الإنذار القضائي

الإنذار la sommation لغة هو الإبلاغ ولا يكون إلا في التخويف، وهو في القانون: خطاب يوجه من شخص يدعى (الدائن) إلى شخص آخر يدعى (المدين) يخبره فيه بوضوح بضرورة الوفاء بالتزام معين، قد يكون القيام بعمل، أو الامتناع عن عمل، أو أداء مبلغ من النقود. وتستخدم أحياناً كلمة إعذار بدل إنذار للدلالة على الغرض نفسه.

الغاية من الإنذار ووسائله وتبليغه

إن مجرد حلول أجل الدين، أو الوفاء بالتزام معين، لا يكفي لأن يعدّ المدين متأخراً عن الوفاء، لأن عدم قيام المدين بالوفاء في الموعد المحدد، وسكوت الدائن يجعل هذا بحكم المتسامح، ويمكن تفسير السكوت أنه تمديد ضمني للأجل المعطى للمدين، وأنه لم يلحق الدائن أي ضرر من جراء التأخير، وعلى هذا فإنه يجب على الدائن إذا كان عازماً على تنفيذ الالتزام بمواجهة المدين أن ينذره بذلك ليضعه في حالة المتأخر عن التنفيذ.

إن الإنذار يتضمن معنى الإبلاغ والإخبار، ويمكن أن يتم بكل وسائل الإعلام، المقروءة، والمسموعة، والمرئية، إلا أن المشرع حدد الوسائل التي يمكن أن يتم بها الإنذار، بسبب الآثار التي تترتب عليه، وفرّق بين وسائل الإنذار في المسائل المدنية ووسائل الإنذار في المواد التجارية، وذلك وفق ما يلي:

1ـ وسائل الإنذار في المسائل المدنية: ألزم المشرع الدائن بأن يقوم بإعذار المدين عن طريق الكاتب بالعدل، أو بما يقوم مقامه، وأجاز أن يكون الإعذار عن طريق البريد، أو أي وسيلة أخرى متفق عليها. وعلى هذا يمكن تحديد وسائل الإنذار بما يلي:

أـ الإنذار العدلي: وهو ورقة رسمية خطية يكتبها الدائن ويبين فيها بصراحة ووضوح أنه يطلب من المدين تنفيذ التزامه، وغالباً ما تتضمن عبارة: «أُعذر من أَنذر»، ويتم توجيه هذا الإنذار عن طريق الكاتب بالعدل بعد أن يأخذ رقماً متسلسلاً، وتاريخاً ثابتاً.

ب – ما يقوم مقام الإنذار العدلي: يقوم استدعاء الدعوى مقام الإنذار العدلي سواء كانت الدعوى مستعجلة بطلب تقدير الأضرار، أو كانت عادية بالمطالبة بالتعويض عن الأضرار الناشئة عن مخالفة عقد، حتى لو رفعت الدعوى إلى محكمة غير مختصة أصلاً للنظر في النزاع. وإن تبليغ محضر الحجز الاحتياطي أو التنفيذي، وكذلك تبليغ الاحتجاج لعدم الوفاء بسند من الأسناد التجارية يقوم مقام الإنذار العدلي وفق الاجتهاد القضائي في مصر وسورية، وعلى هذا فإن الكتاب المسجل لا يكفي للإعذار في المسائل المدنية غير التجارية.

جـ – الإنذار البريدي: أجاز المشرع، في بعض الدول العربية ومنها سورية، أن يكون الإعذار عن طريق البريد وفقاً لما هو مبين في القوانين الخاصة بذلك، بموجب ما يسمى بطاقة بريدية[ر].

د – الإنذار بجميع الوسائل: يجوز الاتفاق في المسائل المدنية على أن يتم الإعذار بأي وسيلة كانت، وعلى هذا فإنه يمكن توجيه الإنذار بورقة عادية، أو بإخطار شفهي، إلا أنه يجب على الدائن في هذه الحالة إثبات الإنذار وفقاً للقواعد العامة.

2ـ وسائل الإنذار في المسائل التجارية: يجوز في العلاقات القانونية التجارية أن يكون الإعذار بأي وسيلة، فيمكن أن يتم بورقة عادية، أو بورقة رسمية، أو عن طريق الكتاب المسجل، ويمكن الأخذ بالإعذار الشفوي وفقاً لما يقضي به العرف التجاري، والمهم في الإعذار أن يملك الدائن الدليل على أنه قام بتوجيه الإنذار للمدين.

ولكي ينتج الإنذار آثاره القانونية الكاملة على نحو سليم لابد من تبليغه لمن وُجِّه إليه. فالإنذار العدلي، وما يقوم مقامه، يتم تبليغه بوساطة المحضرين، أو بوساطة رجال الضابطة العدلية إلى الموطن الأصلي للمدين أو إلى الموطن المختار في العقد، ويكون التبليغ إلى المدين نفسه، أو إلى وكيله أو مستخدمه، أو إلى الساكنين معه من الأصول والفروع والإخوة والأخوات، أو إلى الزوج، والذين يدل ظاهرهم على أنهم أتموا الثامنة عشرة من عمرهم، وذلك وفق الأصول والإجراءات المنصوصة في القانون.

أما تبليغ الإنذار البريدي فيتم وفق الأصول الخاصة بالبطاقة البريدية. وأما تبليغ بقية الوسائل فيتم بكل الطرق، على أن يحصل الدائن على ما يثبت به وقوع التبليغ فعلاً.

الحالات التي لا يجب فيها الإنذار

إذا كان الإنذار ضرورياً من أجل ترتيب بعض الآثار القانونية، فإن ثمة حالات محددة في التشريع السوري تترتب فيها الآثار القانونية على التخلف عن تنفيذ الالتزام ومن دون الحاجة إلى توجيه إنذار إلى المدين هي:

1ـ إذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكن أو غير مجد بفعل المدين وفي هذه الحالة لا يكون للإنذار قيمة، لأن الغاية من الإنذار هي دعوة المدين إلى تنفيذ التزامه، فعندما يصبح هذا التنفيذ مستحيلاً فلا محل للإعذار ويمكن عَدُّ الإنذار غير مفيد في الحالات التالية:

أ – إذا فات ميعاد التنفيذ، وكان التنفيذ غير مجدٍ إلا في وقته.

ب – إذا كان محل الالتزام امتناعاً عن عمل، وقد قام المدين بالعمل الممنوع عنه.

ج – إذا كان العقد من العقود الزمنية أو المستمرة، إذ لا يفيد الإعذار في استدراك المدة الفائتة.

2ـ إذا كان محل الالتزام تعويضاً ترتب على عمل غير مشروع يجب الإعذار في العلاقات التعاقدية، التي يلجأ فيها أحد المتعاقدين إلى إعذار الطرف الآخر لتنبيهه إلى تنفيذ التزامه، حتى إذا لم يستجب فإنه يُعدّ ناكلاً ، ويُعدّ الإعذار وسيلة لإثبات هذا النكول وتترتب عليه المسؤولية العقدية. أما في المسؤولية عن العمل غير المشروع فإن المطالبة بالتعويض عن العطل والضرر لا تتوقف على الإعذار ، إذ لا جدوى منه بعد أن وقع الضرر، حيث ينحصر الخلاف بين الطرفين في مدى ترتب التعويض وتحديد مقداره.

3 – إذا صرح المدين كتابة أنه لا يريد القيام بالتزامه:

إن الغاية من الإنذار هي حث المدين على القيام بالتزامه، أما إذا صرح كتابة بعدم قيامه به، فإنه لا حاجة إليه، والشيء الذي تجب ملاحظته هو أن التصريح الذي يُعفى من الإنذار إنما هو التصريح الخطي (المكتوب)، وعلى هذا فإن التصريح الشفوي لا يعفي من الإعذار ولو تم أمام شهود، إلا أنه يقوم مقام الكتابة، الإقرارُ واليمينُ والكتابة هنا شرط للإثبات.

4 – إذا كان محل الالتزام رد شيء يعلم المدين أنه مسروق، أو شيء تسلمه من دون حق وهو عالم بذلك: إن هدف المشرع من عدم وجوب الإنذار في هذه الحالة هو حرمان سيئ النية من ضمانة الإعذار.

5 – إذا كان قد تم الاتفاق على أن يعدّ المدين معذراً بمجرد حلول الأجل ومن دون الحاجة إلى أي إجراء آخر.

آثار الإنذار

إذا لم يقم المدين بتنفيذ الالتزام المترتب عليه مع دعوته إلى ذلك عن طريق الإنذار بأسلوب واضح وصريح من قبل الدائن، ورغم تبليغه له وانقضاء المهلة التي تكون قد أعطيت له من قِبَل الدائن للقيام بذلك، فإنه يترتب للدائن الحقوق التالية:

1ـ الحق في طلب التحلل من التزاماته العقدية: إذا كان العقد المبرم بين الطرفين من العقود الملزمة للجانبين، فإنه من حق الدائن، إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه على الرغم من إعذاره أن يطالب بفسخ العقد، على أن يكون قد قام هو بالوفاء بالتزامه. إلا أن القاضي ليس ملزماً بإجابة الطلب إذ يستطيع أن يمنح المدين أجلاً آخر من أجل الوفاء بالتزامه، ويجوز أن يرفض طلب الفسخ إذا كان الجزء الذي لم يف به قليل الأهمية إذا ما قيس بالالتزام بمجمله، وإنما يجب عليه في هذه الحالة أن يحكم بالتنفيذ العيني.

2ـ الحق في المطالبة بالتعويض: إذا تخلف المدين عن تنفيذ التزامه، فإنه يكون من حق الدائن المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابه جراء هذا التأخر، ويستحق التعويض سواءً أكان اتفاقياً، أم كان مقدراً من قبل القاضي من تاريخ تبليغ الإنذار، وإذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود، فإن التعويض يكون الفائدة المتفق عليها على ألا تزيد على تسعة في المئة، وإذا لم يكن هناك اتفاق على معدل الفائدة فإنها تكون أربعة في المئة في المسائل المدنية وخمسة في المئة في المسائل التجارية وفق ما هو معمول به في التشريع السوري، ولو لم يلحق الدائن أي ضرر.

3ـ الحق في تحميل المدين تبعة الهلاك: إن تبعة الهلاك تكون عادة على الملتزم بالتسليم، فإذا كان الملتزم بالتسليم في عقد البيع هو البائع، فهذا يجعل تبعة هلاك المبيع قبل التسليم تقع عليه، ولكنه يستطيع أن يتخلص من تبعة هلاك المبيع إذا كان هذا الهلاك قد تم بعد إعذار المشتري لتسلم المبيع.

4ـ الحق في تحميل المدين مصاريف الدعوى: الأصل هو أن مصاريف الدعوى تكون على الفريق الخاسر فيها من حيث النتيجة، إلا أن المشرع السوري أجاز أن تحكم المحكمة بإلزام الخصم الذي ربح الدعوى بالمصاريف، إذا كان الحق المدعى به مسلماً فيه من المحكوم عليه. وعلى هذا فإذا حضر المدين في الدعوى التي أقامها عليه الدائن، وأقر بالحق من الجلسة الأولى فإنه يعفى من المصاريف إلا أنه لا يعفى منها لو أن الدائن كان قد سبق وبلغه إنذاراً بتنفيذ الالتزام الواقع عليه قبل إقامة الدعوى بطلب التنفيذ؛ والأمر الذي يجب أخذه بالحسبان أن الإعذار لا يكون إلا في لحظة حلول أجل الالتزام، أو بعده، وإن الأثر القانوني للإعذار لا يترتب إذا لم يكن النزاع على تنفيذ الالتزام مطروحاً.