حقوق المتهم … بين المباحث و محراب العدالة

يعتبر حق المتهم في الدفاع عن نفسه في الشريعة الإسلامية من أهم أسس إقامة العدل في أي مجتمع من المجتمعات، لأنه من أهم حقوق الإنسان المستمدة من الله سبحانه وتعالى، فقد قصر الله تعالى الحكم على نفسه: «إن الحكم إلا لله». والربط بين العدالة الإلهية والحق يدفع الإنسان إلى المطالبة بحقوقه بكل إصرار وقوة وتحدٍ، لأنه ببساطة أمر من الخالق إلى المخلوق، لذلك فهو ينطوي في إطار الواجبات لا الحقوق.

ومن بواعث الاستقرار في أي مجتمع إحساس المرء بأنه في حصانة حقيقية من أي حيف أمام أي جهة من جهات التحقيق، وأن الاتهامات المسندة إليه يجب ألا تصدق للوهلة الأولى عند فتح باب التحقيق، بل يجب أن تمحص جيداً، وتُتاح له فرصة حقيقية للدفاع عن نفسه حتى لا يعاقب أي بريء بتهم قد يلصقها به خصم كائد أو ضابط مباحث يبحث عن الشهرة في صفحات الجرائد. ومما يؤكد ضمان حق المتهم في الدفاع عن نفسه بنفسه أن الشريعة الإسلامية منحته حق الرجوع عن إقراره في أي وقت.

دعونا نطرح بعض الأمثلة الحية ونترك لكم الإجابة، إن كان المتهم قد منح حق الدفاع عن نفسه من عدمه، فعندما يتم القبض على المتهم من قبل المباحث ويستمر التحقيق معه بصورة متواصلة ليومين أو لثلاثة أيام، ويتم استعمال وسائل متعددة لإرغامه على الاعتراف كحرمانه من النوم أو أخذ قسط من الراحة أو إجباره على الوقوف على رجل واحدة أو أكثر من ذلك بكثير، أو استعمال وسائل وطرق أخرى لا يستطيع الطب الشرعي اكتشافها، وبعد اعتراف المتهم بالتهمة سواء كان قد ارتكبها أو لم يرتكبها يتم نقله من قبل رجال المباحث إلى النيابة ليلاً للتحقيق معه للمرة الأولى حيث تدخل به سيارة المباحث إلى سرداب قصر العدل المظلم، وربما يكون معصوب العينين، ومن ثم يتم استغلال مصعد السرداب إلى حيث مكتب وكيل النيابة، ويدخل المتهم إلى غرفة وكيل النيابة، وهو في حال إعياء وتعب، بينما ينتظره رجال المباحث خارج المكتب، وبعد سماع أقواله يعود مجدداً إلى نظارة المباحث برفقة رجال المباحث، فماذا عساه أن يذكر في النيابة – من دون وجود محاميه – سوى تكرار الاعترافات التي أُمليت عليه من قبل المباحث بالإكراه، وحتى لو عرفه وكيل النيابة بنفسه فماذا عسى المتهم أن يقول ورجال المباحث خارج الغرفة ينتظرونه ويتوعدونه، لأنه سيعود معهم مجدداً إلى زنزانتهم، ومن دون وجود محاميه أو حتى السماح له بالاتصال به؟
أما المثال الآخر فعندما يستدعي ضابط المباحث شهود الإثبات للشهادة ضد المتهم أمام وكيل النيابة يقوم أولاً باحتجاز جوازات سفرهم في المخفر إذا كانوا غير كويتيين إلى أن يتوجهوا إلى وكيل النيابة والإدلاء بشهاداتهم، وبعد الإدلاء بالشهادة يعودون إليه ويبلغونه بما أدلوا به من شهادة ليسلمهم جوازات سفرهم، بل بعضهم يتصل به هاتفياً فور خروجه من غرفة وكيل النيابة.
لقد نصت الشريعة الاسلامية منذ أربعة عشر قرناً، ومن بعدها القوانين الوضعية بعدم جواز إكراه المتهم أثناء استجوابه، مهما كانت جريمته لحمله على الاعتراف. وإذا ما اعترف مكرهاً فلا يعتد بهذا الاعتراف ولا يعول عليه، لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». بل ولا يجوز بأي حال من الأحوال التأثير عليه أثناء استجوابه بأي مؤثر يؤثر على إرادته ويكرهه على الاعتراف، سواء كان هذا التأثير معنوياً أو مادياً أو جسدياً أو نفسياً أو من خلال أجهزة وطرق حديثة.

ملحوظة:

عندما بعث الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى اليمن قاضياً، قال له علي: «يا رسول الله تُرسلني وأنا حديث السن، ولا علم لي بالقضاء». فقال له الرسول الكريم: «إن الله سيهدي قلبك ويُثبت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر، كما سمعت من الأول، أحرى أن يتبين لك القضاء».