حرية المرأة والقوانين الدولية ..

أخذت المرأة منذ بداية الخليقة, وإلى يومنا هذا مكانة سياسية, واقتصادية, ودينية, واجتماعية مختلفة, باختلاف العصور, والأزمنة التي مرت بها, ولعبت دوراً لا يستهان به في تسيير شؤون الحياة ففي بدايات التاريخ كانت للمرآة مرتبة الآلهة يعبدها الذكر والأنثى ويتوسلون إليها طالبين الغفران والرحمة وشكلت وجودها رمزاً للإنتاج والخصوبة والخير ولذلك كانت للمرأة علاقة حميمة مع الخلق, كما ارتبط وجودها مع الأرض المنتجة التي تطعم البشر من خيراتها.

أما في الشرائع القديمة فأخذت المرأة مكانة محفوظة في شريعة حمورابي حيث وجدت العديد من النصوص التي تنظم الأسرة ,وتحفظ بها مكانة, ودور المرأة في الحياة الاجتماعية. فقد كان من حقها الطلاق من زوجها, ورعاية أبنائها, وممارسة العمل التجاري, ولها أهلية قانونية, وذمة مالية مستقلة عن ذمة زوجها, ولها الحق في الرعاية, والنفقة. كما وضعت عقوبات قاسية على الشخص الذي يسيء معاملة المرأة ,أو ينتهك حقاً من حقوقها الثابتة في قوانين حمورابي.

كما احتلت المرأة دورا متميزا ومكانة كبيرة في العهد الإغريقي وفي جمهورية أفلاطون, غير أن هذه المكانة لم تكن كذلك عند العرب قبل الإسلام حيث وجدت مشكله وأد البنات في ذلك الوقت خوفا من الوقوع في الأسر أثناء الغزوات والحروب و أخذهن سبايا فقد كانت من القيم الاجتماعية المهمة حينذاك هي أن لا تكون المرأة من السبايا لأنه يدل على ضعف الجماعة التي يتم سبي النساء منها وقت الغزوات وهو مما يشين ويحط من قيمه الجماعة ولان الوضع الاجتماعي – الاقتصادي كان يعتمد على دور الرجل في الزراعة والحروب حتى ظهور الإسلام الذي حاول التخفيف من المشاكل الاجتماعية التي كانت موجودة آنذاك إلا أن وضع المرأة اجتماعيا وحقوقيا واقتصاديا لم يتحسن بالشكل الذي يتناسب مع قيمتها الإنسانية ودورها الإنساني في الأسرة والمجتمع.

ولكي لا نظلم الرجل في هذا النطاق نال هو أيضاً الكثير من البؤس و الحرمان المطبق على كل البشر في تلك الحقبة ففي الفترة التي حكم الاستعمار العثماني المنطقة وكانت ولادة الأم لطفل ذكر يجعل من الأم تبكي عليه وهو لا يزال في كنف والديه لأن العثمانيين دأبوا واستمروا في سياسة التجنيد الإجباري لكل البشر الذي استعمروهم وحولوا رجال المنطقة وشبابها إلى عساكر يخدمون مصلحة السلطنة والتي كانت بدورها لا توفر إي طريق للخلاص منهم بطرق وسبل شتى من خلال الحروب والمعارك والأعمال الإجبارية من قبيل (سفربرلك) والعسكرية السلطانية الإجبارية …الخ.

ومع ظهور الاحتلال الأوروبي في المنطقة لم يتغير الوضع بهذا القدر ولكن كان أفضل بقليل من الأوضاع التي كنت سائدة في أيام الاستعمار العثماني إلا أن لم يفرق أي احتلال عن أخر من ناحية تجريد الإنسان بجنسيه الذكر والأنثى من كل معالم الحياة والمعيشة التي تليق بالإنسان.

بعد مرور الأرض بحربيها الكونيتين الأولى والثانية وبعدما ذاقت البشرية بكلا الجنسين شتى أنواع الاضطهاد تشكلت منظمات دولية حاولت وسعت على إحلال السلام والأمن في العالم بغية تخليص البشرية من تلك الحروب الطاحنة والتي لم يدفع ضريبتها إلا سكان الأرض وإعلان عصبة الأمم ومن بعدها الأمم المتحدة وإعلانات حقوق الإنسان وحقوق الطفل ومجموعة وقوانين أخرى من قبيل حظر الأسلحة النووية والكيماوية والتي بدورها أي هذه القوانين ساعدت الشعوب على تفادي الكثير من المصائب ومن أهم تلك التوصيات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي أوصى بأكثر من مادة في حقوق المرأة ومجال الأسرة.

( لما كان الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم، ولما كان تجاهل حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال أثارت بربريتها الضمير الإنساني، وكان البشر قد نادوا ببزوغ عالم يتمتعون فيه بحرية القول والعقيدة وبالتحرر من الخوف والفاقة، كأسمى ما ترنو إليه نفوسهم،ولما كان من الأساسي أن تتمتع حقوق الإنسان بحماية النظام القانوني إذا أريد للبشر ألا يضطروا آخر الأمر إلى اللياذ بالتمرد على الطغيان والاضطهاد، ولما كان من الجوهري العمل على تنمية علاقات ودية بين الأمم،ولما كانت شعوب الأمم المتحدة قد أعادت في الميثاق تأكيد إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية، وبكرامة الإنسان وقدره، وبتساوي الرجال والنساء في الحقوق، وحزمت أمرها على النهوض بالتقدم الاجتماعي وبتحسين مستويات الحياة في جو من الحرية أفسح، ولما كانت الدول الأعضاء قد تعهدت بالعمل، بالتعاون مع الأمم المتحدة على ضمان تعزيز الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية،ولما كان التقاء الجميع على فهم مشترك لهذه الحقوق والحريات أمرا بالغ الضرورة لتمام الوفاء بهذا التعهد ).
بهذه المقدمة نشرت المنظمة العالمية ثلاثين مادة في أكمل مجالات حماية الإنسان من كل أنواع الاضطهاد العرقي والجنسي والسياسي …الخ.

لم تغفل المواثيق والإعلانات الدولية الخاصة بالمرأة وضرورة مساواتها مع الرجل ففي ميثاق الأمم المتحدة وردت في ديباجته أن شعوب الأمم المتحدة ألت على نفسها (أن تؤكد من جديد إيمانها بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدرة و بما للرجال والنساء …من حقوق متساوية). كما نصت المادة الأولى من الميثاق في بيان مقاصد الأمم المتحدة هي :

(تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا والتشجيع على ذلك إطلاقا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين و لا تفريق بين الرجال والنساء).
كما نصت المادة الثامنة من الميثاق على أن : (لا تفرض الأمم المتحدة قيودا تحد بها جواز اختيار الرجال والنساء للاشتراك بأي صفة وعلى وجه المساواة في فروعها الرئيسية والثانوية).
أما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فقد نص صراحة على المبدأ الأساسي في المساواة بين الجنسين :هو (جميع الناس يولدون أحرارا ومتساويين في الكرامة والحقوق) كما جاء في المادة الثانية : (لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان دونما تمييز من أي نوع).

ولهذا فان المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات تقررها المواثيق الدولية الخاصة ومنها العهدان الدوليان الخاصان بحقوق الإنسان. كما لا يجوز مطلقا أن يكون الاختلاف في الجنس سببا في تباين الحماية القانونية أو اختلاف أو إنقاص الحقوق, كما ليس من المقبول مطلقا حرمان المرأة من التعليم أو العمل مثلا بسبب الجنس وإتاحة كامل الفرص للذكور بحجة أن الذكر أقوى أو اقدر أو أكثر إدراكا من الإناث وهي مخالفة للالتزامات الدولية والقيم الإنسانية والتشريعات الأخرى.

وفي 7 تشرين الثاني من عام 1967 أصدرت الجمعية العامة قرارها المرقم 2263 في إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة.- وهو بيان رسمي دولي للقضاء على سياسة التمييز بين الجنسين.
أما على صعيد المؤتمرات الدولية التي عقدت من اجل حقوق المرأة فهي عديدة نذكر منها مثلا مؤتمر مكسيكو لعام 1975 حيث اعتبرت هذه السنة عاما دوليا للمرأة وغاية المؤتمر تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في السلم والتنمية وفي الأسرة والمجتمع وفي فرص التعليم وفي الأجور وفرص التعليم وحق المرأة في أن تقرر بحرية الزواج من عدمه وفي احترام جميع الحقوق الإنسانية لها. كما عقد مؤتمر كوبنهاكن 1980 تحت شعار المساواة والتنمية والسلم وجرى التركيز على المساواة في العمل والحق في الرعاية الصحية والتعليم وفي إشراك المرأة بصورة متساوية مع الرجل في الحقوق.

وفي عام 1985 عقد مؤتمر نيروبي لمتابعة مسيرة وتطور وضع المرأة وحقوقها في العالم برعاية الجمعية العامة للأمم المتحدة وتنفيذا لقرارها المرقم 53- 136 في 11-12-1980 ولوضع خطة للنهوض بواقع المرأة في العالم حتى عام 2000 من خلال خطة استراتيجية للقضاء على كل أشكال التمييز وتفعيل دور المرأة في المجتمع. ثم جاء مؤتمر بكين العالمي عام 1995 وهو أوسع مؤتمر عالمي لتفعيل دور المرأة في العالم ولتحقيق المساواة ونبذ التمييز ضد المرأة حيث ورد في بيان المؤتمر التأكيد على مبدأ المساواة بين البشر وبين الرجال والنساء في الحقوق طبقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وجرى التأكيد على سلسلة من التوصيات بهذا الشأن.

ولابد من الإشارة إلى أن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة CEDAW نصت على تعريف التمييز ضد المرأة في الجزء الأول وورد في الجزء الثاني منها على مسألة النمطية بين الجنسين, أي تأثير الثقافات والتقاليد في تقييد تمتع النساء بحقوقهن وضرورة القضاء على الأدوار النمطية للجنسين وعلى نبذ مفهوم الدونية للمرأة ونبذ مفهوم التفوق لدى الجنس الأخر, كما طلبت الاتفاقية الدول بمكافحة جميع أشكال الاتجار بالنساء واستغلالهن في الدعارة و أكدت على الحق في التمتع بالمساواة الكاملة في الحياة السياسية والعامة إلى جانب حق النساء وأطفالهن في التمتع بالجنسية حيث لا يجوز بقاء المرأة والطفل بدون جنسية.

وفي الجزء الثالث نصت الاتفاقية على أهمية تعليم النساء كما ونوعا أي على الدول الالتزام بالقضاء على التمييز ضد الإناث في التربية وعلى إتاحة التعليم بصورة متكافئة والاهتمام بنوعية التعليم (محتواه).

وتناولت الاتفاقية في الجزء الرابع حق المساواة أمام القانون من حيث الزواج وقانون الأسرة كحقها في التفريق وحل رابطة الأسرة وحقها في اختيار الزوج وبصورة متساوية مع الرجل ودون تمييز بين الطرفيين.
وجاء في الجزء الخامس تشكيل لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة تتألف من 18 خبيرا وتضاف أليها أعداد أخرى لتكون من 23 خبيرا بهدف تنفيذ بنودها ومراقبة تطبيق هذه البنود من الدول ومدى التزامها القانوني بها.

أما عن المعاهدات الدولية الخاصة بالنهوض بالمرأة وحمايتها ومساواتها بالرجل فهي عديدة حيث تلعب منظمة العمل الدولية دورا هاما في هذا الصدد منها حماية الأمومة وتحريم العمل الليلي للنساء في الصناعة ولعل من أهم هذه الاتفاقيات هي : اتفاقية حقوق المرأة السياسية لعام 1952 و اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1981 سالفة الذكر. وهذا يعني أن هناك التزامات دولية يجب احترامها من الدول بخصوص حقوق المرأة ومساواتها بالرجل ومنع كل أشكال التمييز ضد المرأة في المجتمع.

وعلى الرغم من وجود هذه المؤتمرات والقواعد القانونية والإنسانية الدولية والتي يفترض احترامها والالتزام بنصوصها طواعية ومحاسبة المخالفين لها, إلا انه وللأسف الشديد ما تزال هناك انتهاكات صارخة ضد حقوق المرأة في العديد من دول العالم تتمثل في تجارة الرقيق الأبيض (تجارة النساء لغرض أعمال الدعارة) وتتمثل في التمييز بين الجنسين في التعليم وفرص العمل والسفر والحقوق الأخرى وكذلك في بيع النساء في العديد من دول العالم وللأغراض المختلفة.كما أن البعض من هذه الدول تقوم بتأويل أو تفسير الإسلام بما يخدم أفكارها المتخلفة فتحرم المرأة من العمل ومن التعليم ومن كل الحقوق الإنسانية مما يدلل على خطورة هذه الانتهاكات في العديد من دول العالم ومنها أفغانستان والعراق في ظل حكم صدام.

إن كل ما تقدم لا يفيد المرأة بشيء طالما هي بذاتها لا تسعى إلى التطور والتحرر من عبوديتها للرجل والقوانين الظالمة في دول تدعي الحضارة والرقي وهي لا تمت إلى تلك الحضارة بأي صلة إلا أنه من واجبنا كأناس متحضرين أن نعرف المرأة بكامل حقوقها وواجبتها لكي لا تصير عرضة لانتهاكات هي بغنى عنها رغم معرفة الكثير من النساء بتلك القوانين والتوصيات الدولية ولكن لازالت المرأة عالقة بين تيار الحضارة وتيار التعصب والتخلف سواءً كان هذا التخلف اجتماعيا أو سياسياً أو اقتصاديا فعملياً تتأثر المرأة بكل المؤثرات التي يتأثر بها الرجل أيضاً إلى مسائل عديدة معقدة تمنع المرأة من ممارسة دورها الفعال في بناء ذاتها وبنيتها التكوينية والعادات والتقاليد البائدة والبالية التي لا تزال تمارس في العديد من المجتمعات كالقتل بدافع الشرف وغسل العار وتحريم المرأة من العمل والثقافة والتعليم الفهم الخاطئ لبعض توصيات الدين الإسلامي من قبيل تعدد الزوجات والنقص الذي أحست المرأة المسلمة به من قبيل نصفية الشهادة (شهادة الذكر بشهادة امرأتين) وتوزيع الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين وعدم السفر بدون محرم …الخ نقاط كثيرة كل واحد منها يستحق أن يكون موضعاً للدراسة ولكن تلك الأمور لا تزال غامضة للكثير من المجتمعات التي لا تتنازل عن قبليتها وعشائريتها وترضخ المرأة فيها للواقع المحتوم.

حرية المرأة ليس في الانفلات الجنسي والأدبي والأخلاقي بقدر ماهي حرية الفكر والعقل وعلى المرأة أيضاً أن تدرك بان التطور والحضارة ليس فقط بلبس أغلى أنواع اللباس وأرقى أنواع العطور والمجوهرات والميكياجات بقدر ما هو تحرير الذات وخلاصها من عبودية هي بذاتها تقبلها في الكثير من المواقع التي دائماً تكون فيها خاسرة والدعوة إلى تحرر المرأة يجب أن يكون مدروساً ومنوطاً بجمل كثيرة من التمهيد لهذا التحرر لكي لا تنقلب الآية ويفسد المجتمع بسبب هذه الحريات الفلتة لأن المرأة هي أساس التربية والتعليم الأسري لكون الرجل منهمك دائماً بتأمين تكاليف المعيشة أو غالباً ( كما في مجتمعاتنا الشرقية ) وتكون المرأة على حذر من دخول بوابة التحرر فقط للواجهة البشرية ولتبيان ذاتها كأنثى فضل الله عليها بالجمال والأناقة .

للمرأة كما للرجل الحق في العيش بحرية دون إي نوع من أنواع الإذلال أو تنقيص للحرية وتحقير للذات البشرية وعلى كل البلدان التي وقعت على اتفاقيات حقوق الإنسان واحترام حرية المرأة أن تطبق تلك القوانين قولاً وفعلاً وتمنع استغلال الرجل للمرأة بأي شكل من الأشكال وتحارب كافة العادات والتقاليد البالية والتي لازالت الكثير من المجتمعات البشرية وخاصة ( منطقة الشرق الأوسط ) تفخر بهذه العادات والتقاليد القديمة.

على المرأة التحرر بنفسها وتسر كل الحواجز وتقاوم كافة أنواع المطبات التي تعيق من استقلاليتها وحريته ولكن بإنصاف وتعقل لكي لا تؤدي تلك الحرية إلى نهاية لا يحمد عقباها وتصير المرأة إلى آلة ينتفع من ورائها وبحجج التحرر تقوم بأفعال تسيء إلى الإنسانية ويبقى الرجل دائماً هو المسيطر والحاكم بأمر الله في المرأة والمجتمع بأسره فالحذر من مغبة الوقوع في الأخطاء الكثيرة والتي تثار هنا وهناك لاستغلال إنسانية المرأة.