مقال قانوني مبسط حول إنقضاء العقوبة في القانون الجزائي الإماراتي

مقال حول: مقال قانوني مبسط حول إنقضاء العقوبة في القانون الجزائي الإماراتي

انقضاء العقوبة – م 315 إجراءات جزائية

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخواني أعضاء هذا الصرح الطيب،

أترك بين أيديكم تقريرًا بسيطًا من إعدادي عن انقضاء العقوبة، أرجو أن تجدوا فيه فائدة. وإنني أتمنى أن أجد مناقشة فيما انتهيت إليه، فلعليِ أخطأت في استنباط، أو خفيت عني المعلومة. وكما هو معلوم، فإن صوت الحقيقة لا يُسمع إلا بمقارعة الحجج.

تنص المادة 315 من قانون الإجراءات الجزائية رقم 35 لسنة 1992م المعدّل على أحوال وشروط سقوط العقوبة، وفي كل ذلك، تشترط أن يصدر حكم قضائي بتقرير تلك العقوبة. فتستهلّ قائلة: “فيما عدا جرائم الحدود والقصاص والدية والجنايات المحكوم فيها نهائيًا بالإعدام أو السجن المؤبد…”، يلاحظ أن المشرّع قدّم الاستثناء في صدر المادة على الأحكام التي سيوردها تباعًا، وذلك رغبةً منه في التأكيد على خصوصيتها.

وقد سار في صياغته حذو ما نص عليه في الفقرة الثانية من المادة 20 من ذات القانون.

وهذا التقديم، ينم على حجم الأهمية التي يرغب المشرعُ في أن توليها كلاً من السلطة التنفيذية والقضائية عند إعمال هذه المادة.

وجرائم الحدود هي: السرقة والزنا والحرابة والبغي وشرب الخمر والردّة والقذف. وهي جرائم منصوص عليها في كل من القرآن والسنة، أما الجنايات المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد، فأمثلتها كثيرة، كالقتل العمد المقترن بسبق الإصرار، أو الاغتصاب، ويمكن الرجوع إلى قانون العقوبات وقانون مكافحة الجرائم الإرهابية للوقوف إلى أمثلة لبعض تلك الجرائم، لكن تشترط المادة في ذلك أن تحكم المحكمة المختصة بإحدى العقوبتين تلك، فإذا ما رأت لظرفٍ من ظروف التخفيف أن المتهمَ جديرٌ بأن يؤخذ بقسطٍ من الرحمة، ونزلت بعقوبة السجن المؤبد إلى عقوبة السجن المؤقت أو الحبس الذي لا تقل مدته عن شهر، فإننا لا نكون بصدد هذا الاستثناء، بل يلزم أن ترد إحدى هاتين العقوبتين في منطوق الحكم بشكل صريح. والشرط الآخر في الجنايات المحكوم بها بإحدى تلك العقوبتين، أن يكون الحكم القضائي نهائيًا أي مستنفدًا طرق الطعن العادية.

ثم تعقب المادة الآنفة بقولها: “… تنقضي العقوبة في الجنايات الأخرى بمضي ثلاثين سنة ميلادية.

” والجنايات الأخرى هي كل جريمة معاقب عليها بإحدى العقوبات المنصوص عليها في المادة 28 من قانون العقوبات الاتحادي، لكن تثور إِشكالية إذا ما أعملت المحكمة المختصة سلطتها في الظروف والأعذار المخففة، ونزلت بعقوبة الجناية المقررة إلى عقوبة الجنحة، فهل نكون بصدد انقضاء عقوبة في جناية؟ الذي نراه أنْ نعم.

تأسيس ذلك لغويًا في استنباط مقصد المشرع من تلك الصياغة، فالمشرع يقول: “… مواد الجنايات…” فجاءت الجنايات مضافةً إلى مواد، فيُستشفّ من ذلك، أن المشرع لم يقصد بلفظ الجنايةِ العقوبةَ، بل قصد المواد التجريمية التي تعاقب على الأفعال بوصفها جناية.

لكن لنفترض أن المشرع استحدث جريمة وقرر لها عقوبتين، كلاً من السجن المؤقت أو الحبس، فكيف السبيل؟ أنكون بصدد جناية أم جنحة؟ الذي نراه أن العبرة هنا بالقَدَر المتيقّن منه في حق المتهم، خاصة فيما يتعلق بانقضاء العقوبة، وفي ذلك نخالف ما ذهب إليه عدد من الشراح ومنهم محمود نجيب حسني، لأن عقوبة الجناية غير متحققة في ذمة المتهم بقدر تحقق عقوبة الجنحة عند المحاكمة،

ولم يكن ثمّة مسوّغ لتسويء مركز المتهم خاصة إذا ما أسسنا ذلك على قرينة براءة الذمة، ومادة الانقضاء إنما تهتم بوصف الجريمة ابتداءً لا بما تنتهي إليه المحكمة من تقدير للعقوبة، فمن ثم كان أولى أن نعتبرها جنحة.

إلا أن يتدخل المشرع فيحدد قواعد التعامل مع هكذا حالة.

ثم تستتبع المادة ذاتها قائلة في فقرةٍ ثانية: “وتسقط العقوبة المحكوم بها في جنحة بمضي سبع سنوات، وتسقط العقوبة المحكوم بها في مخالفة بمضي سنتين…” ولا لبس في هذه الجزئية، خاصة إذا أعملنا ما سبق أن بينّاه، فالجنحة المقصودة هو وصف الجريمة عند إحالتها إلى المحكمة والحكم بموجبها، لا بتحديد نوع العقوبة المحكوم بها أهي عقوبة جنحة أم مخالفة، فإذا ما حكمت المحكمة المختصة في جريمة القيادة بدون انتباه بغرامة قدرها 200 درهم، فإننا نكون بصدد جنحة وليس مخالفة. ل

كن للمتمعّن في المادة، تثور إشكالية في فهم مغزى المشرع من صياغته، ففي الفقرة الأولى من ذات المادة، كان المشرع بصدد “انقضاء عقوبة” عند حديثه عن جرائم الجنايات الأخرى غير ما استثناه في صدر المادة، ثم في الفقرة الثانية كان بصدد “سقوط عقوبة”، هل نقول إن المشرع يستخدم مترادفات هنا باعتباره محبًا للمحسّنات البديعية؟ أم نُعمل ما انتهى إليه القضاء وما يسانده كثيرٌ من الفقه أن المشرع منزّهٌ عن اللغو وأنه إذا ما استخدم لفظًا فإنما عناه وقصده؟ الصحيح هو الحالة الثانية، لكن لم نقف في الفقه أو القضاء على تمييز بين الحالتين، وأولى بالشرّاح أن يعتنوا بهذا.

ثم تستدرك ذات الفقرة، فتقول: “… وتبدأ المدة من تاريخ صيرورة الحكم نهائيًا إلا إذا كانت العقوبة محكومًا بها غيابيًا من محكمة الجنايات في جناية فتبدأ المدة من يوم صدور الحكم.”

يصير الحكم نهائيًا إذا انغلق باب الطعن بالاستئناف أو بصدور حكم في موضوع الدعوى مُنهٍ للنزاع وقاطع للخصومة من محكمة الاستئناف، وموعد الاستئناف يبدأ للمحكوم عليه من اليوم التالي لصدور الحكم إذا كان حضوريًا أو من اليوم التالي لإعلانه إذا كان غيابيًا. هنا تثور إشكالية، إذا صدر حكم غيابي من محكمة أول درجة على متهم في جنحة، فهل نكون بصدد انقضاء دعوى أم سقوط عقوبة؟ الصحيح أننا نكون بصدد انقضاء دعوى لأن الحكم لم يَصِرْ نهائيًا بَعْدُ، فمن ثم، لم يكن ثمة مجال لإعمال المادة 315 في هذا الفرض، بل نعمل قواعد المادة 20 من قانون الإجراءات الجزائية.

ثم نص المشرع في ذات الجملة على حالة استثنائية، وهي حالة صدور الحكم غيابيًا من محكمة الجنايات، فقطع الباب على المحكوم عليه للاستفادة من المادة 20 فيما يتعلق بانقضاء الدعوى لكيلا يستفيد من فرق المدد.

ومن الجديرِ الإشارةُ إلى جزئية مهمة، وهي أن المشرع حصر هذا الاستثناء في مواد الجنايات التي تحكم بها محكمة الجنايات فقط، دون مواد الجنح، فكما هو معلوم، أن محكمة الجنايات إذا ما أحيلت إليها واقعة بوصف الجناية، ثم حققت فيها وانتهت إلى أن التكييف الصحيح للواقعة هو وصف الجنحة، فإن عليها أن تقضي في الدعوى باعتبار أن من يملك الأكثر يملك الأقل، فإذا ما حكمت في الجنحة، لم نكن بصدد هذه الاستثناء، بل نُعْمِل القواعد العامة في سقوط العقوبة.

وقد تثور مسألة، لماذا اشترط المشرع في الجنايات التي يحكم بها بالإعدام أو السجن المؤبد أن تكون نهائية حتى تستثنى من أحكام انقضاء العقوبة، بعكس الجنايات الأخرى التي لم يشترط فيها ذلك؟ نعتقد أن ذلك مبرر في حالة الحكم الصادر بعقوبة الإعدام لأنه مستأنفٌ بقوة القانون إعمالاً للفقرة الثالثة من المادة 230 من قانون الإجراءات الجزائية، فصيرورته نهائيًا واردة رغم الحكم فيه غيابيًا، وغير مبرر في حالة الحكم بعقوبة السجن المؤبد، لأن الحكم لا يصير نهائيًا لأنه غير مستأنف بقوة القانون. وأولى بالمشرع ألا يشترط نهائية الحكم الصادر بالسجن المؤبد لإعمال قواعد الاستثناء.

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.