الفساد الوظيفي بالوساطة والمحسوبية

الواسطة و المحسوبية المقيتة تلعب دوراً كبيراً بين الناس ، فهي تعد نوعاً من أنواع الفساد الذي تفشى في أوساط بعض الموظفين ، ومن صورها الخطرة عندما يقوم مسئول بقفز أحد معارفه أو قرابته أو أبناء منطقته أو من هو على شاكلته من أصدقاءه على حساب الآخرين دون مراعاة للمعايير الوظيفية العالمية والتي تسير عليها الدول المتقدمة ، وما ذاك إلا لأن مفهوم الواسطة لدى هؤلاء المسئولين يعد من قبيل ( الفزعة ) و ( الحمية ) ، وانعدام الرقابة الداخلية وعدم خوفه من تطبيق النظام الرادع له ولغيره .

إن هذه الصورة من صور إساءة استعمال السلطة تنطلق من دوافع نفسية وقبلية وإقليمية ومناطقية وطائفية، تقوم على التمييز بين المواطنين، أو بين المناطق، أو بين شرائح المجتمع وفئاته لاعتبارات ممقوتة شرعاً ونظاماً، فهي تؤدي إلى تفرقة الصف، وفك التلاحم، كما تؤدي إلى إضعاف الثقة بأجهزة الدولة.

ويدخل في باب الفساد بالواسطة محاباة من له سلطان أو نفوذ، بتسهيل إجراءاتهم، وبخلاف الأسلوب المتبع مع غيرهم، من خلال تفضيلهم على الآخرين، كما يدخل في ذلك إيثار بعض الناس دون غيرهم بدافع قرابة أو صداقة أو نحوها، فتقدم لهم الخدمة والتسهيلات دون عناء، بينما غيرهم من المواطنين والجمهور توضع أمامهم العراقيل، ويحرمون من تقديم الخدمة، أو تقدم لهم الخدمة المطلوبة ولكن بصورة فيها إساءة لاستعمال السلطة ، فالموظف الذي يسهل عملية حصول شخص على ما يريد ، من أجل أن هذا الشخص قريب لفلان المسئول في جهة ما أو ذاك الذي يحظى بنفوذ لدى السلطة ، بينما يحرم آخر منها، يكون بفعله هذا قد أساء استعمال سلطته الوظيفية.

والذي يستأثر بالخدمة لنفسه أو لصديقه أو لقريبه أو لابن منطقته أو مدينته، ويحرم الآخرين منها، يكون قد أساء استعمال السلطة.

والذي يحصل على ما يريد بسهولة بينما يحرم غيره من حقه المفترض له شرعاً ونظاماً، يكون قد أساء استعمال سلطته.
وكل هذه الأفعال يترتب عليها عقوبات جزائية لقاء إساءة استعمال هذه السلطة، فكل الأنظمة جعلت لخدمة الجميع ، وتجاوزها يعد مخالفة صريحة ، بل تمييز البعض دون الأخر يعد مخالفة كذلك .
وتشدد الأحكام الصادرة عن ديوان المظالم على تجريم مثل هذه الأفعال، وترتب على مرتكبيها عقوبات جزائية.
و مثال ذلك الحكم الصادر من هيئة التأديب في إحدى القضايا لعام 1398هـ المتهم فيها أحد الموظفين أساء استعمال سلطته الوظيفية بحصوله على قطعتي أرض لنفسه، وتعمده بعض المقربين له قطع أراضي بالمخالفة لأحكام النظام، وصدر الحكم بمعاقبته بغرامة مالية.

ويجب أن ندرك هنا أن مثل هذه الأفعال، وإن كان التجريم فيها يحتاج إلى أدلة وقرائن قوية، وربما يصعب إثبات ذلك، إلا أنها تعد من أبشع صور الفساد الإداري، وضمن أسوأ جرائم استعمال السلطة الوظيفية، لأنها تفقد الثقة في أجهزة الدولة، كما أنها أرضاً خصبة لانتشار الرشوة والوساطة وتعطيل المصالح، والأهم من ذلك كله أنها تتعارض مع المصلحة العامة ومع مبدأ العدالة والمساواة التي تسعى الدولة إلى تحقيقها من خلال أجهزتها العاملة، ولا أحد ينكر أن مثل هذه الأفعال هي التي تقود إلى زعزعة الثقة وإلى ارتكاب بعض الممارسات التي لم تكن لتحصل لولا هذا النوع من التعامل السيئ فعلاً.
ومن هنا فإن إساءة استعمال السلطة في الوظيفة العامة متى ما استشرت ، فإنها تؤدي إلى انتفاء المساواة، حيث يتمكن من له سلطة بحكم وظيفته من استغلالها لأهدافه الخاصة، والإضرار بالمصلحة العامة، وحمل الآخرين على الاستجابة له، واتخاذ وظيفته وسيلة للكسب غير المشروع، وبدلاً من أن تكون أداة لخدمة الصالح العام إذ بها تشكل أداة للإضرار بهذه المصلحة.
ولما كانت ظاهرة إساءة استعمال السلطة في الوظيفة العامة جزء من ظاهرة الفساد الإداري، فإن الوقوف أمام هذه الظاهرة ومحاربتها يحقق العدالة في المجتمع، لأن تفشيها وسريانها يؤدي إلى اختلال العدالة، ومن هنا كان مبدأ العدالة أحد الأسس التي يعتمد عليها أساس تجريم الفساد الإداري وإساءة استعمال السلطة.

وأود هنا أن أضع بعض الحلول والمقترحات بين يديّ أصحاب القرار للقضاء على الواسطة والمحسوبية والحد من توسعها :
1- تكثيف دور الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ، وتوسيع دائرة نشاطها للنظر في أهلية الموظفين من حيث مطابقة مؤهلاتهم للوظائف التي يشغلونها .
2- وضع أطر ومعايير واضحة وثابتة للمتقدمين على الوظائف وكذلك الترقيات والتحقيق مع أي شخص أو جهة يثبت عليها عدم التقيد بهذه المعايير ، وتشكيل لجان تعمل على تطبيق هذا الأمر ومتابعته .
3- جعل وسائل اتصال واضحة للجمهور للتواصل والإبلاغ عن حالات تظهر فيها الواسطة والمحسوبية مرتبطة بغرفة عمليات لجمع المعلومات والتحري عنها .
4- تصحيح وضع المستفيد من الواسطة والمحسوبية متى ثبت عليه ذلك إن حصل على الوظيفة أو الترقية دون أن يكون مستحقاً لها .
5- التشهير بالموظف الذي يثبت عليه استخدام الواسطة والمحسوبية لمصالحة الخاصة في أوساط الوزارة التي يرجع إليها حتى يرتدع الآخرون .
6- رصد مكافئات تشجيعية لمن يبلغ عن حالات الواسطة والمحسوبية .
7- إقامة الدورات القانونية لموظفي الدوائر الحكومية وتوضيح خطر إساءة استعمال السلطة وإساءة استغلال النفوذ الوظيفي حتى يكونوا على قدر من الوعي .

وختاماً لابد أن يكون الجميع يداً واحدة أمام أي نوع من أنواع الفساد ، وان يتعاونوا مع أجهزة الدولة للقضاء عليه وتفعيل الأنظمة التي تحقق العدل و المساواة لجميع المواطنين .