التمويل المصرفي و المخاطر المرتبطة به

تلعب البنوك دورا كبيرا في تنمية و تطوير المجتمعات و لتحقيق هذا الغرض تقوم البنوك و تسعي بكل ما أوتيت من قوة للدخول و المشاركة في تمويل العديد من المشاريع الكبيرة كبناء الطرق و المستشفيات و محطات الكهرباء و تحلية المياه و المصانع الكبيرة و المدن الحديثة و المجمعات التجارية ……. و من الطبيعي أن تكون مبالغ معظم هذه القروض كبيرة و أن يكون عدد البنوك المشاركة في تقديم القروض كبير أيضا. ولان شروط منح مثل هذه القروض قد تكون مغرية من عدة جوانب مثل مدة سداد القرض وما عليه من الفؤائد و العمولات و غيره لذا فان العديد من البنوك ربما “يسيل لعابها” و تتهافت في المنافسة علي منح هذه القروض أو الحصول علي حق ادارتها و نتيجة لذلك قد تكون المنافسة بين البنوك شديدة جدا حتى أصبحت مزايا الحصول علي بعض القروض و تسعيرتها لا تتناسب مع المخاطر و المعضلات المرتبطة بهذه أو تلك النوعية من القروض.
من التجربة العملية المتواضعة، نقول أن هناك بعض الأمور التي لم تجد الدراسة و التمحيص بدرجة كافية بل و لم ينظر لها بالجدية الكافية في دوائر البنك المختصة عند وقت المساهمة في القروض و من هذه الأمور مثلا نشير إلي:
· عدم التدقيق في دراسات الجدوى و عدم التأني أو التعمق في فهم النواحي الفنية للمشروع وهذا قد يعود لعدة أسباب منها غياب الخبرة المهنية الكافية أو عدم وجودها لدي بعض مسئولي البنوك مما يقود إلي اعتمادهم الكبير علي الاستشاريين الخارجيين الذين قد يمثلون الجهات المقترضة في بعض الأحيان.
· سوء تقدير المدة اللازمة للانتهاء من المشروع والفترة التشغيلية ومن ثم بدء التدفقات النقدية التي توجه لسداد المبالغ المستحقة.
· التدفقات النقدية تبني علي افتراضات مبالغ فيها من حيث حجمها و توقيت تدفقها و لذلك تحصل فجوات في المدة الزمنية اللازمة بين وقت الحصول علي هذه التدفقات ووقت استحقاقها للبنوك.
· التأخير في تسديد الدفعات بالكامل أو التسديد الجزئي مما يقود إلي خسائر للأطراف المقرضة و المقترضة. فبالنسبة للمقرض يتعين عليه دفع زيادة علي تمويل مبالغ النقص في الدفعات أو الدفعات غير المستلمة كاملة بأسعار الفؤائد السائدة في السوق من تاريخ التأخير في الدفع حتى موعد السداد و في الغالب تكون أسعار الفؤائد مرتفعة و كل هذه التكاليف تزيد من تكلفة التمويل. و أما للجهات المقرضة فان اتفاقيات القرض في الغالب تنص علي دفع فؤائد تأخير وغرامات علي الدفعات غير المدفوعة في الوقت المتفق عليه و هي في الواقع اعلي في معدلاتها من أسعار الفائدة العادية كما إنها تحتسب كفؤا ئد علي المبالغ المستحقة وكذلك علي الفؤائد غير المدفوعة. و لذلك كلما طال التأخير زاد احتساب الفؤائد علي الفؤائد مما يساهم في زيادة تكلفة المشروع و خلق مشاكل مالية لمقابلة مستحقات البنوك.

· بعض البنوك حديثة العهد بهذه القروض و لم تبادر اداراتها بدراسة نوعية المشروعات التي تمولها و لم تتدخل لمعرفة وجود الخبرات الإدارية اللازمة للتأكد من أن إدارة المشروع ستتم علي حسب الأصول و الأعراف اللازمة لنوعية المشروع المراد تمويله بل تترك هذه المهمة الشائكة للمقترض.
و لذا قد تضطر البنوك للتدخل في إدارة المشاريع و لكن بعد فوات الأوان و كما يقولون “بعد وقوع الفأس في الرأس” أي بعد استفحال المشاكل و عندها يكون هذا التدخل من البنوك غير مجد بل عديم الفائدة خاصة و أن البنوك المقرضة تصبح جزءا من الإدارة التنفيذية أو في مجلس إدارة المشروع و لكن بعد ظهور المشاكل وبما أنها، في هذا الوقت، تعتبر جزءا من إدارة المشروع فإنها تتحمل المسئوليات و تبعات كل ما تم من أمور أو قصور أو مخالفات.
· عدم قدرة المشروع بالوفاء عند استحقاق القروض، و هذا يتبعه عدم القدرة أيضا علي دفع رواتب العاملين و الفؤائد المستحقة لمقابلة المصاريف التشغيلية و المصاريف الرأسمالية المختلفة وهذه العوامل و الأمور المرتبطة بها تعيق نجاح المشروع و بالتالي دفع مستحقات البنوك. كل هذا يقود إلي مشاكل منها أجهاض المشروع و خسارة جميع الأطراف، إعادة جدولة الديون و في الغالب بعد تخفيض مقدار الدين، إعادة رسملة المشروع أو حتي بيعه إلي أطراف أخري وغالبا بخسارة للملاك.
و عندما تصل الأمور إلي هذه المراحل الحرجة تواجه البنوك مشاكل أو تكتشف مجموعة من المشاكل المصرفية و القانونية نذكر منها، علي سبيل المثال و ليس الحصر:

· عدم تغطية اتفاقيات القرض لأمور قانونية كثيرة منها ما هو متعلق بإجراءات التقاضي في البلد الذي تخضع اتفاقية القرض له و ما هو القانون الواجب التطبيق علي العقد و ما هي المحاكم المختصة بنظر النزاع، إضافة إلي مشاكل أخري منها ما هو متعلق بإجراءات الحجز علي أصول المشروع من المعدات وغيرها من التجهيزات أو التدفقات النقدية.

· عملية التنفيذ عن طريق المحاكم تواجه صعوبات عديدة لتعقيد و تداخل الإجراءات اللازمة لآلية التنفيذ أو عدم المتابعة الدقيقة لعدم حماس الأطراف للتنفيذ.
· هذه القضايا المدنية تأخذ وقتا طويلا أمام المحاكم قد يمتد لعدة سنوات، و حتى بعد صدور الأحكام القضائية فان إجراءات التنفيذ تأخذ وقتا ليس بالقصير و، في بعض الحالات، قد يساعد الأطراف في تطويل هذه المدة استنادا إلي أسباب قانونية إجرائية أو ربما بإتباع أساليب التحايل و المراوغة و هي كثيرة لمن يرغب في إتباعها.
و إضافة لهذه المعضلات القانونية، نلاحظ غياب المحاسبة في بعض البنوك مما نتج عنه وجود المحسوبية و عدم تحمل المسئولية اللازمة و كل هذا ساعد في ضياع معظم حقوق البنوك و عدم تمكنها من الحصول علي مستحقات مساهميها في بعض مشاريع التمويل الكبيرة.
و لتلافي حدوث هذا فلا بد من انتهاج “الإدارة الرشيدة” في البنوك وأخذ كل الحيطة و كل الحذر مع دراسة كل المخاطر المرتبطة بالمشروع و ذلك قبل الشروع في تقديم التمويل من اجل ضمان نجاح المشروع و أيضا لضمان مساهمة البنوك في قيام المشاريع الناجعة و الناجحة مما يقود إلي تطوير و تنمية المجتمعات و رفاهيتها، و هذا بيت القصيد.