عــمـال الــزراعة فـــي مــيــزان حــقــوق الإنــســان

العمال طبقة اجتماعية لها دور اجتماعي واقتصادي وسياسي في المجتمع، وتعد الطرف الأساسي في علاقات الإنتاج. ويمكن تقسيم العمال من حيث قطاعات نشاطهم إلى عمال صناعة وعمال زراعة. وعموما، يعد الإنسان عاملا إذا كان يكسب رزقه من بيع قوة عمله والحصول على أجر أو عائد مقابل وقت عمله. ويواجه جميع العاملين بأجر نفس المشاكل، ويعانون من مظالم متشابهة، مثل الحرمان من الأجر العادل، والكافي لحياتهم بكرامة هم وأسرهم، والعمل لساعات طويلة تهدد استمرارهم في القدرة على العمل، والتعرض للمخاطر والإصابات والأمراض نتيجة ظروف العمل وطبيعته، والحرمان من الضمانات الاجتماعية والتأمين الاجتماعي… وغيرها. ولقد عرف العمال خلال كفاحاتهم الطويلة ومواجهة ظروفهم القاسية أن قوتهم في توحدهم وقدرتهم على تنظيم أنفسهم في جمعيات ونقابات بل وأحزاب سياسية تدافع عن حقوقهم ومصالحهم وتوحد كلمتهم وتظهر قوتهم بما يتناسب مع ما يقدمونه من جهد وعمل وخيرات في المجتمعات.

وحقوق العمال هي جزء لا ينفصل عن حقوق الإنسان، تستند جميعها إلى الشرعية القانونية والمواثيق الدولية، إلا أن حقوق العمال تتميز عن بقية حقوق الإنسان، الاقتصادية والاجتماعية منها كالحق في الغذاء والحق في التعليم، والحقوق المدنية والسياسية كالحق في المحاكمة العادلة والحق في التعبير وغيرها، بأنها تتضمن عدة حقوق متنوعة مختلطة ومتلازمة بل وتشمل حماية بعض الجوانب السلبية كالإرهاق الناجم عن الجهد الجسدي والعقلي والإجهاد من العمل، لأن حقوق العمال لا تلبى فقط حاجة الإنسان في التمتع بحق من حقوقه، بل تعمل على توفير الضمانات اللازمة لحماية الإنسان وهو يكد لكسب رزقه وينتج في ذات الوقت القيمة والخير للبشرية كلها، بل ويصنع الحياة، ويُؤمن الرفاهية والاستمرار والعدالة للمجتمع الإنساني كله. فالعمل ليس مصدر دخل ومعيشة العمال فحسب، بل هو مصدر توفير المستوى اللائق من المعيشة للإنسانية كلها، فمن ناتج العمل تأتي القيمة والثروة والخير، حيث أن العمال وهم يسعون لكسب دخولهم لا يحصلون إلا على جزء يسير من ناتج عملهم ويتركون بقيته أو فائض قيمته للملاك، وللمجتمع ورفاهيته، ومن حقهم أن يروا توزيع تلك العوائد في إطار من العدل الذي يضمن كفاية ما يحصل عليه كل إنسان للتمتع بحياة كريمة في إطار من الحريّة والعدالة والأمن والكرامة الإنسانية.

عمال الزراعة:

يبلغ عدد عمال الزراعة نحو 450 مليون عامل، يمثلون 40 %من القوى العاملة على مستوى العالم، والعدد في ازدياد في معظم أنحاء العالم. وتمثل النساء العاملات في الزراعة من 20 إلى 30% من القوة العاملة المأجورة في الريف وترتفع هذه النسبة في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي إلى 40% كما تزداد أعدادهن في معظم أنحاء العالم، (طبقا لتقرير منظمة العمل الدولية ومنظمة الفاو عام 2007). ولا شك في أن عمال الزراعة من أفقر فئات العمال وأكثرهم انعداماً للأمن الصحي والغذائي. وفي بلدان كثيرة يعاني أكثر من 60 % من عمال الزراعة من الفقر. وتعتبر أغلب الأعمال الريفية والزراعية من الأعمال غير المنظمة (الرسمية) بمعنى أن عمال الزراعة يعملون في قطاع غير معترف به تنظيميا وقانونيا في أغلب بلدان العالم، ولا يتمتع بأية حماية بموجب الأطر القانونية والتنظيمية.

وتقدر الإحصائيات الرسمية عدد العاملين في قطاع الزراعة في مصر بنسبة تتجاوز نصف قوة العمل (نحو 57%)، ويشكل عمال الزراعة الأجراء حوالي 30.3% من جملة العاملين في مصر، وحوالي 49.3 من جملة العاملين في الريف في سنة 1997. وإلى حوالي 31% من إجمالي العاملين، و 48.2% من العاملين في الريف في سنة 2008.

ظروف عمل غير إنسانية:

لقد كان اكتشاف الزراعة واختراعها خطوة كبيرة في سبيل صنع الحضارة الإنسانية, والزراعة في بعض التعريفات هي “العمل الذي يهدف إلى السيطرة على قوى الطبيعة من أجل إنتاج محاصيل نباتية وحيوانية تسد حاجة الإنسان”.
ويتعرض جمهور العمال في قطاع الزراعة، أثناء ساعات عملهم الطويلة، إلى العديد من المخاطر البيئية التي تؤثر على صحتهم وأدائهم على المستوى البدني والنفسي بل والاجتماعي بسب بيئات العمل القاسية التي تفتقد أبسط قواعد السلامة والصحة المهنيتين، حيث يتعرض عمال الزراعة للأتربة والغبار والأسمدة والمبيدات بأنواعها، وكذلك العمل في درجات حرارة ورطوبة تحمل الكثير من المخاطر وتعرض العمال إلى الإغماءات الحرارية، وإلى ضربات الشمس التي تنتج عن التعرض لأشعة الشمس المباشرة. إضافة إلى التعرض لمخاطر بيولوجية من التعرض للطفيليات، وكذلك لكثير من الأمراض التي تصيب العاملين في قطاع الزراعة. بخلاف المخاطر النفسية والاجتماعية التي تنتج عن الإحساس بالاغتراب وعدم الاستقرار وخاصة بين عمال التراحيل والإجراء الذين ينتقلون من عمل إلى آخر، وعن الإحساس بعدم الأمان وفقدان الثقة في المستقبل، بل وعدم جدوى الحياة نفسها في ظل تفاقم سوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي يتعرض لها هؤلاء العمال. ناهينا عن مخاطر حوادث العمل (سواء كانت حوادث الطرق أثناء نقل العمال وخاصة عمال التراحيل أو تلك الحوادث الناتجة عن استخدام الآلات الزراعة)، وهي أكثر المخاطر إيلاما وأثرا على النفس، حيث لا يخسر العامل فيها عمله ومصدر رزقه فقط بل قد يخسر جزءاً من جسده أو حياته كلها.
ولو أضفنا إلى ذلك ضعف الأجور التي يحصل عليها عمال الزراعة على تنوعهم، سوف نجد أن ظروف العمل القاسية التي يعملون فيها تهدد استمرارهم في القدرة على العمل وكسب الرزق، من عمل يفتقد كل معايير العمل اللائق، ارتضوا به قسرا تحت ضغط العوز والحاجة لسد رمقهم ورمق أطفالهم، رغم ما يحتويه من سوء خدمات وانخفاض في الدخل ومخاطر عمل مروعة، تحمل في كل لحظة التهديد بالتوقف عن القدرة على الكسب والعمل وفقدان الجنيهات القليلة التي يحصلون عليها.
ويستند العمل اللائق إلى أربع ركائز جوهرية، هي:
1- المبادئ والحقوق الأساسية في العمل ومعايير العمل الدولية؛
2- فرص العمل الجيد والدخل العادل الكافي؛
3- الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي؛
4- الحوار الاجتماعي ومبدأ الثلاثية.
وتنطبق هذه الأهداف على العمّال جميعا، رجالاً ونساءً، في القطاع المنظم والقطاع غير المنظم. سواء أكانوا عمّالاً مأجورين أم يعملون لحساب أنفسهم، وسواء أكان عملهم في الحقول أو المصانع أو المكاتب، في المنزل أو في الشارع.
لعل هذا ما يجعل تفكيرنا في حقوق عمال الزراعة، يتسع للتفكير في حقوقهم الواسعة الشاملة، ليسوا كعمال فحسب بل كبشر أيضا في الأساس يسحقون حقوق الإنسان كاملة، أي أننا نبحث في حقوقهم بشرا وعمالا.

حقوق الإنسان: 

حقوق الإنسان هي مجموعة الحقوق اللصيقة بكل إنسان، والتي لا يمكن للناس العيش بكرامة بدون التمتع بها.
وهي حقوق اقتصادية واجتماعية وسياسية ومدنية وثقافية، تقع على الدول الالتزام بتوفيرها وتعزيزها واحترامها وحمايتها لكافة المواطنين.
وهى حقوق يلزم توافرها لكل الناس بغير تمييز فيما بينهم لأي سبب فما في ذلك اختلاف اللون أو الجنس أو العقيدة أو الدين أو الثروة أو الرأي السياسي. وهي حقوق متكاملة وغير قابلة للتجزؤ، ومنها:
1-الحق في الحياة، والأمان، والمعاملة الإنسانية.
2- الحق في المساواة.
3-الحق في التحرر من الفقر ومن الخوف.
4-الحق في الملكية الخاصة وممارسة النشاط الاقتصادي.
5-لكل شخص الحق في أن تتاح له فرصة كسب رزقه من عمل يختاره أو يرتضيه بحرية. والتمتع بشروط عمل عادلة.
6-حق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته.
7-الحق في تكوين النقابات والانضمام إليها دون قيد.
8-الحق في الضمان الاجتماعي، بما في ذلك التأمينات الاجتماعية.
9-الحق في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية.
10-الحق في حماية الأمومة والطفولة.
11- الحق في التعليم، وإتاحته للجميع على قدم المساواة. وكفالة إلزامية ومجانية التعليم الأساسي للجميع.
12-الحق في المشاركة في الحياة الثقافية. والتمتع بفوائد التقدم العلمي.
13- الحق في التجمع، وحرية اعتناق وإبداء الرأي، وحرية التعبير.
14- الحق في حرية الفكر والاعتقاد والدين.
15- الحق في المشاركة في إدارة الدولة، وفي تقلد الوظائف العامة.
16- الحق في تكوين الأحزاب السياسية. والجمعيات والانضمام إليها.
17- الحق في حماية حرمة الحياة الخاصة والحرية الشخصية.
18- الحق في المعاملة الإنسانية الكريمة ومنع التعذيب.
19- الحق في حماية القانون والتساوي أمامه، وتوفير العدالة.
20- الحق في التنقل، والسفر.
21- الحق في تداول المعلومات.
22- الحق في بيئة نظيفة.
وتشمل حقوق الإنسان هذه العمال وعمال الزراعة بالتأكيد في كل ما تحتويه من معايير وقيم واستحقاقات، وهي لا تمنع عمال الزراعة بل هي تدفعهم أكثر لمعرفة حقوقهم كعمال والمطالبة بها والسعي للتمكن بها وتحقيقها لكل العمال.

حقوق العمال: 

حقوق العمال هي مجموعة من الحقوق التي تستند إلى الشرعية القانونية والحقوقية سواء الوطنية منها (الدستور والقانون) أو الدولية (مواثيق حقوق الإنسان واتفاقيات العمل الدولية). وهي تتصل بالعلاقات التي تحكم علاقات العمل سواء بين العمال وأصحاب العمل أو العمال والدولة. وتتعلق تلك الحقوق- على وجه العموم- بمفاوضات وضغوط من أجل تحسين الأجور والحوافز، وضمان ظروف عمل آمنة. ويعد الحق في إنشاء النقابات هو أحد أهم هذه الحقوق على الإطلاق. فبالنقابات (الحقيقية) نستطيع من خلال المفاوضة الجماعية وتنظيم الاحتجاجات والضغوط الجماعية زيادة الأجور وتخفيض ساعات العمل وتوفير الضمان الاجتماعي وتحسين ظروف العمل بحيث يراعي جميع اشتراطات السلامة والصحة، بل وتغيير بعض أوضاع العمل الأخرى. فلقد ركزت الحركة العمالية- بعد خبرة تاريخ طويل من النضال والتضحيات- بالأساس على الحق في انتزاع تكوين النقابات والانضمام إليها وتفعيلها للدفاع عن المصالح المشتركة والجماعية للعمال.
وليس من قبيل الصدفة في تاريخ الحركة العمالية على مر التاريخ، أن يكون عمال الزراعة هم أول من ناضل من أجل تأمين مصالحهم المستندة إلى حقوقهم. حيث عبرت “ثورة الفلاحين في إنجلترا” في العصور الوسطى عن المطالبة بأجور أعلى وأوضاع عمل أفضل. وكانت أهم حجج أحد قادة تلك الثورة الفلاح الثائر “جون بول”، مقولته الشهيرة المعبرة عن العدل بين الناس، “عندما خلق اله آدم وحواء، هل كان هناك سادة وعبيد؟ من إذن كان يومها “السيد” ومن كان “العبد”؟.
وتضمن حقوق العمال:
1- الحق في ضمان وصيانة كرامة العمال في علاقات العمل.
2- الحق في اختيار العمل أو قبوله بحرية.
3- الحق في الحصول على أجر كاف من العمل.
4- الحق في العمل لساعات محددة ومقبولة، يتخللها فترات راحة.
5- الحق في المساواة في الأجر، عند تماثل قيمة العمل.
6- الحق في المساواة في المعاملة وعدم التمييز.
7- الحق في ظروف عمل مأمونة وصحية، والعمل في بيئة نظيفة.
8- الحق في تكوين نقابات، والانضمام إليها.
9- الحق في الإضراب عن العمل.
10- حقوق العمال المهاجرين.
11- تقييد عمل الأطفال وحمايتهم.
12- حماية عمل النساء.
13- الحق في التأمين والضمان الاجتماعيين.

الحق في تكوين نقابات، والحق في الانضمام إليها: 

توجد علاقة وثيقة ودائمة بين تمتع العمال بحقوقهم وحرياتهم النقابية، منذ نشأت علاقات العمل المأجور وفي الوقت الذي لم تكن فيه قواعد أو قوانين تضمن سلامة العمال وصحتهم، أو تحدد ساعات عملهم، أو أوقات راحتهم، وعطلاتهم مدفوعة الأجر، أو حقهم في إنشاء منظمات جماعية تدافع عن مصالحهم المشتركة.
ولكن وبفضل كفاح العمال، وأمام تضحياتهم العظيمة وإضراباتهم الكبيرة، قبل أصحاب الأعمال والحكومات هذه الحقوق. وأصبحت حقوقا وحريات معترف بها ومقرة في الأنظمة القانونية المعاصرة. وأصبح حق العمال في حرياتهم النقابية مكفولا وتقره وتحميه عدة اتفاقيات وعهود دولية لعل أهمها:
– اتفاقية الحق النقابي- لعمال الزراعة- (رقم 11) لسنة 1921، والتي أكدت على حق جميع عمال الزراعة (الأجراء الزراعيين، والذين يعملون بالزراعة لدى الغير مقابل جزء من المحصول، والفلاحين المستأجرين والمستغلين للأرض، وغيرهم من الفلاحين)، في كافة الحقوق النقابية للعمال.
– اتفاقية الحق النقابي- في الأراضي غير الحضرية- (رقم 84) لسنة 1947، التي تعالج حقوق التنظيم بصفة عامة، وكذلك المفاوضة الجماعية، وحق التشاور، وآلية تسوية نزاعات العمل في الأراضي غير الحضرية.
– اتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي (رقم 87) لسنة 1948، والتي تهتم بعلاقة العمال بالنقابات من ناحية، وبالحكومات من الناحية الأخرى. وتكفل عدد من الحقوق والمبادئ، أهمها:
• حق العمال في إنشاء ما يختارونه من منظمات، والانضمام إليها. (المادة 2).
• حق منظمات العمال في وضع دساتيرها وأنظمتها، وانتخاب ممثليها، وتنظيم إدارتها وتسيير أنشطتها، وصياغة برامجها، في حرية تامة. (المادة 3/1).
• حماية منظمات العمال من الحل أو وقف العمل. (المادة 4).
• حق منظمات العمال في تكوين اتحادات وتحالفات فيما بينها والانضمام إليها، والانتساب إلى منظمات دولية عمالية. (المادة 5).
• التزام السلطات العامة بالامتناع عن أي تدخل في نقابات العمال. (المادة 3/2)
• التزام الدول بتمكين العمال من ممارسة حقوقهم النقابية في حرية تامة. (المادة 11).
• كما تضمن هذه الاتفاقية السماح للعمال بتشكيل “الروابط” أو “الجمعيات” أو “اللجان” التي تحمي بعض الحقوق العمالية، بخلاف النقابات التي تختص بحقوق وصلاحيات عمالية ونقابية أوسع.
• لا تبيح هذه الاتفاقية للحكومات حظر تكوين النقابات أو انضمام أي من العاملين إليها، سواء من موظفي الخدمة المدنية أو العاملين في المنشآت الإدارية والاقتصادية والخدمية المملوكة للدولة، أو عمال المناطق الاقتصادية الخاصة (الاستثمارية أو الحرة أو الجمركية)، أو في مجالات العمل الزراعي، أو الخدمة المنزلية.
• كما تقر هذه الاتفاقية بحماية القيادات النقابية من العزل، فلا يجوز عزل أو إيقاف القيادات النقابية إلا عن طريق المحاكم وبموجب أحكام ثابتة ونهائية غير قابلة للاستئناف.
– اتفاقية منظمات العمال الزراعيين (رقم 141) لسنة 1975،
وتتناول هذه الاتفاقية تطبيق المبادئ الأساسية للحرية النقابية وحق التنظيم على العمال الزراعيين، وتحث الحكومات على الموافقة على تنفيذ سياسة نشطة لتشجيع منظمات العمال الزراعيين، والتأكيد على ضرورة إزالة العقبات التي تعوق تكوين ونمو ومتابعة أنشطة هذه المنظمات، وإزالة أي تمييز إداري أو تشريعي ضد منظمات العمال الزراعيين وأعضائها. وتتبعها التوصية رقم 149 لسنة 1975، بنفس الشأن.
– إعلان المبادئ والحقوق الأساسية في العمل (1998)،
وهو الإعلان الذي أكد على إلزام جميع الدول الأعضاء في المنظمة الدولية- وإن لم تكن قد صدقت على الاتفاقيات المعنية- بأن تحترم المبادئ المتعلقة بالحقوق الأساسية في العمل والتي تشكل موضوع الاتفاقيات الدولية، وأن تعززها، وتحققها بنية حسنة، ووفقا لما ينص عليه دستور منظمة العمل الدولية، وتتحد المبادئ الأساسية فيما يلي:
1- الحرية النقابية والإقرار الفعلي بحق المفاوضة الجماعية.
2- القضاء على جميع أشكال العمل الجبري أو الإلزامي.
3- القضاء الفعلي على عمل الأطفال.
4- القضاء على التمييز في الاستخدام والمهنة.
كما اتخذت مؤتمرات العمل الدولية بعض القرارات الإرشادية للمشاركين فيها، ومنها ما يتصل بالحريات النقابية، مثل:
– القرار الخاص باستقلال الحركة النقابية، والذي تمت الموافقة عليه سنة 1952، والذي يضع مبادئ واضحة عن ضرورة استقلال منظمات العمال عن الحكومات وعن الأحزاب السياسية، ويؤكد على ضرورة أن تحافظ الحركة النقابية على استقلالها حتى تتمكن من القيام بوظائفها الاقتصادية والاجتماعية.
– القرار الخاص بعلاقة الحقوق النقابية بالحريات العامة، والذي تمت الموافقة عليه سنة 1970، والذي يؤكد على ضرورة استناد الحقوق النقابية على احترام الحريات المدنية، وخاصة تلك الموضحة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويبين أن فقدان الحريات المدنية لا بد أن يؤدي بدوره إلى إهدار الحقوق النقابية، كما يؤكد على أن الحريات العامة ضرورية لكي تمارس النقابات العمالية حقوقها بصورة طبيعية.

– عمال الزراعة في مصر دون نقابات تحمى حقوقهم: 

ظلت تشريعات العمل في مصر لسنوات طويلة تحظر على عمال الزراعة حق الانتظام في نقابات، بل تحرمهم من التمتع بحماية قوانين العمل ذاتها، رغم أن منظمة العمل الدولية ومنذ نشأتها أولت اهتماما خاصا بعمال الزراعة كما أوضحنا سلفا. والحرمان من حق التنظيم في نقابات في مصر، وبعيدا عن شكلية النقابات القائمة وتبعيتها الكاملة للحكومة وموالاتها لأصحاب الأعمال أكثر من العمال، وبعيدا عن المعايير الدقيقة للحرية النقابية، يرجع أحيانا إلى سن العامل، حيث ينص قانون النقابات على: “ألا يقل سن راغب الانضمام للنقابة عن 15 سنة”. وبذلك يحرم من الانتظام في نقابات كل العاملين الذين هم دون سن 15 سنة، رغم أن قانون العمل يقر بعمل الأطفال من سن 14 سنة، ويسمح بتشغيلهم تحت التدريب من سن 12 سنة، كما يستثنى قواعد السن في العمل الموسمي خاصة الزراعي (الحصاد والجني) بقرارات إدارية تسمح بتشغيل الأطفال في الزراعة من سن 12 سنة. ويعني هذا في نهاية المطاف أن الأطفال من سن 12 إلى 15 سنة عليهم واجب العمل القاسي وليس لهم حق الحماية النقابية. بل أن الأطفال بعد بلوغ سن الخامسة عشر وإذا دخلوا النقابة لا يتمتعون بعضوية كاملة، بل بعضوية منقوصة حيث يحرمون من حضور جمعياتها العمومية إلا بعد بلوغه سن 16 سنة، وحتى بعد بلوغ هذه السن لا يعطي للأطفال إلا حق انتخاب السادة مسئولي النقابات، أما أن يحلم بالتواجد في قيادة منظمة نقابية ولو حتى قاعدية فلن يسمح له بالتفكير في هذا إلا بعد بلوغ سن 20 سنة. وإذا ما نظرنا لعمال الزراعة فسندرك كم يعني ذلك من حرمان من الحماية النقابية ومن حق من حقوقهم العمالية والإنسانية.

الحق في ظروف عمل مأمونة وصحية، والعمل في بيئة نظيفة: 

يقتل العمل يوميا حوالي 6000 شخص، أي بمعدل موت عامل كل 15 ثانية بسبب حوادث العمل أو أمراض المهنة. ويتم تسجيل حوالي 2.2 مليون حالة وفاة مرتبطة بالعمل سنويا ونحو 60 مليون حالة مرض بسبب العمل، تعود 400 ألف حالة منها إلى استخدام مواد خطرة في العمل.
والمؤسف أن أشد العمال فقرا هم أقلهم شمولا بالحماية، وفي أغلب الأحيان لا يتمتعون في عملهم بالوقاية من الحوادث والأمراض المهنية، وتنال الأعمال الخطرة من صحتهم ومن إنتاجية أعمالهم، ولم يعد من المقبول- إنسانيا وحقوقيا- أن يجبر العمال الفقراء على الرضوخ لظروف العمل القاسية والصعبة لمجرد أنهم فقراء ومضطرون إلى العمل.
ويعيش غالبية الفقراء ومن يعانون من انعدام الصحة والأمن الغذائي، والذين يبلغ عددهم حوالي 1.5 مليار نسمة على مستوى العالم- في المناطق الريفية وتعتمد سبل معيشتهم على العمل في الزراعة والموارد الإنتاجية المرتكزة على الأرض. ويعد أعمال الحق في ظروف عمل مأمونة وصحية والعمل في بيئة نظيفة، مع تدبير فرص العمل المنتجة واللائقة من العوامل الرئيسية التي تُمكِّن فقراء الريف من الإفلات من الفقر والمرض.
ولقد أثبتت الدراسات المتعلقة بالصحة والسلامة المهنية في بيئات العمل في قطاع الزراعة خطورة تعرض العمال لمخاطر العمل الزراعي التي تؤثر على النمو العقلي والبدني وتزيد معدلات إمراض الأنيميا والتسمم وإمراض المعدة بشكل عام، وذلك لعدم خبرة هؤلاء العمال في التعامل مع هذه المخاطر.
وقد حرصت منظمة العمل الدولية ومنذ إنشائها في سنة 1919 على وضع واعتماد عدد من الاتفاقيات والتوصيات للعناية بقضايا السلامة والصحة المهنية، وهي الاتفاقيات التي تمثل في إجمالها المبادئ والالتزامات التي تؤدي إلى سياسات متماسكة لحماية العمال من مخاطر العمل والأخطار المهنية، وتمثل في ذات الوقت نهجا عمليا لوضع نظم إدارة السلامة والصحة المهنية وتنفيذها وتحسينها بهدف الحد من الإصابات والأضرار الصحية والأمراض والحوادث والوفيات المرتبطة بالعمل. ومن هذه الاتفاقيات:
– الاتفاقية رقم 115 لسنة 1960، بشأن الحماية من الإشعاعات.
– الاتفاقية رقم 129 لسنة 1969، بشأن التفتيش على العمل في الزراعة.
– الاتفاقية رقم 81 لسنة 1974، بشأن التفتيش على العمل.
– الاتفاقية رقم 139 لسنة 1974، بشأن السرطان المهني.
– الاتفاقية رقم 148 لسنة 1977، بشأن بيئة العمل (تلوث الهواء والضوضاء والاهتزازات).
– الاتفاقية رقم 155 لسنة 1981، بشأن السلامة والصحة المهنية.
– الاتفاقية رقم 161 لسنة 1985، بشأن خدمات الصحة المهنية.
– الاتفاقية رقم 184 لسنة 2001، السلامة والصحة المهنية في الزراعة.

أهداف ومعايير السلامة والصحة المهنية: 

– المساهمة في حماية العمال من المخاطر ومنع الإصابات والحوادث والأمراض والأضرار الصحية والوفيات المرتبطة بالعمل (كل أنواع العمل).
– الدفع لإعداد إطار وطني لنظم إدارة السلامة والصحة المهنية، وتدعيمها بالتشريعات الوطنية.
– تقديم إرشادات تسهل العمل على التحسن المستمر في أداء السلامة والصحة المهنيتين.
– التقدم في وضع مبادئ ومعايير الصحة والسلامة المهنيتين في كل الأنظمة طبقا لطبيعة كل نشاط.
الالتزامات الوطنية طبقا لمعايير الحق في العمل المأمون:
1- ضرورة تعيين مؤسسة رسمية مختصة بسياسات العمل الآمن، وبتنفيذها ومتابعتها واستعراضها دوريا.
2- أن تتضمن هذه السياسات المبادئ والإجراءات العامة، التي تهدف إلى:
(أ) تشجيع تنفيذ وتكامل نظم السلامة والصحة المهنية كجزء من الإدارة الشاملة لكل نشاط.
(ب) تحسين إجراءات السلامة وتخطيطها على نحو منتظم على المستوى الوطني ولكل الأنشطة.
(ج) تشجيع مشاركة العمال وممثليهم في كل ما يتعلق بالسلامة والصحة والعمل الآمن.
(د) تقييم وتعميم فعالية الأنظمة وتطبيقها عمليا بوسائل مناسبة وبتوقيتات دورية مناسبة.
(ه) ضمان تطبيق اشتراطات السلامة والصحة المهنية على جميع العمال، الدائمين منهم والمؤقتين، في الأنشطة المنتظمة أو غير المنتظمة.
3- إنشاء إطار وطني لنظم السلامة والصحة المهنية، يهدف إلى:
(أ) تعريف وتحديد مهام ومسئوليات تنفيذ السياسات واتخاذ الترتيبات المناسبة لضمان إعمالها.
(ب) نشر المبادئ التي تتناول تطبيق وتنفيذ نظم السلامة والصحة المهنية.
(ج) ضمان توافر الإرشاد للعمال وأصحاب الأعمال وممثليهم ولإدارات تفتيش العمل والسلامة والصحة المهنية وسائر الدوائر العامة والخاصة والمؤسسات المعنية بالسلامة بما فيها مقدمو الرعاية الصحية، لتشجيع ومساعدة كل الأطراف على تنفيذ مبادئ السلامة والصحة المهنية.
كما تضمنت الاتفاقيات الدولية شروطا أخرى لضمان حصول العمال على حقوقهم في العمل في أماكن تتوافر فيها شروط السلامة والصحة، ومنها ما يلي:
• توفير آلية لتقديم الشكاوى ضد وجود خطورة في ظروف العمل.
• ضمان حق العمّال في الانسحاب من ظروف العمل التي يعتقدون أنها خطرة. (الاتفاقية رقم 155، المادة 13 و 19/ و.
• تخفيض جميع الاحتمالات التي من الممكن أن توجد بها مخاطَرة إلى الحد الأدنى. (الاتفاقية رقم 155، المادة 16، 1/ 2، والتوصية رقم 164، مادة 10/ أ).
• أن يوجد نظام تشريعي لمتابعة تنفيذ الحد الأدنى من الأجور، وساعات العمل، والصحة والسلامة، ويشتمل هذا النظام استخدام عدد كاف من مفتشي العمل وتدريبهم. (الاتفاقية رقم 81، المادة 3، والمادة 10)؛ و(الاتفاقية رقم 131، المادة 5).
• حماية العمّال والنقابات من التصرفات العدائية في حال تقديمهم لشكوى حول ظروف العمل. (الاتفاقية رقم 81، المادة 15/ ج)؛ و(الاتفاقية رقم 158 المادة 5/ ج).
هذا بالإضافة لاستحقاق عمال الزراعة لكل الحقوق الواردة في مواثيق حقوق الإنسان واتفاقيات العمل الدولية وغيرها من حقوق الناس باعتبارات الإنسانية وحقوق العمال.
حيث يعاني عمال الزراعة من ارتفاع معدلات الفقر، وانعدام الأمن الغذائي، ويتعرضون للوفاة والإصابة والمرض. وهم محرمون من حقوق الإنسان الأساسية التي يستحقونها.
وما زالت طبيعة العمل في الإنتاج الزراعي في بلادنا تعتبر عمال الزراعة من العمالة غير المنتظمة (الرسمية)، رغم اتساعها وشمولها لغالبية العاملين بأجر، بل أن عدم اكتمال بنية العمل الاجتماعي في رأس المال الزراعي والأسواق، وعدم توافر المعلومات وإتاحتها، وارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي المنظورة، وعدم سلامة سواق تداول المنتجات الزراعية التكميلية بشكل يتسم بالشفافية (وخصوصاً فيما يتعلق بالأراضي والائتمان والبذور والسماد)، فإن عمال الزراعة لا يتسمون بالتجانس ولا يندرجون ضمن التشكيلة الواسعة من الترتيبات الإدارية والسياسية والتعاقدية. ومن المهم العمل على انتزاع والاعتراف بتشكيلة واسعة من حقوق العمل لعمال الزراعة. ومراعاة أن أحد العوامل المحدِّدة لاستمرار غياب عمال الزراعة في رؤية صانعي السياسات والتشريعات والقرارات على المستويات المحلية والوطنية، بالإضافة لضعف قدراتهم التنظيمية في نقابات وجمعيات وروابط، هو أن جماعات المجتمع المدني التي تعمل مباشرة لصلح عمال الزراعة مازالت لا تحظى بدعم كبير، يمكنها من تقوية قدراتهم الذاتية والتنظيمية وتحسين سبل معيشتهم، فلنعمل سويا على طريق الدفاع عن حقوق عمال الزراعة.