الحقوق البيئية للانسان

بقلم: د. عايد راضي خنفر/ خبير في علوم البيئة

إن البحث في موضوع حق الإنسان في بيئة نظيفة لا يمكن أن يأخذ أبعاده الحقيقية إلا بتناوله ضمن سياقه الطبيعي أي من خلال دراسة العلاقة بين البيئة والسياسة , والنتيجة الطبيعية لتفاعلات السياسة (Politics) والبيئة (Environment) هو ظهور سياسات بيئية (Environmental Policies) ، إنّ مدى فعالية هذه السياسات يرتبط بدرجة النضج السياسي البيئي ودور مؤسسات المجتمع المدني حتى يتسنى لنا معالم التصور الكامل للتعامل مع قضية حقوق الإنسان والبيئة يجب الأخذ بعين الاعتبار توظيف الأربعة مكونات الرئيسية والتي تربط ما بين هذين القطبين :

أولاً : ماهية حقوق الإنسان البيئية:

لقد تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام1948 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي يشكّل أول إجماع أخلاقي دولي حول ما ينبغي للناس توقعه من المجتمع المدني من الحريات المدنية الشخصية وحقوق الإنسان المتراوحة ما بين حرية الكلام إلى الحرية في الحد من التعذيب, وكذلك الحق في الحصول على الصحة والذي يساعد بإيجاد وترسيخ نقاط التقاء بين الحركات البيئية وحركات حقوق الإنسان نظراً للترابط العضوي بين حق الإنسان في بيئة نظيفة وفي تنمية مستدامة وحقه في العلم والغذاء والمأكل ( نتاج عملية التنمية ).

فمنذ عام 1968إلى العام 2002 والذي شهد انعقاد قمة الأرض العالمية الثانية مرورا بقمة الأرض الأولى في العام 1992، أصدرت الهيئة العامة للأمم المتحدة عدة قرارات وإعلانات ركزت على العلاقة بين نوعية البيئة وتمتع الإنسان بحقوقه الأساسية, وقد شكل إعلان استوكهولم لعام 1972 اعترافا واضحا بأنّ عناصر البيئة هي من العوامل الأساسية لرفاه وحياة الإنسان وتلاه إعلان لاهاي ليثبت حق الإنسان في الحياة بكامل متطلباتها من العيش بسلام وحرية، وتتوج هذه القرارات والإعلانات بقرار الهيئة العامة للأمم المتحدة في عام 1990 إلى حق الأفراد في بيئة مناسبة لصحتهم ورفاهيتهم .

ثانيا: تداخلات قضايا البيئة وحقوق الإنسان:

يجسّد مفهوم التنمية المستدامة بانحيازه للعدالة, حقوق الإنسان في بيئة نظيفة لأنه يشكل معياراً تستطيع من خلاله تحديد مدى التقارب ما بين سياسات التنمية والإنسان, يشير المفهوم إلى أن التجاوزات على حقوق الإنسان والبيئة هي محصلة علاقة غير متوازنة بين التنمية والبيئة, فقد أشار تقرير مستقبلنا المشترك في عام 1987 وتبنيه عالمياً في مؤتمر قمة الأرض في عام 1992 والتأكيد عليه من خلال المؤتمرات الدولية المتعاقبة، أعيدت صياغة نظرية التنمية لتنتصر للإنسان الذي أهملته مسارات التنمية بدون حدود لعقود طويلة, فالدعوة إلى تلبية حاجات الأجيال الحالية بدون الأضرار باحتياجات الأجيال القادمة تبرز وتدعم فكرة العدالة مع الحفاظ على محدودية التنمية , ولا ننسى هنا أن عملية المصالحة هذه ما بين التنمية والبيئة تواجه مصاعب جمة لما لها من ترابطات شائكة لكل المجالات المتعلقة بالبيئة من اقتصاد، صحة، تجارة، اجتماع، تعليم .. .

يعود هذا إلى وجود صعوبات تواجه عمليات دمج الإرادة السياسية مع الموارد الاقتصادية والفنية والمعرفة بإدارة الموارد الطبيعية والبيئية والتغيرات في السلوك الاجتماعي لأبناء المجتمع المحلي المعني بالأمر , فالاستجابة للاستحقاقات مفهوم التنمية المستدامة تتطلب إنشاء مؤسسات سياسية لمناقشة الآثار السياسة التنموية مما يساعد على إعادة توزيع مكسبات التنمية بعدالة والتي أدى غيابها سابقاً إلى تدهور في قاعدة الموارد الطبيعية ومعاناة وفقر على مستويات مختلفة , و تحقيق هذا الأمر حتى في دول الشمال ليس بالأمر الهين أو البسيط كما يتصوره البعض نظراً لعدم وجود مؤسسات قادرة على الإيفاء بمستلزمات التنمية المستدامة , تُرى كيف سيكون الحال في الدول النامية!

في ظل هذه المشاكل المتراكمة التي جاءت كنتاج من المفهوم فإن الاقتراح بالانتقال من مرحلة سياسات التنمية غير المستدامة باتجاه تنمية مستدامة يشكل خطوة إيجابية , وما يهم العالم في هذا السياق بحث حقوق الإنسان في بيئة نظيفة هو قدرة خطاب مبادرات التنمية المستدامة على معالجة العلاقات المتبادلة ما بين المجتمعات الإنسانية وسياسات حماية البيئة , وهو ما نجده في الأجندة العالمية 21 والتي تؤكد على مفهوم التنمية المستدامة كخطاب عالمي لتقييم القضايا البيئية أو بمصطلح علمي هي عملية توجيه للسياسات البيئية وذلك من خلال تحديد الهدف الذي ينبغي تحقيقه. إن الهدف من التنمية المستدامة يعتبر محورياً, فكما أشارت وأكدت أدبيات حقوق الإنسان والبيئة إلى حصول تطورات إيجابية في هذا المجال.

ثالثا: انتهاكات حقوق الإنسان البيئية:

كان من أهم مخرجات تداخل السياسة وقضايا البيئة خلال العقود الماضية أنه جرى التوثيق لعدد كبير من حالات انتهاك حقوق الإنسان البيئية في دول مختلفة من العالم , وهذا ما أكدته كل المؤتمرات والإعلانات العالمية بوجود علاقة واضحة بين انتهاك حقوق الإنسان والتدهور البيئي لتدعم موقف منظمة العفو الدولية التي اعتمدت حملات كتابة الرسائل لصالح سجناء الرأي مع منظري حقوق الإنسان البيئية الذين يتبنون الفلسفة القائمة على وجود أعداد كبيرة من السكان مهددون بتدهور قاعدة الموارد الطبيعية وتلوث المياه أكثر ممن هم مهددون بالتعذيب.هذا التوجه يتفق مع دراسة أعدّها مرصد حماية حقوق الإنسان وهيئة الدفاع عن الموارد الطبيعية في واشنطن في عام 1996, تشير الدراسة بوضوح إلى أن حالات انتهاك حقوق الإنسان مرتبطة بالتدهور والتلوث البيئي على المستويين الوطني أو المحلي , هنا يتبادر إلى الذهن سؤال: هذا الحراك السياسي البيئي إلى أين؟

رابعا: مأسسة حقوق الإنسان البيئية:

لقد جاءت فكرة حقوق الإنسان في بيئة نظيفة كرد على مظاهر الظلم البيئي وغياب العدالة البيئية وأساليب التنمية غير المستدامة . إنّ مأسسة حقوق الإنسان البيئية لا يمكن أن تتم إلا من خلال تبني أهداف التنمية المستدامة ممثلة بالمساواة بين الأجيال الحاضرة و أجيال المستقبل .إن عملية مشاركة الجمهور ومؤسسات المجتمع المدني في صناعة القرار التنموي من خلال عملية تقييم الأثر البيئي أحد أهم الآليات باتجاه مأسسة حقوق الإنسان البيئية ليمكن المجتمعات من حماية حقوقها البيئية من خلال إتاحة المعلومات البيئية حول حجم ومدى الضرر البيئي للمشاريع التنموية وتبني مبدأ من يلوث يدفع للحفاظ على حقوق الإنسان وطبيعة بيئته ومواردها من النضوب.
منقول