(“جريمة الإغتصاب بين الشريعة والقانون”)

تُعد جريمة الاغتصاب واحدة من أبشع الجرائم الإنسانية؛ حيث أن ضياع الكرامة، والمهانة التي يتعرض لها المغتصب ـ رجلا كان أو امرأة أو طفلاً – تفوق كثيرًا أن يُسلب ماله أو يتعرض لحادث غش أو تدليس، وربما لا نكون مبالغين إذا قلنا: إن جريمة الاغتصاب أسوأ من التعرض لمحاولة قتل فاشلة، فالجروح التي على الجسد يأتي عليها يوم وتندمل، بينما تبقى الروح مُثقلة بأغلال المهانة أثر التجربة الأليمة للاغتصاب.

وعلى الرغم من أن الاغتصاب جريمة قديمة عرفتها البشرية، منذ أن كان استباحة النساء أمرا مقررًا ومقبولاً إثر الحروب والغارات، التي لم تكن تهدأ بين القبائل والجماعات، إلا أن العصر الحديث شهد انفجار هذه الجريمة بصورة غير مسبوقة، وحدثت نوعيات جديدة من الجرائم غير المألوفة، كاغتصاب الأطفال والمسنين، بل واغتصاب الرجال أيضًا.

الاغتصاب في الشريعة

وعلى الرغم من أنه لم يأتِ نصُُّ صريح في التشريع الإسلامي يقرر عقوبة المغتصب – كما في جريمة الزنا – فإن كثيرًا من الفقهاء يرون أن عقوبة المغتصب هي عقوبة الزاني، وهي الجلد مائة للبكر والرجم للمحصن، إلا أن فقهاء المالكية يرون أن جريمة الاغتصاب تختلف عن جريمة الزنا، فبينما تتم جريمة الزنا بالتراضي – وربما بالإغراء – فإن جريمة الاغتصاب تعتمد على العنف والإكراه، لذا فهي تشبه جريمة الحرابة، وبالتالي تكون عقوبتها إما القتل أو تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف أو النفي.. (قد يكون السجن مدى الحياة شبيهًا بعقوبة النفي).

الاغتصاب في القانون

لو أخذنا القانون المصري ـ كنموذج لأحد القوانين العربية الوضعية ـ فإن المادة 267 عقوبات تنصُّ على الآتي: (من واقع أنثى بغير رضاها، يُعاقَب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة) .فإذا كان الفاعل من أصول المجني عليها، أو من المتوليين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها، أو كان خادمًا بالأجرة عندها أو عند من تقدم ذكرهم يعاقب بالسجن المؤبد).

ويلاحظ جوانب القصور الآتية في التشريع القانوني:

1- قصر جريمة الاغتصاب على الأنثى فقط، نقص وخلل معيب في القانون؛ حيث لم يعد المشرع جريمة اغتصاب الذكور، سواء أكانوا أطفالاً أم بالغين إلا جريمة هتك عرض، وهي جريمة أقل كثيرًا من ناحية العقوبة. فقد نصَّت المادة 268 من قانون العقوبات على “أن كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع في ذلك، يُعاقَب بالأشغال الشاقة من ثلاث سنين إلي سبع”. وعندما تقع جريمة هتك العرض لصبيّ أو صبية ـ دون سن الثامنة عشرـ فإن العقوبة ترتفع، لتكون الأشغال الشاقة المؤقتة وفقًا لنص المادة 169 من قانون العقوبات.

2- المشرع القانوني لا يعتبر الجريمة اغتصابًا، ويعدُّها هتك عرض، إذا قام المجرم باغتصاب السيدة في غير المكان الطبيعي ـ إذا كان الاغتصاب عن طريق الدبرـ رغم أن فداحة الجرم واحدة، فالقرآن الكريم تعامل مع الجريمة الأخلاقية الهابطة التي ابتدعها قوم لوط، بمنتهى القوة والشدة، وكان التنكيل بهم رهيبًا قال تعالى: {فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارةً مِّنْ سِجِّيْلٍ مَّنْضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِنْد رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِيْنَ بِبَعِيْدٍ} [هود: 82-83] ..فكيف تُخَفَف العقوبة عن مثل هؤلاء، في حين أن الألم الذي ينال الضحية من ارتكاب الجريمة بهذه الكيفية يكون أشد وأقسى.

3- على الرغم من أن القانون قرر عقوبة الإعدام للمغتصب، إذا اقترن الاغتصاب بالخطف أو القتل، إلا أن هيئة المحكمة أحيانًا تهبط بالعقوبة استعمالاً لسلطاتها التنفيذية التي تخولها لها المادة 17 من قانون العقوبات، والتي تُجيز للمحكمة ـ إذا وجدت من ظروف الدعوة ما يقتضي رأفة القضاة ـ فإنها تستطيع أن تهبط بالعقوبة درجة أو درجتين، لتصل إلي الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة، وحدُّها الأقصى خمسة عشر سنة وحدُّها الأدنى ثلاث سنوات ..هذا الهبوط الذي اُستخدم في كثير من الحالات، أدَّى إلى حالة من عدم الردع لدى بعض الشباب المستهتر، في حين لو تم رجم المغتصب على الملأ ومرأى من الناس، أو نقلت القنوات الفضائية مشهد العقوبة لخاف هؤلاء الذئاب الذين يهددون أمننا.

الحجاب والاغتصاب

على الرغم من أن الكثير من المراكز الحقوقية، التي تعنى بأوضاع النساء تحاول التأكيد على أن ملابس الضحية لا علاقة لها بجريمة الاغتصاب، خاصة أن الجريمة قد تقع لطفلة صغيرة أو سيدة مُسنّة، وبالتالي لا يجب مطلقًا إدانة الضحية. إلا أن هذا الكلام فيه نظر، فهناك جرائم اغتصاب لا يمكن فيها مطلقًا إدانة الضحية، كما يحدث في حالة اغتصاب المحارم أو الاعتداء على الأطفال، ولكن هناك حالات يكون سلوك الضحية وملابسها في الشارع، دافع أساسي في ارتكاب هذه الجريمة، لذلك فالحجاب في الشريعة يعتبر أيضًا، إجراء احترازي؛ لوقاية المرأة والمجتمع ككل. يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الأحزاب : 59 ].

هذا الأذى أو التحرش لا يطول المحجبة ـ حتى في عصرنا الحالي ـ، هذا ما أكدته رسالة الماجستير، التي أعدَّها الباحث عبد الفتاح العوادي، المعيد بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر؛ حيث أثبتت الدراسة أن انتشار العري في الشارع المصري، سبب أساسي ورئيسي في زيادة حالات الاغتصاب، وأشار إلى أنه لم تقع جريمة اغتصاب لأية سيدة محجبة، والمقصود بالحجاب هنا ليس مجرد ارتداء غطاء الرأس مع ارتداء الملابس الضيقة والشفافة، التي ترتديها بعض الفتيات، ثم يُقال التحرش بالمحجبات، ولكن المقصود الحجاب الشرعي بمواصفاته الشرعية المعروفة وبمشية الملتزمات بلا تكسر، وهذا ما لا نجد له أية إشارة في القانون من مواد تحث على الحشمة باعتبار اللباس حرية شخصية، تمامًا كما تم تجريم الزنا فقط عندما يكون غصبًا.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت