دعوى سماع الشاهد

تمهيد:

يقتضي حسن سير العدالة التبسيط في اجراءات المحاكمة وفي اصدار الاحكام، ولا بد من اجل ذلك افساح المجال الكافي للمحتاجين لاعداد وسائل الدفاع في القضية والرد على ما يقدم من دفوع، ولكن هذا المبدأ من شأنه ان يؤخر الفصل في النزاع مما يؤدي الى الاضرار بمصالح الخصوم في المسائل التي يقتضي سرعة البت بها، من هنا نشأت فكرة القضاء المستعجل فأوجد المشرع الى جانب القضاء العادي قضاءاً يتصف بسرعة الاجراءات، واناط بهذا القضاء امر الحكم في المسائل المستعجلة التي لا تمس اصل الحق المتنازع عليه .

وقانون اصول المحاكمات المدنية، ومن خلال المادة (32) فقرة (4) قد جاء بفكرة الدعوى الاصلية التي يكون موضوعها سماع شاهد يخشى فوات فرصة الاستشهاد به على موضوع لم يعرض على القضاء ويحتمل عرضه عليه، ووضع شروطاً لذلك، يتعين على مقدم الطلب ان يراعيها عند تقديمه الطلب الى قاضي الامور المستعجلة، وفي هذا الفصل سنبحث تلك الشروط والامور المتعلقة بطلب سماع الشاهد من خلال تقسيم الموضوع الى قسمين:
اولاً: حالات سماع الشهادة في دعوى اصلية .
ثانياً: اصول سمع الشهادة في دعوى اصلية .

اولاً: حالات سماع الشهادة في دعوى اصلية
ان طلب سماع الشاهد الذي يخشى فوات فرصة الاستشهاد به على موضوع لم يعرض بعد على القضاء ويحتمل عرضه عليه، هذا الطلب من الطلبات المستعجلة بنص المادة (32/4) من قانون اصول المحاكمات المدنية، وهو تطبيق لكفاية المصلحة المحتملة في اقامة الدعوى والطلبات امام القضاء عملاً بالمادة (3/2) اصول مدنية التي اجازت الطلب اذا كان الغرض منه الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه.
حيث اجازت المادة (32) اصول مدنية لمن يخشى فوات فرصة الاستشهاد على موضوع لم يعرض بعد على القضاء، ويحتمل عرضه عليه ان يطلب في مواجهة ذوي الشأن سماع ذلك الشاهد بهدف الحفاظ على دليله من الضياع، ويقدم هذا الطلب الى قاضي الامور المستعجلة ويكون مصروفاته على من طلبه ويشترط في ذلك مايلي:
ان تتوافر حالة الضرورة وهي الخشية من فوات فرصة الاستشهاد به، أي ان يكون هناك استعجال، والاستعجال هنا هو خشية فوات فرصة الاستشهاد بالشاهد عندعرض النزاع على القضاء، كما لو كان الشاهد مريضاً مرضاً خطيراً، او مجنداً في الحرب، او مقبلاً على سفر لمدة طويلة او غير ذلك مما يخشى معه فوات فرصة الاستشهاد به، وعنصر الاستعجال هذا تقتضيه القواعد العامة في القضاء المستعجل، فلا بد ان تقوم ضرورة ملجئة تقتضي المبادرة بسماع الشهادة، ومن عناصر هذه الضرورة قيام دليل جدي امام قاضي الامور المستعجلة، من ظاهر المستندات على ان الواقعة المراد الاستشهاد عليها تتصل بموضوع يحتمل عرضه على القضاء الموضوعي.
ان يكون الموضوع المراد اثباته بالشهود، مما يحتمل عرضه على القضاء أي ان نزاعاً قد حصل بين الخصوم، وقد يتطلب هذا النزاع اللجوء الى القضاء .
ان تكون الوقائع المراد اثباتها مما يجوز اثباتها بالشهادة، ويتحقق قاضي الامور المستعجلة من ذلك من ظاهر المستندات، وحكمه على ذلك لا يلزم محكمة الموضوع عند نظر الدعوى الموضوعية، فالمحكمة الموضوع ان تقضي بان الواقعة مما لا يجوز اثباته بالشهادة اوت تقضي برد هذه الشهادة بسبب اخر، فاذا قام نزاع امام قاضي الامور المستعجلة حول جواز اثبات الواقعة بالبينة كان لقاضي الامور المستعجلة ان يبحث هذه المسألة ويقدرها في حدود ماله من سلطة وفقاً للضوابط العامة في القضاء المستعجل، على ان تكون الكلمة النهائية في كل ذلك لمحكمة الموضوع فيما بعد.
واذا كان النزاع معروضاً من السابق على القضاء، فانه يمكن تقديم هذا الطلب لمحكمة الموضوع، اذا رفع اليها تبعاً لدعوى موضوعية مقامة لديها عملاً بالمادة (32) اصول مدنية التي جاء فيها:( على ان هذا لايمنع من اختصاص محكمة الموضوع ايضاً
بهذه المسأئل اذا رفعت لها بطريق التبعية).

وبما انه ليس من وظيفة القضاء جميع الادلة للخصوم، وان جميع الادلة وتقديمها هي من واجب الخصوم وحدهم، اضافة الى ان وظيفة القضاء تخرج عن ذلك، فانه واستثناء على القاعدة العامة ولاعتبارات خاصة تقتضيها العدالة خرج المشرع على هذه القاعدة واجاز في حالات محددة للقضاء المحافظة على الدليل الذي يخشى ضياع فرصة الاستشهاد به لمصلحة الخصوم، ومثال ذلك سماع الشاهد فيجوز لمن يخشى ضياع فرصة الاستشهاد بشاهد على موضوع لم يعرض بعد على القضاء ويحتمل عرضه عليه ان يطلب ذلك الشاهد، فاذا تحققت الضرورة من سماعه بان كان مريضاً بمرض خطير، ويخشى وفاته او كان على وشك سفر طويل، بالاضافة الى احتمال ان تصبح الواقعة موضوع الشهادة محل نزاع امام القضاء كان له ذلك.

وينظم المشرع هذه الدعوى كصورة خاصة من صور الدعاوي المستعجلة وهي تخضع لشروط الدعاوي المستعجلة، ويتحدد شرط الخطر او الاعتداء المحتمل بخشية المدعي فوات فرصة الاستشهاد بشاهد على موضوع لم يعرض بعد على القضاء ويحتمل عرضه عليه، ويجب ان تكون الواقعة التي يراد الاستشهاد عليها، مما يجوز اثباته بالشهادة والا لم تكن هناك مصلحة في الاجراءات المطلوب كما يجب ان يوجد احتمال لوجود الحق.
وينبني على ذلك ان القانون اجاز رفع دعوى اصلية او غير متفرعة من دعوى اخرى منظورة امام القضاء، ويكون الغرض الاصلي منها الوصول الى اثبات اقوال شهود متعلقة بواقعة لم يثير نزاع بشأنها بعد، احتياطاً لنشوء هذا النزاع مستقبلاً، ورغبة في الاستحصال مسبقاً على دليل رسمي على هذه الواقعة خشية تعذر ذلك، اذا مضى على هذه الواقعة وقت طويل تضيع معه فرصة الاستشهاد عليها بشهود.
هذا وقد استحدث قانون المرافعات المصري حكماً للمحافظة على دليل الشهادة من الضياع قبل اوان الاستمساك به، فنص في المادة (222) منه على انه:( يجوز لمن يخشى فوات فرصة الاستشهاد بشاهد على موضوع لم يعرض بعد امام القضاء ويحتمل عرضـه عليه ان يطلب في مواجهة ذوي الشأن سماع ذلــك الشاهد …).والى ذلك ذهب المشرع السوري في المادة (86) من قانون البينات السوري .

ثانياً: اصول سماع الشهادة في دعوى اصلية
يتحدد اختصاص قاضي الامور المستعجلة في المسائل المستعجلة في حدود اختصاص الجهة القضائية التي يتبعها، فلا يجوز له الحكم باتخاذ اجراءات وقتية تتعلق بحق النزاع فيه من اختصاص جهة قضائية غير جهة القضاء العادي، فقاضي الامور المستعجلة يختص في المسائل الوقتية المتعلقة بسائر المنازعات التي تختص بها المحاكم القضائية في تشكيلها المتعلقة بالمواد الحقوقية (المدنية والتجارية).
فمتى كان الطلب المستعجل مقبولاً وصالحاً لرؤيته من قبل قاضي الامور المستعجلة ومتوافرة جميع شروط قبوله، فان القانون قد تطلب ضرورة تقديمه بلائحة تكون مستوفية لجميع بياناتها من اسم المحكمة واسم المستدعي بالكامل ومهنته ووظيفته ومحل عمله وموطنه واسم من يمثله ان وجد، اسم المستدعىضده بالكامل ومهنته ووظيفته ومحل عمله وموطنه واسم من يمثله، موضوع الطلب ووقائعه، توقيع المستدعي او وكيله واخيراً تاريخ تحرير الطلب، ويقدم الطلب بالطرق المعتادة لتقديم الطلبات المستعجلة، ويرفق به الوثائق والمستندات المؤيدة له عملاً بالمادة (33/2) من قانون اصول المحاكمات المدنية ومن ذلك مثلاً تقديم تذكرة سفر للشاهد الذي يعمل بالخارج ويكون قد حضر للزيارة لمدة قصيرة وابراز عقد ورد اسم الشاهد من بين الموقعين عليه وتقديم انذار عدلي يشير لوقوع خلاف بين المستدعي والشخص الذي ستقام الدعوى ضده مستقبلاً .

ومن البديهي ان يرفق باستدعاء الطلب هذا جميع البينات والمستندات المؤيدة له والتي يستند اليها، وقد اجازت المادة (33) من الاصول المدنية للمحكمة او قاضي الامور المستعجلة ان تقرر تكليفه بتقديم كفالة نقدية او مصرفية او عدلية حسبما يحدده قاضي الامور المستعجلة من كفيل مليء تضمن ما قد يلحق بالمستدعىضده في الطلب من عطل او ضرر اذا ظهر ان المستدعي غير محق في طلبه، ولعل الحكمة من طلب الكفالة هي ان المستدعي انما يقدم بيناته ومستنداته والوثائق التي يستند اليها للقاضي الذي يقوم بدوره باصدار القرار حسبما يدل عليه واقع الحال ودون المساس باصل الحق من خلال ما قدم له، وهذا بطبيعة الحال قد يلحق ضرر بالمستدعىضده عطل او ضرر اذا تبين من نتيجة الدعوى ان المستدعي غير محق في طلبه.
واذا تحقق قاضي الامور المستعجلة من استكمال الدعوى لعناصرها وتوافر شروط اختصاصه، فانه يقضي باجابة المدعي الى طلبه، ويصدر الحكم بالموافقة على سماع الشاهد وتحديد جلسة لذلك، وتطبق بشأن سماع الشهادة الاصول المنصوص عليها في المادتين (81و82) اصول مدنية مع مراعاة ان الاصل في ذلك ان تتم تدقيقاً عملاً بالمادة (33/1) من الاصول المدنية، الا اذا رأى قاضي الامور المستعجلة خلاف ذلك، واذا اجيب المدعي الى طلبه بسماع الشاهد الذي يخشى فوات فرصة الاستشهاد به فان مصروفات هذا الشاهد كلها تكون على من طلبه، وهذا مقتضى نهاية الفقرة الرابعة من المادة (32/1) اصول مدنية حيث جاء فيها(وتكون مصروفاته على من طلبه).
وجعلت المادة (60) لزاماً على القاضي ان يعين جلسة المحاكمة للنظر في الدعوى المستعجلة فور قيدها في سجل الدعاوي، وقررت ايضاً ان الدعاوي المستعجلة تعتبر غير خاضعة لتبادل اللوائح الواجب في الدعاوي العادية، حيث يكون ذلك بقرار يصدر رئيس المحكمة في ذيل لائحة الدعوى، وجعلت المادة (61) من الاصول ميعاد الحضور في الدعاوي المستعجلة اربع وعشرون ساعة، حيث اجازت وفي حالات يقدرها قاضي الامور المستعجلة انقاص هذا الميعاد الى ساعة واحدة، ولكن بشرط تبليغ المدعىعليه نفسه، وذلك بموجب قرار من القاضي على انه لا يترتب البطلان على عدم مراعاة ميعاد الحضور الاصلي في الدعاوي المستعجلة، وذلك بغير اخلال بحق المدعىعليه في التأجيل لاستكمال الميعاد، اذ ان ميعاد الحضور هو حق مقرر لمصلحة المدعى عليه.
واذا توافرت شروط هذه الدعوى حكم قاضي الامور المستعجلة بسماع الشاهد واثبت شهادته في محضر المحاكمة، وتتبع في سماع الشهادة القواعد المقررة للاثبات بالبينة، وانما لا يجوز للخصم الاخر طلب سماع شهود نفي لمصلحته امام قاضي الامور المستعجلة وانما يكون له ذلك امام محكمة الموضوع، وللخصم ان يثير امام محكمة الموضوع النزاع في جواز الاثبات بالبينة فاذا قضت المحكمة بعدم جواز الاثبات بشهادة الشهود امتنع على خصمه الاستناد الى محضر المحاكمة الذي اثبت فيه قاضي الامور المستعجلة الشهادة ولذلك نص قانون المرافعات الكويتي وفي المادة (117) منه على انه لا يجوز تسليم صورة من محضر المحاكمة الا بناءً على امر من محكمة الموضوع، والى ذلك ذهب كل من التشريع السوري في المادة (87) من قانون البينات والتشريع المصري في المادة (223) من قانون المرافعات، وذلك محافظة على الدليل خشية ضياعه .
والقرار الذي يصدر عن قاضي الامور المستعجلة، كاستنثاء على الاصل العام الذي يقضي بعدم اجازة الطعن في الاحكام التي تصدر ولا تنتهي بها الخصومة الا بعد صدور الحكم المنهي للخصومة كلها، قد اجاز القانون ومن خلال المادة (170) من الاصول المدنية استئنافه لدى محكمة الاستئناف، كما اجازت المادة (76/2) من ذات القانون استئناف الاحكام الصادرة في المواد المستعجلة اياً كانت المحكمة التي اصدرتها، حيث ابانت ان القرار الصادر عن محكمة الاستئناف نتيجة الاستئناف هو قرار لا يقبل أي طريق من طرق الطعن، وقد حددت المادة (178) من ذات القانون ميعاد الاستئناف في المسائل المستعجلة بعشرة ايام، على انه متى صدر قرار بقبول الطلب المقدم من المستدعي في المسائل المستعجلة، فان هذا القرار يكون على ذمة الدعوى الموضوعية موضوع اصل الحق ولحين الفصل فيها.

المحامي فايز كناكريه