزلي الجنائية ف القضايا الجنائية. قد يقوم قاض واحد أو أكثر بالنظر في هذه القضايا. وتملك غالبية هذه المحاكم سلطات قضائية محصورة بالنظر في أمر الجنح فقط. وقد أنشأت أماكن قليلة محاكم تنظر فقط في قضايا العنف المنزلي الجنائية. في أماكن أخرى، تنظر محكمة متخصصة في قضايا الجنح والجنايات المترتبة عن العنف المنزلي على السواء. ويشدد النموذج الجنائي على أهمية فرض عقوبات مناسبة على المعتدين ومراقبتهم. وأحد أوجه قصور هذا النموذج هو عدم صلاحيته لمعالجة المسائل المدنية المرتبطة بهذه القضايا. ولذلك يصبح التنسيق عبر المحاكم المختلفة أساسياًً لضمان تساوق الأوامر وتأمين الخدمات الملائمة.

محاكم العنف المنزلي التي تنظر في مجموعة قضايا مترابطة: صمم هذا النموذج للنظر في قضايا العائلات التي تعاني من مشاكل العنف المنزلي بشكل أكثر شمولاً، مقارنة مع سجلات أوامر الحماية أو المحاكم الجنائية. قد حددت إملي ساك ثلاثة أشكال من هذا النموذج:

محكمة العنف المنزلي المتكاملة: تنظر في قضايا العنف المنزلي الجنائي والمسائل العائلية المتصلة به كأوامر الحماية وحضانة الأطفال والإعالة أو الطلاق. وهي تقدم في أحيان كثيرة مجموعة من الخدمات لأفراد العائلة.

محكمة العائلة الموحدة: تسمح عادة لقاض واحد بالنظر في جميع المسائل القانونية المتعلقة بعائلة واحدة. وتستطيع هذه المحكمة النظر في قضايا العنف المنزلي المدنية و/أو الجنائية ر م أنها تركز في أحيان أكثر على المسائل المدنية فقط.

المحكمة المنسقة: يتم الترافع في قضايا العنف المنزلي الجنائي والمسائل المدنية المتعلقة بها في نفس قسم المحكمة، ولكن وفق سجلات منفصلة.

محاكم العائلة والعنف المنزلي
النشوء والتطور: جاء في كتاب هنتر هيرست محكمة العائلة في الولايات المتحدة، أن ولاية نيوجرزي أصدرت في عام 1912 قانوناً يمنح محا كم الأحداث في الولاية سلطات قضائية في حل النزاعات القانونية المتعلقة بالعائلة. وأشار هيرست إلى أن هذا القانون كان أول سجل ثبوتي موثق لمحكمة العائلة، إلاّ أن محاكم العائلة لم تبدأ في اتخاذ شكلها النهائي إلا في الستينات من القرن العشرين حين أنشأت كل من ولايات هاواي، ونيويورك، ورود آيلاند أول أنظمة لمحاكم العائلة في الولايات. وحذت ولايات عديدة حذوها منذ ذلك الوقت. وعلاوة على إنشاء محاكم عائلة رسمية على نطاق الولاية، تعكف ولايات عديدة على تشجيع الأنظمة القضائية المحلية على إنشاء محاكم العائلة. وقد أشار هيرست إلى أن جمعية المحامين الأميركيين والمجلس القومي لقضاة محاكم الأحداث والعائلة، من بين عدة منظمات قومية أخرى، يدعمان الجهود الهادفة إلى إنشاء مثل هذه المحاكم.

الهيكلية: تنشئ الولايات والمدن محاكم العائلة بحيث تتلاءم مع احتياجاتها، ومستوى الإصلاح المرغوب به، والموارد المتوفرة. وكما أشرنا سابقاًً، تخصص محاكم العائلة الموحدة قاضياً واحداً لمعالجة جميع أو معظم القضايا المتعلقة بنفس العائلة. وقد لا يُتبع نظام القاضي الواحد للعائلة في محاكم أخرى، في حين أنه يتم تنسيق تبادل المعلومات، وأوامر المحاكم، والخدمات. ويتم تعيين بعض القضاة لفترات طويلة الأمد في محاكم العائلة ويتمتعون بخبرة وتدريب واسعين في قانون قضايا العائلة، بينما يتعاقب قضاة آخرون على العمل في محاكم أخرى ويكونون أقل إلماماً بمثل هذه القضايا.

وتختلف محاكم العائلة من حيث أنواع القضايا التي تنظر فيها. وقد أوصت جمعية المحامين الأميركيين في تقريرها “محاكم العائلة الموحدة: تقرير حول مدى التقدم” بأن تشمل السلطات القضائية لمحكمة العائلة قضايا جنوح الأحداث؛ الإساءة إلى الأطفال وإهمالهم؛ إنهاء حقوق الأبوة والأمومة؛ الوصاية على الأحداث؛ الجرائم بين أفراد العائلة، بما في ذلك جميع أشكال العنف المنزلي؛ الطلاق، الانفصال، إلغاء الزواج، النفقة، حضانة الأطفال، وإعالة الأحداث؛ فرض تطبيق واجبات الأبوة وإعالة الطفل؛ والشؤون المتعلقة بضرورة تقديم العلاج الطبي في الحالات الطارئة. ورغم هذه التوصية، تنحصر أعمال الكثير من محاكم العائلة بالقضايا المدنية.

كما تختلف هذه المحاكم أيضا من حيث مدى مشاركتها في عمل مزودي الخدمات من المجتمع المحلي والحكومة وتقديمها للخدمات المباشرة للعائلات، ومن حيث كيفية استعمالها للتكنولوجيا والموظفين لتسهيل تبادل المعلومات و تخاذ قرارات مستنيرة تستند إلى حسن الاطلاع.

العنف المنزلي كمسألة تخص محكمة العائلة: يشمل الحد الأدنى من نشاطات محاكم العائلة النظر في قضايا الطلاق وحضانة وإعالة الأطفال ومسائل مدنية أخرى تواجهها العائلات المعانية من سوء المعاملة. وقد تنظر هذه المحاكم أيضاً في طلبات إصدار الأوامر للحماية المدنية وتعقد جلسات للنظر في فرض التطبيق والانتهاكات المتعلقة بهذه الحماية. وقد تنظر بعض محاكم العائلة بقضايا إجرامية بين أفراد العائلة، ولكن معظمها يتمتع بصلاحية قضائية للنظر في الجنح فقط. وقد تختار محاكم العائلة التي تنظر في عدد كبير من قضايا العنف المنزلي أو تعالج الجوانب المدنية والجنائية لهذه القضايا، إنشاء قسم متخصص ضمن محاكمها لمعالجة هذه المسائل.

إيجابيات وسلبيات معالجة قضايا العنف المنزلي في محكمة العائلة
لمعالجة قضايا العنف المنزلي والقضايا العائلية بشكل متزامن فوائده. فهو يؤمن فرصة الحصول على استجابة منسقة وشاملة. وفي حال إصدار محكمة العائلة لحكم في قضية تتعلق بالعنف المنزلي، تكون لدى موظفي المحكمة في كثير من الأحيان خبرة في معالجة مسائل عائلية مرتبطة بهذه الجريمة. ويتم عادة تقديم مجموعة من الخدمات المتعلقة ب القضية إلى أفراد العائلة لحل أية مشاكل. وقد يبت في أمر جميع المسائل القانونية التي تواجه العائلة في محكمة واحدة. وتميل الشروط التي تصدر عن المحكمة إلى أن تكون منسجمة أكثر منها متناقضة، وخاصة في المحاكم التي تنظر في القضايا المدنية والجنائية أيضاً، نظراً لأن القرارات القضائية تكون مستندة إلى اطلاع المحكمة بصورة أكمل على سجل العائلة القضائي.

لكن هناك سلبيات محتملة لهذه المحاكم. فقد يكون موظفو محكمة العائلة، والمحامون، ومزودو الخدمات مفتقرين إلى القدرة على فهم الطبيعة المميزة للعنف المنزلي، فيصدرون قرارات تعرض الضحايا وأطفالهم، دون قصد، إلى خطر أذى لاحق. وقد لا يحصل العنف المنزلي على الاهتمام اللازم لأنه يكون قضية من بين قضايا عديدة. كما أن الكثير من المحاكم لا يعالج جميع أوجه العنف المنزلي رغم تركيز محاكم العائلة على إجراء تدخلات أكثر شمولاً. لكن، وكما جاء في “إنشاء محكمة العنف المنزلي: التوجيهات وأفضل الممارسات”، من المحتمل أن تواجه المحاكم التي تنظر في مسائل العنف المنزلي المدني والجنائي معاً مجموعة من التحديات الخاصة بها. فقد تميل على سبيل المثال، إلى صب اهتمامها على المسائل المدنية على حساب المسائل الجنائية، والعكس بالعكس، وقد تواجه صعوبات في الفصل بين المعلومات ا متعلقة بكل قضية، و/أو قد تقلل من وضوح المعايير الثبوتية المطبقة في قضية معينة. وهناك مشكلة متصلة بهذا تتلخص في احتمال عدم توفر الموارد الكافية لدى هذه المحاكم لدعم تبادل المعلومات ب كل ملائم يأخذ مسائل السلامة والسرية بعين الاعتبار.

الرد القضائي المنسق
هناك بعض التداخل الواضح في الطريقة التي تبني على أساسها محاكم العائلة ومحاكم العنف المنزلي ردها على العنف المنزلي، كما أن هناك فرصة متاحة أمام هذين النوعين من المحاكم لمعالجة عدد وافر من المشاكل المتعلقة بهذه الجرائم بشكل تعاوني. ومن الواضح أن الكيفية التي نُظمت فيها معالجة هذه المحاكم للعنف المنزلي عامل مهم في التشجيع على رد قضائي منسق وتعزيزه وتوفير الخدمات اللازمة. إلا أن الأمر الحاسم الأهمية، بغض النظر عن النهج القضائي المعتمد، هو تيسير الأنظمة القضائية السلامة لضحايا العنف المنزلي وأطفالهم ومحاسبة المعتدين. ويشكل تحقيق هذين الهدفين الشاملين مهمة معقدة ولكنها أساسية مئة بالمئة. ومن بين التحديات المطروحة أمام المحاكم، كما هو مذكور في إنشاء محكمة العنف المنزلي: التوجيهات وأفضل المم ارسات:

تثقيف جميع المهنيين المتعاملين في أمر قضايا العنف المنزلي بالشكل الصحيح؛

تزويد الضحايا بالمعلومات حول قضاياهم والخيارات المتوفرة لهم لكي يتمكنوا من اتخاذ قرارات مستنيرة نابعة عن حسن الاطلاع؛

تصميم آليات للمحكمة للتقليل من المخاطر المحيقة بسلامة الضحايا وأطفالهم؛

توفير وسيلة للحصول على الخدمات التي قد تساعد في إنقاذ الضحايا وأطفالهم من الأذى الناجم عن سوء المعاملة؛

تشجيع التشاطر الملائم للمعلومات بين دوائر النظام العدلي ومزودي الخدمات حسب ما تستدعيه كل حالة؛

مراقبة المعتدين والاستجابة في الوقت المناسب وبطريقة ثابتة لعدم الالتزام بتطبيق الأحكام؛

الشرح للقضاة أن بإمكانهم الانخراط في جهود منع العنف المنزلي في المجتمع دون إبطال قدرتهم على عدم التحيز في المحكمة؛

تسهيل عملية جمع البيانات المستمرة وتقييمها لتحسين استجابة المحاكم للعنف المنزلي.

ويمكن للالتزام بسلامة الضحية ومحاسبة المعتدي أن يساعدا إلى درجة كبيرة في التغلب على المشاكل المحتملة التي قد تواجهها أي محكمة متخصصة تتناول قضايا العنف المنزلي. ويزيد هذا الالتزام من قدرة المحكمة على مساعدة أفراد العائلات الذين يعانون من سوء المعاملة والأذى الجسدي حقا.

* كريستين ليتل مستشارة في مسائل “العنف ضد النساء” في مكتب العنف ضد النساء، في وزارة العدل الأميركية.