التحديث والموآكبة في قآنون العمل

تتأثر أسواق العمل في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بعدد من المتغيرات التي تحدد حجمها وطبيعة التشغيل في قطاعاتها الإنتاجية والخدمية والتجارية، كما تؤثر في استقرارها وتوازنها ودورانها.
وتعتبر تنمية الموارد البشرية من أهم الركائز الأساسية لتحقيق التنمية الشاملة واستدامتها حيث تلعب القوى العاملة دورا محوريا في العملية الإنتاجية الى جانب الأرض ورأس المال والإدارة والتكنولوجيا. وتمثل تنمية الموارد البشرية أحد المقومات الرئيسية لصقل وتحريك القدرات وتنمية الكفاءات البشرية في جوانبها العلمية والعملية والفنية والمهنية والسلوكية لتلبية احتياجات المجتمع وسوق العمل من القوى العاملة ومن مختلف المستويات والتخصصات التي تفي بالمتطلبات التنموية.

ويلمس المتابعون الذين تربطهم بسوق العمل في السلطنة علاقة المصلحة المتبادلة بين أطراف السوق (أصحاب الأعمال – الشركات – والعمال، والجانب المنظم المشرف المؤسسات الحكومية) يلمسون ذلك العمل الجاد والحثيث على متابعة تطوير قانون العمل العماني وتعديلاته على جميع أطراف العمل من غير استثناء، والهدف هو استقرار سوق العمل لضمان توفير فرص العمل للمواطنين وصولا الى التشغيل الكامل للقوى العاملة الوطنية، كشرط أساسي لأولويات التشغيل، وعدم الإخلال بأنشطة منشآت القطاع الخاص ومصالحه الإنتاجية والخدمية والإدارية في حاجتها للأيدي العاملة من خلال تقديم تسهيلات استقدام القوى العاملة من خارج السلطنة وفق ضوابط وضعت في اطار القانون. ويتفرد سوق العمل في السلطنة بين أسواق العمل الخليجية أنها تتطور وفق آلية مدروسة تحقق التوازن في متطلبات التشغيل بمنشآت ومصالح القطاع الخاص للقوى العاملة الوافدة في استقدام الحاجة الفعلية منها، ومغادرة المنتهية عقود تشغيلهم. ولم يقتصر عمل وزارة القوى العاملة في تنظيم سوق العمل على التوازن في تشغيل القوى العاملة الوافدة، اذ يتقدمه العمل على تنفيذ خطط وبرامج الإحلال والتعمين وصولاً إلى التشغيل الكامل للقوى العاملة الوطنية.وكذلك تطبيق القوانين التي تضمن حقوق العاملين في اطار حقوق الإنسان ومنع الإتجار بالبشر.

تعديلات القوانين :

وتتم مراجعة أحكام القانون في ضوء تطور واقع سوق العمل في السلطنة لحالة تتيح للمواطنين تصويب أوضاع القوى العاملة الوافدة التي استقدمت للسلطنة على أسس قانونية سليمة، ومن ثم تركت لحالات غير قانونية لذلك ولتصويب مثل تلك الحالات نصت المادة (18) من التعديلات على حظر ترك العامل الوافد المرخّص له بالعمل لدى مواطن أو منشأة وتشغيله بعد تركه عمله بطريقة غير مشروعة، كما حُظر تشغيل أي عامل وافد في مهن تم تعمينها.

ومعروف أن المواطن أو العامل الوافد أو أي مقيم في السلطنة وكذلك الزائر (أي انسان على أرض السلطنة) له من حقوق كفلتها التشريعات والقوانين التي تناولت تنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والقضائية انصافا وعدلا، فقد تم تعديل المادة التي نصّت على ما يلي: «واذا تبين للمحكمة أن فصل العامل من عمله أو انهاء خدمته كان تعسفياً أو مخالفاً للقانون، فإنه يجوز لها الحكم إما بإعادة العامل الى عمله، أو بإلزام صاحب العمل بأن يدفع له تعويضاً لا يقلّ عن أجر ثلاثة أشهر، يحسب على أساس آخر أجر شامل كان يتقاضاه، ولا يزيد عن أجر سنة»، كما أضيفت مزايا للعامل.

ويلاحظ أن التعديل شمل العاملين كافة، من المواطنين أو من الوافدين، ثم تبع التعديلات اضافات جزائية الى الباب العاشر من قانون العمل، وردت لأربع مواد مضافة نصت على عقوبات هدفها تأكيد فرض القانون والالتزام بأحكامه وإنصاف أطراف العمل بما يضمن الحقوق والواجبات. ومنذ تشريع قانون العمل العماني وقبل ذلك، تحرص وزارة القوى العاملة، مستنيرة بالتوجيهات السامية، على صون وتعزيز حقوق الإنسان سواء كان للقوى العاملة الوطنية أو الوافدة، وكانت مسألة منع الإتجار بالبشر من بين الموضوعات التي أوليت الاهتمام الكبير من قبل وزارة القوى العاملة بقدر تعلق الأمر بالعمل وتشغيل القوى العاملة الوطنية أو الوافدة في منشآت ومصالح القطاع الخاص وذلك من خلال تطبيق بنود قانون العمل العماني الذي كفل حقوق العامل بالقدر الذي يكفل دستور السلطنة حقوق الإنسان كما نصت عليها التعاليم الإسلامية السمحة ولائحة حقوق الإنسان الأممية. وفي إطار جهود الحد من ظاهرة الاتجار بالبشر والتخفيف من آثارها السلبية على الفرد والمجتمع أصدرت قانون مكافحة الإتجار بالبشر الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 2008/126 الذي اشتمل على آليات لحماية ضحايا الإتجار بالبشر ومبادئ تقديم المساعدة لهم والتصدي لمثل هذه الظاهرة. ونص على ما يلي:

« يعاقب بالسجن من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة كل من استعبد شخصا أو وضعه في حالة تشبه العبودية » كما نصت المادة رقم (261) منه على أنه « يعاقب بالسجن من ثلاث سنوات الى خمس كل من أدخل الى الأراضي العمانية أو أخرج منها إنسانا بحالة العبودية أو الرق أو تصرف به على أي وجه كان أو استلم أو حاز أو أبقاه على حالته».

ومن خلال العديد من التقارير يمكن تلخيص أهم ممارسات الإتجار بالبشر في اطار العمل والتشغيل التي سجلت في العديد من الدول النامية بما يلي :

1- عدم الالتزام بالحد الأدنى للأجر الذي يتقاضاه العامل / الموظف الذي تحدده قوانين الدولة استغلالاً لحاجته للعمل أو الوظيفة.

2- تشغيل العامل / الموظف وقتاً أضافيا غير مدفوع الأجر، فوق ساعات العمل المحددة في عقد العمل.

3- إجبار العامل / الموظف على أداء أي أعمال غير عمله الموصوف في عقد العمل (أعمال السخرة)، وغير مدفوعة الأجر.

4- معاملة المرأة، العاملة/ الموظفة، معاملة تنطوي على استغلالها بأجر يقل عن أجر الرجل الذي يماثلها في الحقوق والواجبات.

5- الممارسات غير الأخلاقية للمرأة العاملة/ الموظفة.

6- عدم تأمين بيئة عمل تتلاءم وتلبي شروط أداء أنشطة العمل الصحية والمهنية. ولأهمية أن تبقى السلطنة في مواقع الصدارة التي احتلتها عن جدارة وواقعية في عدد من المعايير العالمية للسلم والأمن وللحرية الاقتصادية، يجب أن تتعاون منشآت القطاع الخاص مع مؤسسات حكومة السلطنة على تجنب أي من الممارسات التي تندرج تحت ممارسات الاتجار بالبشر.

ويعمل (فريق تفتيش العمل المشترك)، التابع لوزارة القوى العاملة الذي يضم العشرات من المفتشين الموزعين على محافظات ومناطق السلطنة كافة، على تطبق قانون العمل العماني ورصد أي ممارسات للاتجار بالبشر واتخاذ الإجراءات القانونية بحقها. كما أن لدى وزارة القوى العاملة خطة عمل للتوعية بتطبيق القوانين الخاصة بمنع الاتجار بالبشر باستخدام وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وقد الندوات واللقاءات.

ضمان حقوق العامل في بيئة العمل :

معروف ان السلطنة قد احتلت مكانة متقدمة بين دول العالم في عدد من التصنيفات العالمية، كما في الأمن والاستقرار على الصعيد السياسي وفي فرص الاستثمار والتنافسية على الصعيد الاقتصادي، وتعمل حكومة السلطنة أن يكون للسلطنة ذات المكانة المتقدمة في صون حقوق الإنسان، ويتجلى ذلك في سلوك العمانيين المضياف النبيل في تعاملهم مع السائح والزائر والوافد والمقيم. وهناك بُعْدٌ آخر تحرص وزارة القوى العاملة وبالتنسيق مع غرفة تجارة وصناعة عمان أن تؤكده من شأنه أن يجنب السلطنة سوء الفهم في مسألة (ضمان حقوق العامل وظروف وبيئة عمله)، وأن المعني بذلك الأمر هي شركات ومنشآت ومصالح القطاع الخاص.

فقد تضمن قانون العمل العماني العديد من الأحكام والإجراءات التي تنظم علاقات العمل والتشغيل وتضمنت الأبواب العشرة، كافة ما تحتاجه شركات ومصالح القطاع الخاص من المعلومات عن حقوق والتزامات طرفي العمل (القوى العاملة ومشغليهم) والذي تضمنت أبوابه ما يلي: تعريفات وأحكام عامة، وتشغيل المواطنين وتنظيم عمل القوى العاملة الوافدة، وعقد العمل والأجور وساعات العمل، وتشغيل الأحداث والنساء، والأمن الصناعي، وتشغيل العمال في المناجم والمحاجر، ومنازعات العمل، والنقابات العمالية واتحاد العمال لعمال سلطنة عمان، وباب خاص في العقوبات.

وبما أن قانون العمل كان قد صدر بموجب المرسوم السلطاني رقم (73/34) وبوشر بتنفيذ أحكامه اعتباراً من تاريخ نشره. ثم تم اصدار (قانون العمل) بتعديلاته الجاري تطبيقه حالياً، وذلك بموجب المرسوم السلطاني رقم (2003/35) الصادر بتاريخ 26 أبريل 2003م. وأدخلت عليه التعديلات تباعا حسب متغيرات وتطوّر سوق العمل في السلطنة، التي نص عليها المرسوم السلطاني السامي رقم 2009/36، الذي قضى بتعديل بعض أحكام قانون العمل بتأريخ 31/ 11/ 2009 في ضوء المستجدات العالمية. وقد تم مؤخرا طباعة نسخته المعدلة من قبل وزارة القوى العاملة، بهدف توفيرها لمنشآت ومصالح القطاع الخاص من الذين يشغلون القوى العاملة الوطنية أو الوافدة، فإن نسخة القانون يجب أن تكون لدى الدوائر المسؤولة عن تشغيل القوى العاملة في منشآت ومصالح القطاع الخاص كافة، التي يجب أن يبادر الموظفون المعنيون في منشآت ومصالح القطاع الخاص بالإلمام التام بقوانينه وأحكامه وتطبيقها، فقد نصت المادة (87) من الباب السادس (الأمن الصناعي)» على كل صاحب عمل أو من يمثله أن يحيط العامل قبل استخدامه بمخاطر مهنته ووسائل الوقاية الواجب عليه اتخاذها وأن يتخذ الاحتياطـات الـلازمة لحماية العمـال أثناء العمل من الأضـرار الصحيـة وأخطار العمل والآلات وذلك بأن:

1- يعمل على توفير ما يلزم من شروط السلامة والصحة في أماكن العمل أو الوسائل التي يقدمها للعمال ليتمكنوا من تنفيذ واجباتهم.

2- يتثبت من أن تكون أماكن العمل نظيفة دائماً ومستوفية لشروط الراحة والسلامة والصحة المهنية.

3- يتثبت من أن تكون الآلات والقطع والعدد مركبة ومحفوظة بأفضل شروط السلامة. ولا يجوز لصاحب العمل أن يحمل العمال أو يقتطع من أجورهم أي مبلغ لقاء توفير هذه الحماية.

** وفي اللائحة التنظيمية لتدابير السلامة والصحة المهنية في المنشآت الخاضعة لقانون العمل العماني أصدرت وزارة القوى العاملة قرارا وزاريا رقم (286) لسنة 2008 ، وفي الفقرة الخاصة بتنظيم أداء العمال في ظروف الحرارة حيث ألزم القانون منشآت القطاع الخاص باستخدام الأجهزة والوسائل الفنية للسيطرة على الحرارة المرتفعة الناتجة عن المواد العازلة والممتصة والعاكسة للحرارة وتزويد أماكن العمل بأجهزة التكييف بما فيها أجهزة التهوية الساحبة والتبريد لتخفيف الحرارة وتهيئة بيئة عمل مناسبة لأداء العاملين.

* كما نصت اللائحة على وجوب عزل العمليات وأجهزتها التي تصدر عنها درجات حرارة عالية في أماكن مستقلة بعيدة عن أداء العاملين وحركة العمل.

* ويمكن القول إن الفقرة الثالثة من اللائحة التي صدرت منذ عام 2008 صريحة واضحة في نصها التي ألزمت منشآت القطاع الخاص بعدم تشغيل العمال في المواقع الإنشائية أو الأماكن المكشوفة ذات الحرارة المرتفعة في أوقات الظهيرة من الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرا وحتى الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر، وذلك طوال أيام العمل في أشهر يونيو ويوليو وأغسطس من كل عام.

وبالعودة الى قانون العمل وفي الباب السادس (الأمن الصناعي) المادة (87): على كل صاحب عمل أو من يمثله أن يحيط العامل قبل استخدامه بمخاطر مهنته ووسائل الوقاية الواجب عليه اتخاذها وأن يتخذ الاحتياطـات الـلازمة لحماية العمـال أثناء العمل من الأضـرار الصحيـة وأخطار العمل والآلات وذلك بأن :

1- يعمل على توفير ما يلزم من شروط السلامة والصحة في أماكن العمل أو الوسائل التي يقدمها للعمال ليتمكنوا من تنفيذ واجباتهم.

2- يتثبت من أن تكون أماكن العمل نظيفة دائماً ومستوفية لشروط الراحة والسلامة والصحة المهنية.

3- يتثبت من أن تكون الآلات والقطع والعدد مركبة ومحفوظة بأفضل شروط السلامة. كما نص القانون في فقرة التدابير العامة للسلامة والصحة المهنية على وجوب تطبيق تلك الأحكام في جميع أماكن العمل لا سيما ما يتعلق بالإنارة والتهوية وتجديد الهواء والمياه الصالحة للشرب ودورات المياه وإخراج الغبار والدخان وأماكن نوم العمال والاحتياطات المتخذة ضد الحريق.

* ودأبت وزارة القوى العاملة على التوعية المتواصلة لطرفي العمل (العمّال وأصحاب العمل) وبالوسائل الإعلامية كافة على الالتزام بتطبيق القانون، وأن للوزارة جهاز تفتيش يعمل على متابعة تطبيق القانون من قبل منشآت القطاع الخاص.

وفي المادة (90): تنتدب الوزارة مفتشين يناط إليهم التحقق من أن أصحاب الأعمال ينفذون التعليمات الواردة في القرارات وبالتدابير المنصوص عليها أعلاه ويكون لهم حق الدخول الى أماكن العمل والاطلاع على السجلات المتعلقة بالعمال وسؤال من يريدون سؤاله وتحرير المحاضر، وعلى الدائرة المختصة استناداً لهذه المحاضر انذار صاحب العمل المخالف كتابة لإزالة المخالفة خلال المدة التي تحددها. وفي حالة وجود خطر يهدد سلامة وصحة العمال تتخذ الوزارة الإجراءات اللازمة لغلق مكان العمل كلياً أو جزئياً أو إيقاف ادارة آلة أو أكثر حتى تزول أسباب الخطر.

وبما أن الكثير من الدلائل تشير الى أن الاقتصاد العالمي واقتصادات دول المجلس واقتصاد السلطنة بدأت تستأنف النشاط والنمو، فإنه من المتوقع أن يشهد سوق العمل حركة مضافا يتطلب المزيد من القوى العاملة، ومن هذا المنطلق يتعين على منشآت وشركات القطاع الخاص أن تراعي ما يلي:

1- ان الأولوية في التشغيل يجب أن تكون للقوى العاملة الوطنية، وأن ذلك يسير ويتحقق من خلال التنسيق مع وزارة القوى العاملة. وأن تهيئة برامج لتدريب القوى العاملة الوطنية وإنصاف المواطن الموظف أو العامل بالأجر والرعاية سيمكن المنشأة من المساهمة في الاعتماد على القوى العاملة الوطنية ويقلص استقدام القوى العاملة الوافدة.

2- التطبيق الدقيق لقانون العمل العماني عند الحاجة للاستقدام أن تكون الحاجة فعلية بعد استنفاد إمكانية وجود بديل عن القوى العاملة الوطنية للمهن أو الوظائف المطلوبة خبرة وعددا. كما يجب الالتزام بما نص عليه قانون العمل بإعادة العامل المنتهي عقد عمله والإيفاء بكامل حقوقه وإعادته الى وطنه.

3- ان استغلال رحابة قانون العمل وعدم تطبيق أحكامه بما يؤدي الى تسريح القوى العاملة الوافدة تجاوزاً للقانون، أمر تترتب عليه إساءتان أولهما لذات الشخص أو المنشأة الذي لا بد من الوقوع تحت طائلة المساءلة القانونية، والثاني أن يساء للمجتمع ككل، فالعامل الوافد في وضع غير قانوني وليس له مورد رزق لا بد أن يجنح للتكسب بأساليب غير قانونية، وتقع المسؤولية القانونية والأخلاقية أيضا على من استقدم العامل وسرحه خلافاً للقانون.

4- الحرص على تطبيق قانون العمل بما يخص ضمان حقوق العاملين في بيئة العمل في ملائمتها للشروط الصحية والسلامة المهنية في الأداء وعدم تشغيل العاملين أوقات ارتفاع درجات الحرارة، كما نصت على ذلك القوانين المنظمة.