العدالة الانتقالية… أهميتها و معوقاتها

عاصم الزعبي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

العدالة الانتقالية: مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية التي تطبقها دولة ما من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وتتضمن هذه التدابير الملاحقات القضائية ولجان الحقيقة وبرامج جبر الضرر، وأشكال متنوعة من إصلاح المؤسسات.

فالعدالة الانتقالية مقاربة لتحقيق العدالة في فترات الانتقال من النزاع، أوقمع الدولة، من خلال محاولة تحقيق المحاسبة والتعويض من الضحايا، مثلما تقدم العدالة الانتقالية اعترافًا بحقوق الضحايا، وتشجع الثقة المدنية، وتقوي سيادة القانون والديمقراطية.

تنبع أهمية العدالة الانتقالية، لأن الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان لا تؤثر في الضحايا المباشرين فحسب، وإنما في المجتمع برمته، فمن واجب الدول أن تضمن عدم تكرار تلك الانتهاكات، وفي ذلك واجب خاص، يقضي بإصلاح مؤسسات، إما كانت لها يد في الانتهاكات، أو عجزت عن تفاديها.

اتخذ النظام السوري، من القمع الممنهج أسلوبًا في التعامل مع الثورة السورية، منذ بدايتها، إذ لجأ إلى القتل خارج نطاق القضاء والتصفيات بحق المعارضين، والقتل تحت التعذيب في مراكز الاحتجاز الأمنية، واتساع نطاق عمليات الاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري، وصولًا إلى تدمير المدن وارتكاب المجازر من خلال القصف الوحشي بالبراميل المتفجرة، وجميع أنواع الأسلحة، وعلى رأسها الأسلحة المحرمة، كالسلاح الكيماوي والقنابل العنقودية والنابالم.

لذلك؛ فإن العدالة الانتقالية هي الطريق الأهم لتضمن للضحايا وذويهم تحقيق العدل، وفتح الطريق للمصالحات الوطنية، التي ستجعل من سورية بلدًا من الممكن أن يبنى على أسس صحيحة، وتضمن عدم وقوع أي انتهاكات في المستقبل لحقوق الإنسان.

يعد التوثيق هو الأساس لتطبيق آليات العدالة الانتقالية، القضائية منها وغير القضائية، إذ يُبنى على التوثيق تحديد من الضحايا، ودرجات تعرضهم للانتهاكات، وتحديد من الجناة في معظم الأحيان، لذلك؛ يجب الاهتمام بالعملية التوثيقية وآليتها، بحيث تجري عبر آليات قانونية، من خلال الشراكة مع المجتمع، لتحقيق أمرين رئيسين: الأول، وهو زيادة ثقة المجتمع المحلي بآليات التوثيق، ما يمكن من توثيق أكبر عدد ممكن من الانتهاكات المرتكبة باتساع، والثاني، ضمان عدم ضياع الوثائق ماديًا وقانونيًا، أي العمل على حماية قيمتها القانونية من أي شيء من الممكن أن يفقدها صدقيتها أمام المحاكم، كالانقطاع في سلسلة العهدة، أو بيع أو شراء الوثائق.

للعدالة الانتقالية خمسة عناصر أساسية، يجب تطبيقها لتحقق هذه العدالة أهدافها كاملة:

*الملاحقات القضائية أو المحاكمات، وتعد أهم آليات العدالة الانتقالية، وبحسب القانون الدولي، تلتزم كل الدول بالتحقيق في جرائم وانتهاكات حقوق الإنسان بعد ارتكابها، وفرض عقوبات على المسؤولين عنها.

*لجان الحقيقة، أو البحث عن أي وسائل للتحقيق في أنماط الانتهاكات، والتبليغ عنها، وإجراء التعديلات للمساعدة في فهم الأسباب وراء الانتهاكات الخطرة لحقوق الإنسان.

*جبر الضرر، أو التعويض، ويتحقق ذلك من خلال تعويض الضحايا وذويهم عن بعض ما لحق بهم من الضرر والمعاناة، وينطوي مفهوم جبر الضرر على عدة معان، منها التعويض عن الضرر أو ضياع الفرص، ورد المكانة؛ لمساندة الضحايا معنويًا في حياتهم اليومية، وإعادة ما فقد قدر المستطاع.

*إصلاح المؤسسات، ويشمل إصلاح المؤسسات الأمنية والشرطة والجهاز القضائي.

*إحياء الذكرى، وهي عملية رمزية إلى حد كبير، كإقامة نصب تذكاري، أو تشييد تماثيل أو جدران، يسعى الناس من خلالها لإحياء أحداث الماضي، للتعريف بها، وخاصةً الأجيال التي لم تكن شاهدة عليها، وتأتي أهمية هذا العنصر في أنه يزيد من الوعي الاجتماعي، والسعي إلى عدم وقوع انتهاكات في المستقبل.

ولكن هناك كثير من المعوقات التي تواجه تطبيق العدالة الانتقالية، وتعميق مفهومها في سورية، والوصول إلى الأهداف المرجوة منها؛ فالقرار الدولي لازال غير جدي في وضع حد للحرب في سورية، إضافة إلى عدم وجود مجتمع مدني حقيقي يلعب دورًا حقيقيًا في بناء السلام، إضافة إلى التدخل العسكري متعدد الأطراف، من روسيا إلى إيران إلى الميليشيات التابعة لها، وما نتج عن هذه التدخلات من خسائر بشرية كبيرة جدًا، وما لحق البلد من دمار واسع، ووجود أعداد كبيرة من المعتقلين في السجون التابعة للنظام السوري، ولجوء أعداد هائلة من السوريين إلى دول العالم المختلفة.

بعد توقف الحرب في سورية، لن تكون عملية معالجة التركة القمعية للنظام السوري من انتهاكات حقوق الإنسان، وتدمير المجتمع السوري، بالأمر السهل، ولا بد من عدم تكرار الأخطاء نفسها، ويمكن تحقيق ذلك من خلال العمل الحقوقي الصحيح، لتأسيس أرضية يمكن التأسيس عليها لبناء عدالة انتقالية ناجحة وصحيحة.