جرائم «الشيكات».. الرقم الاصعب في نسبة الجرائم

جرائم «الشيكات».. الرقم الاصعب في نسبة الجرائم
*****
إعداد: مبارك العبدالله
أصبحت جرائم «الشيكات بدون رصيد» تشكل الرقم الصعب في نسبة الجرائم التي تشهدها محاكمنا من خلال عرض المتهمين عليها وأنواع الاتهامات المسندة إليهم، فلو اطلعنا على عدد الجرائم التي تعرض بشكل يومي، وخصوصا في قصر العدل، فإننا وبدون أي شك سنجد أن جرائم الشيكات هي المتصدرة.
هذه الجريمة التي أصبحت تشكل خطرا في أسواق المال والتجارة نوقشت سابقا وتم وضع العقوبات على الطاولة لبحث ما إذا كانت تحتاج إلى تغليظ لتكون أحد الحلول الرادعة لمرتكبيها، لكن القانون خفف العقوبة لهذه الجريمة، فبعدما كانت تصنف ضمن جرائم «الجنايات» أصبحت «جنحة»، ويعاقب عليها القانون بحبس مرتكبيها أقل من 3 سنوات، وهو ما يثير تساؤلا في هذا الجانب: ما الذي رآه المشرع من فائدة في تقليل العقوبة؟ وهل هو حل لتقليص الجرائم التي أصبحت تشكل أرقاما مخيفة في المحاكم؟
القانونيون الذين استطلعت «القبس» رأيهم أكدوا أن جرائم الشيكات أصبحت ظاهرة تهدد الاستقرار التجاري والاجتماعي، كما أشاروا إلى أن تحويل العقوبة إلى «جنحة» أدى إلى زيادة نوعية مثل هذه الجرائم، موضحين أن أهم الأسباب التي جعلت المتهم يستهين بالعقوبة أن قانون الجنحة لا يستلزم حضور المتهم أمام المحكمة، وإنما يوكل الدفاع للحضور نيابة عنه، وهذا ما قد يهون على المتهم العقوبة التي ستقع عليه ومن ثم لا يبالي بها.
والأمر الطريف الذي ينم في نفس الوقت عن ازدياد ظاهرة جرائم الشيكات أن أحد المحامين الذين تحدثوا لـ«القبس» قال إنه تعرض لمثل هذه الجرائم عندما ترافع عن أحد المتهمين في تهمة تقديم شيك بدون رصيد، وبعد الانتهاء من القضية، قدم المتهم أتعابا للمحامي، وكانت عبارة عن شيك بدون رصيد تم اكتشافه لاحقا بعد تقديمه للبنك. وفيما يلي التفاصيل:
في البداية يقول المحامي هيثم العون: شاع انتشار استعمال الشيك في الكويت شأنها شأن بلدان العالم، ولم يعد استعمال الشيكات قاصرا على فئه معينة، بل تستعملها فئات الدولة كافة من مواطنين ومقيمين في المعاملات المدنية والتجارية على السواء، حتى أصبحت الشيكات دارجة في معاملات مراكز أوراق النقد أو لكونها أداة سهلة التناول للوفاء بالديون وتحصيل الحقوق بين الأفراد.

حماية المشرع
واضاف العون قائلا: ونظرا لأهمية الشيك ومكانته البارزة في تسيير النشاط الاقتصادي للدولة، ولكونه شريان الحياة الاقتصادية في التداول فقد عني المشرع بحمايته فوضعه في بروج مشيدة تجعله يحقق الغاية المنشودة منه في التداول وقبوله في المعاملات على أساس أنه يجري مقام النقود، فجعل الاختصاص بنظره وإصدار العقوبة لقضاء الجنايات.
وتابع: وحسنا ما فعله المشرع إذ أضفى بهذا الاختصاص نوعا من الهيبة والوقار للشيك كأداة وفاء تقوم مقام النقود، وجعل العقوبة عن إصداره دون أن يكون له مقابل وفاء قائم ومقابل للسحب لمصلحة المستفيد بمجرد الإطلاع وتقديمه للبنك تصل إلى ما لا يزيد على الحبس ثلاث سنوات وبغرامة لا تجاوز خمسمائة دينار بالمادة 237 من قانون الجزاء الكويتي.
وأكمل: ومنذ أن عقد المشرع الاختصاص بنظر جريمة الشيك لمحكمة الجنايات ووضع العقوبة التي تناسب أهميته ودوره البارز في تنشيط الحياة الاقتصادية شاهدنا دعاوى قليلة لا تذكر تنظرها محكمة الجنايات عن إصدارات لشيكات لا يقابلها رصيد أو مقابل للوفاء بالبنك المسحوب عليه، واستقرت المعاملات التجارية وأصبح الشيك له الحماية الخاصة المميزة في التداول بالسوق الكويتي.
واستطرد: وبعد أن حاز الشيك هذا الوضع المرموق الذي يتناسب مع أهميته البالغة في تنشيط وتفعيل المعاملات التجارية، تراجع المشرع الكويتي بإفقاد الشيك هيبته ومكانته حين جعل الاختصاص بنظره أمام محكمة الجنح وأدرجه ضمن نصوص مواد القانون التجاري باعتباره ورقة تجارية.
واشار إلى أنه ومنذ ذلك التاريخ ونحن نشاهد تزايدا هائلا في أعداد قضايا الشيكات التي تنظرها محكمة الجنح، موضحا أن هذه الظاهرة لها أسباب متعددة أهمها تعديل الاختصاص بنظر الشيك من محكمة الجنايات لما لها من رهبة وهيبة في النفوس إلى محكمة أقل درجة وهي محكمة الجنح لما لطبيعة التقاضي أمام هاتين المحكمتين من فروق يستشعرها المتقاضون بأنفسهم.
وقال العون: لذا فإننا نرى وجوب إعادة الحال إلى ما كان عليه سابقا من اختصاص محكمة الجنايات بنظر الشيك مع تغليظ العقوبة، وهذا التشديد لن يكون له أثر سلبي في النشاط الاقتصادي لأن الحكمة منه تبدو بازغة في عدم إقدام كل حائز لدفتر شيكات على تحرير الشيك لا يقابله رصيد لعلمه مسبقا بالعواقب الوخيمة التي تنظره.
وختم بقوله: ومن هنا سيكون محررو الشيك أشد التزاما من الحالة التي هم عليها الآن في ظل هذا التغيير الذي أفقد الشيك هيبته وتوازنه ونزل به إلى حافة الهاوية.

تشديد العقوبة
ومن جانبه يشير المحامي عبدالوهاب الرفاعي إلى ضرورة تشديد العقوبة، لأنها الحل، حيث اكد أن للشيك دورا بالغ الأهمية في النظام الاقتصادي، ويعتبر أداة وفاء وقد أدخل عليه القانون الجديد بعض الالتزامات لكي يكون أداة ضمان.
واستدرك الرفاعي قائلا: إلا أن ذلك غير كاف، وسبب ازدياد جرائم الشيك يعود إلى شريحتين وهما التجار ومن يحسنون النية، فهذه الفئة قد تعثرت في السداد لأسباب عدة وأهمها الازمات الاقتصادية، إضافة إلى عدم وجود السيولة، وكذلك من استخدمها كأداة ضمان إلى أن تعثر بالسداد في الوقت المتفق عليه.
واضاف: أما الشريحة الثانية فقد استغلت تخفيف العقوبة وفق القانون الجديد، واستخدمتها كوسيلة للنصب والاحتيال، إما بأسماء غير موجودة أو شركات وهمية وعدة أمور أخرى.
وتساءل عن أسباب تخفيف العقوبة قائلا: لماذا تخفيفها من جناية إلى جنحة؟ فإذا كنا قد رحمنا الشريحة الأولى من التجار والمتعثرين بالسداد والأشخاص الذين يحسنون النية، فإننا نكون قد ظلمنا أصحاب الحق المجني عليهم؟ ولم نردع من قام بالنصب والاحتيال!
وتابع: يجب أن نشدد العقوبة، ولكن بالتدريج أي أن تكون من جنحة وتتدرج إلى جناية وتستند الى عامل القصد الجنائي، فلا يستوي حسن النية وسيئ النية في نفس العقوبة، فضلا عن وجود عامل آخر هو قيمة المبلغ، فلا يستوي من كتب شيكا بعشرة آلاف دينار ومن كتب شيك بمليون دينار.
وخلص إلى أنه وبهذا التدرج نكون قد أنصفنا المجني عليهم، وقمنا برد كل من تسول له نفسه النصب والاحتيال.

الرغبة المالية
وعلق المحامي عادل قربان على موضوع الشيكات وتزايدها أمام المحاكم من وجهة نظر أخرى، موضحا أن للكويت وضعاً خاصاً على اعتبار أنها بلد تجاري، وفي طريقها لتكون مركزاً مالياً، تحقيقاً لرغبة أميرية سامية، وتسعى الحكومة جاهدة بكل ما أوتيت لتحقيق هذه الرغبة.
وأضاف قربان: وحيث ان المعاملات التجارية تتطلب السرعة في الوفاء بالالتزامات المالية لتحريك دوران عجلة النشاط التجاري في الحياة الاقتصادية، مما استلزم أن يكون للشيك وضع خاص لكونه يقوم مقام النقود في الوفاء بهذه الالتزامات التجارية، فكثر الالتجاء إلى استخدامه ليقوم مقام النقود على اعتبار أنه أداة وفاء بمجرد الاطلاع عليه.
وأوضح أن المشرع الكويتي بسط حمايته عليه، بل توسع في بسط تلك الحماية وجعلها حماية مزدوجة، الأولى حماية مدنية وتجارية من حيث المطالبة بقيمة الشيك أمام المحاكم المدنية والتجارية بواسطة استصدار أمر أداء بقيمة الشيك ضد الساحب، والحماية الثانية وهي التي تعنينا في مقامنا هذا وهي الحماية الجزائية حيث أوقع على محرر الشيك عقوبة الحبس في حال عدم وجود رصيد أو مقابل للوفاء بقيمته عند تقديم الشيك للبنك لتحصيله باعتباره جريمة يعاقب عليها الساحب، وذلك رغبة من المشرّع الجزائي في حماية الأوضاع الظاهرة، رعاية للاستقرار المالي والتجاري بالبلد.
وقال: ومن هنا يستطيع طالب الحماية ولوج الطريق الجزائي، وهو طريق سريع ومحمي بترسانة عقابية تردع المخالفين وتهددهم بسلب الحرية.

العبث بالشيكات
وأشار قربان إلى أن صور العبث بالشيك التي يعاقب عليها القانون الجزائي تتمثل في جريمة إعطاء شيك دون أن يكون له رصيد قائم وقابل للسحب، طبقاً للقانون رقم 84/2003، إضافة إلى تزوير الشيك، كذلك يعاقب من أؤتمن عليه موقعاً على بياض، فخان الأمانة وكتب في البياض الذي فوق الإمضاء أو الختم خلافاً للمتفق عليه، وإن فعل ذلك دون أن يكون مسلماً إليه تكون العقوبة أشد، أيضا يعاقب التاجر الذي يتمادى في إصدار شيكات تهريباً لأمواله وهو في حالة اضطراب مالي يتبعه إفلاس يعاقب على جريمة الإفلاس بالتدليس.
واستدرك قائلا: ولكن بالرغم من الحماية الجزائية التي أوجدها المشرع للشيك فإن هناك ازديادا في جرائم الشيكات إلى أن أصبحت ظاهرة بالكويت تهدد الاستقرار التجاري والاجتماعي، والسبب يرجع في ذلك إلى القانون رقم 84/2003 الخاص بتعديل بعض أحكم قانون الجزاء رقم 16/1960 بشأن المادة 237 والمتعلقة بجريمة الشيك بدون رصيد.
وأوضح أن هذا التعديل وإن كان إيجابياً في بعض النواحي، من حيث عدم قبول الدعوى الجزائية إذا لم يتقدم المستفيد من الشيك بشكواه ضد الساحب خلال أربعة شهور من تاريخ الشيك إذا كان مسحوباً في الكويت من التاريخ الموضح على الشيك أو خلال ستة شهور إذا كان الشيك مسحوباً خارج الكويت، حتى لا يكون الشيك كالسيف المسلط على رقبة الساحب مدى الدهر، كما كان في السابق.
وأكمل: كما أن الايجابية الثانية للتعديل بأن الشكوى الجزائية لا تقبل ولا تحرك أمام النيابة العامة إلا في تاريخ استحقاق الشيك المدون والموضح على الشيك نفسه حيث كان القانون قبل التعديل يسمح بتقديم الشيك للنيابة وتحريك الشكوى الجزائية متى ما شاء المستفيد حتى وإن لم يحل موعد استحقاقه، فكان المستفيد يستغل هذه النقطة بتقديم الشيك للنيابة قبل موعد استحقاقه رغبة منه في ابتزاز الساحب.

ازدياد الجريمة
واستدرك قربان قائلا : إلا أن المشرع الجزائي في تعديله رقم 84/2003 قام بتجنيح جريمة إصدار الشيك بدون رصيد من جناية إلى جنحة، الأمر الذي ساعد على ازدياد ظاهرة جريمة الشيك حيث كما هو معروف أن المتهم لا يستلزم حضوره في الجنحة أمام القاضي الجزائي فيستطيع أن يوكل الساحب من يشاء للحضور أمام القضاء، كما يستطيع أن يقوم بالمعارضة والاستئناف في الحكم الجزائي الصادر ضده بالحبس دون حضور الجلسة شخصياً بعكس السابق (قبل تعديل القانون) عندما كانت الجريمة جناية فإن المتهم يستلزم حضوره شخصياً أمام القاضي الجزائي عند معارضته أو استئنافه للحكم الجزائي الصادر ضده، وإلا فلن يقبل استئنافه، فكان الساحب في هذه الحالة يخشى من الحضور خوفاً من تنفيذ حكم الحبس الصادر ضده فيقوم بسداد قيمة الشيك فوراً قبل جلسة المعارضة أو الاستئناف.
وقال: أنا أنادي شخصياً بضرورة العودة إلى تغليظ العقوبة والرجوع إلى عقوبة الجناية مع ضرورة حضور الساحب «المتهم شخصياً» أمام المحكمة الجزائية عند قيامه بالمعارضة أو الاستئناف للحكم الصادر ضده، كما كان في السابق قبل التعديل لسنة 2003 في مسألة العقوبة والحضور أمام المحكمة كجريمة الجناية تماماً.
وتطرق قربان خلال حديثه إلى موقف شخصي في جريمة الشيكات بدون رصيد قائلا: تعرضت لموقف حيث قمت بالدفاع والحضور عن شخص متهم بعدة جرائم لشيكات بدون رصيد، وبعد قيامي بعمل معارضة للأحكام الصادرة ضده بالحبس وحصولي على أحكام مخففة لمصلحته، وعند مطالبتي بأتعابي قام بإعطائي شيكا وعند تقديمه للبنك تبين أنه بدون رصيد فقمت بتقديم شكوى جزائية ضده ويتضح من موقف هذا الشخص أنه استهان بالحكم الجزائي المخفف غير الرادع.
وخلص إلى أن هذا بالضبط ما أدى إلى ازدياد ظاهرة جريمة الشيك بدون رصيد، فأنا مع التغليظ والتشديد في العقوبة حفاظاً على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

أبرز متهم نائب سابق
من أبرز قضايا الشيكات من دون رصيد التي تشهدها المحاكم وسوف تنظرها بجلسة 11 الجاري المتهم فيها نائب إسلامي سابق بإعطاء المجني عليه شيكا من دون رصيد بقيمة 5 ملايين دينار.
وقد استند دفاع المجني عليه في القضية وفق مصادر مطلعة إلى المادة 111 من قانون الإجراءات التي نصت على أنه يجوز لكل من أصابه ضرر بسبب الجريمة أن يرفع دعوى بحقه المدني أمام المحكمة التي تنظر الدعوى الجزائية في أي حال كانت عليها الدعوى إلى أن تتم المرافعة.
كما طالب دفاع المجني عليه بإلزام المتهم (النائب السابق) بأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ 5001 دينار على سبيل التعويض المؤقت، إضافة إلى تطبيق عقوبة الحبس بحقه.
وقد تكون هذه القضية مؤشرا خطيرا يتمثل في أن التلاعب بالشيكات من دون رصيد أصبح بيد المسؤولين والعمال العاديين.

الحبس أسبوعا
أوضح القانونيون أن العقوبة في جريمة الجنحة تكون مخففة مقارنة مع جريمة الجناية، واشاروا إلى أن العقوبة الحالية لجرائم الشيكات تصل في بعض الأحيان إلى إصدار حكم الحبس لمدة أسبوع أو شهر على عكس عقوبة الجناية التي لا تقل عن ثلاث سنوات.

أسباب الزيادة
أكد القانونيون أنه حرصا على الاستقرار المالي للمعاملات التجارية لكون الشيك أداة وفاء يجب حمايته، وحتى لا يكون التجنيح سبباً في ازدياد ظاهرة جريمة الشيك من دون رصيد.

بيانات الشيك وفق ما استقر عليه العرف
الشيك عبارة عن صك مكتوب وفق أوضاع شكلية حددها العرف، بموجبه يأمر الساحب المسحوب عليه بدفع مبلغ معين من النقود بمجرد الاطلاع لشخص معين أو لأمره أو حامله، ويحتوي الشيك وفق ما تقتضيه ظروف المعاملات التجارية، وما استقر عليه العرف على البيانات الآتية:
1 – أمر غير معلق على شرط بدفع مبلغ معين.
2 – اسم البنك الذي يجب عليه الدفع (المسحوب عليه)
3 – بيان تاريخ إنشاء الشيك ومكانه.
4 – توقيع من أصدر الشيك (الساحب).
5 – اسم الشخص أو الجهة التي سيصرف لها الشيك (المستفيد).