إشكالية العلاقة
بين
الإسلام والديمقراطية

باسل عبد المحسن القاضي

اشكالية العلاقة بين الواقع والنظرية

لعل مسألة العلاقة بين الإسلام والديمقراطية قد حظيت باهتمام كبير لا نجده كثيرا في أي مفهومين آخرين عدا مفهوم المعاصرة والأصالة الذي تنبع عنهما هذه الإشكالية ذاتها والتناقض والاتفاق المتولد عنها.

ونظرا لتشابك الآراء وتعددها وتنوعها والاجتهادات الكثيرة المنبثقة فيها سواء بالتأييد او المعارضة لذا كان علينا إذا أردنا ان نفهم حقيقة هذه العلاقة والإشكالية ان ننطلق من موقف حيادي في عرض وجهات النظر بدقة كافية، ومن ثم تحديد الأخطاء التي وقع ويقع فيها كثير من الباحثين الذين تعرضوا لهذه الإشكالية بسبب الموقف الدوجماطيقي او الإيماني السابق على الدراسة ،

وخاصة حينما تحكم هذه الدراسة الموقف السابق عليها حتى ان الموقف منها يأتي وكأنما هو مصادرة على المطلوب من البحث التأصيلي او كموقف ميكانيكي تنسحب فيه وجهات نظر جاهزة منطلقة من موقف أيدلوجي تحكمه أساسيات غير مبرهن عليها إلا بطريقة قياسية فقهية او أحاديث وآيات يمكن صرفها إلى اكثر من نتيجة مختلفة ،

كل هذا يدعونا ونحن نحاول تأصيل الموقف علميا وفكريا وفلسفيا أن ندخل إلى هذا الوسط المتناقض دخولا هادئا وحياديا آخذين بنظر الاعتبار الأخطاء المنطقية والمزالق الفكرية التي وقع فيها غيرنا ،وهذا يجعلنا نحدد النظرة الابستولوجية التي ستحكم المنطق العقلي ونسبية الأحكام التي تفرزها هذه النظرة ،

لذا سيكون طرحنا لها على وجهين
الأول الإشكالية النظرية والفكرية لهذه العلاقة بين الديمقراطية والإسلام والثاني الإشكالية الواقعية والتطبيقية على المستوى العربي والإسلامي.

1—الإشكالية النظرية والفكرية :
لو بدأنا هذا الطرح بالبديهيات العلمية المحددة للابستمولوجيا وما تفرضه على الأحكام ، فإننا سنجد ان هناك محددا فكريا لهذا الطرح يستند إلى ان أي موقف تقويمي يصدر الأحكام فإنه يجب أن لا يغفل المصادرة على المطلوب التي يقفها العقل الإنساني تجاه أي حكم او قرار ، هذه المصادرة تقول بأن مجرد تحديد موقع (الحاكم )العقلي يفرض (سلب ) حيادية إصدار الأحكام ،فكما هو الحال في الفيزياء النسبية وكما تحدث انشتاين في نظريته

حيث نجد ان (موقع) المراقب يؤثر تأثيرا كبيرا على مجموعة الأحكام التي يصدرها تجاه أي حركة او سرعة او زمن في الكون كله ، وهذا (الموقع) الفيزيائي –الزمكاني- للمراقب يتحكم ويتأثر بكل أحكامه تجاه هذه القضايا مما وصم جميع الأحكام الفيزيائية في الكون بوصمة النسبية ، فاليمين واليسار والشمال والجنوب كمحددات مكانية تؤثر على الأحكام ، كما ان سرعة المراقب مع أو ضد اتجاه أي حركة سيؤثر على الحكم والقرار الذي يصدره هذا المراقب ، وحتى سرعة الضوء التي هي المطلق الوحيد في نسبية انشتاين نراها اليوم تخضع لهذه النسبية بعد ان أثير مسالة احتمال وجود سرعة تتجاوز سرعة الضوء.

إذن فأي حكم فيزيائي ليس له صحة إلا بالنسبة لمراقب ولما كان الكون كله بما فيه المراقب هو في حركة دائمة متفقة او مختلفة مع المراقب وبالنسبة له، إذن فجميع الأحكام نسبية بحكم الواقع مهما كانت دقة الرصد الفيزيائي التجريبي والحساب الرياضي المستعمل في التجربة .

وعلى مستوى الابستمولوجيا فان القصدية الفينومينولوجية للوعي –كما تحدث عنه هوسرل-تتحكم وتؤثر على أي حكم عقلي على الأشياء ، وإذا كانت قصدية الوعي مسلمة سيكولوجية –معرفية تكاد تصل إلى مستوى التعبير الفسيولوجي او الآليات الفسيولوجية ،فإن دور الإرادة النفسية لا يمكن إغفاله في طلب أي حكم عقلي على الأشياء .

أن هذه النسبية تظهر شد ما تظهر حينما تصدر أحكامها على شيئين مختلفين بغرض الجمع بينهما او الفصل بينهما حد التناقض ، كما أنها تظهر اكثر حينما تصدر أحكامها اعتمادا على مرجعيات عقائدية سابقة على وجود المسألة المطروحة ذاتها ، وهكذا نجد ان هذه النسبية تظهر في الحكم على يسار ويمين ويمين الوسط …الخ ، ان الحكم على اية مسألة اجتماعية او سيكولوجية او عقلية يتأثر في كل هذا أكثر من تأثره في المجال العلمي الطبيعي لوجود نفسية بشرية تميل وتتفاعل معه هذه الاتجاهات ذات الطابع الإنساني.

إننا إذا سلمنا بهذه البديهيات ندخل مجال الإشكالية النظرية بين الإسلام والديمقراطية دخولا أمينا بنسبة كبيرة بعد ان أخذنا الاحتياطات اللازمة لذلك قدر الإمكان فكيف يمكن عرض هذه الإشكالية النظرية والفكرية ؟

الاسلام والديمقراطية –تعددية المنظور:
لعل الدراسة التي قدمها الأستاذ عاطف احمد والمنشورة على الإنترنت بعنوان _الإسلام والديمقراطية تعددية المنظور خير مثال لنا لإيضاح ما يمكن ان تعطيه المنظورات المختلفة لهذه العلاقة من أحكام مختلفة فالأستاذ عاطف احمد يستخدم أربع زوايا للنظر إلى هذه العلاقة هي منظور النص الديني التي يعتمد فيها على النصوص الدينية لإصدار الأحكام على هذه العلاقة، ثم المنظور الأيدلوجي الذي يتجاوز النصوص الدينية إلى معطيات الأيدلوجيا ويجعل النص الديني يقول ما تريد الأيدلوجيا قوله ، ثم منظور التاريخ الإسلامي الذي هو التاريخ الواقعي المعبر عن هذه العلاقة عبر الحكم الإسلامي ،

وأخيرا منظور الاستدلال المنطقي-العقائدي والذي فيه يخضح الحكم للمقدمات المنطقية التي تحكم النتيجة حتى أنها يمكن أن تعطي حكمين متناقضين باختلاف مقدمة كل منهما فكيف استخدم الكاتب هذه المنظورات وما هو الحكم الذي توصل إليه في كل منهما؟

يبدأ الكاتب بالحديث عن انه سيجاوب على سؤالين باعتبارات مختلفة، هذان السؤالان هما :الأول هو هل هناك مواصفات دينية للديمقراطية ؟ والثاني هو كيف يمكن تطبيق الديمقراطية في مجتمع تدين غالبيته بالإسلام ؟

يقول الكاتب(إن السؤال الأول ينطوي على فرضية مسبقة هي ان ثمة ما يمكن تسميته بديمقراطية دينية ثم التساؤل عن المواصفات التي تتطلبها بينما يرى البعض وهو ليس بالقليل ان الديمقراطية –بصيغتها المعاصرة-هي منظومة سياسية حداثية ليس باستطاعتنا رصدها على النحو الراهن في أي فكر سابق على الحداثة ،

اما السؤال الثاني فإجابته تتطلب إما إثبات وجود الديمقراطية في الإسلام واما الفصل بين الدين والسياسة على النحو الذي نراه في الدولة الحديثة والسؤالان معا يستدعيان اذن تحديد العلاقة بين الإسلام والديمقراطية الأمر الذي يطرح بدوره سؤالا مركزيا هو :

أي إسلام نعني او بتعبير أدق من خلال أي منظور نتعامل مع الإسلام ؟هل من خلال القراءة الملتزمة للنص الديني ام من خلال الاستدلال المنطقي ؟ أمن معتقد معين أم من خلال التاريخ الواقعي للإسلام ؟ أم من خلال منظور مستمد من أيدلوجية معينة ؟فهناك على الأقل منظورات أربع تنبي ما قد يترتب عليها من رؤية ديمقراطية ) وهكذا تأخذ الأحكام نسبيتها الحقيقية او حقيقتها النسبية والتي نراها تتعدد حسب زاوية النظر التي يصدر الأحكام القيمية عليها فكيف فعل الكاتب هذا؟

المنظور الديني:-يبدأ الأستاذ عاطف بمنظور النص الديني مشيرا بان النص القرآني يتحمل اوجه متعددة من التفسيرات الواسعة المحتملة مما يجعله متاحا أمام أي باحث يستخدمه لخدمة فرضه مما يجعله أحيانا يجتزئ النص من سياقه ويتعسف في تأويله أما الكاتب فيعرف المنظور الديني الذي يقصده بقوله(ذلك المنظور الذي يستكشف كافة النصوص الواردة في القرآن المتعلقة بموضوع البحث ثم يلتزم في فهمها ببنيتها اللغوية من ناحية وبالسياق اللغوي العام وسياق الوقائع المرتبطة بتلك النصوص من ناحية أخرى ليخرج في النهاية بتفسير موضوعي قدر الإمكان لا يتأثر كثيرا بموقفه او اتجاهه الفكري المسبق ) ،

وهكذا يبدأ تطبيق هذه المعطيات على الموضوع فماذا وجد؟ يقول (فعلى سبيل المثال هناك نصوص تستخدم كثيرا لتبرير القول باحتواء الإسلام على المنظومة الديمقراطية وهي نصوص تتعلق عادة بمفهوم الشورى ومفهوم البيعة ومفهوم الاستخلاف وقيم الكرامة والعدل ، رغم علمهم ان للشورى حتى في حالة اعتبارها نظاما سياسيا مواصفات خاصة ليس بمقدورنا إذا أردنا ان نكون موضوعيين ان نتجاهلها هي :

أولا أنها عمل يصدر عن الحاكم او صانع القرار وأنها اختيارية في إجرائها استشارية في نتيجتها ، وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله ،

وثانيا :أنها منظومة قبلية سابقة على الإسلام تعبر عن متطلبات الحياة في جماعات (واقع تاريخي)

وثالثا :أن هناك مفهوما ورد به نص ديني قد يجعل المسألة أكثر تعقيدا مما تبدو وهو مفهوم طاعة أولى الأمر (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولياء الأمر منكم –النساء 59)فأيا كان تفسير عبارة أولي الأمر فإن مفهوم الطاعة في حد ذاته لا يستقيم مع مبدأ المشاركة في صنع القرار السياسي ومساءلة السلطة ومراقبتها وسحب الثقة منها والذي هو جوهر العملية الديمقراطية) وهكذا يتحول مفهوم الشورى إلى نسبيته التاريخية والمفهومية تجاه مفهوم الديمقراطية من خلال هذه المحددات للمفهوم وللممارسة التاريخية له.

 

أما بالنسبة لمفهوم البيعة الذي يعرفه الأستاذ عاطف بأنه(اتفاق او عهد يجري بين طرفين ويلتزم كل منهما بالتزام ما تجاه الآخر) ويستشهد في بيعة العقبة الأولى (حيث دخل بعض الاوس والخزرج في الإسلام والثانية التي هي معاهدة بين الاوس والخزرج والنبي صلى الله عليه وسلم هدفها حماية النبي مقابل انتمائه لهم ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة –الفتح-18-19) وفي التوبة (ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم –مبايعة من الله ) وهذه البيعات لم تكن من البيعات التي تكون لرؤساء الدول إذ لم يكن من شأن النبي صلى الله عليه وسلم أن يصدر قرارات إلا ما أذن الله له من بيان وتوضيح للناس وبذلك يمكن القول ان الإسلام الدولة قد نشأ بعد ان انتهى أمر النبوة والرسالة .

وبعد ان يلاحظ الكاتب ان بيعة اجتماع بني ساعدة لم تكن دينية بأي حال حيث وصل فيها الجهاد إلى امتشاق السيوف وكانت الممايزة فيها على أسس دنيوية بحتة يبين أحقية المهاجرين قريش والأنصار حتى قال عمر كلمته الشهيرة : من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته ،وقال أحد الأنصار موافقا :ألا ان محمدا من قريش وقومه أحق به وأولى .

ويصل الكاتب إلى القول بان كل تلك الأمور هي خارج النص الديني الأساسي (القرآن) وبالتالي فيمكن تحديد مجمل خصائص البيعة في أنها إقرار بالسلطة بما يعني –وقتها-ان الذي يبايع لن يعلن الحرب على من يأخذ البيعة وهو أمر شديد الأهمية في مجتمع تقوم الشرعية فيه على القوة القبائلية او العشائرية قبل كل شيء والبيعة بهذه الصفة من الصعب إيجاد صلة قوية بينها وبين عملية الانتخاب العام من خلال الاقتراع السري المباشر الذي يشارك فيه جميع الأفراد الراشدين العاقلين.

وحينما يناقش الكاتب مسألة الاستخلاف يرفض التفسيرات القائلة بأن نزول آدم عليه السلام إلى الأرض ما كان لخلافة الله بل كان عقوبة على خطيئة، وخلافة داود عليه السلام يمكن فهمها على أنها الملك بينما خلافة المؤمنين تأتي هنا بمعنى الفوز في نهاية الأمر ويستنتج انه( في كل الحالات فما دام الهدف من خلق البشر جميعا هو عبادة الله وفقا للنص القرآني الصريح فالخلافة هنا من الصعب فهمها على انه السيادة المطلقة بل هي نوع من التفويض المشروط بتنفيذ التعاليم الإلهية ) .

أما بالنسبة لقيم الكرامة والعدل فيعترف الباحث بان هناك نصوصا عديدة في القرآن تتحدث عن الأمر بالعدل والإحسان –النحل –90)وعن الحكم بين الناس بالعدل –النساء-58) وعن الأمر بالقسط بين الناس –ال عمران –21) وعن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بان يعدل بينهم –الشورى –15) وعن القوامة بالقسط ولو على أنفسكم –النساء-13) وكذلك عن الكرامة إلا انه يضيف ( لكن المشكلة هنا هي كيف يمكن الاستدلال على الديمقراطية من خلال قيم العدل والكرامة دون ان نتجاوز النصوص ومعانيها وسياقاتها).

وتظهر نسبية الأحكام اكثر –في علاقة الديمقراطية بالإسلام –حينما يصل الباحث إلى منظور الاستدلال المنطقي العقائدي فكيف ذلك؟

منظور الاستدلال المنطقي –العقائدي:
هنا تختلف الأحكام والنتائج باختلاف المقدمات الاعتقادية المختارة فمرة يكون هناك اتفاق بين الديمقراطية والإسلام ومرة يكون اختلاف حد التناقض ، فإذا كانت المقدمة الاعتقادية هي : ان الله هو الخالق العادل فمنهج الاستدلال يمكن ان يجري على النحو التالي :
الله خالق كل شيء –الله عادل فيما خلق
عدل الله في خلقه من البشر يقتضي ان يكون
كل البشر متساويين في الحقوق والواجبات
وكل البشر أحرار في فكرهم وسلوكهم حتى يمكن محاسبتهم على أفعالهم ،وإذن فالمجتمع يتكون من أفراد متساوين جميعا وأحرار يملكون القدرة على اختيار ما يفعلون وعلى ذلك فالسلطة في مثل هذا المجتمع يجب ان يتقاسمها الجميع أي ان يشارك الجميع في صياغة القرار السياسي بمختلف مستوياته بما في ذلك الأشكال المؤسسية المنظمة لهذه المشاركة والإجراءات العملية التي تتطلبها مثل الانتخابات وفصل السلطات وتداول السلطة وهذه هي مكونات الديمقراطية .

أما إذا كانت المقدمات الاعتقادية مثلا هي علم الله بمصلحة البشر الذي يتمثل في الشريعة فيمكن ان يجري الاستدلال كما يلي :

الله عالم بما فيه مصلحة البشر
الله وضع في الشريعة كل ما يحتاجه البشر
إذن على الإنسان ان يطيع أوامر الله كما يحددها أهل العلم المتخصصين في الدين ، حكم الشريعة يجب ان يسود وعلى الأفراد الطاعة (حكم ثيوقراطي مناف للديمقراطية)
وهكذا يمكن للاستدلال المنطقي الاعتقادي ان يصل بنا إلى نتيجتين مختلفتين وفقا لمضمون المقدمة الاعتقادية المختارة .

المنظور التاريخي :
أما المنظور التاريخي فان الباحث يتحدث عن التطبيق الإسلامي الحقيقي للإسلام عبر التاريخ الطويل له، حيث يجد الباحث ان هناك فترة وجيزة من التاريخ الإسلامي لا تزيد عن ربع قرن من مجموع أربعة عشر قرنا هي عمر الإسلام هي التي طبق الإسلام فيها تطبيقا جعلها فترة مقدسة وهي التي تنحصر في القرن الأول الهجري ثم فترة من القرن الرابع الهجري الذي شهد حركة فكرية وعلمية متفردة والتي كانت فترة الازدهار الحضاري التي أثرت في أوربا واستمدت منها حضارتها الراهنة ،

ويرى الباحث ان هاتين الفترتين اعتبرتا ممثلتان للإسلام بينما يعتبر باقي التاريخ انحرافا عن الإسلام الحقيقي، وهو يرى ان هذا الحكم ينطوي على تحيز أيدلوجي واضح وقد تتناقض بعض فرضياته مع الوقائع التراثية التي وردت في كتابات القدماء خاصة ،

ويرفض التسليم بداهة بأن الإسلام دين ودولة بناء على تأسيس النبي صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام الأولى ويقول بأن دمج السلطة الزمنية والدينية في السلطة السياسية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قد يكون هو الأصل للمقولة التي شاعت في العصر الحديث من أن الإسلام دين ودولة وهي مقولة –كما يقول-تتسم رغم شيوعها بالالتباس الشديد لأنها لا توضح ما إذا كانت التشريعات الدنيوية –المعاملات- في الإسلام هي ذاتها دينا مقدسا وثابتا وملزما أم أنها دنيوية بحتة متغيرة وفقا لشروط الزمان والمكان ،

وفي هذه الحالة هل تعني تلك المقولة إن الإسلام يتضمن الدين كما يتضمن شيئا آخر غير الدين هو الدولة ، أم أن الدولة رغم أنها دنيوية بحتة تظل داخل إطار الدين رغم أننا نحن البشر من ننشئ هذه الدولة وننظمها ونشرع لها ونديرها؟

المنظور الايدلوجي:
أخيرا نأتي إلى المنظور الأيدلوجي والذي يعني معالجة النص من منظور غير ديني مستمد من تصورات ومفاهيم ورؤية فردية للعالم والحياة بحيث يرى في النص ما يعتقده هو لا ما يقوله النص، فبينما يفترض أن التفسير والتأويل كليهما يلتزمان بضوابط لغوية ومنهجية معينة فإننا نجد أن القراءة الأيدلوجية تعفي نفسها من تلك الضوابط وتستنطق مفردات النص –طوعا أو كرها-بمفرداتها هي ويمكن –كما يقول الباحث-تصور خطوات القراءة الأيدلوجية على النحو التالي :

1-تبني منظومة معينة من التصورات والمعتقدات تنشأ –عادة –بعيدا عن التعامل مع النص الديني ، أي في سياق معرفي وثقافي واجتماعي ينتمي لعصر مغاير تماما لزمن ورود النص.

2-توظيف تلك المنظومة في تكوين تصور معين للمسألة الدينية ولما يجب أن يكون عليه النص الديني أي ما يجب أن يحتويه من مبادئ وحقائق ونظم في مختلف المجالات .

3-البحث عما يؤيد ذلك التصور فيما ورد في النص الديني من كلمات أو عبارات أو إشارات هنا وهناك وفصلها عن سياقها اللغوي والوقائعي حتى يمكن تحميلها بالمعنى المراد الوصول إليه ،

وقد يكون ذلك المنظور ليبراليا مثلما نجد في مدرسة محمد عبده وامتداداته الفكرية وقد يكون اشتراكيا مثلما كان لدى عمار اوزيجان الجزائري في الجهاد الأفضل ولدى سلمان غانم الكويتي المعاصر ولدى جمال البنا في كتاباته العديدة وقد يكون أصوليا يتبنى مبدأ الحاكمية لله ويستبعد تماما من أي عملية تشريعية ويضع التشريع الإلهي في مواجهة التشريع الوضعي واخيرا قد يكون علمانيا مثلما نجد أيضا في بعض مواقف المفكرين وفي تيار الإسلام النقدي الذي يمثله في الفكر المعاصر اركون وخليل عبد الكريم ونصر أبو زيد وغيرهم ، وفي كل حالة من تلك الحالات نجد أن الإسلام يتغير مضمونه وفقا لنوع الأيدلوجيا التي يتبناها الباحث ويتغير بالتالي الموقف مما إذا كان الإسلام يتوافق مع الديمقراطية أو يتنافى معها ,

هكذا نجد أن طبيعة المنظور المستخدم تنعكس على طبيعة الحكم الناتج عنه ومن هنا كان تعدد الاجتهادات في الديمقراطية والإسلام حتى وجدنا من يحرمها ويعتبرها كفرا واضحا وصريحا ويصف من يدعو إليها بالكافر اعتمادا على مقدمات في الفكر الإسلامي وآخر يعتبرها هي الصورة المتطورة من نظام الشورى الإسلامي حتى أطلقوا مصطلح الشورىقراطية وهناك من يصف القائلين باختلاف الديمقراطية عن الإسلام بأنه لم يفهم الإسلام ولا الديمقراطية على حد سواء وحتى على مستوى الكتابات الغربية نجد من يعتقد أن الإسلام دين ديمقراطي وهناك فعلا ما يمكن أن نسميه الديمقراطية الإسلامية ويستشهد عليها بالنصوص والتاريخ ومنهم من يعتبر الإسلام دين ثيوقراطي حاكميته مطلقة ذات طابع الهي .

وهكذا تتعدد الاجتهادات حتى يمكن القول إن تعدد وجهات النظر تصل إلى حد التعدد الفقهي ذاته بل والى الطوائف الإسلامية وتعددها واجتهاداتها بل نجد الاختلاف أحيانا حتى في المذهب الواحد ففيهم مؤيد وفيهم معارض والبعض يعترض على الديمقراطية بمجرد ذكرها كمصطلح غربي .

الحرية وسط التجانس بين الديمقراطية والإسلام:
حينما ننطلق من مفردة الحرية في الإسلام كأساس للحديث عن قرب الإسلام وبعده عن الديمقراطية وباعتبارها المضمون الحقيقي لممارسة الديمقراطية سواء على المستوى الفردي أو الجماعي وصولا إلى حرية اختيار نظام الحكم ومن ثم باعتبار الديمقراطية في أساس نشأتها كانت على أساس الحقوق الطبيعية للإنسان فماذا نجد ؟

في دراسة للدكتور عادل العوا عن الحرية في أصولها الإسلامية ينطلق من تأكيد الإسلام على الحرية باعتبارها فطرة فطر الله الناس عليها سواء من باب العدالة الإلهية على البشر أو من باب أن الله أعطى الإنسان قدرة للاختيار إن شاء عمل خيرا أو عمل شرا ،

أي إن حق الاختيار متاح للإنسان بمجرد وجوده وما دام الإسلام يعترف بان الإنسان له قدرة الاختيار فقد سلم بأول مفردة من مفردات الاختيار الإنساني وقد أعطاه الله سبحانه وتعالى عقلا قادرا على أن يكون مرجعية أولية للتفضيل بين طريق وطريق عبر المعرفة والمنطق الذي له ، إذن في البدء كانت الحرية ثم كان العقل والمعرفة أدوات تغذية هذا الاختيار بما يصلحه أو يقومه على الطريق المطلوب ، وهكذا نرى أن الإسلام ينطلق من حق طبيعي للإنسان يسبق به أي اختيار ديني أو فكري أو سياسي …الخ ولا نجد في أي آية في القرآن أو حديث شريف ما يعارض هذا بل كل الآيات والأحاديث تؤيد هذه الحقيقة وتؤكدها .

هكذا نجد أن الحرية تسبق الإسلام في الإنسان وبالتالي فاختيار الإسلام كعقيدة يأتي لاحقا لوجود هذه الحرية ، بل إن الاختيار الإنساني الأول بعد خلق الإنسان الأول آدم عليه السلام كان العصيان لما أمر به ، وعصيان آدم عليه السلام لربه جاء بعد إعطائه الحرية ومنظومة المعلومات حول الشيطان وعداوته للإنسان فلما اختار العصيان لم يكن إلا مختارا وقادرا على تأكيد هذه الحقيقة والقدرة ، من هنا فان الإسلام يذهب مع حق الاختيار حتى النهاية .

إذن ففطرة الإنسان كما يقررها الإسلام كانت الحرية في الاختيار أي فطرة الحرية وهو بهذا يتجاوز أي مذهب فكري يتعرض لمبدأ الحرية لدى الإنسان وهذه الحرية أمانة الله التي استأمن الإنسان عليها والتي رفضتها الكائنات كلها ورضيها الإنسان (انا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ) وهكذا وجدنا إن كل الكائنات تسجد لله تعالى بحكم تنازلها عن الاختيار للطاعة لله إلا الإنسان ( ألم تر أن الله يسجد له ما في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب –الحج –18) فمخلوقات الله جميعا تسجد له إلا بني الإنسان فان منهم الساجدين ومنهم الكافرين ومنهم المطيع ومنهم العاصي وهذا اختيار محض .

إذن فتعريف الإنسان في الإسلام انه حرية قبل كل شيء قبل ان يكون موصوفا بأي صفة ثم بعد ممارسته لتلك الحرية في اختيار عقيدته يبدأ الحكم على سلوكه بالصواب او الخطأ ولو شاء الله سبحانه وتعالى لهدى الناس جميعا ولكنه لم يفعل ذلك لانه أراد الإنسان ان يطيعه بحريته وارادته ومن هنا فان الحرية في الإسلام مبدأ حركته كلها (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين –يونس-99) .
يقول العالم الجزائري الشيخ عبد الحميد بن باديس عن واجب الدولة الإسلامية في كفالة الحرية للفرد المسلم (حق كل إنسان في الحرية كحقه في الحياة ومقدار ما عنده من حياة هو مقدار ما عنده من حرية والمعتدى عليه في شيء من حريته كالمعتدى عليه في شيء من حياته وما أرسل الله من رسل وما شرع لهم من الشرع إلا ليحيوا أحرارا وليعرفوا كيف يأخذوا بأسباب الحياة والحرية ،

وحتى يستثمروا الحياة وتلك الحرية إلى أقصى حدود الاستثمار النافع وما انتشر الإسلام في الأمم إلا لما شاهدت فيه من تعظيم للحياة والحرية ومحافظة عليها وتسوية بين الناس فيها مما لم تعرفه تلك الأمم من قبل لا من ملوكها ولا من أحبارها ورهبانها ) .

وتتنزل هذه الحرية حتى تصل إلى الدعوة إلى الإسلام ويطالب الإسلام أن يؤمن الإنسان باختياره ويرفض قبول الإكراه في الدين أو استعمال أي قوة أو السيطرة لتحقيق ذلك (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي )وأكثر ما يفعله الإسلام في القرآن ان يدعو الناس ان يحكموا عقولهم ويتدبروا خلق السموات والأرض ،

أي انه يغذي العقل بمنظومة من المعلومات ليساعده على حسن الاختيار والفرز بين الحق والباطل وحتى في الجدال مع الكفار كان منطق الموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن) ويرفض رفضا قاطعا أسلوب الإكراه (ولو شاء ربك لهدى الناس جميعا افأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) بل انه يعطي حقيقة إلهية عن طبيعة البشر في العصيان ( وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) وأكثر ما يطالب به هو تقديمهم برهان عدم إيمانهم فيقول لهم (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين).

إذن فالحرية في الإسلام –والديمقراطية هي الجسد التنظيمي لممارسة الحرية في الحكم والنظام –هي أساس كل اختيار حتى اختيار العقيدة نفسها بل و يطالب الإسلام الإنسان بممارسة حريته علنا عبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يتركها حيادية محصورة في داخل الإنسان فقط ، وبهذا فان الإسلام يتجاوز جميع القوانين الوضعية مهما كانت متطرفة لجانب الحرية ، فالقانون الوضعي اكثر ما يذهب في هذا هو مذهب إباحة الرأي فقط ولا يوجب إبداءه على الأفراد في حين ان الإسلام يعتبر ذلك واجبا من واجبات المسلم عبر أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر أي ان الحق في المفهوم الإسلامي ليس ذا مضمون سلبي يقف عند حدود وجوده وعدم إساءة استخدامه بل يتعدى ذلك بخطوة أخرى هي التي جعلت الحق ذل مضمون إيجابي عبر الدعوة له .

من جانب آخر ولتأكيد هذه الحرية للإنسان فقد وقف الإسلام موقفا شديدا ضد الاستبداد الذي هو ضد الحرية ،فالإسلام نقيض الاستبداد وحينما بدأ دعوته في مكة كان اتباع الدين يأتون إليه لكونه يحررهم من الظلم والاستبداد فكان الإسلام يعد العبيد بالحرية قبل كل شيء وفعلا استطاع أن يقضي على نظام الرق ، لقد ساوى الإسلام بين الاستبداد والكفر فهو دين الحرية قبل كل شيء ،وإذا كان علماء أوربا في فترة التنوير قد دعو للقضاء على الاستبداد باعتباره مناقضا لطبيعة البشر وحاولوا أن يقيموا النظام الديمقراطي على أساس من هذا المبدأ الطبيعة البشرية فان الإسلام سبقهم في ذلك مئات القرون حينما أكد ان الله خلق الإنسان بطبيعة حرة بل إن الحرية هي جوهر وجوده وطبيعته.

ومن اعظم التأكيد على حرية الإنسان في الإسلام انه ينظر إلى أن الإنسان الذي لا يمارس هذه الحرية في اختيار العقيدة كأنه لم يؤمن فهو يرفض الإيمان بالتقليد أو بالوراثة أو من خلال البيئة ويطالب الإنسان أن يختار عقيدته باختيار حقيقي وإذا كان الإسلام لا يمانع في تقليد الآخرين في أحكام شرعية معينة إلا انه لا يمكن أن يقلد غيره في أصول الدين أي اعتناق الإسلام .

إذن فالإسلام الذي يقوم على هذه الحرية يلتقي بالديمقراطية أو بمرجعية الديمقراطية ذات المضمون التحرري التي تعتبر أن الإنسان حر بطبيعته وان حقوقه النابعة عن هذه الطبيعة يجب أن تحترم وتصان ويحافظ عليها لأنها من الحفاظ على إنسانية الإنسان نفسه .

من جانب آخر فان ممارسة الإنسان لحريته في المجتمع تجعله يتقيد بما يفرضه المجتمع من ضرورات عبر العمل الجمعي وأنظمته وسياقاته وبالتالي فان حدود الحرية الفردية ستقف عند الحدود الفردية لشخص آخر يريد أن يمارس حريته ومن ثم تم الاتفاق على وجود المجتمع عبر عقد واتفاق بين المجتمعين يرتضون بموجبه الحياة الاجتماعية بما تفرضه من تقييدات على ممارسة الحرية للأشخاص المتعددين ،

ولما كان المجتمع لا يقوم بدون سلطة سياسية تحدد له مساراته وسياقاته وأمانيه من هنا تحولت الحرية إلى نظام وآليات تنظيمية للمجتمع بدءا من الفرد حتى الحكومة ، وللحفاظ على أن تقوم هذه الأنظمة وشكل الحكومة بمهماتها للحفاظ على المجتمع كان على الأفراد أن يمارسوا حرية اختيارهم لشكل الحكومة وقانونها ودستورها ونظامها بما يحافظ ولا يتعدى على الحقوق الفردية للمواطنين عامة وبما يكفل لهم الحرية وفق قانون يرتضونه ويختارونه .

وهكذا بدأت الديمقراطية تعبر عن ممارسة الشعب لحريته في اختيار نظام الحكومة والمجتمع والقوانين المنظمة لحياته ومن هنا كانت الديمقراطية المباشرة في ممارسة الحرية في مجتمعات صغيرة كما كانت في اليونان القديمة ثم بعد توسع المجتمع والمدن والدول كانت الديمقراطية غير المباشرة بانتخاب الشعب لمن يمثله في مجالس نيابية كما فرض صيغا معينة للحفاظ على هذه الممارسة ولكي لا تطغى الحكومة على إرادة الشعب فقام بتوزيع المسؤوليات على سلطات متعددة كالسلطة القضائية والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بحيث يسهل المحاسبة بين هذه السلطات بعضها لبعض ولا تستبد بقراراتها إذا لم تحصل على الإجماع الشعبي المطلوب ،

ثم تطورت الديمقراطية بعد نشوء الأحزاب ثم وجود مجتمع المدني يراقب الحكومة عبر تنظيمات شعبية غير حكومية كالجمعيات والنقابات والمنظمات غير الحكومية الأخرى لمحاسبة الحكومة بسلطاتها المختلفة إذا ما حاولت أن تفرض أحكاما أو قرارات قسرية على الشعب حتى اصبح المجتمع المدني في الوقت الحاضر يلعب دورا كبيرا في جعل الحكومة تسير على سكة الشرعية المبنية أساسا على مصلحة الشعب وحريته قبل كل شيء وهكذا دخل مبدأ الاستفتاء الشعبي على أي قرار كبير تريد الحكومة أن تتخذه في المجتمع وسياسة الدولة واقتصادها

ان وجود الحياة المجتمعية في الأنظمة الديمقراطية فرض تعددا للآراء المختلفة مما طرح مبدأ المسامحة والرضا بالاختلاف مع الآخر ووجوده معه حتى تقسمت السياسات إلى يمين ويسار ومؤيد ومعارض مما فرض الاعتراف بحقيقة المعارضة وحقها في الاختلاف والتعبير عن رأيها المختلف مع الحاكمين عبر نشاطات إعلامية ومسيرات التظاهرات تأكيدا لحرية الرأي الآخر .

فكيف عبر الإسلام عن ديمقراطيته –ممارسة الحكم-في الإطار النظري ؟ وهل يعتبر شكل نظام الحكم مسألة إنسانية أم دينية ؟ ولماذا لم ينص الإسلام لا في القرآن ولا في السنة على شكل الحكم الدستوري للحكم الإسلامي وأبقاه مفتوحا للاجتهاد؟

لقد اجتهد العلماء المسلمون في شكل الحكومة إسلاميا وديمقراطيا على أساس ان شكل الحكومة إنما هو اجتهاد إنساني يمكن الاستفادة من أي ممارسة جيدة تتناسب ولا تختلف مع المبادئ الإسلامية ، ومنهم من اعتقد أن شكل الحكومة أمر الهي اعتمادا على ما جاء في القرآن والسنة حصرا وممارسة الخلفاء الراشدين كان تعبيرا عنها وهناك من يجتهد في عقد المقارنات في التشابه والاختلاف بين نظام الحكم الإسلامي والديمقراطي وسنحاول ان نستعرض بعض هذه الاجتهادات والأسانيد التي استخدمها العلماء لدعم آرائهم فيها

مدخل منهجي
في كتابه –الديمقراطية التحديات والابتكارات في التسعينات ينقل روبن رايت نصا للفيلسوف الإيراني عبد الكريم سوروش مستشهدا فيه على علاقة الديمقراطية والإسلام قال فيه (إن الديمقراطية الإسلامية ترتكز على دعامتين :

الأولى –هي انه لكي يكون الإنسان مؤمنا حقيقيا يجب أن يكون حرا ، أما أن يؤمن تحت ضغط وإكراه فلن يكون أيمانه حقيقيا وهذه الحرية هي أساس الديمقراطية ،

والدعامة الثانية :هي إن تفسير النصوص الدينية هو دائما متجدد حيث إن التفسيرات تتأثر دائما بالعصر الذي نعيش فيه وبالتالي فأنت لا تستطيع أن تعطي تفسيرا ثابتا ولكن من حق كل شخص أن يفسر الدين انطلاقا من مبدأ المساواة أمام الله وعلى أساس هذين المبدأين فان الديمقراطية الإسلامية النموذجية هي نتاج للمعتقدات ورغبة الأغلبية ومثلها في ذلك مثل الديمقراطية في أي مكان وبالتالي فهي لا يمكن أن يتم فرضها من القمة أو عن طريق الصفوة من رجال الدين ).

أما الكاتب الألماني المسلم مراد هوفمان فانه يتحدث عن لبنات أساسية للديمقراطية الإسلامية ويكتب تحت عنوان (شورى قراطية ) ومن خلال كتاب الإسلام في الألفية الثالثة- ديانة في صعود -( إن القانون الإسلامي –أي الشريعة-لا يتطلب شكلا محددا للدولة المثالية فعلى كل جيل من المسلمين أن يجتهد للتوصل إلى تنظيم الدولة الذي يتماشى على افضل سبيل مع موروثاته ودرجة تطوره ويحقق افضل مصالحه ، من الممكن أن يكون هذا الكيان مملكة خاصة إن القرآن يتحدث عن الملوك مثل ملك سليمان في سورة النمل –28-24وملكة عادلة ذات عقل راجح هي ملكة سبأ بلقيس، ولكن من الجائز أن تكون هذه الدولة جمهورية مثل الدولة الإسلامية الأولى التي قامت في المدينة ،

أما أهم الشروط التي يجب توافرها في كيان حكم إسلامي صحيح هو ان يسود فيه الإجماع على من يحكم وما يحكم أو أن يتم الحكم بموافقة الغالبية حتى يكون هناك عقد بمفهوم روسو يحكم العلاقة بين الشعب والحكومة ويسمى العقد الاجتماعي وهو في الإسلام (البيعة).

أما اللبنات الأساسية للديمقراطية الإسلامية فيحددها هوفمان بقوله(انه لما كان أهم أهداف الديمقراطية ووظائفها إنما هو تأمين وجود رقابة منظمة على الحكومات لمنع أي ظلم وتسلط وسوء استخدام للسلطة وما هذا إلا جوهر الأهداف الإسلامية فيتم ذلك في الديمقراطية الإسلامية

بجعل القرآن الكريم المصدر الأعلى للدستور وسيكون هذا اللبنة الأولى لديمقراطية إسلامية ،

أما اللبنة الثانية لهذه الديمقراطية فهي في وضع جميع القوانين المستمدة من القرآن الكريم موضع اعتبار وقياس من قبل قانونيين مسلمين ، واللبنة الثالثة لهذه الديمقراطية هي قيام حياة نيابية إسلامية بناء على التوجيه القرآني بوجوب الشورى حتى أن الشيخ محفوظ نحناح زعيم الحركة الإسلامية الجزائرية اقترح تسمية شورى قراطية للشكل الإسلامي للديمقراطية ،

ثم تأتي اللبنة الرابعة في البناء الديمقراطي بكيفية انتخاب أعضاء مجلس الشورى وليس بالتعيين بل عبر انتخابات عامة حرة لممثلي الشعب ،واللبنة الخامسة هي إصدار تشريعات تنظم الجوانب الفنية لبناء الشوارع والتعريفة الكمركية والمسائل الصحية وضمانات العمل وغيرها و أحكام تكميلية في مجال التعزير ) ويختم هوفمان لبناته بانتخاب رأس الدولة عن طريق انتخابات نيابية وفق المنظور الإسلامي أي ان يكون ذكرا ولا وجود لمجلس ثوري ولا مكتب سياسي .

وهناك من يرى وجوب الدعوة إلى الديمقراطية إسلاميا وليس الوقوف عند معرفة التشابه أو الموافقة على النظام الديمقراطي وعدم رفضه بل ويدعو صاحب هذا الرأي إلى اعتبار أن الديمقراطية إنما هي آليات تنظيمية يحق للجميع الاستفادة منها باعتبارها إنجازا إنسانيا وخير من عبر عن هذا الرأي الأستاذ محمد حسن الأمين في مقابلة مفصلة نشرت على الإنترنت حيث يبدأ حديثه عن الديمقراطية بقوله(هي نظام يكاد يكون مجرد آلية للتنظيم تتوخى اكثر قدر من العدالة في توزيع المسؤوليات وفي تحقيق المجتمع السياسي بحيث يمكن القول بان الديمقراطية هي نظام الحرية عندما نريد أن ننقل الحرية من معناها المجرد إلى المجتمع السياسي )

ويضيف( لما كانت الديمقراطية إنجازا إنسانيا فإني اعتقد أن الإسلام لا يمانع من الأخذ بأسبابها إذا لم نقل إن الإسلام يدعو إلى الأخذ الجدي بمعطيات النظام الديمقراطي لان ذلك يتصل اتصالا وثيقا بما دعا إليه الإسلام على مستوى الشورى ..الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها). ويسند الأمين رأيه بان الإسلام لم يحدد شكل النظام الخاص به مما يسمح بالاجتهاد فيه ويقول( الإسلام لم يحدد شكل النظام الخاص به ولم يحدد في أي من مصادره الأساسية كالقرآن ،

ولكنه دعا لتطبيق الشريعة الإسلامية وهذا ما جعل المسلمين القدماء يستفيدون من الأنظمة التي كانت سبقتهم كالروم والفرس وطبقوها في الدولة الإسلامية وهكذا الحال بالنسبة للنظام الجمهوري والديمقراطي ) ،ويؤكد الأمين على انه (في إطار شكل الحكومة فان الإسلام اختار العدالة ولم يحدد للناس النظام الخاص المغلق لهذه العدالة فالنظام الذي يحقق العدالة حينما يختاره المسلم فهو اختيار صحيح وهو حر في ذلك لأنه يحقق العدالة ) .

أما مسألة كون السلطة شانا بشريا وليس إلهيا فيحددها بقوله( إن السلطة في الإسلام ليست شأنا إلهيا ولكنها شأن بشري ،الشريعة شأن الهي ، إن الله انزل الشريعة ويجب علينا كمسلمين أن نطبقها أما السلطة فهي شان بشري يختاره البشر وبالتالي فان شرعية أي نظام هي في اختيار البشر سفهو نظام شرعي وان كانت اسلاميته منقوصة أما النظام المستبد فانه لاشرعية له حتى لو كان يحكم باسم الإسلام ) .

أما بالنسبة للشورى فهو يرى إنها ليست محببة فقط بل هي أمر واجب وملزم وقد كانت ممارسة الرسول صلى الله عليه وسلم لها في أول الإسلام حينما كان يستشير أهل الحل والعقد فهذه آلية الشورى مناسبة لذلك العصر ولكنها ليست آلية خالدة فبعد اتساع الحكم الإسلامي على الدنيا أخذت آلية الشورى النبوية هذه تتعقد بتعقد العصر واتساع مساحة الحكم ، ومن نظام آلية الشورى الأول إلى آلية النظام الديمقراطي نجد إن الهدف هو استشارة ومشاركة الملايين من الناس في هذا العمل عبر الانتخابات فالديمقراطية هي مبدأ الشورى نفسه ولكن بمناسبة العصر الحديث ولو استمر نظام الشورى في الإسلام وتطور مع تطور الدولة الإسلامية لأمكن اكتشاف النظام الديمقراطي قبل اكتشاف الغرب له .

على إن الاجتهاد الخطر في تطبيق الشريعة يذهب إلى إمكانية أن يدعي أي حاكم انه يطبق الإسلام كما يفهمه مما يفتح مجالا للاستبداد باسم هذا الفهم للإسلام من هنا تظهر ضرورة الديمقراطية للحكم الإسلامي حينما تكون مبنية على رأي الشعب وأكثريته حيث عندها لا يستطيع أي حاكم مستبد أن يقول هذه الشريعة كما افهمها أنا وأنا أطبقها إذن ما هو الضمان ضد هذا الاستبداد ؟ يجيب الأمين (هو في ان تكون المرجعية في اختيار السلطة هي الناس لذلك فانه لاشرعية لأي نظام دون ان تكون هناك ضمانة حقيقية لإمكانية تداول السلطة وليس الاستفراد بها .

وينقد الأمين بعض الممارسات للأحزاب الإسلامية حينما تستغل الديمقراطية للوصول إلى السلطة دون الإيمان بها فيقول ( ان التيارات الإسلامية التي تستفيد من الديمقراطية النسبية في بعض البلاد الإسلامية لا يجوز ان تدافع عن هذه الديمقراطية فقط لأنها توفر لها فرصة الوصول الى السلطة بل يجب ان تدافع عن هذه الديمقراطية بوصفها مبدْا جذريا وأساسيا بغض النظر عن كونه يوفر لها فرصة الوصول او لا )

ويعتبر ان مشاركة الإسلاميين في نظام استبدادي لا يسمح لهم ان يغيروا فيه شهادة زور على هذا النظام فليس من المفروض المشاركة الا في نظام وحكم يمكن الإسلاميين حقا من ان يغيروا ويؤثروا في الحكومة وتشريعاتها

وفي تفصيل لبعض المفردات الديمقراطية في الإطار الإسلامي وخاصة مسألة الاقليات الدينية يرى الأمين ان نظام الحكم الإسلامي يعالج هذه المسألة معالجة سليمة فالإسلام في نظره لم يضق بالاقليات والشريعة الإسلامية رحبة من هذا المجال وقد شرعت تشريعات لحماية الاقليات وحفظ حقوقها وهذا أمر يتعلق بمبادئ الإسلام نفسه في حماية الاختيار للأفراد والجماعات فالإسلام يحتمل وينمي هذا التعدد داخل المجتمعات على مستوى الشريعة وعلى مستوى أنظمة الحكم وهو مفتوح للاجتهادات الأخرى كما ان تطوير الفقه السياسي في الإسلام يمكن ان يحدث مساحات لا حدود لها لاستيعاب هذه الاقليات بل ومشاركتها في بنية المجتمع الإسلامي ،

ففي الإسلام متسع كبير لهذه المشاركة التي لا تتوقف عند حدود إقامة شعائرهم الدينية بل تصل الى حدود مشاركته في السلطة نفسها ، وأخيرا يؤكد الأمين على انه مادام الإسلام يتيح وسائل الحوار والإقناع ولا يفرض عقيدته على الناس بالقسر والاكراه وانما يريد منهم ان يأخذوا بها بعد البرهان عليها واقناعه بها فهو لا يخاف المعارضة في ذلك ويفتح لها المجال في مجتمعه ونظامه دون ان يكون قد خالف مبدأهالاسلامي نفسه .
اتفاق واختلاف:
لقد اتجه بعض الباحثين الى ان يدرج الصفات التي تجمع الديمقراطية والاسلام مقابل الصفات التي تختلف بينهما واخذ موقف الحياد فلا يطلق حكما كليا على الاتفاق او الاختلاف من باب موضوعية البحث وهذا مافعله الباحث علي المؤمن في بحثه المنشور على الانترنت بعنوان (النظام السياسي الاسلامي والانظمة الديمقراطية والثيوقراطية )مبتدئا بتحديد مفهوم الديمقراطية الذي يراه غير محدد كليا فيقول (الديمقراطية مفهوم واسع فضفاض ساهم في اثرائه عبر عقود طويلة من الزمن كثير من المفكرين السياسيين كل حسب نظرته

لهذا المفهوم فجاء اطارا كبيرا يجمع في داخله العديد من التيارات الفكرية التي تتفق على بعض الخطوط العامة وتختلف في معظم التفاصيل ) ثم يبدا من هذه المسلمة للحديث عن التشابه والاختلاف بين الاسلام والديمقراطية مستخدما النظام الاسلامي الايراني كقياس لانه يعتبره جاء بعد ان درس الايرانيون بعمق كل الانجازات البشرية وتوقفوا عند التجارب والنتاجات والخبرات الحيادية كالعلوم والتقنيات الادارية والنظم السياسية والهياكل التنظيمية الدستورية وتحديدا جوانبها التي لا تتضمن موقفا من الكون والحياة والانسان والوجود ،أي انها لا تحمل بالضرورة سمات الهوية وتم استثمار المفيد منها بعد ان اخضعها لمعاييره الحضارية والثقافية ومقاييسه التي هي الشريعة الاسلامية وقبل بها على الاسس التالية

1- عدم تعارضها مع النظرية السياسية الاسلامية والتقائها في المفاهيم العامة لهذه النظرية
2- حيادها الايدلوجي وكونها مجرد آليات تنظيمية واسلوب فني وتنظيمي
3- فائدتها ونجاحها قياسا بما انجزته البشرية في المجالات نفسها
ويلاحظ الباحث ان تطويع مثل هذه النتاجات البشرية واستخدامها لا يعني تبني النظام الاسلامي لها بالكامل او اعتماد مبانيها النظرية والفكرية والتشبه بجذورها وخلفياتها التاريخية والظروف الاجتماعية التي ادت الى ظهورها ، فمثلا استخدام النظام الاسلامي آليات وتقنيات الديمقراطية لايعني انه نظام ديمقراطي بالمعنى الفكري والفلسفي للديمقراطية كما ان التقاء النظام الاسلامي ببعض مباني الثيوقراطية لا يعني انه نظام ثيوقراطي وهكذا الامر في استخدام الشكل الجمهوري للحكومة واستخدام بعض النظام الرئاسي او الشكل المركزي والموحد للدولة ،

ومن هنا يستنتج الباحث قائلا (فالنظام الاسلامي لا يرفض الديمقراطية بالمطلق ولا يقبلها بالمطلق ولا يقبل الثيوقراطية بالمطلق ولا يرفضها بالمطلق فربما تلتقي معه الديمقراطية في بغض اساليبها وربما تتعارض بيد ان مجالات اللقاء هذه تذوب في الاطار العام للنظام الاسلامي وتكون جزءا من اساليب النظام الاسلامي في ممارسة السلطة) هذا الامر يضيف الباحث يؤكد حقيقة اصالة النظام السياسي الاسلامي وانه بعيد كل البعد عن الانظمة المختلفة او التوفيقية او التوليفية ، ومن هنا فان كثيرا من الآليات والتقنيات التنظيمية التي استخدمها النظام الاسلامي خاضعة للتجربة وتدخل في اطار المتغيرات لانها بالاساس تعبر عن رأي بشري وموقف اجتهادي .

وهكذا يصل علي المؤمن الى تحديد نقاط الالتقاء بين الديمقراطية والاسلام ومنها المفهوم العام للجمهورية والفصل بين السلطات وسيادة القانون والالتزام بالحقوق والحريات العامة ومنح الامة دورها في المشاركة السياسية مع مفارقات بسيطة .

وهناك سمات اتفاق بين النظام الديمقراطي والاسلامي تقول (لقد ذهب قسم من الكتاب الاسلاميين المنادين بالديمقراطية الى انها تعني الشورى ، وبما ان الشورى ثابتة في الاسلام-حسب ادعائهم-فالديمقراطية اذن لا تنافي بينها وبين الاسلام واوردوا ادلة للشورى تاكيدا لمدعاهم يقول فهمي هويدي –الديمقراطية التي نقبلها مقابلا للشورى او ترجمة معاصرة لها التي لا تحل حراما ولا تحرم حلالا –ويرى اسحق احمد فرحان ان-الشورى هو المفهوم الاسلامي والديمقراطية مفهوم غربي مستورد –لكنه يؤكد انه باستعماله للفظ لا يعني الديمقراطية بغثها وسمينها –على حد تعبيره-بل يعني بها الشورى ولذلك يقترح استعمال لفظ –الشورى قراطية-لتدلك على تمسكنا بجوهر قيم الشورى ،

ويتحدث الشيخ القرضاوي فيرى—ان الاسلام قد سبق الديمقراطية بتقرير القواعد التي يقوم عليها جوهريا –على انه يرى –ان الديمقراطية اهتدت من خلال كفاحها الطويل مع الظلمة والمستبدين من الاباطرة والملوك والامراء الى صيغ ووسائل تعتبر الى اليوم مثل الضمانات لحماية الشعوب من تسلط المتجبرين –وعليه يرى القرضاوي انه –لزاما علينا ان نقتبس من اساليب الديمقراطية ما لابد منه لتحقيق العدل والشورى واحترام حقوق الانسان والوقوف في اوجه طغيان السلاطين العالين في الارض).

نلاحظ قبول الديمقراطية بشكلها القائم في الدول الغربية وامريكا حيث يتقبلون الرأسمالية والعلمانية كضلعين لا ينفكان عن المثلث الذي تمثل الديمقراطية الضلع الثالث فيه خصوصا وان دعاة الديمقراطية في العالم العربي لم يفصلوا بين الرأسمالية والعلمانية والديمقراطية اذ اشترطوا لقيام وضع سياسي ديمقراطي القبول بالرأسمالية والايمان بالعلمانية وتذكر الباحثة فردوس الموسوي على ان ما توحيه كلمة الديمقراطية من قبول العلمانية احد ابناء النظام الديمقراطي وتقول( وتعتبر قضية فصل الدين عن الدولة شرطا اساسيا لكل ديمقراطية حقيقية مبنية على اساس استقلال السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وعلى اساس اعتبار سلطة الدولة مشتقة من سلطة القانون )

وتربط الباحثة المسألة هنا بالموقف السياسي من الاستعمار وافكاره حيث تشير الى ان في هذه توجيه لانظار المسلمين الى الغرب وفكره وهو غاية مايريده المستعمرون وما يبذلون له الاموال فهم يسخرون الحملات التبشيرية لتحقيق النجاح في الغزو الفكري بعد ان فشل الغزو العسكري وهذا –برايها-يتحقق عندما نطالب بالديمقراطية ونلفت انظار المسلمين الى النظام الغربي كمثل اعلى والاعتذار باننا نريد المعنى الفلاني ولا نريد المعنى الآخر لا يجدي نفعا طالما ان اللفظ مشترك واطلاقه يصرف الذهن للوضع القائم في الغرب أي الى التجربة الغربية فما حاجتنا الى هذا اللبس والابهام.

ان هناك من الحركات السلفية الاصولية من يلتقي مع هذا الرأي ويذهب بعيدا في رفضه المتطرف لاي ديمقراطية وهذاما وجدناه في كتيب تثقيفي بعنوان (الديمقراطية نظام كفر ) حيث يقول مؤلف الكتيب (الديمقراطية التي سوقها الغرب الكافرالى بلاد المسلمين هي نظام كفر لا علاقة لها بالاسلام لامن قريب ولامن بعيدوهي تتناقض مع احكام الاسلام تناقضا كليا في الكليات و في الجزئيات وفي المصدر الذي جاءت منه والعقيدة التي انبثقت عنها والاساس الذي قامت عليه وفي الافكار والانظمة التي اتت بها لذلك يحرم على المسلمين اخذها او تطبيقها او الدعوة اليها او الدعوة لها تحريما جازما ص5) ويفصل الكاتب في اسباب هذه الاتهامات ويبررها بطريقة فهمه لحقيقتها

حيث يرى ان (الديمقراطية انبعثت عن عقيدة فصل الدين عن الحياة وهي العقيدة التي قام عليها المبدأ الرأسمالي )ويضيف(فكانت فكرة فصل الدين عن الحياة هي عقيدته التي انبثق عنها وقاعدته الفكرية التي بنى عليها جميع الافكار الديمقراطية ص10) والاتهام الآخر لها انه(من وضع عقول البشر وليست من الله وهي لا تستند الى وحي السماء ولاتمت بصلة لأي دين من الاديان التي انزلها الله ص10) من جانب آخر يصف المؤلف الديمقراطية بانها لايمكن تحقيقها ابدا بمعناها الحقيقي(فالديمقراطية بمعناها الحقيقي هي فكرة خيالية غير قابلة للتطبيق فلم توجد ابدا ولن توجد،

فان اجتماع الشعب كله للحكم والادارة مستحيل ايضا لذلك احتالوا على الديمقراطية وأولوها وأوجدوا لها ما يسمى برئيس الدولة وبالحكومة وبالمجلس النيابي ومع ذلك فان معناها بعد هذا التاويل لا ينطبق على الواقع ولم يوجد في الواقع ، فكون رئيس الدولة والحكومة واعضاء البرلمان ينتخبون باكثرية اصوات الشعب وان مجلس النواب هو التجسيد السياسي للارادة العامة لجماهير الشعب وانه يمثل اكثرية الشعب هو ابعد ما يكون عن الحقيقة والواقع ص14).

ويبني رأيه هذا على ان الذين ينتخبونه انما هم اقلية ضمن المنتخبين لان بعض المنتخبين مرشحين انفسهم مثله وبالتالي يكون الناجحون من النواب قد حصلوا على اصوات اقلية الشعب وليس على اصوات اكثريته وبذلك يكونون مفوضين من هذه الاقلية ممثلين لها وليسوا مفوضين من الاكثرية الشعبية ولا ممثلين لها ،

وهكذا يستنتج (ولهذا فان القول ان البرلمانات في البلاد الديمقراطية تمثل راي الاكثرية هو كذب وتضليل وان القول ان الحكام انما يختارون من اكثرية الشعب وانهم يستمدون سلطتهم من الشعب هو كذب وتضليل كذلك والتشريعات التي تسن في تلك البرلمانات والقرارات التي تصدرها تلك الدول تكون آخذة بعين الاعتبار مصالح هؤلاء الرأسماليين اكثر من اخذها مصالح الشعب او اكثريته بالاعتبارص16).

اما بالنسبة للشورى فيقول عنها انها غير الديمقراطية فالشورى هي اعطاء الرأي أما الديمقراطية فهي وجهة نظر في الحياة وهي تشريع للدساتير والانظمة والقوانين يضعه البشر من عقولهم ويشرعونه بناء على المصلحة التي تراها عقولهم لا بناء على وحي السماء لذلك يحرم على المسلمين اخذها او الدعوة اليها او اقامة احزاب على اساسها او اتخاذها وجهة نظر في الحياة او تطبيقها او جعلها اساسا للدستور والقوانين او مصدرا من مصادر الدستور والقوانين او جعلها اساسا للتعليم او لغاياته ويجب على المسلمين ان ينبذوها نبذا كليا فهي رجس وهي حكم طاغوت وهي كفر وافكار كفر وانظمة كفر وقوانين كفر ولاتمت الى الاسلام بأي صلة ص62)

وفي كتيب آخر لحركة اسلامية اخرى بعنوان (الشورى في الاسلام ومناقضتها للديمقراطية نجد التأكيد على رفض الديمقراطية والاشتراكية ويعتبر ان الديمقراطية كلها كفر في كفر بناء على ان اساس النظام الديمقراطي هو من وضع البشر في حين ان النظام الاسلامي من الوحي الالهي والنظام الديمقراطي ملكي او جمهوري في حين النظام الاسلامي هو الخلافة التي لا يجوز التحول عنها والديمقراطية تقوم على سيادة الشعب وانه مصدر السلطات الثلاث في حين في الاسلام %A