مقال قانوني للدكتور أحمد فتحي سرور بعنوان حكم القانون فى مواجهة الإرهاب

للدكتور أحمد فتحى سرور

أستاذ القانون الجنائى

رئيس مجلس الشعب

(القاهرة : سنة 2007)
ـــــــ

مقدمة

الإرهاب ليس ظاهرة جديدة وليس بفكرة لها طبيعة قانونية بحتة . وقد أصبح لها واقع سياسى واجتماعى فى كثير من الدول مستمدا مصدره من جوهر المفاهيم السائدة فى المجتمع الذى يعيش فيه . وقد أدى انتشار الإرهاب إلى أن يصبح العنف واجهة رئيسية فى هذا العالم تهدد الأمن والسلام وتعرض الاستقرار للخطر . وقد آثار انتشار الإرهاب فى الآونة الأخيرة وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر سنة 2001 فى الولايات المتحدة الأمريكية إلى زيادة الاهتمام بمواجهة هذه الظاهرة . وظهرت على السطح تساؤلات كثيرة ومحاولات خاطئة لربطه بالإسلام ، أو تعليله بتمرد ضحايا العولمة والمجتمع الغربى ، أو بأنه بداية ” صدام الحضارات” كما أسماه هانتيجنتون ، أو الربط بينه وبين أساليب المافيا والعصابات لتحقيق مصالحها .

ولقد أدى الغموض الكبير الذى يتسم به مفهوم الإرهاب إلى الإحساس بالقلق الشديد لمواجهة هذه الظاهرة ، الأمر الذى دعا إلى محاولة وضع تعريف للإرهاب يمكن فى ضوئه الانطلاق إلى تحديد أساليب المواجهة للوقوف بحزم فى مواجهة ترويع السلطة والسكان المستهدفين.

ويلقى الإرهاب نوعين من التحديات ؛ تحديات أمنية تتعلق بالأخطار التى تنبعث منه على الأمن والنظام العام ، وتحديات تتعلق بحقوق الإنسان خشية التضحية بها عند مواجهة التحديات الأمنية. لهذا كانت مواجهة الإرهاب من الموضوعات القانونية الشائكة التى يهتم بها القانون . ولا يقتصر الأمر على القانون الداخلى فحسب ، بل يمتد إلى القانون الدولى ذاته .

ويقتضى الأمر تحديد حكم القانون فى مواجهة الإرهاب ، لحسم التحديات المختلفة التى تكتنف هذه المواجهة . وقد رأينا فى هذا المقام تقسيم هذا البحث إلى ثلاثة فصول : (الأول) فى الإطار القانونى لمواجهة الإرهاب ، لتحديد المفاتيح القانونية التى تنطلق منها المواجهة وتحديد المسرح القانونى الذى تتم المواجهة على أرضه . و(الثانى) فى السياسة الجنائية لمواجهة الإرهاب . وهو ما تطلب تحديد البعد الدولى لهذه السياسة الجنائية ، ومفاهيم كل من الشرعية الدولية والشرعية الدستورية التى تحكم هذه السياسية الجنائية ، ثم عرض بعض الجهود الوطنية لرسم السياسة الجنائية لمواجهة الإرهاب . و(الثالث) فى التوازن بين المحافظة على الأمن وحماية حقوق الإنسان . ويتناول هذا الفصل الأخير الأساس الشرعى لهذه المواجهة ، ويقدم حلا لمعيار التوازن مستمدا من القضاء الدستورى وهو اعتناق مبدأ الضرورة والتناسب لإقامة التوازن المنشود . وفى إطار هذا التوازن نعرض فى هذا الفصل وسائل مواجهة الإرهاب ما بين المنع والقمع والنظام الاجرائى .

إن المقصود بهذا البحث ليس تقديم حلول قانونية لظاهرة الإرهاب وليس شرح قانون معين ، بل على العكس من ذلك فإن الهدف هو محاولة وضع نظرية عامة لهذه المواجهة لوضع ضوابطها القانونية لتكون محل الاعتبار عند تحديد الأحكام القانونية لمواجهة الإرهاب .

الفصل الأول
الإطار القانونى لمواجهة الإرهاب

1- التحديات المختلفة للإرهاب :

عُرفت ظاهرة الإرهاب منذ القرن التاسع عشر وتعددت أشكالها واختلفت باختلاف الزمان والمكان وتنوعت باختلاف البواعث والأسباب . وقد ازداد تصاعد خطورة الإرهاب منذ منتصف القرن العشرين حيث انتشرت العولمة فأصاب التحول كثيراً من المجتمعات وغزتها ثورة المعلومات وتقدم التكنولوجيا ، وتحققت سهولة انتقال الأشخاص والأمـوال ، مما قضى على المسافات بين الدول . وقد زامن هذه المتغيرات وقوع كثير من الأزمات السياسية فى بقاع كثيرة من العالم وخاصة فى البلقان والشرق الأوسط.

وبينما كان العالم ينشد الرخاء والاستقرار من خلال نظام اقتصادى دولى جديد ، جاء الإرهاب لكى يعرض الأمن والاستقرار للخطر لا فى المجتمع الوطنى فحسب بل فى المجتمع الدولى بأسره ، وحمل فى جنباته شكلا جديدا من الإجرام المخيف صاحبه استخدام وسائل تكنولوجية حديثة أو بالغة التعقيد فى بعض الأحوال .

ومنذ نهاية القرن العشرين وبداية هذا القرن لعبت ظاهرة الإرهاب دورا فى الحياة السياسية على المستوى الدولى مما دفع إلى التساؤل عـن الأهداف التى يبغيها الإرهاب فى الحياة السياسية المعاصرة ، وخاصـة فى ضوء أحداث 11 سبتمبر فى الولايات المتحدة و 7 يوليو فى بريطانيـا و11 سبتمبر فى أسبانيا و 11 يوليو فى بومباى بالهند. وهو تساؤل لم يظهر على السطح عندما بدت نظم الحكم الإرهابية الوطنية ومارست الإرهاب على السكان الوطنيين كما فى فرنسا فى عصر روبسبير، وفى الاتحاد السوفيتى فى عصر ستالين.

وقد ألقى الإرهاب تحديات مختلفة على كاهل الدول لمواجهة الإرهاب . ومن هذه التحديات البحث عن أسبابه لمواجهته جذريا لا لتبرير وقوعه، وازدياد الحاجة إلى البحث عن وسائل تحول دون وقوعه. وتحت تأثير الاعتقاد بوجود أسباب اجتماعية وثقافية للإرهاب زادت الدعوة إلى الحد من الهجرة والبحث عن ضمانات لاندماج المهاجرين في المجتمع لكفالة التفاعل الثقافي الاجتماعي الديني داخل المجتمع الواحد. كما اشتدت الدعوة إلى الحوار بين الثقافات وسط زعم قائل بوجود صراع فيما بينها.

كما ألقى الإرهاب بعواقبه الوخيمة تحديات سياسية وأمنية واقتصادية، وخاصة في ضوء الالتزام الدولي بهذه المواجهة ، مما يتعلق باستقرار البلاد وأمنها وبحماية القيم الديمقراطية وحرية التعبير بعيدا عن استخدام العنف.

وتحت تأثير أحداث الإرهاب وتحدياته أصدر مجلس الأمن قرارا ملزما للدول تحت الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة بشأن مكافحة الإرهاب هو القرار رقم 1373 في 28 سبتمبر سنة 2001 دعا فيه الدول الأعضاء إلى الانضمام إلى الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية المتعلقة بالإرهاب.

2- التحديات القانونية لمواجهة الإرهاب:

تتطلب مواجهة الإرهاب التعامل مع التحديات التي تمليها دولة القانون، ومتطلبات الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان. وهى تحديات تنبعث من مبادئها مضافا إليها قيم العدالة. ولهذا احتلت جريمة الإرهاب جانبا مهما من مسئوليات النظام القانوني. وقد ارتكزت هذه المسئولية في القدرة على التوازن بين متطلبات المبادئ الأساسية للقانون والديمقراطية وحقوق الإنسان وإعلاء قيم العدالة، ومتطلبات مكافحة الإرهاب فى منع الجريمة أو العقاب عليها. ولم تعد التحديات القانونية لمواجهة الإرهاب قطاعا منفصلا عن غيرها من التحديات ، بالنظر إلى أن عالمية حقوق الإنسان وقيم الديمقراطية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من قيم المجتمع الدولى بحكم الشرعية الدستورية فى دساتير مختلف الدول، مما جعلها إطاراً لا يمكن تجاوزه لمواجهة الإرهاب بكافة وسائله أيا كان التكييف القانونى للإرهاب. وهو ما يجعل التحديات القانونية فى مواجهة الإرهاب ركنا ركينا فى المواجهة الشاملة للإرهاب على اختلاف أنواعها وأبعادها .

ولا تقتصر التحديات القانونية للإرهاب على القانون الداخلى فى المجتمعات الوطنية ، بل تمتد إلى القانون الدولى في المجتمع الدولي، بما فى ذلك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الجنائي.

ولهذا عنيت الأمم المتحدة بوضع إستراتيجية لمواجهة الإرهاب بمقتضى القرار الذي اتخذته جمعيتها العمومية في 8 سبتمبر سنة 2006 وملحق هذا القرار الذي يتضمن خطة العمل.

ويعتبر هذا القرار علامة فارقة سجلت لأول مرة موافقة جميع الدول على وضع إستراتيجية لمكافحة الإرهاب. وتمثل هذه الإستراتيجية الإطار العالمي الأول لمواجهة الإرهاب. وقد دعت هذه الإستراتيجية الدول الأعضاء للعمل مع نظام الأمم المتحدة لتطبيق خطة العمل التي تتضمنها الإستراتيجية. وقد أدمجت هذه الإستراتيجية معايير حكم القانون عند تنفيذ وثائق الأمم المتحدة المتعلقة بالإرهاب. وقد أنشئت في نطاق الأمم المتحدة لجنة لمواجهة الإرهاب (Counter- Terrorism Committee) طلبت من مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة في فيينـا وضع إرشادات للدول عند تشريع وتطبيق وسائل محاربة الإرهاب. وتنفيذا لذلك وضع المكتب سنة 2006 قائمة بالإرشادات تضمنت ثلاثة أقسام:الأول في الأعمال المجرمة،والثاني في الوسائل التي تضمن التجريم الفعال،والثالث في القانون الإجرائي، والرابع في وسائل التعاون الدولي في المسائل الجنائية. ووضع المكتب في نهاية الإرشادات مشروع قانون ضد الإرهاب. وطلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2006 من مكتب المخدرات والجريمة في فيينا بالاستمرار في جهوده لمد الدول الأعضاء بالمساعدة الفنية – بناء على طلبها – لدعم التعاون الدولي في مجال منع ومحاربة الإرهاب مـن خلال تسهيل التصديق على الاتفاقيات والبروتوكولات العالميـة المتعلقـة بالإرهاب وتطبيقها – وذلك لتقوية نظم عادلة وفعالة للعدالة الجنائية، وتدعيم حكم القانون، باعتبار ذلك عنصراً لا يتجزأ من أية إستراتيجية لمواجهة الإرهاب. وقد قام المكتب بإعداد ورقة عمل بشأن هذه المساعدة تتكون من قسمين:الأول في مسئولية الدولة في الحماية ضد الإرهاب،والثاني في نطاق وعناصر إستراتيجية العدالة الجنائية والتي تكافح الإرهاب. وفي مايو سنة 2007 نظم مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة في فيينا ندوة حول تطبيق إستراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب.

3- تعريف الإرهاب:

يفيد تعريف الإرهاب في تحديد نطاقه القانوني فهو إما أن ينصرف إلى سلوك يباشره الأفراد أو يشير إلى سلوك ترتكبه جماعات معينة أو تباشره الدولة. ويفيد تعريف الإرهاب في تحديد نوع رد الفعل القانوني تجاهه على المستويين الوطني والدولي. وفى غمار البحث عن هذا التعريف ثار العديد من المشكلات فى ضوء تضاعف أعمال الإرهاب فى الآونة الأخيرة أدت إلى المزيد من التعمق عند البحث فى تعريف الإرهاب[1] وقد أدى ذلك إلى التساؤل عما إذا كانت التعريفات الواردة فى الوثائق الدولية صالحة لمواجهة الإرهاب ومتلائمة مع المبادئ الأساسية للقانون وخاصة القانون الجنائى. كما ارتفع التساؤل فيما إذا كان استخدام وسائل معينة تثير الرعب فى النزاعات المسلحة يعتبر إرهابا، وعما إذا كان المحاربون من أجل التحرير والاستقلال يعتبرون إرهابيين. وتضاعفت المشكلات فى ضوء الاستخدام المفرط للوسائل العسكرية فى مواجهة بعض أعمال الإرهاب وما تخلله من قتل بغير محاكمة قضائيةExtra-Judicial killing وتجاهل بعض الممارسات للالتجاء إلى القانون الجنائى فى هذه المواجهة .

ويتطلب حل هذه المشكلات عدم الوقوف عند تعريف الإرهاب بل التصدى بالبحث عن تكييفه القانونى.

ويتطلب تعريف الإرهاب على المستوى الوطنى موقفا تشريعيا يتخذه المشرع الوطنى عند مواجهته للإرهاب. ويتحدد هذا الموقف فى ضوء أركان الإرهاب التى يتطلبها المشرع لوقوع الإرهاب حتى يقع تحت طائلة العقاب الجسيم الذى يحدده التشريع، ولكى يخضع للنظام الإجرائى الذى نص عليه المشرع.

وقد قدم المشرع المصرى فى قانون العقوبات المعدل بالقانون رقم 97 لسنة 1992 تعريفا للإرهاب فى المادة 86 إذ نصت على أن ” يقصد بالإرهاب فى تطبيق أحكام هذا القانون كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع، يلجأ إليه الجانى تنفيذا لمشروع إجرامى فردى أو جماعى، بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو
حرياتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو بالاتصالات أو المواصلات أو بالأموال أو بالمبانى أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها، أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو اللوائح”.

وواقع الأمر فإن تعريف الإرهاب يعد من المسائل القانونية التى يرتكز عليها النظام القانونى الذى يخضع له سواء من الزاوية العقابية أو الزاوية الإجرائية. وأيا كان المنهج الذى يعتنقه المشرع الوطنى فى هذا التعريف إلا أنه يجب أن يضع فى اعتباره العناصر المتغيرة التى تحكم هذا التعريف[2] .

4- العناصر الواجب توافرها فى الإرهاب :

تتمثل أهم هذه العناصر فيما يلى:

(1) العنف الذى يصيب الحياة وأمن الأشخاص أو الأموال أو تعريضها للخطر على وجه يشيع الرعب.
(2) القصد من ارتكاب العنف وهو إشاعة الرعب بين الناس والإخلال بالنظام العام أيا كانت دوافعه سياسية كانت أو أيديولوجية أو اقتصادية.
(3) تحديد المجنى عليهم ومدى اشتراط أن يكونوا من المدنيين فقط. فعلى سبيل المثال تطلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى قرارها الصادر سنة 1999 أن يهدف الإرهاب إلى التسبب فى إلحاق الموت أو الجرح الجسيم بالمدنيين. هذا بخلاف قرار مجلس الأمن رقم 1566 الصادر فى أكتوبر سنة 2004 فقد أشار إلى الأعمال الإرهابية التى تقع على ضحايا من بينهم المدنيين. ولا زال هذا العنصر محل خلاف عند تعريف الإرهاب. إلا أن اتفاقية جنيف لسنة 1949 نصت على تحريم أعمال الإرهاب ضد الأشخاص المحميين بهذه الاتفاقية، ونص بروتوكولها الأول فى المادة 51 على منع أعمال العنف أو التهديد التى تستهدف أصلا نشر الرعب بين السكان المدنيين مما يعنى أن الإرهاب قد يصيب المدنيين أو المتحاربين سواء بسواء دون إخلال بإخضاعه فى ذات الوقت لقانون الحرب المتمثل فى اتفاقيات جينيف .
(4) مدى اشتراط سقوط عدد كبير من الضحايا، ومدى اشتراط التنظيم فى مرتكبى الإرهاب.

5- الجهود الدولية لتعريف الإرهاب :

وقد كانت اتفاقية جنيف حول الإرهاب الصادرة عن عصبة الأمم المتحدة سنة 1937 على أثر اغتيال الملك الكسندر الثالث ملك يوغسلافيا ووزير خارجية فرنسا في مارسيليا سنة 1934. قد تولت تعريف الإرهاب، إلا أن هذه الاتفاقية لم تطبق بسبب عدم استيفاء النصاب المطلوب للتصديق. وساهم في عدم الإقبال على التصديق أن هذه الاتفاقية اقترحتها فرنسا عندما رفضت ايطاليا تسليم المتهمين بارتكاب الجريمة بدعوى أنها جريمة سياسية.

وقد حاولت منظمة الدول الأمريكية سنة 1971 وضع مشروع لاتفاقية لمحاربة الإرهاب ضمنته صياغة لتعريف عام للإرهاب؛ إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل. إلا أن ذلك لم يمنع الولايات المتحدة من الاستمرار في مناقشة الموضوع فاقترحت سنة 1972 مشروع اتفاقية لقمع ومعاقبة بعض أعمال الإرهاب الدولي. وقررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 3034 لسنة 1972 إنشاء لجنة خاصة بالإرهاب الدولي لفحص هذه المسألة من جميع نواحيها[3]. إلا أن هذه اللجنة عجزت عن تقديم تعريف للإرهاب في تقاريرها المقدمة فى عامى 1973 و1979. واتضح اعتبارا من تقرير اللجنة سنة 1973 انه على الرغم من أن كل الأمم أرادت تجريم الإرهاب، إلا أن كثيرا من الدول فسرت الإرهاب الدولي بطريقة مختلفة. فبينما أرادت كل دولة أن تعتبر الأعمال الإرهابية خرقا للقانون إلا أنها أرادت أن تقصر ذلك على الأعمال التي تمس سيادتها الوطنية. بالإضافة إلى أن مناقشة استبعاد النزاع المسلح الذي يصدر عن قوى التحرير الوطنية من تعريف الإرهاب حال دون أى تقارب في تعريف الإرهاب. وجاء تقرير اللجنة الخاصة سنة 1979 خاليا من أى تقدم في تعريف الإرهاب. واقتصر الأمر على صدور قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1979 يدعو الدول الأعضاء إلى الوفاء بالتزاماتها وفقا للقانون الدولي من حيث الامتناع عن التنظيم أو التشجيع أو المساعدة أو الاشتراك في أعمال إرهابية ضد دولة أخرى. وبعد عشر سنوات من ذلك، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1985 القرار رقم 61 الذي دعت فيه إلى تجريم الأعمال الإرهابية بغض النظر عن دوافعها. وفي سنة 1987 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 159 دعت فيه السكرتير العام إلى إعداد تقرير حول إمكان عقد مؤتمر دولي لتعريف الإرهاب والتمييز بينه وبين الكفاح من أجل التحرير الوطني، وقد تضمنت تقارير السكرتير العام دعم عدد من الدول لتعريف الإرهاب والدعوة إلى عقد مؤتمر دولي بشأنه.

ومن ناحية أخرى بذلت لجنة القانون الدولى جهوداً مضنية فى سبيل تعريف جريمة الإرهاب بوصفها جريمة ضد السلام . وجاء النظام الأساسى للمحكمة الدولية الجنائية فخلا من التعرض لجريمة الإرهاب. كما خلا منها النظام الأساسى للمحكمة الدولية الجنائية الخاصة بيوغسلافيا السابقة، بخلاف النظام الأساسى للمحكمة الدولية الجنائية الخاصة برواندا، فقد تضمن فى مادته الرابعة الأعمال الإرهابية ضمن ما يدخل فى اختصاصها دون إعطاء أى تعريف للإرهاب .

وفى عام 1996 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها الواحدة والخمسين القرار رقم 210 بإنشاء لجنة خاصة من أجل وضع عدد من الوثائق الدولية ضد الإرهاب ، وبالأخص وثيقة عامة لمكافحة الإرهاب. وقد حاولت هذه اللجنة الخاصة وضع اتفاقية عامة حول الإرهاب الدولى على أساس مشروع قدمته الهند سنة 1996 وروجع سنة 2000 ، وعلى هذا الأساس تكونت مجموعة عمل لوضع تدابير تهدف إلى التخلص من الإرهاب الدولى . إلا أن المناقشات التى دارت حول هذا الشأن أبرزت عدداً من المشكلات السياسية والأيديولوجية والقانونية حول عدم وجود تعريف للإرهاب يمكن في ضوئه تحديد نطاق هذه الاتفاقية، وخاصة فيما يتعلق بالتمييز بين الإرهاب وبين المكافحة المشروعة للشعوب أثناء ممارسة حقوقها فى تحديد المصير والدفاع الشرعى ضد العدوان والاحتلال. كما ثارت مشكلات قانونية حول التسليم بما سمى بإرهاب الدولة . وقد أدى ذلك إلى عدم الوصول إلى وفاق عام يسمح بوضع اتفاقية دولية عامة حول الإرهاب الدولى .

وعلى الرغم من تعثر جهود المجتمع الدولى نحو عقد اتفاقية عامة حول الإرهاب ، فقد نجح المجتمع الدولى حتى الآن من الناحية العملية فى مواجهة بعض أعمال الإرهاب من خلال عقد 13 اتفاقية وبروتوكولا دوليا لمواجهة أعمال الإرهاب تتمثل فيما يلى :

– ثلاث اتفاقيات بشأن قمع الأعمال غير المشروعة ضد سلامة الطيران المدنى وهى :

1- اتفاقية بشأن الجرائم والأعمال الأخرى التي تمت على متن الطائرة (1963).

2- اتفاقية بشأن مكافحة الاختطاف غير المشروع للطائرة (1970).

3- اتفاقية بشأن مكافحة الأعمال غير المشروعة ضد سلامة الطيران المدني (1971).

– اتفاقيات اخرى:

4- اتفاقية بشأن مكافحة ومعاقبة الجرائم ضد الأشخاص المحمية بما في ذلك الممثلين الدبلوماسيين (1973) وذلك على أثر اغتيال رئيس وزراء الأردن وقتل عدد من الدبلوماسيين السودانيين .

5- الاتفاقية الدولية ضد خطف الرهائن (1979) .

6- اتفاقية بشأن الحماية ضد المواد النووية (1980).

7- بروتوكول بشأن مكافحة أعمال العنف في المطارات (1988) التى تخدم الطيران المدنى الدولى.

8- اتفاقية بشأن مكافحة الأعمال غير المشروعة ضد سلامة الملاحة البحرية (1988)، وذلك كرد فعل لاختطاف الباخرة (أكيلا لاوروAchille Louro) وقتل أحد ركابها.

9- بروتوكول لمكافحة الأعمال غير المشروعة ضد سلامة الأرصفة المثبتة في الجرف القاري (1988).

10-الاتفاقية الدولية لقمع الاعتداءات الإرهابية التى تستخدم المتفجرات البلاستيكية (1991) .

11-الاتفاقية الدولية لقمع الإرهاب بواسطة إلقاء القنابل (1997) وتغطى هذه الاتفاقية استخدام كل الاعتداءات الإرهابية بواسطة أسلحة الدمار الشامل.

12- الاتفاقية الدولية بشأن تمويل الإرهاب (1999).

13- الاتفاقية الدولية لقمع الإرهاب النووى (2005) .

وتمثل هذه الاتفاقيات فى مجموعها قانونا دوليا لمكافحة الإرهاب.

وبجانب الاتفاقيات الدولية وجدت اتفاقيات أخرى على الصعيد الإقليمى مثل الاتفاقية الإقليمية لجنوب آسيا حول مكافحة الإرهاب الموقعة سنة 1987 والمعمول بها سنة 1998 ، والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الموقع عليها سنة 1998 التي تبنت تعريف الإرهاب الذي أخذ به قانون العقوبات المصرى، واتفاقية منظمة المؤتمر الإسلامى حول مكافحة الإرهاب الدولى سنة 1999، واتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية حول مكافحة الإرهاب سنة 1999، واتفاقية شنغهاي لمكافحة الإرهاب سنة 2001 ، كما أصدر مجلس اتحاد أوروبا قراراً فى 13 يونيه سنة 2002 وضع فيه إطاراً عاماً لمكافحة الإرهاب، وقد تضمنت المادة الأولى من هذا القرار تعريفا تفصيليا لجرائم الإرهاب التى طالبت الأعضاء بتضمينها فى القوانين الوطنية والأوروبية. وقد عنى هذا القرار بتحديد الأعمال الإرهابية التى ينطبق عليها وصف الجرائم الإرهابية، وطالب الدول الأعضاء باتخاذ التدابير اللازمة لضمان أن هذه الأعمال تعتبر جرائم وفقا للقانون الوطنى والتى تؤدى بسبب طبيعتها أو مضمونها إلى إلحاق الضرر بالدولة وبالمنظمة الدولية متى كانت قد ارتكبت بقصد أحداث الرعب الجسيم بالسكان أو إكراه حكومة أو منظمة دولية للقيام بعمل أو امتناع عن عمل، أو إحداث انقلاب أو تدمير النظام الأساسى السياسى أو الدستورى أو الاقتصادى أو الاجتماعى للدولة أو لمنظمة دولية.

وفي هذا السياق أصدرت جمعية الاتحاد البرلماني الدولي الثانية عشرة بعد المائة في مانيلا سنة 2005 قرارا يوصى فيه كافة البرلمانات بوضع تعريف دقيق لطبيعة ظاهرة الإرهاب وخصائصها الحقيقية بغرض التمكن من مواجهتها.

6- التكييف القانون للإرهابى:

تنازعت التكييف القانونى للإرهاب ثلاثة أوصاف قانونية؛ الأول يعبر عن وجهة نظر المشرع الوطنى ويعتبر الإرهاب جريمة جنائية قائمة بذاتها . والثانى يعبر عن وجهة نظر المجتمع الدولى ويعتبر الإرهاب جريمة دولية . والثالث يعبر عن قرار سياسى داخل المجتمع الدولى ، ويعتبر الإرهاب نزاعا مسلحا يواجه بالحرب .

ويخضع الوصف الأول للإرهاب للشرعية الدستورية التى تحكم القانون الوطنى . بخلاف الوصفين الثانى والثالث فيخضعان للشرعية الدولية المتمثلة فى أحكام القانون الدولى .

وفيما يلى نعرض لهذه الأوصاف القانونية :

7- (أولا): الإرهاب جريمة جنائية وطنية :

يرى المشرع الوطنى أن الإرهاب جريمة جنائية نظرا لما يتوافر فيها من أبعاد مختلفة من الجرائم، مثل القتل واستخدام المفرقعات، والاغتصاب، والسطو والسرقة والإتلاف. فهى على هذا الأساس جريمة فوقية تتميز بالعنف الذى وصفه البعض بأنه من خصائص الحرب أو النزاع المسلح.

ويتطلب التكييف القانونى لجريمة الإرهاب تعريفا قانونيا للجريمة يحدد أركانها يتبناه المشرع وفقا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، مع الالتزام بمبادئ الضرورة والتناسب عند التجريم والعقاب للأفعال التى يتضمنها هذا التعريف.

وتتميز هذه الجريمة بذاتية خاصة من الناحية القانونية نظرا إلى جسامتها وهو ما ينعكس بوجه خاص فى تجريم مجرد تأسيس الجماعات الإجرامية ومختلف الأعمال التى تساعد على وقوع الإرهاب ومن بينها التمويل . وفى هذا الصدد يثور البحث عما إذا كان الإرهاب فى حد ذاته يعتبر جريمة جنائية أم مجرد ظرف مشدد بالنظر إلى وسائله أو أهدافه أو ضحاياه . ولاشك أن العامل الإرهابى فى تكوين الجريمة يتجاوز مجرد كونه ظرفا مشددا فى جريمة عادية ويندمج فيها اندماجا بحيث يصبح مكونا طبيعيا فيها كاشفا لخطورتها وخطورة مرتكبيها[4]. وأمام خطورة هذه الجريمة يخضع الإرهاب لنظام إجرائى متميز يراعى فيه مدى جسامتها ومختلف أبعادها ومنها البعد الدولى إذا ما تجاوزت أفعاله حدود دولة معنية . فمعيار الإقليمية ليس حاسما فى تحديد الاختصاص القضائى ، بل ينظر عند تجاوز أعمال الإرهاب لإقليم الدولة إلى جنسية كل من الجناة والضحايا والى عبور وسائله للأوطان، والى تنظيماته التى قد تصل إلى حد تكوين الخلايا المنظمة فى بعض الدول.

وقد اهتم مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة في فيينا على أثر قرار مجلس الأمن الصادر سنة 2001 بوضع دليل للوثائق الدولية التي تكافح الإرهاب. وقد أشار هذا الدليل إلى أن الإطار القانونى لمكافحة الإرهاب يمكن أن يتم بتعديل القانون الجنائي الوطني في شقيه العقابي والإجرائي، أو بالاقتصار على التصديق على الوثائق الخاصة بمكافحة الإرهاب في الدول التي تعطى الوثائق المصدق عليها قوة القانون مع تعديل قوانينها الوطنية بما يتفق مع التزام الدولة المترتب بناء على هذا التصديق.

8- (ثانيا) : الإرهاب جريمة دولية :

تعتبر جريمة الإرهاب من الجرائم الدولية إذا كانت مخالفة للقواعد الدولية التى تترتب عليها المسئولية الجنائية الشخصية ، سواء تلك التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية أو تضمنتها القواعد الدولية العرفية ([5]Customary rules. ويتطلب ذلك توافر العناصر الآتية:

1- ألا تقتصر حدود الإرهاب على دولة بعينها وإنما يتجاوز الحدود الوطنية للدولة سواء فيما يتعلق بالمتهمين أو بالوسائل المستخدمة أو بنوع العنف المستخدم .
2- أن تتم الأعمال الإرهابية بدعم أو بتشجيع أو بموافقة الدولة التى يوجد فيها مرتكبو هذه الأعمال أو بدعم دولة أجنبية (المادة 2 من اتفاقية المعاقبة على تمويل الإرهاب) . ومن قبيل ذلك استخدام بعض وسائل الإعلام لخدمة أهدافها.
3- تعلق الإرهاب بالمجتمع الدولى بأسره ، وذلك على نحو يمكـن اعتبـاره تهديدا لأمن هذا المجتمع وقد وصفه البعض[6] بأنه أصبح عدوا لمجتمع الدولة الوطنية والمجتمع الدولى ، بل هو عدو أكثر ضراوة لأنه لا يقبل أى حل تفاوضى ولا يبغى سوى النصر مهما كان الثمن غاليا فى فقد الأرواح والدمار الذى يحققه.
4- أن تبلغ هذه الأعمال حدا كبيرا من الجسامة تبدو فى أدواته التى تصل إلى حد استخدام التكنولوجيا الحديثة أو الوسائل العسكرية التقليدية واتساع نطاقها ، كما إذا زاد عدد ضحاياه. وفى هذه الحالة لا ينظر إلى المجنى عليهم كأفراد وإنما ينظر إلى الإنسانية كلها كمحل لهذا الاعتداء.
وإذا كان استيفاء هذه العناصر لازما لاعتبار الإرهاب تهديدا للأمن الدولى ، فقد استتبع ذلك اعتباره في ذات الوقت جريمة دولية ، باعتباره ماسا بالقيم التى يؤمن بها المجتمع الدولى .

ويتنازع الإرهاب – كجريمة دولية – ثلاثة أنواع من الأوصاف القانونية وفقا للقانون الدولى ؛ الأول بصفته مجرد جريمة دولية، والثاني بصفته جريمة ضد الإنسانية، والثالث بصفته جريمة حرب.

والوصف الأول للإرهاب كجريمة دولية لا يتوافر إلا إذا وقع أثناء السلم متى توافرت فيه عناصر الجريمة الدولية كما بينا آنفا.

والأصل أن الدول من خلال من يشغلون وظائف المسئولية فيها هم الذين يرتكبون الجرائم الدولية، إلا أن ذلك لا يستبعد ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية ضد السكان المدنيين بواسطة جماعات من الأفراد لا تعتبر من أجهزة الدولة، وهو ما يثير إمكان وقوع أعمال إرهابية بواسطة هذه الجماعات[7] .

أما الإرهاب كجريمة حرب فانه يقع أثناء النزاع المسلح متى استخدمت وسائل إرهابية في القتال عن طريق نشر الرعب بين السكان المدنيين، وفى هذه الحالة يعتبر الإرهاب جريمة حرب لمخالفة القانون الدولى الإنسانى. فإذا بلغت الأعمال الإرهابية حدا كبيرا من الجسامة تعتبر أيضا جريمة ضد الإنسانية(كما إذا كانت الأعمال الإرهابية قد وقعت بطريقة منظمة على المدنيين)[8]

9- أعمال الكفاح المسلح التى تمارسها جماعات التحرير :

وقد ثار الخلاف بوجه خاص بالنسبة إلى الأعمال التى تمارسها جماعات التحرير أثناء الحرب وما إذا كانت تعتبر إرهابا أو جريمة حرب . وقد كان هذا الخلاف أحد الدوافع نحو العجز عن الوصول إلى تعريف عام للإرهاب فى مشروع عقد اتفاقية عامة للإرهاب بواسطة الأمم المتحدة.

لقد نصت المادة الثانية من الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب (1998) على أنه لا تعد جريمة، حالات الكفاح، بمختلف الوسائل، بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي والعدوان من أجل التحرر وتقرير المصير، وفقا لمبادئ القانون الدولي. وسارت على نفس المنوال اتفاقية منظمة المؤتمر الإسلامي حول الإرهاب الدولي (1999). واتفاقية مكافحة الإرهاب لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية (2006) ويرجع النص على إباحة الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبى والعدوان من أجل التحرر وتقرير المصير إلى حق حركات التحرير الوطنى فى استخدام القوة لتقرير المصير . فبعد الحرب العالمية الثانية استخدمت الدول التى كانت ترزح تحت نير الاستعمار القوة من أجل الحصول على استقلالها . مثال ذلك تونس والجزائر والمغرب فى مواجهة فرنسا ، ومالايا وكينيا ، وقبرص ومصر فى مواجهة بريطانيا ، واندونيسيا فى مواجهة هولندا ، والهند لطرد البرتغال من مستعمراتها فى جاوا[9] وغينيا بيساو وانجولا وموزمبيق فى مواجهة البرتغال ، وناميبيا فى مواجهة جنوب أفريقيا . وقد صدر من الجمعية العامة للأمم المتحدة أول قرار أكد حق استعمال القوة فى مواجهة حق تقرير المصير (القرار رقم 1514 لسنة 1960)، والقرار رقم 2015 لسنة 1964 الذى اعترف بشرعية الكفاح بواسطة الشعوب الرازحة تحت حكم الاستعمار فى ممارسة حقها فى تقرير المصير والاستقلال والذى دعا كل الدول لتقديم المساعدة المادية والأدبية لحركات التحرير الوطنى فى الأراضى المستعمرة . كما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارات حول المستعمرات البرتغالية والوضع فى ناميبيا أكدت فيه شرعية كفاح الشعوب فى هذه الأقاليم بجميع الوسائل المتاحة لها[10]. ومنذ سنة 1973 أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى قرارها السنوى دعمها للكفاح المسلح للحصول على استقلال البلدان المستعمرة . وأصدرت الأمم المتحدة سنة 1987 قرارها رقم 103 الذى ينص على حق الدول فى دعم حق تقرير المصير ينطوى على من هذه الشعوب فى استخدام كل من الكفاح السياسى والمسلح.

وبينما دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة الدول لدعم الشعب الفلسطينى فى كفاحه لاستعادة حقه فى تقرير المصير (القرار رقم 41 لسنة 1986) ، قررت فى عام 1987 حق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير دون أن تشر إلى حقه فى استخدام القوة . وأكدت الجمعية العامة سنة 1991 حق الشعوب فى تقرير المصير بجميع الوسائل .

وقد علق البعض[11] على الاستثناء الخاص بحركات التحرير بأنه لا يشير بوضوح عما إذا كان يشمل جميع الأعمال العسكرية التي تباشرها حركات التحرير، فتعتبر بذلك مستثناة من الوقوع تحت طائل وصف الإرهاب، وعما إذا كان يوجب في هذه الأعمال لكى تنحسر عنها خصائص الإرهاب ألا توجه مباشرة ضد المدنيين لنشر الرعب أو الخوف. وقد أشير في هذا الصدد إلى ثلاثة مواقف مختلفة: (الأول) ويرى عدم إدراج جميع أعمال حركات التحرير التي تعمل من أجل تقرير المصير من الوقوع تحت وصف الارهاب، حتى ولو اشتملت على الاعتداء على المدنيين، مما دفع إلى طرح التساؤل عن القانون الذي يحكم هذه الأعمال في هذه الحالة. وقد تجلى هذا الموقف عند تحفظ كل من باكستان سنة 2002 عند التصديق على اتفاقية محاربة الإرهاب بالقنابل (1997)، وعند تحفظ كل من مصر والأردن وسوريا عند التصديق على اتفاقية تمويل الإرهاب (1999).

(الثاني) ويرى أن الأعمال التي تباشرها جماعات التحرير أثناء الحرب تظل خاضعة للقانون الدولي الإنساني الذي يحكم النزاعات المسلحة، مما يعني أن هذه الأعمال تعتبر جرائم حرب ويجعلها خاضعة لأحكام كل من القانون الدولي الانسانى والقانون الوطني سواء بسواء. وقد أخذت بهذا الرأى مجموعة الدول الغربية المشكلة لوضع مشروع اتفاقية الأمم المتحدة لمواجهة الإرهاب ، كما أخذ به القرار الإطارى الذى أصدره مجلس الاتحاد الأوروبى بشأن الإرهاب فى 13 يونيه سنة 2002[12]و(الثالث) وقد وقف في وسط الطريق[13].ويرى الجمع بين تطبيق القواعد الدولية الخاصة بالإرهاب والقانون الدولى الإنسانى ، مما مؤداه أن يحمل الإرهاب وصفين قانونيين الأول هو الإرهاب , والثانى هو الإرهاب جريمة حرب التى قد تصل إلى اعتبارها جريمة اعتداء على الإنسانية . وقد ظهر هذا الرأى فى اتفاقية الأمم المتحدة بشأن مكافحة تمويل الإرهاب ، وفى القانون الكندى الخاص بالإرهاب[14] ، كما انحاز إليه السكرتير العام للأمم المتحدة فى تقريره المقدم للجمعية العامة للأمم المتحدة فى 27 من أبريل سنة 2006. وقد أتخذ مؤيدو هذا الرأى موقفهم للالتفاف على الرأى الذى يستبعد أعمال جماعات التحرير من تطبيق القانون الدولى الإنسانى ، لكى يجعل أعمالهم مندرجة تحت وصف الإرهاب رغم استبعادها من نطاق جرائم الحرب.

وقد استخلص البعض[15] من هذه المواقف الثلاثة أن الإرهاب كجريمة دولية تقع أثناء السلم متى استهدفت احداث الرعب بين المدنيين أو المنشآت العامة أو الخاصة أو ممثليها، وأن الإرهاب أثناء السلم قد تتوافر فيه سمات الجريمة ضد الإنسانية. أما الإرهاب أثناء النزاع المسلح فانه يقع تحت طائل التجريم متى استهدف المدنيين أو غيرهم ممن ليس لديهم دور ايجابي في النزاع المسلح، وذلك بقصد نشر الرعب بين السكان المدنيين. وأشار هذا التعليق إلى أن أصحاب الموقف الأول لا يقدمون أى حل بديل يواجه مخالفة القانون، بينما يعتبر أصحاب الموقف الثاني هذه الأعمال من جرائم الحرب، بخلاف أصحاب الموقف الثالث الذين يجمعون بين الموقف الثاني وقواعد الإرهاب في زمن السلم. واستخلص صاحب هذا التعليق بأن تطور التنظيم القانوني للإرهاب وقت الحرب قد يقود إلى فئة جديدة من الجرائم تسمى بجرائم الحرب الشبيهة بالإرهاب، وأن الإرهاب وقت النزاع المسلح هو نوع خاص من الجرائم الدولية نتيجة الجمع بين تطبيق كل من القانون الدولي الإنساني والقواعد العامة للإرهاب[16] . وواقع الأمر ، فلا يجوز أن نغفل أن الاتفاقيات التى أخرجت أعمال الكفاح التى تباشرها جماعات التحرير من نطاق جريمة الإرهاب قد اشترطت لذلك أن تتم وسائل الكفاح وفقا لمبادئ القانون الدولى ، مما يشير إلى الضوابط التى يجب أن تتسم بها هذه الأعمال حتى تكون بمنأى عن الوقوع تحت طائل التجريم . وقد حددت اتفاقيات جنيف هذه الضوابط.

10- المعنى الضيق للإرهاب كجريمة حرب:

ويلاحظ أنه وفقا للقانون الدولي الإنساني فإن الإرهاب كجريمة حرب له معنى أضيق من معناه في القانون الدولي للسلم. ويبدو ذلك فيما يشترط في هذا الإرهاب الذى يعتبر جريمة حرب أن يقع ضد المدنيين أو ضد أشخاص ليسوا أطرافا في النزاع المسلح. ولهذا قضت المحكمة الدولية الجنائية ليوغسلافيا السابقة بإدانة الجنرالGalic قائد ساراييفو عن جرائم الحرب التي وقعت من سنة 1992 و سنة 1995. وجاء في حكم المحكمة أن هذه الجرائم قد ارتكبت بغرض نشر الرعب بين السكان المدنيين[17] .

وقد لوحظ أن معظم الأعمال الإرهابية تقع ضد المدنيين بغير تمييز بينهم وبين المتحاربين.

11- إرهاب الدولة :

وبالإضافة إلى ما تقدم فقد يقع ما يسمى بإرهاب الدولةState Terrorism. ويتحقق إذا ارتكبت الدولة الأعمال الإرهابية ضد الأهداف المدنية وقت الحرب . وفي هذه الحالة يسأل مرتكبو هذا الإرهاب عن جرائمه وفقا للقانون الدولى الإنسانى . كما حددتها اتفاقية جنيف الرابعة (المادة 33/1) التى تسرى على أعمال الإرهاب أثناء النزاع المسلح ، وكذلك يسرى عليه كل من البروتوكول الأول (المادة 51/2) والثاني (المادة 4/2- د) لهذه الاتفاقية[18] .

وقد أشارت السوابق القضائية إلى أن الإرهاب لا يقتصر على الأعمال التى تتم مباشرتها ضد استقرار الدولة بل يشمل كذلك الأعمال التى تتم لصالح الدولة لإشاعة الرعب بين المدنيين كما فى حالة الاحتلال العسكرى[19] .

ووفقا للقانون الدولي العرفي إذا تبين أن مرتكب الجريمة الدولية قد ارتكبها بصفته الرسمية باسم الدولة، فإنه لا يملك التمسك بتمتعه بالحصانة في مواجهة القضاء الجنائي أو المدني وطنيا كان أو دوليا.

ومع ذلك ثار الخلاف حول تكييف الأعمال الإرهابية التى تقع أثناء النزاع المسلح .

12-(ثالثا) : الإرهاب نوع من النزاع المسلح :

أطلق هذا الوصف القانونى تحت تأثير قرار سياسى أمريكى رأى[20] أن الإرهاب قد يكون نوعا من النزاع المسلح إذا ما اتسع نطاقه وزاد تطوره على نحو يطلق عليه الإرهاب الذي يشعل الحرب(Terrorisme guerrier ) . وقد اتخذ هذا الإرهاب صورة العنف الجماعيcollective violence ، فاشتبه بذلك مع الحرب وقد بدأ هذا التشبيه في الولايات المتحدة منذ وقع الصراع بين تنظيم القاعدة في منتصف التسعينيات والإدارة الأمريكية . ويلاحظ أن الحرب نزاع مسلح يحكمه القانون الدولي الذى يضع طرفيه أمام القانون على قدم المساواة.

وقد سبق أن أثير موضوع تبرير حق الدفاع الشرعى للرد على الهجمات الإرهابية قبل 9 سبتمبر سنة 2001 ، فقد تمسكت به الولايات المتحدة وإسرائيل لتبرير استخدام القوة ضد الهجمات الإرهابية على المواطنين فى الخارج. كما سبق استخدام القوة من جانب إسرائيل ضد بيروت للرد على ماسمى بهجمات إرهابية سنة 1968 ضد إسرائيل ، كما استخدمت القوة بواسطة إسرائيل سنة 1985 ضد تونس،واستخدمت القوة بواسطة الولايات المتحدة ضد ليبيا سنة 1986 واستخدمت الولايات المتحدة بتوسع شديد فكرة الدفاع الشرعى لتبرير ردها على الشروع على قتل الرئيس السابق بوش بواسطة عملاء عراقيين فى الكويت سنة1993. كما ردت الولايات المتحدة على الهجمات الإرهابية فى سفاراتها فى كينيا وتنزانيا فى أغسطس سنة 1998 بإلقاء الصواريخ على مخيمات التدريب فى أفغانستان وعلى مصنع كيميائى فى السودان[21].

13- التمييز بين هدف الإرهاب وهدف الحرب:

والإرهاب بحسب طبيعته يحدث اضطرابا يهدد الأمن الداخلي للدولة، ويختلف بذلك عن الحرب الذي يصل بها الأمر إلى تهديد حالة الدفاعménace de défence” لدى الدولة وليس مجرد تهديد أمنها. ولهذا فان مواجهة الإرهاب داخل الدولة يتم بواسطة الشرطة وبواسطة القضاء، بخلاف الحرب فان مواجهتها تتم بالطريق العسكري من خلال القوات المسلحة. ومع ذلك فقد تضطر الدولة إلى استخدام الطريق العسكري لمواجهة الخلايا الإرهابية بداخلها رغم أن أعمالها الإرهابية لا تصدر من دولة أخرى، ولا ينطبق عليها وصف الحرب. وفي فرنسا أشار الكتاب الأبيض حول الدفاع سنة 1994 أن بعض أشكال العدوان مثل الإرهاب يتخذ أبعادا يمكن أن تهدد الأمن أو كيان البلاد، وحياة سكانها أو احترام الدولة لتعهداتها الدولية[22].

ويلاحظ أنه بينما قد يكون الحرب مشروعا بالنسبة إلى أحد طرفيه؛ إلا أن الإرهاب دائما عمل غير مشروع.

14- التمييز بين الإرهاب والنزاع المسلح الداخلى:

ومن ناحية أخرى يتعين التمييز بين الإرهاب والنزاع المسلح الداخلي الذي يخضع للمادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف، فقد عرف البروتوكول الاضافي الثاني النزاع المسلح الداخلي بأنه الصراع الذي يدور داخل إقليم الدولة بين القوات المسلحة للدولة وجماعات مسلحة إذا توافرت فيها أربعة شروط، هى وجود قوة منظمة تحت قيادة مسئولة، وسيطرتها على جزء معين من إقليم الدولة، وتباشر من الناحية الواقعية سلطة على سكان هذا الإقليم، وتملك الوسائل التي تمكنها من احترام الاتفاقيات[23].

والإرهاب بحسب طبيعته لا تتوافر فيه شروط الحرب ولا النزاع الداخلي بالمعنى السالف بيانه، ومن ثم فان مرتكبوه يعتبرون مجرمين لا محاربين.

وإذا كان الإرهاب يتفق مع الحرب في استخدام العنف المسلح إلا أن إطلاق وصف الحرب على الإرهاب لم يعرفه القانون الدولي الذي تنصرف أحكامه إلى حالة الحرب وحالة السلم ولا تعالج حالة وسطا بين الاثنين.

15- تشبيه الإرهاب بحالة الحرب:

ومع ذلك أطلق على الإرهاب وصف الحرب بوجه خاص عقب الأحداث المأساوية الجسيمة التى ارتكبت فى الولايات المتحدة الأمريكية فى 11 سبتمبر سنة 2001 والتي أوضحت بجلاء مدى خطورة هذا الشكل من الإرهاب على المجتمع الدولى. وقد أدى تهديد الأمن الدولى بهذا الحادث الإرهابى إلى أن اعتبره رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بمثابة حرب على الشعب الأمريكى ، فأعلن أمام الكونجرس الأمريكى فى 20/9/2001 حالة الحرب ضد الإرهاب ، ولم يقتصر الرئيس الأمريكى على ذلك بل طبق المادة الخامسة من معاهدة واشنطن معتبرا أن حوادث الحادى عشر من سبتمبر اعتداء ضد جميع أطراف هذه المعاهدة ، أى ضد جميع الدول الأعضاء فى منظمة حلف شمال الأطلنطى وليس فقط ضد الولايات المتحدة ، وقد حدد الرئيس الأمريكى موقعة الحرب ضد الإرهاب فى أفغانستان ، ثم مد ساحة الحرب إلى العراق فى مارس سنة 2003 . ويرجع ذلك إلى أن الإدارة الأمريكية اعتنقت فكرة موسعة عن النزاع المسلح ، وتجلى ذلك فى التعليمات التى وجهتها إلى اللجان العسكرية[24]

وقد لوحظ أن أحداث 11 سبتمبر قد اتخذت شكلا جديدا من الإرهاب شبه بحالة الحرب مما أدى إلى وضوح تهديده للأمن الدولى ، الأمر الذى دعا إلى اتخاذ شكل جديد لمواجهته . وقد أعادت الممارسات المسلحة ضد الإرهاب بعد تشبيهه بالحرب إلى الذاكرة ما كان عليه قانون الحرب قبل اتفاقيات جنيف . وقد أوضحCaleb Carr فى كتابه عن دروس الرعب ، الصادر فى نيويورك سنة 2002 أن الحرب الحديثة أخذت بالتراث الرومانى الذى كان ينادى بأنه عند إشعال الحرب لا يوجد ما يبرر معاملة غير المتحاربين معاملة أقل جسامة من معاملة المتحاربين[25]. فوفقا لهذا التقليد الروماني عرفت روما الحرب المدمرة والحرب الانتقامية، وهو ما عارضه رجال الفكر العظام مثل أوجستن وتوماس الأكويني اللذين نادا بالحرب العادلة. إلا أن جانبا من الفقه الانجلو أمريكي ذهب إلى أن علاقة العداء بين المحاربين تمتد أيضا إلى مواطنيهم المدنيين، مع التسليم بالعمل على حمايتهم طالما أنهم لم يساهموا في العمليات العسكرية[26].

وجاءت اتفاقيات جنيف فوضعت قانونا جديدا للحرب يميز بين المتحاربين والمدنيين مستهدفة تأكيد التفرقة بين المقاتلين وغيرهم من المدنيين المسالمين، بحيث أصبحت هذه التفرقة هى إحدى سمات القانون الدولي الإنساني. كما استظهر المجتمع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية القانون الدولي الإنساني الذي يطبق على النزاع المسلح، وكان ذلك كرد فعل ضد الممارسات غير الإنسانية في الحرب العالمية الأولى سنة 1914 والتي تركت آثارا مدمرة على المدنيين والتي أعقبتها الحرب العالمية الثانية فضاعفت بدورها من هذه الآثار المدمرة التي وصلت قمتها بإلقاء القنبلة النووية على هيروشيما . ومـع ذلـك لوحظ أن الحرب الأمريكية ضد الإرهاب اتخـذت ذات المنهـج الـذي اتبـع في الحربين العالميتين الأولى والثانية فيما أسفـر عنـه مـن حجـم كبيـر للضحايا من المدنيين. وهكذا فإن الأحداث الإرهابيـة التى وقعت في 11 سبتمبر سنة 2001 والتى أصابت المدنيين خلقت بذاتها حالة حرب لدى الولايات المتحدة . كانت مبررا لاعتبار الإرهاب بمثابة إعلان للحرب يبرر مواجهته بحرب شاملة لا تميز بين المتحاربين والمدنيين. وقد علق البعض على ذلك بأنه بينما أعلنت الولايات المتحدة الحرب ضد الإرهاب وطالبت بتطبيق قانون الحرب المسمى بالقانون الدولي الإنسانى على الحرب ضد الإرهاب، فإنها لم تلتزم بمعظم التزاماتها بمقتضى هذا القانون (اتفاقيات جنيف) وبينما طالبت بحقوقها وفقا لهذه الاتفاقيات أنكرت ذلك على أعدائها. ولذلك قضت المحكمة العليا الأمريكية في قضيةHamdan V. Rumsfiled أن اللجان العسكرية المشكلة في جوانتانامو خالفت الضمانات التي نصت عليها المادة الثالثة من اتفاقيات جنيف[27].

وقد استند إضفاء وصف النزاع المسلح على الإرهاب إلى قرار مجلس الأمن رقم 1368 الذى أصدره بالإجماع فى 12 سبتمبر سنة 2001 والذى أعلن فيه أن هذا النوع من الإرهاب يعتبر تهديدا للسلم والأمن الدوليين مما يجيز استخدام حق الدفاع الشرعى المنصوص عليه فى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة .

وقد أدى استخدام القوة ضد الإرهاب إلى التمسك به بواسطة إسرائيل التى ادعت أنها فى حالة دفاع شرعى ضد الإرهاب ، وذلك فى مواجهة هجمات حزب الله ضد أراضيها الموجهة من لبنان ، تأسيسا على أنه منظمة إرهابية ومسئولة عن مجموعات من الهجمات على المواطنين الإسرائيليين وقواتها المسلحة . وادعت إسرائيل أن حزب الله يلقى عما كاملا من لبنان وسوريا وإيران . وقد رفضت لبنان هذا الإدعاء على أساس أن أعمال إسرائيل تعتبر نوعا من العدوان ، وأن لبنان تمارس حقها فى الدفاع الشرعى لأن إسرائيل لازالت تستمر فى احتلال بعض أراضى لبنان (منطقة شبعه) وأنه يتعين التفرقة بين الإرهاب وأعمال الكفاح ضد الاحتلال الأجنبى وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 46 لسنة 1991 . ولهذا فإنه عندما قامت إسرائيل بحملة ضد سوريا ردا على قنبلة ألقاها فلسطينى انتحارى فى مطعم بحيفا مدعية أنه تلقى تدريبه فى سوريا ، أدان مجلس الأمن عمل إسرائيل وأعتبره مخالفا للقانون الدولى ، كما أبدى السكرتير العام للأمم المتحدة أسفه لهذا الفعل ، واعتبرته كل من ألمانيا والمملكة المتحدة عملا غير مقبول[28].

16- ملاحظات قانونية على تكييف الإرهاب بالنزاع المسلح:

وقد وردت على هذا التكييف القانوني للإرهاب بالنزاع المسلح الذى يواجه بالحرب العديد من الملاحظات على النحو التالي:

(1) على الرغم من تأكيد مجلس الأمن أن الإرهاب الدولى يمثل تهديدا للسلم والأمن الدوليين إلا أن قراره بإجازة استخدام حق الدفاع الشرعى تقف أمامه المادة 51 من الميثاق التى تنص على أن الاعتداء الصادر من الدول هو الذي يبيح استعمال حق الدفاع الشرعي وهو ما تأيد بحكمين لمحكمة العدل الدولية في 9 يوليه سنة 2004 و19 ديسمبر سنة 2005، فقرار مجلس الأمن يعنى توسعة الأعمال التى تمثل تهديدا للسلم والأمن الدوليين وعدم قصرها على ما يصدر من الدول وحدها . وخاصة أن مجلس الأمن فى قراره المذكور التجأ إلى أسلوب التعميم فاستخدم تعبير (كل عمل من الإرهاب الدولى) بدلا من الاقتصار على الحالة الناشئة عن أحداث 11 سبتمبر بالولايات المتحدة وهي حالة الإرهاب الذي يشعل الحرب. وقد لوحظ كذلك أن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تجيز استخدام الدفاع الشرعى حتى يتخذ مجلس الأمن التدابير الضرورية ، إلا أن مجلس الأمن تدخل فقط للسماح للولايات المتحدة باستخدام حق الدفاع الشرعى فى مجال احترام الميثاق ، دون أن يرخص لها بمباشرة عمليات عسكرية معينة مما تعتبر من التدابير الضرورية . ومن الناحية العملية فضلت الولايات المتحدة بأن تعمل فى مواجهة ما أسمته بمحور الشر ضد نظام طالبان فى أفغانستان باسم الحرب الشاملة ضد الإرهاب اكتفاء بإرسال خطاب مع المملكة المتحدة إلى رئيس مجلس الأمن بإخطاره بمباشرة العمليات العسكرية تحت مسمى الدفاع الشرعى طبقا للمادة 51 من الميثاق. هذا بالإضافة إلى ملاحظات قانونية أخرى تتعلق بمدى توافر شرطي الضرورة والتناسب، ومدى جواز استخدام الدفاع الشرعي ضد اعتداءات غير حالة ولم تقع بعد . كما اتجه الرأى الغالب إلى أن استخدام الجماعات الإرهابية للقوة لا يعتبر اعتداء مسلحا يبيح للدولة حق الدفاع الشرعى وفقا للقانون الدولى[29] وجانب استخدام الدفاع الشرعى الوقائى محل نقد ، لأنه يعنى استخدام القوة تحت ستار الحرب ضد الإرهاب دون أن يكون هناك أى اعتداء حال تستخدم القوة ضده . ولهذا حذرت كثير من الدول من استخدام حق الدفاع الشرعى ضد الإرهاب قبل وقوع أى اعتداء وانتقد اتخاذ الدفاع الشرعى ذريعة للهجوم على العراق بدعوى أنه يحوز أسلحة الدمار الشامل ، وخاصة أنه قد تبين فيما بعد عدم وجود هذه الأسلحة[30].

(2) لاحظ البعض أن الحرب ضد الإرهاب يعتبر نزاعا دوليا مسلحا ضد تنظيم لا يعتبر دولة. كما أن اتفاقيات جنيف التى تمثل في مجموعها قانون الحرب المسمى بالقانون الدولى الإنسانى، لا تسرى إلا في مواجهة أطراف هذه الاتفاقيات وليس من بينها الجماعات. وقد خلا القانون الدولي العرفي من أية إشارة تؤيد وجهة النظر الأمريكية فى تكييف الإرهاب بأنه نزاع مسلح . كل هذا دون إخلال باعتبار الإرهاب جريمة دولية متى توافرت شروطها من خلال استخدام أعمال إرهابية أثناء النزاع المسلح الذى يخضع للقانون الدولى الإنسانى . ويلاحظ أن قرار مجلس الأمن رقم 1701 لسنة 2006 الصادر فى 11 أغسطس سنة 2006 إذ قرر أن الحالة فى لبنان تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين دعا إلى وقف تام للأعمال القتالية ووقف حزب الله الفورى لجميع الهجمات ووقف إسرائيل الفورى لجميع العمليات العسكرية الهجومية . ويلاحظ أن هذا القرار قد خاطب حزب الله مع أنه ليس من أشخاص القانون الدولى العام وليس طرفا فى اتفاقيات دولية.

ومن ناحية أخرى ، فإنه من حيث اعتبار الإرهاب نوعا من النزاع المسلح ، فإن قواعد القانون الدولي تحرم استعمال القوة على الدول، بينما تحرم قواعد القانون الوطني على الأفراد والجماعات التي لا تتخذ شكل الدول استخدام العنف بمختلف أشكاله. ولا تنسب القوة إلى الدولة إلا إذا استخدمتها قواتها المسلحة أو أفراد أو جماعات تابعة لها تعمل بناء على توجيه الدولة أو إشرافها. فإذا تسامحت الدولة مع جماعة إرهابية تعمل على أرضها لكي تباشر أعمالها ضد دولة أخرى، فإنها تخالف التزاماتها وفقا للقانون الدولي بعدم السماح باتخاذ أراضيها لمباشرة أعمال تخل بحقوق دول أخرى، دون أن تعتبر هذه المخالفة فى ذاتها استخداما للقوة.

وفى ضوء ما تقدم فإن المملكة المتحدة عندما صدقت على البروتوكول الثاني لاتفاقيات جنيف أعلنت أنه من المفهوم ان اصطلاح (النزاع المسلح) في ذاته وفي مضمونه يشير إلى حالة لا تتوافر بمجرد ارتكاب جرائم عادية بما في ذلك أعمال الإرهاب سواء تخللتها أو وقعت استقلالا عنها. كما أنه على أثر الاعتداءات الإرهابية التي وقعت على كل من اسبانيا والمملكة المتحدة، لم تعتبر حكومة كل من الدولتين أنها في حالة حرب ضد نزاع مسلح.

(3) سبق لمجلس الأمن من قبل أن واجه تحديات الإرهاب للأمن الدولى بقرارات متفاوتة[31] . مثال ذلك في عام 1979 بمناسبة أخذ بعض الرهائن من السلك الدبلوماسى والقنصلى الأمريكى فى طهران فقد اقتصر مجلس الأمن على المطالبة بالإفراج عن الرهائن، وكان ذلك فى زمن الحرب الباردة الذى يخشى فيه من استخدام حق الفيتو لو تضمن قرار مجلس الأمن رد فعل أكثر شدة. وفي عام الاعتداءات ضد طائرات بنما وإفريقيا سنة 1988 اشتدت لهجة مجلس الأمن قليلا. وفي قضية لوكيربي اقتصر الأمر ابتداء على إعلان من رئيس مجلس الأمن في 30 ديسمبر سنة 1988 بالإدانة ودعوة الدول للتعاون للقبض على الجناة وتقديمهم للمحاكمة. وبعد زوال الاتحاد السوفيتي وانتهاء نظام القطبين أصدر مجلس الأمن سنة 1992 القرار رقم 731 الذي يستهجن فيه عدم تعاون السلطات الليبية ويطالبها بتغيير موقفها، ثم أصدر القرار رقم 748 مسجلا به أن عدم إظهار الحكومة الليبية نبذها للإرهاب مع التجاوب مع القرار رقم 731 يعتبر في ذاته تهديدا للسلم والأمن الدوليين، وقرر المجلس تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة فرض حظر جوي وعسكري على ليبيا ووضع قيود على تحركات السلك الدبلوماسي والقنصلى الليبي. وقد أكد مجلس الأمن بعد ذلك على العقوبات التي فرضها في قراره رقم 883 لسنة 1993 وقراره رقم 1192 لسنة 1992 إلى أن قرر إيقاف العقوبات في 5 ابريل سنة 1999. وبعد ذلك فرض مجلس الأمن نظاما جديدا للعقوبات غير العسكرية في مجال مكافحة للإرهاب اتخذه ضد نظام طالبان في أفغانستان بسبب رفضه تسليم أسامة بن لادن لاتهامه بالاعتداء على السفارات الأميركية في نيروبي ودار السلام في 7 أغسطس سنة 1998 فبعد أن أدان هذه الاعتداءات الإرهابية في قراره رقم 1189 لسنة 1998 فرض بالإجماع في قراره رقم 1267 لسنة 1999 حظرا جويا على طالبان وجمد أرصدتها المالية، ما لم تسرع في التجاوب مع مجلس الأمن. وقد لوحظ على هذا القرار أنه لم يشر إلى دولة أفغانستان ولكنه اقتصر على الإشارة على نظام طالبان الذي يسيطر على جزء من هذه الدولة. وشدد المجلس هذه العقوبات بقراره رقم 1313 سنة 2000 مع التأكيد على وضع حد للأنشطة غير المشروعة المرتبطة بالمخدرات والتي تسهم إيراداتها في تمويل الأنشطة الإرهابية.

ويلاحظ مما سبق تفاوت قرارات مجلس الأمن في درجة مواجهته للإرهاب الذي يعتبر تهديدا للسلم والأمن الدوليين في فترة الحرب الباردة عنه بعد زوال الاتحاد السوفيتي إلى أن أجاز استخدام الدفاع الشرعي لمواجهة اعتداءات 11 سبتمبر سنة 2001 التي اعتبرها الرئيس الأمريكي إرهابا أشعل الحرب بينما رفض مجلس الأمن من قبل إجازة الدفاع الشرعي في مناسبات إرهابية مختلفة منها الاعتداء الإسرائيلي على لبنان وتونس، واعتداء جنوب إفريقيا وروديسيا الجنوبية ضد جيرانها من دول إفريقيا الاستوائية، ورفض سنة 1992 الاعتراف بحق روسيا في الدفاع الشرعي ضد الأعمال الإرهابية التي قامت بها القوات الشيشينية في جورجيا[32]. وواضح من الأمثلة المتقدمة أن مواجهة مجلس الأمن للإرهاب بوصفه خطراً يهدد السلم والأمن الدوليين قد جعل من المجلس بمثابة مشرع دولي، إلى الحد الذي أصدر فيه قرارات اعتبرت بمثابة اتفاقية دولية، منها القرار رقم 687 لسنة 1991 عقب الحرب العراقية الكويتية، وكذلك القرار رقم 827 لسنة 1993 و955 لسنة 1994 بإنشاء المحكمتين الجنائيتين الدوليتين في يوغوسلافيا السابقة ورواندا لمحاكمة مرتكبي جرائم الاعتداء على القانون الدولي الإنساني في هاتين الدولتين. وكذلك الأمر في قرار مجلس الأمن رقم 1373 الذي اتخذه في 28 سبتمبر سنة 2001 بناء على مبادرة أمريكية، فقد صدر بناء على الفصل السابع بعبارات عامة تتعلق بمكافحة الإرهاب ومعاقبة مرتكبيه ووضع قائمة مطولة من الالتزامات الواردة على عاتق الدول فيما يتعلق بتمويل الإرهاب أو دعمه، ومنع حق اللجوء السياسي، وتشديد العقاب على الإرهاب ووضع تدابير هامة للرقابة. ووصل الأمر إلى أن شكل مجلس الأمن من بين أعضائه لجنة لمتابعة تطبيق هذا القرار. وقد أثار موقف مجلس الأمن على هذه الصورة نوعين من المشكلات فإذا كان يتصرف بوصفه قاضيا فما الجهة التي يجوز الطعن أمامها في قراراته؟، وإن كان يتصرف بوصفه مشرعا دوليا فما هو الأساس الديمقراطي لتشكيل هذا المجلس؟.

(4) استبعدت الوثائق الدولية الخاصة بالإرهاب من نطاقها أعمال الإرهاب التي تقع أثناء النزاع المسلح. مثال ذلك الاتفاقية ضد خطف الرهائن سنة 1979 الرهائن المخطوفة فقد استبعدت صراحة أثناء النزاع المسلح من نطاق تطبيقها، على أساس أن هذه الأعمال يحكمها قانون الحرب (القانون الدولي الإنسانى). كما استبعدت الاتفاقيات العرفية والأفريقية والإسلامية لمواجهة الإرهاب عمليات التحرير الوطني والمقاومة ضد الاحتلال الأجنبي من نطاق تطبيقها. واستبعدت اتفاقية الإرهاب بالقنابل لسنة 1997 أنشطة القوات المسلحة أثناء النزاع المسلح من نطاق تطبيقها على أساس أن هذه الأنشطة تقع تحت نطاق القانون الدولي الإنسانى . كما ظهرت هذه العبارات في اتفاقية محاربة الإرهاب النووي سنة 2005. وكذلك فإن اتفاقية تمويل الإرهاب لسنة 1999 تغطى بالإضافة إلى أعمال الإرهاب المجرمة في سائر الاتفاقيات الدولية، الأعمال التي تقع ضد المدنيين أثناء النزاع المسلح بينما تخضع الأعمال المرتكبة ضد المتحاربين أو ضد غيرهم ممن يقومون بدور فى النزاع المسلح ، للقانون الدولى الإنسانى . وهو ما يعني أن هذه الأعمال تحكمها الاتفاقية بينما تخضع الأعمال التي تقع ضد المتحاربين أو الذين يمارسون أعمالا ايجابية في النزاع المسلح للقانون الدولي الإنساني. كما أوضح السكرتير العام للأمم المتحدة في تقريره في مارس سنة 2005 أن الأعمال الموجهة ضد المدنيين وغير المتحاربين تقع داخل تعريف الإرهاب.

ومقتضى ما تقدم أن الوثائق الدولية لمحاربة الإرهاب أخرجت من نطاقها أعمال الإرهاب التي تقع أثناء النزاع المسلح، إذ تندرج فى نطاق القانون الدولى الإنسانى . الأمر الذي يثير التساؤل عن مدى ملائمة اعتبار الإرهاب فى ذاته عملا من أعمال النزاع المسلح يواجه بالحرب ويخضع للقانون الدولى الإنسانى مما يجعله متساويا بذلك مع أعمال الإرهاب التى تتم أثناء النزاع المسلح والتى تخضع للقانون الدولى الإنسانى .

الفصل الثانى
السياسة الجنائية لمواجهة الإرهاب

17-البعد الدولى للسياسة الجنائية :

منذ بداية هذا القرن احتلت السياسة الجنائية للإرهاب مكان الصدارة فى أولويات كل من السياسات الدولية والسياسات الوطنية للمحافظة على الأمن وضمان حكم القانون . وقد واجهت النظم القانونية الوطنية كثيرا من التحديات عند صياغة سياستها الجنائية لمواجهة الإرهاب . مما اقتضى العمل على تحقيق إصلاح جنائى يكفل فاعلية مواجهة الإرهاب .

وبينما يعتبر وضع السياسة الجنائية للإرهاب فى دولة ما من المسائل الداخلية ، إلا أن البعد الدولى لظاهرة الإرهاب ألقى بظلاله على نطاق سلطة الدولة فى الإصلاح التشريعى الجنائى لمواجهة الإرهاب . فعلى أثر الأحداث الإرهابية التى وقعت فى 11 سبتمبر سنة 2001 أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1368 الذى ألقى بواجبات تلتزم بها الدول الأعضاء بحكم صدور هذا القرار طبقا للفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة . فقد نصت المادة الأولى منه على مطالبة جميع الدول بتجريم تمويل الإرهاب وتجميد بعض الأرصدة والأصول ومنع بعض الأعمال المرتبطة بالإرهاب ، ومطالبة الدول بتقديم الإرهابيين للعدالة ، واعتبار الأعمال الإرهابية جرائم جسيمة فى القوانين الوطنية ، والنص على أن تعكس العقوبة مدى جسامة الأعمال الإرهابية. كما طالب مجلس الأمن فى قراره الدول الأعضاء أن تنضم للوثائق الدولية والبروتوكولات المتعلقة بالإرهاب[33]. وأنشأ مجلس الأمن لجنة مواجهة الإرهاب(The Counter- Terrorism Committee) وتتكون من الأعضاء الخمسة عشر لمجلس الأمن وذلك لمراقبة تطبيق الدول للقرار رقم 1373 وإرشادها حول كيفية تطبيق هذا القانون . وقد ساهم ذلك فى إحداث بعض التعديلات على النظم القانونية الجنائية فى مختلف بلدان العالم لمواجهة الإرهاب .

وفى سنة 2004 كان مجلس الأمن قد أصدر القرار رقم 1566 الذى يطالب فيه الدول الأعضاء بمنع أعمال الإرهاب، وضمان أن تكون هذه الأعمال معاقبا عليها بعقوبات تتفق مع طبيعتها الجسيمة . وفى الفقرة الثالثة من هذا القرار أشار مجلس الأمن فى مجال تعريف الإرهاب إلى جرائم الإرهاب كما هى معرفة فى الاتفاقيات والبروتوكولات المتعلقة بالإرهاب .

وقد اهتمت أجهزة أخرى للأمم المتحدة بهذا الموضوع ، فقد طالبت لجنة الأمـم المتحـدة لحقوق الإنسان ما بين سنة 1990 و2000 الدول الأعضاء مراراً باتخاذ كل التدابير الضرورية لمنع ومحاربة وقمع الإرهاب . وأكدت اللجنة أن تراعى هذه التدابير التطابق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

كما عينت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مقررا خاصا للموضوعات المتعلقة بحماية حقوق الإنسان عند محاربة الإرهاب. وأكثر من ذلك فقد اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2006 القرار رقم 158 الذى يطالب بحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية أثناء مواجهة الإرهاب . وهكذا أصبح لقانون حقوق الإنسان أهمية كبيرة واعتباراً متناميا عند وضع التدابير الضرورية لمحاربة الإرهاب .

وخلاصة ما تقدم فإنه من الناحية الدولية يقع على الدولة التزام بالتشريع لمواجهة الإرهاب يراعى التزاماتها الدولية بمقتضى الاتفاقيات والبروتوكولات المتعلقة بالإرهاب ، ويراعى أن تبلغ العقوبات المقررة للإرهاب من الجسامة بحيث تتلاءم مع الطبيعة الجسيمة للإرهاب . هذا بالإضافة إلى ضرورة مراعاة القواعد الدولية لحقوق الإنسان .

إلا أن هذا الإطار الدولى لا يخل بالسيادة الوطنية للمشرع الوطنى فى وضع تشريع الإرهاب مع مراعاة كل من الالتزامات الدولية المقررة فى الوثائق الدولية المتعلقة بالإرهاب والتى تعتبر الدولة طرفا فيها ، ومراعاة الالتزامات الدولية المقررة فى الوثائق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

18- أبعاد الشرعية الدولية والدستورية عند مواجهة الإرهاب:

واضح مما تقدم أن قضية المحافظة على الأمن سواء كان داخليا أو دوليا بمعناه الشامل كانت وراء التصدى لمواجهة الإرهاب . إلا أن هذه المواجهة تكون قاصرة وغير منضبطة ما لم تكن فى إطار من احترام حقوق الإنسان . فمواجهة الإرهاب لا يمكن أن تتم خارج حكم القانون الذى تندمج فيه قواعد المنع والتجريم والعقاب مع قواعد حماية حقوق الإنسان . ولا يتناقض الالتزام الدولى بتجريم الإرهاب والمعاقبة عليه ومكافحته مع اتخاذ التدابير المناسبة التى تتفق مع احترام حقوق الإنسان .

وقد اتفقت كل من الشرعية الدولة المتمثلة فى الوثائق الدولية كمصدر للقانون الدولى والشرعية الدستورية المتمثلة فى أحكام الدستور فى ضرورة التوازن بين مقتضيات مواجهة الإرهاب ومتطلبات حماية حقوق الإنسان ، تأكيدا لوحدة حكم القانون . ومن خلال هذه الوحدة لا تكون مواجهة الإرهاب بعيدة عن متطلبات حماية حقوق الإنسان أو منفلتة منعزلة عن ضوابطها ، بل تكون مندمجة معها ، وذلك باعتبار أن حكم القانون لا ينحاز لجانب دون آخر ، فالهدف الذى يبغيه يتطلب اندماج ضمانات حقوق الإنسان فى القواعد التى ينص عليها القانون لمواجهة الإرهاب . فعندما تتم مواجهة الإرهاب بأساليب عادلة أكثر من مجرد المعاقبة عليه ، وعندما تكون حماية حقوق الإنسان صمام أمن هذه العدالة خلال مواجهة الإرهاب ، فإن احتـرام حكم القانون لن يكون مصونا فحسب بل يكون معززا رفيع الشأن . فالقواعد القانونية غير المتوازنة أو المنحازة لجانب على حساب آخر تهدد صحيح حكم القانون لأن التوازن بين الاثنين لا يجوز أن يتم فى نطاق المضاربة أو المنافسة ولا يجوز أن يكون فيه منتصرا أو منهزم ، فكلاهما طرف فى معادلة واحدة يستقيم بها حكم القانون . ويثير التوازن الذى ترتكز عليه الشرعية فى كل من النظام القانونى الدولى والنظام الدستورى الوطنى البحث عن المعايير التى تحكم المواجهة من زاوية كل من التحديات الأمنية وتحديات حقوق الإنسان .

من جانب آخر ، بذلت جهود كبيرة على المستويين الدولى والوطنى لتحقيق هذا التوازن . فلقد واجهته دائما صعاب جمة ترجع إما إلى الرغبة فى المحافظة على المبادئ التقليدية التى تحكم القانون الجنائى أو التكيف مع العناصر الجديدة التى تحلقها تحديات الإرهاب الدولى . وهو ما أدى إلى البحث عما إذا كانت مواجهة الإرهاب تتم من خلال القواعد العامة للقانون أم أنه يتعين الالتجاء إلى قواعد خاصة عند مواجهة الإرهاب ولو تطلب الأمر الخروج على القواعد العامة .

وفيما يلى نعرض للجهود التى بذلت على المستويين الوطنى والدولى فى رسم سياسة جنائية لمواجهة الإرهاب .

19- الجهود الوطنية لمواجهة الإرهاب :

نعرض فيما يلى الجهود الوطنية التى بذلت فى كل من الولايات المتحدة الأمريكية ، والمملكة المتحدة ، وفرنسا ، وايطاليا ، وأسبانيا .

20- (أولا) : مواجهة الإرهاب فى الولايات المتحدة:

حين تعرضت الولايات المتحدة لأحداث إرهابية تمثلت فى التفجير الأول لمركز التجارة العالمى سنة 1993 وتفجير المبنى الفيدرالى فى أوكلاهاما سنة 1995 ، وضع الكونجرس الأمريكى قانونا لمكافحة الإرهاب سنة 1996 ، تضمن مساسا بالضمانات التى نص عليها الدستور الأمريكى ، مثل إنشاء المحاكم العسكرية وحبس الأجانب ومنع اتصال المتهم بمحاميه وإضفاء السرية على التحقيقات[34] وبعد أحداث 11 سبتمبر سنة 2001 أقر الكونجرس الأمريكى على وجه السرعة قانونا لمكافحة الإرهاب سمى قانون باتريوتPatriot Act وقبله أصدر رئيس الجمهورية مجموعة من الأوامر التنفيذيةExecutive Orders لمكافحة الإرهاب ومعاقبته ، تضمنت قيودا جسيمة على الحريات المدنية لم تشهدها البلاد منذ الحربة العالمية الثانية[35].

وقد ارتكزت سياسة الولايات المتحدة فى مكافحة الإرهاب على أساسين : (أولهما) سلطات الطوارئ وتطبيق القانون العسكرى . و (ثانيهما) قانون باتريوت فى أكتوبر سنة 2001.

وبالنسبة للأساس الأول ، أعلن الرئيس بوش فى 14 سبتمبر سنة 2001 حالة الطوارئ بسبب بعض الهجمات الإرهابية ” Declaration of National Emergency by Reason of Certain Terrorist Attacks ” وبعد أربعة أيام تالية أصدر الكونجرس الأمريكى قرارا يخول الرئيس الأمريكى أن يباشر عمليات عسكرية باستخدام كل القوة الملائمة والضرورية ضد الأمم والمنظمات والأشخاص الذين نظموا أو سمحوا أو نفذوا أو أيدوا الهجمات الإرهابية التى وقعت فى 11 سبتمبر سنة 2001 أو وفروا لهم الإقامة، وذلك لمنع كل عمل مستقبلي للإرهاب الدولي ضد الولايات المتحدة بواسطة هذه الأمم أو المنظمات أو الأشخاص. وبناء على هذه السلطات استخدم الرئيس الأمريكي القوات المسلحة في أفغانستان ضد تنظيم القاعدة ونظام طالبان الذي قدم المساعدة لهذا التنظيم. واعتبر الرئيس الأمريكي قرار الكونجرس المذكور بمثابة موافقة على معاملة الإرهابيين بوصفهم أعداء محاربين طبقا للقانون العسكري. وقد مارس الرئيس الأمريكي سلطاته بناء على ما يمنحه الدستور الأمريكي للسلطات الفيدرالية من سلطات خاصة في المسائل الخارجية وفي الدفاع الوطني وفي حالة الحرب. بالإضافة إلى أن الكونجرس الأمريكي – وفقا للدستور يملك – سلطة إعلان الحرب وتشكيل قوات مسلحة، وقد أعلنت المحاكم الفيدرالية صحة الأعمال التي مورست وتتعلق بالحرب واستخدام القوات المسلحة في الخارج[36]. وبناء على هذا الأساس اتخذ الرئيس الأمريكي بسرعة قراراً بالالتجاء إلى المحاكم العسكرية لنظر قضايا المتهمين بالإرهاب. وفي 13 نوفمبر سنة 2001 وقع الرئيس أمرا عسكريا يسمح لوزير الدفاع بأن يودع المتهمين بالإرهاب في السجن وأن يعمل على محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية. وعلى أثر ذلك أصدر وزير الدفاع الأمريكي عدة قرارات بتنظيم المحاكم العسكرية وتحديد اختصاصها وإجراءاتها[37]

أما الأساس الثاني لمواجهة الإرهاب في الولايات المتحدة

فقد تمثل في قانون باتريوتPatriot Act الصادر سنة 2001. ويتميز هذا القانون بالإطالة . وقد صدر بغير مناقشة من الكونجرس الأمريكى فى 26 أكتوبر سنة 2001 . ويحتوى على 16 فصلا، ونص على أن مواده ينتهى مفعولها فى تاريخ محدد هو 31 ديسمبر سنة 2005 ما لم يقرر الكونجرس مد العمل به بالتصويت[38] ، فقد وسع هذا القانون من السلطات الاستثنائية في المراقبة الإلكترونية أو التفتيش الواقع على المنظمات الأجنبية أو عملائها. وقد احتوى هذا القانون على عدة سلطات خاصة تمس الحقوق والحريات الأساسية وخاصة في مجالات المراقبة وغسيل الأموال ومركز الأجانب واعتقالهم، والتوسع في التجريم والعقاب والحبس الاحتياطي. وبوجه عام فإن قانون باتريوت والأوامر التنفيذية الصادرة من رئيس الجمهورية والقرارات التي أصدرها النائب العام قيدت على نحو مهم بعض الحقوق والحريات الأساسية. وقد قام الكونجرس الأمريكى قبل انتهاء مفعول هذا القانون بتجديد العمل بمعظم مواده التى سميت بنصوص الغروب (sunset provisions ) وأحدث عليها بعض التعديلات مبقيا على النصوص الخاصة بتسجيل المكالمات التليفونية على أن يعاد النظر فيما سمى بنصوص الغروب كل أربعة أعوام . وقد أثار هذا التقييد جدلا حول مدى عدالة التوازن بين هذه الحقوق والحريات وحمايتها ضد الإرهاب. وقد تمثلت أهم هذه الحقوق والحريات التي أصابها المساس؛ في الحق في الحياة الخاصة (Privacy) الذي نص عليه التعديل الرابع للدستور الأمريكي، وذلك من خلال السماح بمراقبة واسعة للمواطنين والأجانب تحت رقابة قضائية بسيطة، وكذلك حق استخدام الوسائل القانونية “Due Process of law” المنصوص عليه في التعديل الخامس للدستور الأمريكي ويعني الحق في المحاكمة المنصفة، وحرية التعبير والاجتماع المنصوص عليها في التعديل الأول للدستور الأمريكي. كما أثار هذا القانون قضية أساسية تتعلق بالفصل بين السلطات، تتمثل في المدى الذي يمكن للسلطة التنفيذية أن تصل إليه في تقييد الحقوق والحريات دون رقابة تشريعية أو قضائية، باسم السلطات الكاملة التي تملكها في المسائل العسكرية والخارجية[39]

وفيما يتعلق بالحق في المحاكمة المنصفة، فقد أثير البحث حول مدى احترام قاعدة استخدام الوسائل القانونية “Due process of law” في الإجراءات المتبعة أمام اللجان العسكرية التي أنشأها الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس بوش في 13 نوفمبر سنة 2001 لمحاكمة الأجانب الأعضاء في تنظيم القاعدة والمتهمين بالاشتراك في الأعمال الإرهابية ضد الولايات المتحدة[40]

وقد صدر حكمان للمحكمة العليا الأمريكية، أولهما صدر في أثناء الحرب الأهلية، والثاني صدر في أثناء الحرب العالمية الثانية، ويتضمن كل منهما أن الرئيس الأمريكي يملك هذه السلطة إذا لم يصدر الكونجرس الأمريكي قرارا بشأنها[41]

وفي 28 يونيه سنة 2004 صدرت ثلاثة أحكام للمحكمة العليا في الموضوع ترجمت رغبة المحكمة في وضع قواعد للحد الأدنى من حماية الحقوق الدستورية للمواطنين والأجانب المحبوسين[42]، وانحصر الجدل القانونى في تحديد المدى الذي يمكن الوصول إليه في التضحية بالحريات الأساسية باسم الأمن القومى.

وفى 30 ديسمبر سنة 2005 صدر قانون معاملة المسجونين (the Detainee) وفرض قيودا على سلطة المحاكم فى إعادة النظر فى مسائل تتعلق بالمسجونين فى جوانتانمو، وقيد السلطة التنفيذية فى اتخاذ تدابير قاسية أو غير إنسانية أو تنطوى على معاملة مهينة فى السجن أيا كان موقعة .

وبعد أربعة شهور من قضيةHamdan التى أقرت منها المحكمة العليا الأمريكية حق المتهم بالإرهاب فى الاستفادة من الضمانات الدستورية بشرط استخدام الوسائل القانونية صدر سنة 2006 قانون جديد للجان العسكرية بشأن الإجراءات الواجب اتخاذها أمام هذه اللجان عند محاكمة الأجانب المتهمين كمحاربين أعداء بجرائم الحرب . ونص هذا القانون على عدم تطبيق قانون القضاء العسكرى على هذه اللجان إلا فى الحالات التى ينص عليها. ونص على اعتبار اللجان العسكرية بمثابة محكمة تملك فقط محاكمة المحاربين الأجانب الأعداء، وأن اللجنة وان كانت كل الضمانات القضائية المعترف بها بهدف تطبيق المادة الثالثة المشتركة من اتفاقية جنيف، إلا أنه لا يجوز للمحارب العدو التمسك أمامها بحقوقه بناء على اتفاقية جنيف أثناء المحاكمة أمامها مع حق المتهم في الاستعانة بمدافع من المدنيين يلتزم بعدم إفشاء معلومات إلى أى شخص غير مصرح بها بتناولها، بالإضافة إلى حق المتهم فى الاستعانة بمدافع من العسكريين[43] .

21-(ثانيا) : مواجهة الإرهاب فى المملكة المتحدة:

يشار إلى أن المملكة المتحدة كانت من أكثر الدول الغربية التي قابلت موجات جسيمة من العنف. ويرجع ذلك في نظر البعض[44]إلى سببين هما:

الأول، العنف السياسى الذي مارسه سكان المستعمرات البريطانية قبل أن تتذوق طعم التحرير، والثاني، هو العنف السياسي الذي تصاعد في ايرلندا ضد اندماجها في المملكة المتحدة لمدة تزيد على ثلاثة قرون. وكان اقتطاع دولة ايرلندية حرة (الآن جمهورية ايرلندا) سنة 1922 إيذانا بتركيز الصراع مع ايرلندا الشمالية بما تخلله من عنف سياسى. وقد أصدرت المملكة المتحدة عددا من القوانين لمواجهة هذا العنف الذي تزعمه جيش الجمهورية المؤقتة لايرلندا منذ سنة 1970. وقد اتخذت هذه المواجهة في بداية الأمر الشكل العسكري الذي عرفته المملكة المتحدة مع مقاطعاتها القديمة. ومع ذلك، فإن تركيز المواجهة على الإستراتيجية العسكرية لم يجلب سوى المزيد من الدمار المصحوب بالعار من خلال الاعتقال بغير محاكمة وتعذيب المسجونين، يشار فيه إلى المواجهة الدموية التي حدثت فيما سمى بيوم الأحد الدموىBloody Sunday سنة 1972. وقد أدى ذلك إلى إعادة الحكومة البريطانية بالنظر فى سياستها في هذا الشأن مما أدى إلى وضع نصوص خاصة في قوانين الطوارئ في الفترة من 1973 – 1998 تضمنت إجراءات جنائية خاصة من بينها المحاكمة بغير محلفين، ومنح الشرطة سلطات خاصة ، وإمكان الاعتقال بغير محاكمة (وهو ما توقف منذ سنة 1975). وفي عام 1974 صدر قانون لمكافحة الإرهاب سنة 1974 محتوياً نصوصاً مؤقتة، أستمر تطبيقها حتى سنة 2000، وذلك في أعقاب الهجوم بالقنابل الذي مارسه الجيش الايرلندي في برمنجهام مما أدى إلى سقوط كثير من الضحايا. وقد بدأت المملكة المتحدة في التفكير في سياسة أخرى لمواجهة الإرهاب منذ الاتفاق على وقف إطلاق النار مع الجيش الايرلندي سنة 1994 الذي تم خرقه سنة 1996، بالإضافة إلى الحكم الصادر بأن توسيع سلطات الشرطة الذي تم سنة 1988 جاء مخالفا للمادة 15 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان[45]. لهذا بدأ إعادة النظر في قوانين مكافحة الإرهاب سنة 1996 بناء على تقرير اللوردLloyd مما أسفر عن تعديل قانون مكافحة الإرهاب سنة 1998 عن طريق إدخال جزء كبير من مواد الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية فى القانون البريطانى تضمن إلغاء النص المخالف للمادة 15 من هذه الاتفاقية ، إلا أن هذا التعديل لم يتضمن تغييرا أساسيا فى فلسفة قانون مكافحة الإرهاب. وفى عام 2000 صدر قانون مكافحة الإرهاب متضمنا نصوصا تواجه كلا من الإرهاب الايرلندى وغيره من أشكال الإرهاب الأخرى . وتخلى هذا القانون عن طابع التأقيت الذى كان يتميز به القانون السابق الذى يواجه الإرهاب الايرلندى .

وقد تضمن هذا القانون تعريفا للإرهاب تميز بالتوسع مما أدى إلى انطباق تعريف الإرهاب على ارتكاب أفعاله أو التهديد بها، وسواء وقع الإرهاب داخل المملكة المتحدة أو خارجها. وقد أدى هذا التعريف الواسع إلى توسعة سلطات الشرطة في مواجهة الإرهاب، وهو ما دفع البعض إلى وجوب التحقق من أن هذه السلطات ضرورية ومتناسبة[46].

وعقب أحداث 11 سبتمبر اضطرت المملكة المتحدة إلى إدخال عدة تعديلات على قانون مكافحة الإرهاب تحت تأثير عدة أسباب تتمثل في الإيمان بأن هذه الأحداث تشير إلى تطور أشكال الإرهاب وعدم انحصاره في مكان معين، ووقوعه تحت تأثير أفكار دينية وثقافية أكثر من مجرد الرغبة في تحديد المصير، وأن هذا التغيير يقوده تنظيم (القاعدة) وينذر بتصاعد التهديد بالإرهاب. هذا بالإضافة إلى الاهتمام بمضاعفة الأمن وطمأنة الجمهور. وقد اهتمت هذه التعديلات بألا يقتصر دور القانون على وضع سياسة رد الفعل ضد أحداث الإرهاب بل وضع سياسة مواجهة الإرهاب قبل وقوعه وإدارة أخطاره. وأعلنت الحكومة اضطرارها إلى العودة إلى استبعاد تطبيق المادة 15 من الاتفاقية الأوروبية حتى يمكن اعتقال الأجانب، وذلك بناء على تعرض المملكة المتحدة لتهديد بالإرهاب من أشخاص يشتبه في تورطهم في الإرهاب الدولي. وقد رصد مجلس أوروبا هذا الاستثناء في 18 ديسمبر سنة 2001 وعلله وزير الدولة البريطاني بأن أحداث 11 سبتمبر سنة 2001 وقرارى مجلس الأمن في هذا الشأن تشير إلى التهديد بالإرهاب الدولي وتسمح للدول لكى تتخذ التدابير لحماية نفسها. وصرح وزير الخارجية البريطانى بأن الإرهابيين هم الأكثر قوة حيث تكون الدول أكثر ضعفا[47].

وعرفت المملكة المتحدة قانون الإرهاب لسنة 2000 الذي تضمن 8 أقسام، واحتوى على قدر كبير من التدابير القضائية وشبه القضائية لمراجعة الاحتجازDetention الذي تمارسه الشرطة لمدة 48 ساعة بعد القبض. واحتوى هذا القانون على تعزيز سلطات رجال الشرطة للمحافظة على الأمن ومكافحة الإرهاب ، وضبط الأموال المستخدمة في تمويل الإرهاب وتعديل القواعد العقابية والإجرائية لمكافحة الإرهاب، ووضع نصوص للمحافظة على الأمن الجوي. كما وضع هذا القانون نصوصا تتعلق بالمشتبه فيهم من الإرهابيين الدوليين تسمح باعتقالهم وإبعادهم إداريا، مع إعطاء الحق للمشتبه فيهم باستئناف ما يصدر ضدهم أمام لجنة استئنافية خاصة بالهجرة وحرمانهم من الالتجاء إلى القضاء بشأن أى إجراء يتخذ ضدهم (المواد من 21 إلى 32). وبهذا القانون، وضعت قوانين مكافحة الإرهاب في مدونة واحدة، وفي سنة 2001 صدر قانون مكافحة الإرهاب متضمنا إضافات وتعديلات على قانون سنة 2000. وقد تضمن هذا القانون جرائم جديدة، وعنى بتنفيذ الالتزامات الدولية التي رتبها قرار مجلس الاتحاد الاوروبي سنة 2001 بوضع إطار لمكافحة الإرهاب. وفي عام 2005 صدر قانون بتعديل قانون مكافحة الإرهاب فوضع نظاما جديدا للاعتقال بغير محاكمة الذي كان منصوصا عليه في قانون 2001، والذي كان يتم بناء على مجرد أوامر تنفيذية، فاشترط القانون وجود تأييد المحكمة لهذه الأوامر. التي صدرت باعتقال الكثيرين انتظارا لإبعادهم خارج المملكة المتحدة.

وفي سنة 2006 على أثر الانفجارات التي حدثت في لندن سنة 2005 صدر تعديل لقانون مكافحة الإرهاب تضمن تجريم أفعال جديدة اعتبرت تشجيعا للإرهاب. وفي هذا النص اعتبر تشجيعا للإرهاب نشر التصريحات التي يمكن أن تفهم من الجمهور بأنها تشجيع مباشر أو غير مباشر أو تحريض على ارتكاب الإرهاب أو تحبيذا لأعمال الإرهاب أو جرائم معينة منه. كما تضمن هذا القانون جرائم التدريب على الإرهاب والتحضير له، ووسع من سلطة الشرطة في الحبس بعد القبض، وذلك لمدة 28 يوما بشرط موافقة القاضي. ورفض البرلمان البريطاني اقتراحا بجعل المدة 90 يوما واعتبر ذلك إنكارا للحرية.

وقد تعرض قانون مكافحة الإرهاب البريطاني لعدة انتقادات، منها ما أورده اللوردLloyd عند مراجعته للقانون سنة 1996 إذ سجل بأن تشريع مكافحة الإرهاب يجب أن يكون بقدر الإمكان قريبا من القانون الجنائي العادي (بشقيه العقابي والإجرائي)، وأن الجرائم الجديدة يجب أن تكون ضرورية لمواجهة التهديد المتوقع، وأنها يجب أن تحقق التوازن الصحيح بين احتياجات الأمن واحتياجات حريات الفرد[48].

22-(ثالثا) : مواجهة الإرهاب فى فرنسا:

عرفت فرنسا فى الفترة ما بين 1972 و 1987 الإرهاب عندما كانت المنظمات الشيوعية المقاتلة تستخدم أوروبا مسرحا للجريمة. ويشار إلى أنه فى أوائل الثمانينيات كانت فرنسا مسرحا للهجمات الإرهابية بين المهاجرين الفلسطينيين والمهاجرين الإسرائيليين، وبين المهاجرين الأرمن والمهاجرين الأتراك. وتحت تأثير موقف فرنسا المؤازر للولايات المتحدة فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى عرفت فرنسا بعض الموجات الإرهابية ، بدأت بحادث قطار باريس – تولوز فى 22 مارس سنة 1982 مستهدفا مصالحها السياسية والاقتصادية وشعبها .

وعرفت فرنسا فى الفترة من 1985 و 1986 نوعا من الإرهاب تحت تأثير بواعث سياسية ودينية . ويشار إلى أنه منذ سنة 1993 بسبب سياسة فرنسا فى دعم سياسة الحكومة الجزائرية تجاه الإسلاميين جعلها هدفا لهجمات تنظيم الجهاد ، وأنه فى الفترة من 1996 إلى 1999 تضاعفت الخلايا الإرهابية فى أوروبا واتخذت أسلوب تنظيم القاعدة، وما بين ديسمبر سنة 2000 وأبريل سنة 2001 كشفت الأجهزة الايطالية والألمانية والفرنسية خلية إرهابية تخطط لمهاجمة كاتدرائية استراسبورج . وفى 12 سبتمبر سنة 2001 بدأ مكتب الإدعاء العام فى باريس تحقيقات أولية للبحث فى فرنسا عن إمكان وجود شركاء للأحداث الإرهابية التى وقعت فى الولايات المتحدة[49].

وقد بدأت فرنسا فى تأسيس سياستها الجنائية على أربعة مبادئ هى : التخصص ، والمركزية ، والتنسيق المنظم ، والاتصال وتبادل المعلومات بين مختلف الأجهزة لبحث العلاقة بين أفراد الخلايا الإرهابية . وقد اقتضت هذه المبادئ إنشاء إدارات متخصصة ومركزية داخل الشرطة لمواجهة الإرهاب ، بجانبها قضاء متخصص فى هذا النوع الخطير من الجرائم .

وقد التجأت فرنسا ابتداء فى محاربة الإرهاب إلى قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية ، مع الأخذ بنظام قانونى يخالف القواعد العامة واعتبار العمل الإرهابى وصفا له ذاتيته القانونية . ولم يترتب على مخالفة القواعد العامة فى نصوص قانونى العقوبات والإجراءات الجنائية أى نقد جوهرى من جانب المجلس الدستورى الفرنسى الذى أكد فى 3 سبتمبر سنة 1986 أن نصوص محاربة الإرهاب تجد تبريرها فى الطابع الخاص للإرهاب[50] .

وفى 23 يناير سنة 2006 صدر فى فرنسا قانون مكافحة الإرهاب الفرنسى متمثلا فى إجراء تعديلات على القانون رقم 73 الصادر فى 21 يناير سنة 1995 بشأن التوجيه ووضع البرامج فى مجال الأمن، وعلى قانون الإجراءات الجنائية، وقانون البريد والاتصالات، وقانون الأمن الداخلى، وقانون العقوبات، والقانون المدنى، والقانون المتعلق بحرية الاتصالات، وقانون النقد والتمويل، والقانون المنظم للأنشطة الخاصة فى مجال المراقبة والحراسة ونقل الأموال، وقانون الطيران المدنى، وقانون التأمين، والقانون الخاص بحرية الصحافة، والقانون الخاص بتنظيم وتعزيز الأنشطة البدنية والرياضية.

وبمقتضى القانون الصادر سنة 2006 طرأ نوعان من التعديلات المباشرة على قانون العقوبات الفرنسى ، الأول يتضمن إنشاء جرائم عدم القدرة علـى تبريـر وجـود موارد تتعلق بسير الحياة أو عدم القدرة على تبرير مصدر المال ، وتسهيل تبرير الموارد المشبوهة لدى الأشخاص ( المواد : 321 – 6 ، 321 – 6 -1 ، 321 – 10-1 عقوبات فرنسى) . والثانى بشأن الجماعات الإرهابية وذلك بتشديد العقاب على مديريها، والتوسع فى تجريم هذه الجماعات بالنظر إلى الجرائم التى تحضر لها (المواد : 421 – 21 و 421 – 5/1 و 421 – 6) .

واستحدث قانون الإجراءات الجنائية المادة 706 – 24 إجراءات التى تسمح لرجال الضبط القضائى بعدم إظهار شخصياتهم إلا من خلال أرقامهم المسجلة إداريا ، مع معاقبة من يظهر شخصياتهم بطريقة غير مشروعة (المادة 706 إجراءات).

كما تضمن تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية نصت على مركزية محاكم تطبيق العقوبات بباريس (التى تشرف على تنفيذها) بشأن المحكوم عليهم فى جرائم إرهابية ، وإنشاء محاكم جنايات متخصصة للأحداث الإرهابية (المادة 706 – 25) ، والتدخل الاستثنائى لقاضى الحريات لإطالة القبض الذى يمارسه مأمور الضبطgarde a vue فى حالة توافر خطر جوى ينذر بوقوع عمل إرهابى .

كما استحدث هذا القانون نظاما لتحسين تعويض ضحايا الأعمال الإرهابية[51].

23-(رابعا) : مواجهة الإرهاب فى إيطاليا:

تصاعد الإرهاب فى ايطاليا تدريجيا تحت تأثير التطرف الايديولوجى سنة 1968 فى كل من تورينو وجنوا وميلانو. ووقعت واكتشفت حوادث إرهابية، منها كشف محاولة حفر نفق فى روما قريب من سفارة الولايات المتحدة بقصد القيام بهجوم كيميائى. كما تم القبض على بعض الإرهابيين المتهمين بالانضمام إلى خلايا تنظيم القاعدة . وقد أدى ذلك وغيره إلى التأثير فى الخطوات التشريعية بايطاليا لاتخاذ تدابير لمواجهة الإرهاب ومحاربة تهديداته. وحرصت ايطاليا على أن تكون خطواتها لمواجهة الإرهاب مصحوبة بالالتزام باحترام مبادئ حقوق الإنسان ، بما فى ذلك عدم التمييز ، وحرية الاجتماع وحرية العقيدة ، واحترام الضمانات بما فى ذلك أن الأصل فى المتهم البراءة، وحق الدفاع ، والحق فى المحاكمة أمام محكمة مستقلة محايدة . وقد كانت مشكلة التوازن بين متطلبات حماية السكان من تهديد الإرهاب والمحافظة على حماية حقوق الإنسان هى أحد اهتمامات التشريع الايطالى .

وعلى أثر أحداث 11 سبتمبر سنة 2001 فى الولايات المتحدة صدر مرسوم تنفيذى فى 18 أكتوبر سنة 2001 أعقبه صدور قانون فى 15 ديسمبر سنة 2001 بشأن التدابير العاجلة ضد الإرهاب الدولى . وفى سنة 2005 صدر القانون رقم 155 فى 31 يولية سنة 2005 لمواجهة الأخطار العاجلة للإرهاب . كما صدر المرسوم التنفيذى رقم 144 فى 27 يونية سنة 2005 فى هذا الشأن .

وقد شهدت هذه الأدوات التشريعية توسيع سلطات الاستدلال والتحقيق عن الإرهاب من خلال قواعد خاصة تتعلق بتسجيل المكالمات التلفونية وكشف بطاقات تحقيق الشخصية المزورة ، وتفعيل العمل بالتدابير التحفظية التى استخدمت لمواجهة جرائم المافيا . إلا أن قانون سنة 2005 اعتمد قبل كل شئ على تعديل المادة 270 مكررا من قانون العقوبات الايطالى . وقد تضمن هذا التعديل معاقبة من يثبت أنه قام بتشجيع أو إنشاء أو تنظيم أو إدارة أو تمويل جماعات إرهابية تعتزم ارتكاب أنشطة العنف لأغراض إرهابية ، ومعاقبة الأفراد الذين يشاركون فى هذه الجماعات . كما تضمن هذا التعديل تجريما لظاهرة الإرهاب الدولي حيث تعمل جماعات فى ايطاليا لتشجيع العنف ضد دولة أجنبية أو منظمة دولية.

وعلى الرغم من تعديل المادة 270 مكررا من قانون العقوبات الايطالي فان عدم وجود تعريف قانونى لجريمة الإرهاب أدى إلى عدة مشاكل في التطبيق، ولهذا صدر الأمر تنفيذي رقم 144 لسنة 2005 بتعريف الأعمال التي ترتكب بقصد إرهابي لحل هذه المشكلات مستوحيا هذا التعريف من المادة الأولى من القرار الإطاري الذي وضعه مجلس الاتحاد الأوروبي بشأن محاربة الإرهاب في 13 يونيه سنة 2002. ويتوافر هذا القصد إذ اتجه القصد نحو تخويف السكان أو تقييد سلطات الدولة أو إقصاء المنظمات الدولية للقيام بأى نشاط أو الامتناع عنه، أو هز الاستقرار أو تحطيم الهياكل الاساسية السياسية أو الدستورية أو الاقتصادية أو الاجتماعية في دولة ما أو في منظمة دولية.

وطرأت على التشريع الايطالي تعديلات اجرائية استهدفت تقوية سلطات جمع المعلومات والاستدلالات بشأن الإرهاب، بما في ذلك السماح بتسجيل المكالمات التليفونية بترخيص من المدعي العام لدى محكمة الاستئناف في المنطقة التي وضع فيها الشخص تحت المراقبة، أو إذا ما اقتضت السرعة ذلك لتلبية احتياجات الاستدلال. وقد انتقد ذلك جانب من الفقه[52] على أساس عدم اتفاقه مع المبادئ الدستورية وخاصة مع غموض الشروط التي تبيح تسجيل المكالمات التليفونية. ولهذا، فان المعلومات المستخلصة من خلال التسجيلات التي تمت لكشف الجريمة تستبعد من الأوراق الرسمية للاستدلال ولا يجوز افشاؤها شفويا أو بأية طريقة أخرى.

وتمثل النوع الثاني من التعديل الحد من نطاق الرقابة القضائية، من خلال تخويل الشرطة سلطة احتجاز المشتبه فيه لمدة لا تزيد على 24 ساعة دون منحه حق الاستعانة بمحام، وذلك حتى يمكن التحقق من شخصيته (المادة 349 اجراءات ايطالى). ويشترط فقط اخطار النيابة العامة بما في ذلك دون اشتراط موافقة القاضى، وللنيابة العامة أن تأمر بالافراج الحالى عن المشتبه فيه المحبوس إذا تأكد من عدم توافر متطلبات تقييد الحرية. وقد سمح القانون في سبيل التحقق من شخصية المشتبه فيه أخذ عينة من الشعر أو اللعاب بالقوة بشرط احترام كرامته الشخصية.

كما تضمن التشريع الايطالي لمواجهة الإرهاب النص على مجموعة من التدابير الادارية للحيلولة دون الهجمات الإرهابية ضد الأمن العام. وقد تضمن ذلك إعادة تنظيم استخدام الجمهور للتليفون والإنترنت، وحركة البيع لبعض انواع المتفجرات وأدوات التفجير، وذلك للمحافظة على سلامة المعلومات المستمدة من الاتصالات وتدابير إدارية لمنع الإرهاب في المطارات، بالإضافة إلى تدابير أخرى للتعامل مع الهجرة غير الشرعية واستبعاد الأجانب لاسباب تتعلق بتهديد النظام العام أو أمن الدولة، أو إذا توافرت أسباب تفيد أن تواجد الأجنبي على إقليم الدول قد يسهل النشاط الإرهابي.

ويشار إلى أن مواجهة الإرهاب في ايطاليا جاء لتأكيد أن فكرة الأمن أصبحت ضرورية لكيفية الحياة، مثلها في ذلك مثل الحق نفسه وليس كمجرد شرط للتمتع بالحق، وأن الأمن كحق للفرد يجب تنميته مع الحريات الفردية والنظر إليه كهدف تحققه الدولة وللسلطات العامة بما يتمشى دائما مع مبادئ حكم القانون والمعايير الدولية[53].

24-(خامسا) مواجهة الإرهاب في أسبانيا:

كان الارهاب المناهض للسلطة يواجه في حكم فرانكو من خلال القمع الشامل واستخدام القوات المسلحة، وكان موجها بوجه خاص ضد منظمة ايتا وبعد انتهاء عصر فرانكو قامت اسبانيا بمجموعة من الإجراءات في إطار عملية التحول الديمقراطي بغية وضع نهاية للعنف الداخلي التي شهدته أسبانيا في ذلك الوقت. وحقق التحول الديمقراطي وإعطاء الحكم الذاتي لإقليم الباسك نجاحا جزئيا على الإرهاب. وفي عام 1980 أعلنت منظمة الإيتا نبذها الكلي للعنف وقيامها بحل هيكلها التنظيمي السري. إلا أن قادة الجناح العسكري لهذه المنظمة بقى على موقفه وقاموا بتهديد كل الذين اختاروا طريق الاندماج في الحياة السياسية الاسبانية، مما أدى إلى قيام الحكومة بتشتيت أعضاء هذه المنظمة المسجونين أو المتعاونين مع جناحها العسكري في ربوع البلاد بدلا من تجميعهم في عدد قليل من السجون، بغية أن يفقد قادة المنظمة سيطرتهم عليهم. وقد أدى ذلك إلى أن عددا من المحكوم عليهم في جرائم تتعلق بالجناح العسكري لايتا أعلنوا قبولهم لإجراءات إعادة الاندماج واستطاعت اسبانيا أن تعقد اتفاقات سياسية بين الأحزاب الرئيسية وبين اللاعبين الآخرين ذوي الصلة تتعلق بصياغة سياسات مكافحة الإرهاب. وفي نوفمبر 1987 تم التوقيع على ميثاق مدريد من قبل أغلبية الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان الوطني، وتلاه ميثاق آخر سنة 1988 يطلق عليه اسم ميثاق أخوريا أنيا Ajuria Anea لنشد السلام وتطبيع الأوضاع في بلاد الباسك. وكان للميثاقين تأكيد كبير في اتخاذ التدابير الحكومية لمكافحة الإرهاب وتنفيذها حتى منتصف التسعينيات على الأقل. وفي أكتوبر سنة 1988 تم التوصل إلى اتفاقية مماثلة من قبل القوى السياسية والاجتماعية بهدف توفير الظروف المواتية للمواطنين وتعبئتهم ضد منظمة الإيتا ومؤيديها.. إلا أن قادة حزب الباسك القدامى سعوا في مطلع التسعينات للتحالف مع تشكيلات فوقية أخرى خاضعة لمنظمة الإيتا بشكل واضح. وفي ديسمبر سنة 2000 وقع أكبر حزبين في حكومة الباسك المستقلة اتفاقا للدفاع عن الحريات المدنية وضد الإرهاب، كأول اتفاق ضد الإرهاب منذ التحول الديمقراطي في اسبانيا، وبقيت منظمة الإيتا الإرهابية تعمل وحدها لغرض أهداف الأقلية بخلاف مواطني الباسك والذين يملكون مؤسساتهم المستقلة وينتخبون ممثليهم السياسيين. وفي عام 2002 أقر البرلمان الاسباني قانونا جديدا للأحزاب يسمح للحكومة، بناء على طلب البرلمان، أن تطالب بإجراءات قضائية لحظر نشر الجماعات السياسية التي لا ترغب في إدانة الإرهاب أو التي لا زالت تحتفظ بعلاقات مع منظمة إرهابية.

وكان من مظاهر التحول الديمقراطي أنه بعد أن كان التعامل مع الإرهاب يتم من خلال المحاكم العسكرية، أن أنشئت في يناير 1977 أنشئت محكمة وطنية في مدريد لنظر الجرائم المنظمة والأعمال الإرهابية.

وفي ديسمبر 1978 صدر قانون لمكافحة الإرهاب عندما بلغ تصعيد النشاط الإرهاب ذروته. وضم ذلك القانون بنوداً خاصة حول زيادة أحكام بالإدانة وزيادة مدة الحبس الاحتياطى ووضع القيود على ضمان إذن القضاء بتفتيش المساكن واعتراض الاتصالات الخاصة. ثم صدر تشريع جديد لمواجهة الإرهاب فى ديسمبر 1984 يسير على نفس النمط والعرف السائد آنذاك. وهذا التشريع الذى ربما كان الأهم والأكثر إثارة للجدل تم تطبيقه عامى 1985 و1986. بيد أنه بنهاية عام 1987 ألغت المحكمة الدستورية بعض البنود الجديدة مثل مد فترة الاحتجاز حتى عشرة أيام. وتم إلغاء ذلك التشريع المضاد للإرهاب بشكل نهائى في مايو 1988 ليس فقط بسبب عدم دستورية بعض بنوده، بل بسبب عدم التوافق السياسى حول إجراءات مكافحة الإرهاب التى تم التوصل إليها فى مطلع عام 1988 عندما وقعت الأحزاب الرئيسية فى أسبانيا ككل، خاصة أحزاب الباسك، اتفاقات آخوريا آنيا. وقد أدخلت بعض البنود غير المثيرة للجدل من التشريع الملغى فى تشريع عادى لاحق.

وقد خصص قانون العقوبات الصادر سنة 1995 فصلا خاصا لمواجهة جرائم الإرهاب، وفى مطلع 2001 تم تعديل هذا القانون ليتضمن بنوداً جديدة تم تكييفها مع التغييرات التى لوحظت على الممارسات الإرهابية منذ منتصف التسعينات. وكرد فعل على التعبئة الجماهيرية الكبيرة ضد منظمة إيتا فى إقليم الباسك وضع قادة إيتا خطة لتكملة الأعمال الإرهابية مثل السيارات الملغومة أو الاغتيالات وغيرها من أعمال التى كان يرتكبها خلال عطلة نهاية الأسبوع ما يقرب من 150 من الصبية المراهقين الذين تشبعوا بثقافة الكراهية والإقصاء، وذلك بغرض التحرش بمواطنى الباسك الذين يعلنون أنهم ليسو قوميين. وبالإضافة لتلك الأعمال التى كانت تهدف إلى الإخلال بالنظام الدستورى وتهديد السلم العام أصبحت الأعمال الإرهابية تشمل كذلك كلا من الأعمال الإجرامية المقصود بها ترويع قطاع ما من السكان أو مجموعة اجتماعية أو سياسية، والأعمال الإرهابية التى يقوم بها شباب بين سن 18 و21 الذين يحاكمون بالتالى أمام محاكم خاصة، وتقريظ أعمال الإرهاب والإشادة بها وتبريرها، والتحقير من شأن ضحايا الإرهاب وأقاربهم. وبالمثل نصت على حرمان المحكوم عليهم لارتكابهم جرائم إرهابية ن تولى الوظائف العامة لمدة عشرين عاما على الأقل.

ونص قانون الإجراءات الجنائية المعدل سنة 1988 على توسيع سلطة الشرطة في التنصت على الاتصالات والمراسلات بدون اذن قضائي في حالات الاستعجال ولمدة محددة (المادة 579 من قانون الإجراءات الجنائية) اعتماداً على المادة 18/3 من الدستور الاسباني، كما نص على السماح بتفتيش المساكن بدون إذن قضائي مسبق وفي غير حالة التلبس في حالات استثنائية أو بسبب الضرورة العاجلة (المادة 533 من قانون الإجراءات الجنائية) اعتمادا على المادة 18/2 من الدستور الاسباني) وسمح بإطالة مدة الاحتجاز المسموح به للشرطة ومدته 70 ساعة إلى خمسة أيام بموافقة القاضي (المادة 520 مكررا من قانون الإجراءات الجنائية) وذلك تأسيسا على المادة 17/2 من الدستور بدلا من 48 ساعة في غير جرائم الإرهاب[54].

25-(سادسا) مواجهة الإرهاب وفقا للقانون المصرى:

استندت مكافحة الإرهاب في مصر على أساسين قانونيين يتفقان مع الدستور:

(الأول) هو القانون العام متمثلا في قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية وقانون غسل الأموال. فقد صدر القانون رقم 97 لسنة 1992 مضيفا بعض المواد لقانون العقوبات تحت القسم الأول من الباب الثاني من هذا القانون (الجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل) وقد تضمنت هذه المواد تعريف الإرهاب (المادة 86) وتحديد جرائمه وعقوباتها (المواد 86 مكررا، و86 مكررا (أ) و86 مكررا (ب) و86 مكررا (جـ) و86 مكررا (د) و88 و88 مكررا من قانون العقوبات).

وبمقتضى قانون رقم 97 لسنة 1992 عدل القانون رقم 105 لسنة 1980 بإنشاء محاكم أمن الدولة. ونصت المادة السابعة مكررا من هذا القانون في فقرته الثالثة على أن يكون لمأمور الضبط القضائي إذا توافرت لديه دلائل كافية على اتهام شخص بارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في القسم الأول من الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات (والذي يحتوي على المواد التي تعاقب على الإرهاب) أن يتخذ الإجراءات التحفظية المناسبة وأن يطلب من النيابة العامة خلال أربعة وعشرين ساعة على الأكثر أن تأذن له في القبض على المتهم. وللنيابة العامة في هذه الحالة ولأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع أن تأذن بالقبض على المتهم لمدة لا تتجاوز سبعة أيام. ويجب على مأمور الضبط القضائي أن يسمع أقوال المقبوض عليه ويرسله إلى النيابة العامة المختصة بعد انتهاء المدة المشار إليها في الفقرة السابقة، ويجب على النيابة العامة أن تستجوبه في ظرف اثنتين وسبعين ساعة من عرضه عليها، ثم تأمر بحبسه احتياطيا أو إطلاق سراحه[55]وقد جاء القانون رقم 95 لسنة 2003 فألغى القانون رقم 105 لسنة 1980 بإنشاء محاكم أمن الدولة سالف الذكر وألغيت بذلك كافة السلطات التي منحتها المادة السابعة مكررا من ذلك القانون لمأمور الضبط القضائي في جرائم الإرهاب. إلا أن القانون رقم 95 لسنة 2003 عدل المادة 206 مكررا من قانون الإجراءات الجنائية، وأصبح لأعضاء النيابة العامة من درجة رئيس نيابة على الأقل سلطات قاضي التحقيق في جرائم الإرهاب[56] فضلا عن سلطة محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة المبينة في المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية[57].

وصدر القانون رقم 80 لسنة 2003 بشأن مكافحة غسل الأموال، وذلك باعتبار ان غسل الأموال يعد مصدرا أساسيا لتمويل الجماعات الإرهابية. وبمقتضى هذا القانون أنشئت بالبنك المركزي وحدة مستقلة ذات طابع خاص لمكافحة غسل الأموال. ومن اختصاص هذه الوحدة القيام بأعمال التحري والفحص وإبلاغ النيابة العامة بما يسفر عنه ذلك، ولها أن تطلب من النيابة العامة اتخاذ التدابير التحفظية التي تكفل تجميد الأموال المشتبه في طبيعتها ومصدرها مما يعد جريمة معاقباً عليها في هذا القانون ومنع الأفراد أو الكيانات التي تملك أو تحول إليها هذه الأموال من التصرف فيها (المادة 5).

وبالإضافة إلى ذلك، حظر القانون رقم 84 لسنة 2003 بإصدار قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية – إنشاء الجمعيات السرية التي تمارس نشاط تكوين التشكيلات العسكرية أو تهديد الوحدة الوطنية، كما اشترط هذا القانون لتلقي الجمعيات تبرعات من الخارج من الأشخاص الطبيعيين أو الأشخاص الاعتباريين موافقة الجهة الإدارية.

وبجانب ما تقدم فقد صدقت مصر على معظم اتفاقيات الأمم المتحدة المعنية بمكافحة الإرهاب، وآخرها اتفاقية قمع تمويل الإرهاب، واتفاقية قمع الهجمات الإرهابية بالقنابل، واتفاقية قمع الإرهاب النووي. كما صدقت على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لسنة 1998 واتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لمنع الإرهاب.

(الثاني) هو قانون الطوارئ الصادر بالقرار بقانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ. ويسرى هذا القانون بمقتضى إعلان حالة الطوارئ طبقا للمادة 148 من الدستور.

وقد أصدر مجلس الشعب القرار رقم 131 لسنة 2006 بمد حالة الطوارئ المعلنة بقرار رئيس الجمهورية المؤقت رقم 560 لسنة 1981 لمدة سنتين اعتبارا من أول يونيه سنة 2006 حتى 31 مايو سنة 2008 أو لمدة تنتهى بصدور قانون لمكافحة الإرهاب أيهما أقرب .

وجاء التعديل الدستوري الثالث الصادر في 29 مارس سنة 2007 فاستحدث المادة 179 من الدستور التي نصت على أن تعمل الدولة على حماية الأمن والنظام العام في مواجهة أخطار الإرهاب، وينظم القانون أحكاما خاصا بإجراءات الاستدلال والتحقيق التي تقتضيها ضرورة مواجهة هذه الأخطار، وبحيث لا يحول الإجراء المنصوص عليه في كل من الفقرة الأولى من المادة 41 والمادة 44 والفقرة الثانية من المادة 45 من الدستور دون تلك المواجهة، وذلك كله تحت رقابة القضاء.

ولرئيس الجمهورية أن يجعل أية جريمة من جرائم الإرهاب إلى أية جهة قضاء منصوص عليها في الدستور أو القانون).

وبمقتضى هذا النص تحدد الإطار الدستوري لمواجهة الإرهاب وفقا للمبادئ الآتية:

(1) التزام الدولة بالعمل على حماية الأمن والنظام العام في مواجهة أخطار الإرهاب. ويشير هذا المبدأ إلى المصالح المحمية من وراء مواجهة الإرهاب وهى الأمن والنظام العام – سواء كان الأمن عاما يتصل بكيان الدولة أو أمنا للأشخاص وسواء الممتلكات. ويتسع هذا الالتزام إلى منع وقوع الإرهاب من خلال تدابير الضبط الإداري وغيرها من الوسائل، بالإضافة إلى قمع الإرهاب وقوعه . ويقتضى ذلك وضع إستراتيجية لمواجهة الإرهاب تتسع لما يعتبر من جرائمه ، وتحديد وسائل منعه وكشفه مبكرا ووضع الإجراءات الجنائية الكفيلة بالضبط والتحقيق بمراعاة الضرورة والاستعجال ، وبيان آليات التعاون الدولى لمواجهة الإرهاب . وفى هذا الصدد أعد مكتب المخدرات والجريمة فى فيينا التابع للأمم المتحدة سنة 2006 ورقة عمل لمساعدة الدول الأعضاء فى وضع إستراتيجية مواجهة الإرهاب ، إعمالا للقرار رقم 175 الذى أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2006 فى دورتها الستين وقد تضمنت هذه الورقة مشروع قانون ضد الإرهاب لمساعدة الدول الأعضاء عند وضع هذا القانون وقبل هذا التاريخ . وفى عام 2004 كان مكتب فيينا التابع للأمم المتحدة قد أعد دليلا تشريعيا للاتفاقيات والبروتوكولات المناهضة للإرهاب، لمساعدة الدول الأعضاء على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1373 لسنة 2001 الذى دعا هذه الدول لاتخاذ الخطوات الضرورية لمنع ارتكاب الأعمال الإرهابية.
(2) أن ينظم القانون الخاص بمواجهة الإرهاب أحكاما خاصة بإجراءات الاستدلال والتحقيق، بمعنى أن الدستور قد أجاز الخروج عن القواعد العامة من خلال هذا التنظيم. ولم يشر القانون إلى الخروج عن القواعد العامة بالنسبة إلى إجراءات المحاكمة، على أن ذلك لا يحول دون وجود تنظيم خاص للمحاكم المختصة بقضايا الإرهاب طالما أنها تلتزم بالضمانات المقررة في القانون العام عند المحاكمة.
(3) أن الخروج عن القواعد العامة تحكمه الضرورة. وبناء على هذا المعيار لا يحول الإجراء المنصوص عليه في كل من المادة 41/1 والمادة 44 والمادة 45/2 من الدستور، دون تلك المواجهة. ويتمثل هذا الإجراء في الأمر القضائي الذي أسمته المادة 41 من الدستور بالأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة، وأسمته الدولة 44 من الدستور بالأمر القضائي المسبب وفقا لأحكام القانون، وأسمته المادة 45 بالأمر القضائي المسبب ولمدة محددة ووفقا لأحكام القانون.
(4) تأكيد رقابة القضاء على ما يتخذ من إجراءات عند مواجهة الإرهاب وذلك من خلال التحقق من مشروعيتها وفقا للأحكام التي ينص عليها القانون وبعد التأكد من توافر شرط الضرورة والاستعجال عند تطبيق المواد 41 و44/2 و45 من الدستور.
(5) سلطة رئيس الجمهورية في أن يحيل أية جريمة من جرائم الإرهاب إلى أية جهة قضاء منصوص عليها في الدستور أو القانون. وقد حددت المواد 165 و171 و172 و174 و183 جهات القضاء . وعلى القانون الخاص بمكافحة الإرهاب أن ينظم طريقة تطبيق الفقرة الثانية من المادة 179 من الدستور.

الفصل الثالث
التوازن بين المحافظة على الأمن وحماية حقوق الإنسان

26-الأصل العـام:

إذا كان الإرهاب بعواقبه الوخيمة يلقى تحديات سياسية وأمنية واقتصادية، فإن التحديات القانونية لمواجهة الإرهاب تبدو هامة وحاسمة في ظل عصر سادت فيه قيم دولة القانون، والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأصبحت هذه القيم جزءاً من الضمير العالمي. ومن هنا احتلت مواجهة جريمة الإرهاب جانبا مهما من مسئوليات النظام القانونى متى تتم المواجهة من خلال التوازن بين متطلبات مكافحة الإرهاب في منع الجريمة أو العقاب عليها أو ضبط الجناة، وبين متطلبات حماية حقوق الإنسان. فبغير الثقة في النظام القانونى وسيادة القانون يكون الكفاح ضد الإرهاب ناقصا. وكما قيل، فإن سلاح الإرهاب يجب أن يكافح بسلاح العدالة، وأن الفكرة الفاسدة يجب مكافحتها بفكرة صالحة، ولا يجوز أن يعالج الضرر بضرر مثله، ويجب حماية القانون بالقانون.

ومن هنا، فإن المواجهة الشاملة للإرهاب لا يمكن أن تكون بمنأى عن دولة القانون، ومبادئ حقوق الإنسان. وهو ما يجعل التحديات القانونية في مواجهة الإرهاب ركنا ركينا في المواجهة الشاملة للإرهاب على اختلاف أنواعها وأبعادها وهو ما دفع المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن تصدر أحكاما قاطعة وحاسمة لضمان احترام حقوق الإنسان عند مكافحة الإرهاب.

وعلى الجانب الآخر، فإن من حق الدولة، بل من واجبها أن تواجه الإرهاب استخداما لحقها في الدفاع عن سيادتها وأمنها واستقرارها والدفاع عن أرواح وسائر حقوق مواطنيها؛ وذلك باعتبار أن مواجهة الإرهاب تهدف أساساً إلى حماية حقوق الإنسان.

27-رفض التحيز للاعتبارات الأمنية على حساب حماية حقوق الإنسان:

نجد أن الصدمة التى أحدثتها هجمات 11 سبتمبر للأمريكيين قد دعت إلى اتخاذ تدابير استثنائية لمكافحة الإرهاب. إن المشكلة الحقيقية والخطيرة تتعلق بشرعية التدابير الأمريكية ضد أفراد يؤمنون بالعمل الإرهابى أو يشتبه فى قيامهم به وعلى طريقتها، قامت الولايات المتحدة بإحياء الحكمة القديمة لسان جوست (Saint – Just) الذى أسس نظرية الرعب التى تقول : “لا حرية لأعداء الحرية” والتى يمكن ترجمتها بطريقة أخرى: “سأرهب الإرهابيين”،وهى العبارة المشهورة لوزير داخلية فرنسى أسبق قالها فى الثمانينيات. وفى هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى ثلاثة نماذج [58]

· سجن قاعدة جوانتنامو على جزيرة كوبا حيث يتم احتجاز أسرى الحرب فى أفغانستان وتركهم دون محاكمة أو مساعدة قضائية لفترات غير محددة ( ولا يزال عدد من السجناء محتجزاً هناك). ولقد تم البحث عن حجج قانونية واهية مثل مفهوم” أسير ميدان المعركة” أو ” المقاتلون الأعداء غير الشرعيين” لتجنب منح هؤلاء السجناء وضع ” أسرى الحرب” المنصوص عليه فى الاتفاقيات الدولية أو وضع المشتبه بهم فى نظر القانون الأمريكى، وهو وضع تعتبره السلطات الأمريكية يميل إلى حد كبير لصالح المتهم.

· سجن أبو غريب والمعاملة الشائنة وعمليات التعذيب التى تعرض لها العديد من السجناء العراقيين. لقد اعتبرت هذه الممارسات بمثابة مبادرات فردية قام بها حراس السجن العسكريون الذين دافعوا عن أنفسهم متذرعين بتلقيهم أوامر غير مكتوبة بتحطيم السجناء نفسيا بغرض الحصول على المعلومات. ويعبر مايكل وايزر عن غضبه قائلا ان ” الحكومة الحالية فى واشنطن لا تهتم كثيراً بمسألة الضمير الأخلاقى والالتزام بمبدأ المعاملة بالمثل فى قراراتها “[59]

· ” السجون الطائرة ” و” السجون السرية” لوكالة الاستخبارات المركزية. لقد تم اللجوء إلى هذه الوسيلة بهدف التأثير على التوازن النفسى للسجناء وتسهيل استخدام التعذيب فى بعض البلدان الحليفة سواء دون علمها أو نتيجة لتعاونها مع الولايات المتحدة.

إن هذه التجاوزات للنظام القانونى الذى قامت الدولة نفسها بوضعه تطرح سؤالاً جوهرياً حول إمكانية تكييف الرد لكى يتلاءم مع الاعتداء وكيفية اتخاذ تدابير قمعية فى إطار سيادة القانون.

لقد وصل الأمر إلى أن دعا البعض إلى المطالبة باستخدام التعذيب كوسيلة مشروعة و ” تافهة ” من وسائل القوة حتى أن أستاذ القانون فى جامعة هارفارد الأستاذAlen Dervhawitj لم يتردد فى الكتابة قائلاً ان ” نتيجة التحليل البسيط لحساب التكلفة والعائد فيما يتعلق باستخدام التعذيب الذى لا يفضى إلى الموت تبدو واضحة ولا تحتاج إلى مناقشة، إن القيام بمعاقبة أحد الإرهابيين المذنبين بعقوبة لا تفضى إلى الموت إذا كان يخفى معلومات لازمة لمنع وقوع عمل إرهابى أفضل من أن يسقط عدد كبير من القتلى الأبرياء[60]. وهذا الرأى تؤيده المدرسة الإسرائيلية حيث أجازت المحكمة العليا استخدام درجة معينة من العنف للحصول على المعلومات من الفلسطينيين الذين يؤمنون بجدوى الأعمال الإرهابية[61] إن درشوفيتز يؤمن بالفكر القانونى القاضى بأن استباق وقوع العمل الإرهابى عن طريق تقنين قدر معقول من التجاوزات الضرورية أفضل من أن نجد أنفسنا تحت وقع حالة طارئة وشعور بالصدمة نتيجة لوقوع العمل الإرهابى ونضطر عندئذ إلى اللجوء إلى بعض التجاوزات” المفرطة”! لم تقم الولايات المتحدة بمواجهة التحدى القانونى الذى أطلقه درشوفيتز، فقد فضلت اختيار طريق ” اللاشرعية ” من خلال وضع عملية إدارة السجون خارج إطار القوانين العامة. ومن ثم، فإن العنف الذى يمارس فى السجون – حتى وإن كان عنفا غير جسدى- يخرج عن نطاق القانون والقضاء.

فى مواجهة تنظيم القاعدة، قيل بأن الولايات المتحدة ردت على بن لادن بأن قامت بوضع نفسها على مستوى واحد معه. فعن طريق ممارسة العنف بصورة غير قانونية، فقدت أمريكا ميزتها النظرية باعتبارها الضحية وفشلت فى مراعاة السلوكيات الأخلاقية التى ناضل المجتمع الدولى من أجلها منذ عدة سنوات

وفى هذا الصدد، ينبغى علينا مواجهة الحجة الرئيسية لهؤلاء الذين يؤيدون استخدام التعذيب ، فربما إذ يسمح التعذيب باكتشاف ثلاثين قنبلة فى مقابل فقدان قدر من الشرف ولكنه سوف يخلق فى نفس الوقت خمسين إرهابياً جديداً” يتسببون من خلال ارتكاب أعمال إرهابية أخرى – وفى سقوط عدد أكبر من الضحايا الأبرياء[62].

إن الحرب التى يشنها علينا الإرهاب يجب التصدى لها عن طريق استخدام الأدوات والطرق القانونية … عن طريق تطبيق حكم القانون.

28-دعائم النظام القانونى:

ويهمنا بادئ ذي بدء أن نقرر أن النظام القانونى لا يقرر الحقوق والحريات بغير توازن فيما بينها وبين المصلحة العامة ولا يجادل أحد في أن الضمانات التي توفرها الشرعية الدستورية لا تطبق بذاتها عند زيادة الأخطار، وذلك باعتبار أن أهمية المحافظة على النظام العام المعرض للخطر تبدو أكثر دقة في الظروف الاستثنائية عنها في الظروف العادية، مما يجعل التوازن بينه وبين الحريات أمرا دقيقا . ولهذا أكد المجلس الدستوري في فرنسا سنة 1982 أن حماية النظام العام هو هدف ذو قيمة دستورية يجب التنسيق بينه وبين سائر المبادئ أو الأهداف ذات القيمة الدستورية[63]. وتؤدي الضرورة والتناسب دورا هاما في حكم التوازن داخل النظام القانونى بين الحقوق والحريات وبين المصلحة العامة.

وفي ضوء ما تقدم، فان مواجهة الإرهاب لابد أن تعبر عن موقف متكامل يتفق مع حكم القانون بما في ذلك مبادئ القانون الدولي ويحمى حقوق الإنسان.

وإذا كانت مواجهة الإرهاب تقتضي الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية الخاصة بالإرهاب، فإن هذه المواجهة لا تكتمل أيضا بغير الالتزام بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

كما أن قرار مجلس الأمن سنة 2001 بشأن الإرهاب لا يعنى إقرار هذه المواجهة بالمخالفة لحقوق الإنسان ، ذلك أن ممارسات هذا المجلس أدمجت اعتبار حقوق الإنسان مع اعتبارات حماية الأمن . ولما كانت تدابير مواجهة الإرهاب قد تمس ببعض حقوق الإنسان فقد نادى المقرر الخاص باللجنة الفرعية لحماية حقوق الإنسان بمراعاة مدى احترام حقوق الإنسان عند تقييم تدابير مواجهة الإرهاب[64]ويتطلب إدماج حماية حقوق الإنسان فى اعتبارات المحافظة على الأمن ، وجوب احترام مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ، واحترام مبدأ اليقين القانونى فى نصوص التجريم والعقاب .

وقد أكد إعلان القاهرة يومى 8 و 9 من يوليه سنة 2006 الذى صدر فى أعقاب المؤتمر الدولى للإرهاب الذى نظمه مجلس الشعب المصرى فى هذا التاريخ على أنه من واجب كل دولة وكذلك المجتمع الدولى بأسره الرد على التحدى الجماعى لمكافحى الإرهاب فى إطار مبادئ دولة القانون واحترام حقوق الإنسان.

وفي هذا الصدد نشير إلى أن المحكمة الدستورية العليا في مصر قد اتخذت المستوى الذي تلتزم به الدول الديمقراطية في قواعدها القانونية وفي احترام حقوق المواطنين وحرياتهم معيارا وضابطا لرقابتها الدستورية. وقد وصل بها الأمر تطبيقا لهذا المبدأ إلى عدم الوقوف عند معنى الحرية الشخصية التي كفلها الدستور بل اشترطت ألا تخل التشريعات بالحقوق التي تعتبر وثيقة الصلة بهذه الحرية الشخصية رغم عدم ورودها صراحة في نصوص الدستور المصري، ومنها ألا تكون العقوبة الجنائية التي توقعها الدولة بتشريعاتها مهينة في ذاتها أو محضة في قسوتها[65]، أو متضمنة معاقبة الشخص أكثر من مرة عن فصل واحد[66]، وألا يكون النص العقابي غامضا بحيث يخفي مضمونه على أوساط الناس باختلافهم حول فحواه ومجال تطبيقه[67].

29-معيار الضرورة والتناسب:

يحقق معيار الضرورة والتناسب التكامل بين مقتضيات المحافظة على الأمن والنظام العام وحماية حقوق الإنسان.

وقد استظهر إعلان الثورة الفرنسية لحقوق الإنسان والمواطن هذا المعيار في مادته الثامنة إذ نصت على أن التشريع لا يمكن أن يفرض سوى عقوبات ضرورية على وجه الدقة واليقين.

وقد انعكس هذا المعيار في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (سنة 1948)، الذي لم يسمح مطلقا باستخدام القسوة أو الوحشية أو الحط من الكرامة الإنسانية في العقوبات، ولم يسمح بالاعتداء على الحقوق الأساسية أو التعسف في التدخل فيها (المادتان 5 و8 من الإعلان).

كما جاء العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر سنة 1966 فأكد مبدأ عدم خضوع أحد لعقوبات قاسية أو غير إنسانية أو حاطة بالكرامة (المادة 7)، ولم يجز المساس بحرية أحد ما لم تكن هناك أسباب تدعو إلى ذلك وفقا للإجراءات المنصوص عليها في التشريع (المادة 9).

وقد أكدت الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان (1950) ضابط الضرورة، إذ أوضحت المواد من 8 إلى 11 من هذه الاتفاقية في مجموعها أن ممارسة الحقوق والحريات يمكن أن تخضع لشروط أو قيود أو جزاءات ينص عليها القانون، مما يعد تدابير (ضرورية) في مجتمع ديمقراطي، لحماية الأمن الوطني ووحدة الكيان الإقليمي للدولة، أو للمحافظة على الأمن العام، أو الدفاع عن النظام، أو منع وقوع الجريمة، أو حماية الصحة أو الأخلاق، أو حماية حقوق الغير في مواجهة إفشاء الأسرار الخاصة، أو لضمان استقلال سمعة وحيدة القضاء (المادة 10/2). وتطبيقا لذلك، قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأنه يمكن للمشرع أن يضع القواعد التي تنظم ممارسة حرية نقل الأفكار والآراء وأن يضع جزاءات جنائية على مخالفتها “بقصد ضمان فاعليتها أو التوازن بينها مع غيرها من القواعد أو المبادئ ذات القيم الدستورية”.

وبالإطلاع على الدستور المصرى، يتضح أنه في مجموعه ينبع عن فكرة الضرورة الاجتماعية والتناسب فيما يتعلق بالمساس بالحقوق والحريات. فالمادة 41 من هذا الدستور لا تجيز تقييد حرية أحد بأى قيد إلا بأمر تستلزمه “ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع”. كما أن المادة 42 من هذا الدستور تحظر تقييد حرية أحد إلا بما يحفظ كرامة الإنسان. وواقع الأمر، فإن مبدأ التناسب الذي لا تقوم الضرورة في التجريم إلا بمراعاته، يتمتع في ذاته بذات القيمة الدستورية التي تتمتع بها سائر الحقوق والحريات والمصلحة العامة، لأنه من خلال احترام هذا المبدأ يتم احترام كافة القيم الدستورية التي نالت حماية الدستور بطريقة منطقية متوازنة.

ولا شك في أن المحكمة الدستورية العليا يقع عليها عبء مراقبة مشروعية الضرورة والتناسب في التضحيات التي تتحملها القيم التي يقوم عليها النظام الدستوري. فإذا أقدم المشرع على إحداث عدم تناسب ظاهر لا يتفق مع الأهداف والمقاصد التي استهدفها الدستور من وراء حماية الحقوق والحريات وسائر القيم التي ينص عليها، تعرض للقضاء بعدم دستورية القاعدة التي أخلت بضوابط الضرورة والتناسب المطلوب. فالسلطة التقديرية للمشرع في تحديد الضرورة والتناسب في التجريم والعقاب ليست مطلقة، وإنما تحدها الغايات التي استهدف الدستور تحقيقها، لأن السلطة التشريعية لا تمارس اختصاصها إلا في حدود الدستور. فالضرورة والتناسب يكونان معا معيارا دستوريا يتعين الالتزام به.

وحقيقة الأمر، أن الدستور إما أن يعبر عن أحكامه بقواعد محددة تتقيد بها إرادة المشرع، وإما أن يلجأ إلى وضع مبادئ تحدد الغايات التي يجب تحقيقها من وراء نصوصه، وتستنبط هذه الغايات من مجمل نصوص الدستور. ومن واجب المحكمة الدستورية العليا أن تبلور المضمون القاعدي لهذه المبادئ التي تحدد مقاصد المشرع الدستوري، وتراقب المشرع العادي في ضوء احترامه لهذا المضمون. وبالتالى تكون رقابة المحكمة الدستورية العليا للمشرع في تقديره للتناسب هى رقابة مشروعية دستورية وليست محض تدخل في سلطته التقديرية[68]، وذلك باعتبار أن مقاصد الدستور وغاياته وإن تجلت في ثنايا الدستور كمبادئ عامة، إلا أن المحكمة الدستورية بحكم رسالتها تضفي عليها مضمونا قاعديا يأخذ وضعه الأسمي في هرم القواعد القانونية المتدرج، فيتقيد المشرع العادي به فيما يضعه من قواعد. إلا أن الإخلال يجب أن يكون واضحا ظاهرا جليا يكشف بقوة هذا الوضوح عن انتفاء الضرورة أو عدم التناسب في التجريم والعقاب، بل وينطق به دون أن يحتاج الأمر إلى مراجعة في السلطة التقديرية للمشرع والتي تقوم على اعتبارات الملاءمة في اختيار أفضل الوسائل لتحقيق المقاصد التي توخاها المشرع الدستوري. وكما تقول المحكمة الدستورية العليا، فإن الجزاء الجنائي لا يكون مخالفا للدستور إلا إذا اختل التعادل بصورة ظاهرة بين مداه وطبيعة الجريمة التي تعلق بها، ودون ذلك يعني إحلال المحكمة لإرادتها محل تقدير متوازن من السلطة التشريعية للعقوبة التي فرضتها[69]. ويعد الإخلال بالتناسب ظاهرا إذا كان من شأنه أن تفقد الحقوق والحريات جوهرها ومحتواها لدى المشرع، ففي هذه الحالة يبدو جليا مدى الإخلال بالمقاصد التي استهدفها الدستور.

وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا في مصر أنه كلما كان الجزء مقررا لضرورة، ومتناسبا مع الأفعال التي أثمها المشرع أو منعها، متصاعدا مع خطورتها – كان موافقا للدستور[70].

ويرجع ذلك إلى أن التوازن بين الحقوق والحريات، وسائر القيم الدستورية المتمثلة في حقوق وحريات الغير أو في المصلحة العامة؛ يجب أن يتم وفقا للضرورة الاجتماعية والتناسب. وكلاهما من واد واحد؛ فالضرورة لابد أن تكون بقدرها. ومن هنا جاء التناسب[71]، ولا تناسب إلا بالقدر الضرورى. وهكذا فإن ضابط الضرورة والتناسب، يحكم مبدأ أو نطاق تدخل المشرع لتقييد الحقوق والحريات بالقدر اللازم للتوازن مع المصلحة العامة وسائر القيم التي يحميها الدستور.

وقضى المجلس الدستوري فى فرنسا بعدم دستورية نص المادة 421/1 من قانون العقوبات التي اعتبرت من أعمال الإرهاب مجرد مساعدة أجنبي على دخول البلاد أو التنقل أو الإقامة بها على وجه غير مشروع؛ وذلك على أساس أن المشرع جرم هذا السلوك بذاته بناء على هذا الوصف، رغم أنه قد لا تكون له علاقة مباشرة مع العمل الإرهابي الذي قارفه هذا الأجنبي، دون إخلال بإمكان اعتبار هذا الفعل اشتراكا في أعمال الإرهاب، أو إخفاء للمتهم بالإرهاب أو اشتراكا في جمعية إرهابية إذا توافرت الشروط التي يتطلبها القانون لقيام هذه الجريمة. وقد أسس المجلس الدستوري قضاءه على عدم توافر شرط الضرورة في التجريم والعقاب في هذه الحالة[72]، وانتهى المجلس إلى أن المشرع قد مارس تقديره دون تناسب ظاهر “Disproportion manifeste”، على أساس أن التجريم تحت وصف الإرهاب لا يتعلق بأعمال مادية تمس مباشرة أمن الأموال والأشخاص وإنما تتعلق فقط بمساعدة أشخاص في وضع غير مشروع، وأضاف المجلس الدستوري أن وصف الأفعال محل التجريم لا يؤدي فقط إلى تشديد العقوبات بل يؤدي إلى خضوعها إلى إجراءات أكثر شدة مما ينص عليه القانون العام. وذهب المجلس الدستوري في حالة أخرى إلى أنه لا يجوز للمشرع أن يضع عقوبات غير ضرورية[73]. وعلق الفقه الفرنسى على ذلك بأنه قبل التحقق من ضرورة العقوبة يجب التحقق من ضرورة الجريمة. وأنه في المثال السابق تتوافر الضرورة عندما يكون فعل مساعدة الأجنبي على دخول البلاد أو التنقل أو الإقامة بها على وجه غير مشروع قد تم عمدا لمساعدة مشروع فردي أو جماعي يهدف إلى إحداث ضرر جسيم بالنظام العام بواسطة الترويع أو التخويف.

نصت المادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه في حالة الطوارئ الاستثنائية التي تهدد حياة الأمة في فترة محددة، والمعلن قيامها رسميا يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الأصل الاجتماعى..الخ (الفقرة الأولى)، على أن التدابير الاستثنائية الممنوحة في هذه الظروف يجب أن يبينها التشريع بطريقة واضحة ومحددة لتجنب أى تعسف في تطبيقها ولتحاشى أى غموض حول حقوق الأفراد وواجباتهم[74].

ومع ذلك، فإن هذه التدابير الاستثنائية لا يجوز أن تمتد إلى الحقوق “الأساسية” المنصوص عليها في المواد 6 و7 و8/1 و2 و11 و15 و16 و18 من هذا العهد الدولي (المادة 4/2)، أى أنه لا يجوز لأية دولة أن تخالف التزامها بحماية الحق في الحياة (المادة 6)، والحق في عدم الخضوع للتعذيب (المادة 7)، والحق في عدم الخضوع للاسترقاق والعبودية (المادة 8)، والحق في عدم التعرض للحرمان من الحرية بسبب عدم سداد أحد الديون (المادة 11)، والحق في عدم الخضوع لرجعية قانون العقوبات (المادة 15)، والحق في الاعتراف بالشخصية القانونية (المادة 16)، وحرية الفكر والعقيدة والديانة.

ويلاحظ أن هذه الحقوق تعد معياراً دوليا للتوازن المطلوب بين حماية المصلحة العامة، وحماية الحقوق والحريات في الظروف الاستثنائية. ويلاحظ أن تصديق مصر على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية يجعله في قوة القانون، مع مراعاة أن احترام قواعد هذا العهد يتم في حدود الدستور. فالشرعية الدستورية بوصفها الأساس في تحديد شكل التوازن المطلوب بين حماية المصلحة العامة وحماية الحقوق والحريات في الظروف الاستثنائية، تحمي مختلف القيم التي نص عليها الدستور سواء تمثلت في الحقوق والحريات، أو في المصلحة العامة. وما أشار له العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية من حقوق لا يجوز للتدابير الاستثنائية المساس بها، أمر يجب وضعه موضع الاعتبار عند إجراء التوازن المطلوب مع حماية النظام العام.

30-وسائل مواجهة الإرهاب :

تتم مواجهة الإرهاب في إطار التناسب والضرورة وفقا للوسائل الآتية:

(1) منع الجريمة.

(2) قمع الجريمة.

(3) النظام الإجرائي.

31-(أولاً) منع الجريمة:

تعتبر الوسائل التي تحول دون وقوع جريمة الإرهاب من أهم وسائل المواجهة، وذلك من خلال ما يلي:

(1) التوسع في تجريم الأفعال التي من شأنها أن تساعد على تحقيق الإرهاب ولو لم يقع بالفعل. وهو ما يسمى بالتوسع في جرائم الخطر، وعدم اشتراط وقوع ضرر فعلي من الإرهاب، من أمثلة ذلك تجريم إنشاء أو تأسيس أو تنظيم الجماعات الإرهابية، أو مجرد الانضمام إليها أو التحضير للإرهاب أو التشجيع عليه أو ترويجه، وتجريم التحريض على الإرهاب ولو لم ينتج أثرا، وتجريم حيازة المفرقعات وغيرها من أدوات الإرهاب، وتجريم تمويل الإرهاب نظرا لما لهذا التمويل من أثر في وقوع الإرهاب، وكذلك تجريم عدم التبليغ عن جريمة الإرهاب ممن يتصل علمه بارتكابها.
وقد توسع قانون العقوبات المصرى في جرائم الخطر التي تعد إرهابا فنص عليها في المادة 86 مكررا بشأن إنشاء أو تأسيس أو تنظيم أو إدارة جمعية إرهابية بالمعنى الذي حددته هذه المادة، والانضمام لهذه الجمعيات أو المشاركة فيها بأية صورة والترويج للأغراض الإرهابية لهذه الجمعيات كما حددتها هذه المادة. كما عاقب على إجبار الأشخاص على الانضمام للجماعات الإرهابية أو منعه من الانفصال عنها (المادة 86 مكررا ب)، وعاقب على الالتحاق بأى جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة إرهابية أيا كانت تسميتها، يكون مقرها خارج البلاد حتى ولو كانت أعمالها غير موجهة إلى مصر (المادة 86 مكررا). وعاقب على غسل الأموال وفقا للطرق التي حددها القانون رقم 80 لسنة 2003 بشأن مكافحة غسل الأموال.
(2) الترخيص بالتدابير التي تسمح بكشف الجريمة أو تعمل على عدم وقوعها. وهذا ما عنى بالنص عليه القانون البريطاني بشأن الإرهاب، والقانون الفرنسى الصادر سنة 2006. وقد عنى القانون الأخير بالترخيص بإنشاء نظام الرقابة بالفيديو وفقا للإجراءات التى حددها . ونص على مراقبة التنقلات والاتصالات المتعلقة بالتبادل التليفونى والالكترونى للأشخاص المشتبه فى اشتراكهم فى أعمال إرهابية ، والرقابة على القطارات الدولية وفقا للأوضاع التى حددها القانون والنص على مراقبة الحدود ومنع الهجرة غير الشرعية.
وبالإضافة إلى ذلك يتعين تشجيع الحوار الذي يخلق بيئة ثقافية رافضة للإرهاب.

32-(ثانيا) قمع الجريمة:

يتعين من خلال قانون العقوبات أن يحتوى القانون على الجرائم التي عنيت مختلف الوثائق الدولية الخاصة بالإرهاب بالنص عليها. وقد تضمن مشروع القانون الخاص بمكافحة الإرهاب الذي أعده مكتب فيينا التابع للأمم المتحدة، جرائم خطف الطائـرات ( المادة 1) وجرائم ضد سلامة الطيران المدني (المادة 2)، وجرائم ضد سلامة المطارات (المادة 3) وجرائم ضد سلامة السفن أو المسطحات البحرية (المادة 4)، وجريمة خطف الرهائن (المادة 5)، والجرائم التي تقع ضد الأشخاص المحمية (المادة 6)، والجرائم التي تقع من خلال استعمال المفرقعات والألغام (المادة 7) ، والجرائم المتعلقة بالمواد النووية (المادة 8) وجرائم تمويل الإرهاب (المادة 9)، وجريمة استخدام الأشخاص لارتكاب الإرهاب (المادة 10)، وجريمة إعطاء الأسلحة لاستخدامها في الإرهاب (المادة 11)، والشروع في ارتكاب الإرهاب والاشتراك فيه (المادة 12)، وجريمة التآمر بإنشاء جماعة إرهابية أو تنظيمها، أو التحضير لها أو التحريض عليها (المادة 13) وجريمة تقديم المساعدة أو الدعم لوقوع الإرهاب (المادة 14).

ويتطلب الأمر أن يفرد القانون الخاص بالإرهاب عقوبات جسيمة تتلاءم مع خطورة الإجراءات. وقد أشار مشروع قانون الإرهاب الذي أعده مكتب فيينا إلى عقوبة مصادرة الأرصدة والممتلكات المستخدمة أو المخصصة لأغراض إرهابية (المادة 15) وتجميد الأرصدة والممتلكات التي استخدمت في الإرهاب أو أعدت لذلك (المادة 17)، مع تخويل السلطة المختصة في أن تأمر بأى تدبير مؤقت تحت نفقة الدولة بما في ذلك تجميـد الأرصدة أو الاتفاقات المالية أيا كانت طبيعتها مما يمكن ضبطه، أو مصادر (المادة 18). كما يجوز للسلطة المختصة أن تضبط الممتلكات المرتبطة بالجريمة محل التحقيق وخاصة الأرصدة المستخدمة أو المخصصة لغرض ارتكاب الجريمة أو المستخلصة منها (المادة 19).

وقد نص قانون العقوبات المصري المعدل سنة 1992 على جرائم اختطاف وسيلة من وسائل النقل الجوي أو البري أو المائي، معرضا سلامة من بها للخطر (المادة 88). وعاقب على السعى لدى دولة أجنبية أو جمعية أجنبية وما نحوها أو تخابر معها للقيام بعمل إرهابي في مصر (المادة 86 مكررا (جـ).

ونلاحظ أنه يتعين إعادة النظر في سياسة القانون المصري في تجريم الإرهاب حتى تتفق مع المنهج الذي أخذت به الاتفاقيات الدولية.

33-(ثالثا) ذاتية النظام الإجرائي:

تتطلب مواجهة الإرهاب وضع نظام إجرائي خاص يضمن فاعليتها في إطار احترام حقوق الإنسان. ويراعى أن يؤسس هذا النظام الإجرائي على المبادئ الآتية:

(1) تحديد المحكمة المختصة وفقا لمعايير الاختصاص التي يحددها القانون طبقا للدستور.
(2) النص على أحكام خاصة بالإجراءات الجنائية تراعى اعتبارات الضرورة والتناسب عند مكافحة الإرهاب، مع التأكيد على مبدأ حظر التعذيب، والتأكيد على رقابة القضاء.
(3) التعاون الدولي. فيتعين النص على تدابير التعاون الدولي التي يمكن الالتجاء إليها للتعاون مع الدول الأخرى من أجل تبادل المعلومات ومباشرة التحقيق أو تسليم المجرمين أو المساعدة القضائية.
(4) إيلاء عناية خاصة بحقوق ضحايا الإرهاب ليس فقط لتعويضهم دون تمييز عن الأضرار التي تصيبهم، بل أيضا لضمان حقوقهم في الوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة.

خاتمة

ـــ

عرضنا فيما تقدم دراستنا لحكم القانون فى مواجهة الإرهاب ولم نستهدف من هذه الدراسة ، كما أوردنا فى المقدمة تحديد الأحكام القانونية للإرهاب ، وإنما حاولنا رسم نظرية عامة لضوابط المواجهة القانونية للإرهاب .

وقد أوضحنا فى الفصل الأول من هذه الدراسة أن الأمر يتطلب وضع تعريف قانونى للإرهاب تنطلق منه أبعاد المواجهة القانونية . وبينا أن التكييف القانونى للإرهاب تتنازعه ثلاثة أوصاف قانونية أولها الإرهاب كجريمة جنائية وفقا للتشريع الوطنى ، والإرهاب كجريمة دولية وفقا للقانون الدولى ، والإرهاب كنزاع مسلح يواجه بالحرب وفقا للقانون الدولى .

وقد أوضحنا أن المسرح القانونى لمواجهة الإرهاب لا يقتصر على متطلبات التشريع الداخلى بل يتسع لمتطلبات المجتمع الدولى ، وأن حكم القانون فى مواجهة الإرهاب لا يقتصر على القانون الوطنى بل يمتد إلى القانون الدولى . وقد أدت زيادة الاتفاقيات الدولية لمكافحة الإرهاب مع قرار مجلس الأمن ذى الصلة أدى إلى ظهور ما نسميه بالقانون الدولى لمواجهة الإرهاب.

لم يعد حكم القانون لمواجهة الإرهاب أمرا داخليا بحتا، بل هو أمر دولى يشارك فيه كل من القانون الدولى العام والقانون الدولى لحقوق الإنسان والقانون الدولى للإرهاب والقانون الدولى الإنسانى.

وقد عنينا فى الفصل الثانى من هذه الدراسة بعرض الجهود الوطنية لوضع سياسة جنائية تواجه الإرهاب ، وأبرزنا البعد الدولى لهذه المواجهة ، ودعائم كل من الشرعية الدولية والشرعية الدستورية عند تحديد أبعاد المواجهة . وعرضنا بعض نماذج الجهود الوطنية فى مواجهة الإرهاب فى الدول التى تميزت بتصاعد موجات الإرهاب بداخلها.

وفى الفصل الثالث من الدراسة أبرزنا قضية التوازن بين التحديات الأمنية وتحديات احترام حقوق الإنسان عند مواجهة الإرهاب ، وأعلنا رفض الانحياز للتحديات الأمنية وحدها على حساب انتهاك حقوق الإنسان ، وأكدنا التكامل بين النوعين من التحديات عند تحديد أبعاد المواجهة . وقد تبنينا معيار الضرورة والتناسب الذى أرساه القضاء الدستورى فى تحديد التوازن بين هذين النوعين . وعنينا بتحديد الوسائل القانونية للمواجهة والتى تستهدف إلى تحقيق منع الإرهاب وقمعه وتحديد النظام الاجرائى الكفيل بهذين الهدفين.

هذه دراسة إطارية لمواجهة الإرهاب من الناحية القانونية تستهدف تحديد أبعاد حكم القانون فى هذه المواجهة.

المراجع

[1] Thomas weigend, the Universal terrorist (Journal of International criminal Justice, V.4, No. 5, November 2006, p. 918et.).

[2] انظر :

George P. Fletcher; the Indefinable concept of terrorism (Journal of International Criminal Justice, V.4, No. 5, November 2006, P.S 01etc.)

[3]انظر في جهود الأمم المتحدة :

Bibit. Van Ginkel; The Unit Nations: Toward a comprehensive Convention on Combating Terrorism (Confronting Terrorism Netherlands Institute of international relatins, “Cingendael 2003, P. 207 – 226).

[4] انظر : Mohammed saif Alden wattad; Is terrorism a crime or an aggrevating factor in sentencing (Journal of international criminal justice, V. 4, N. 5, November 2006, P. 1017 etc).

[5] انظر : Antonio Cassese; International Criminal law, OxfordUniversity Press, 2003, P.23

[6]انظر :

Uves Jeanclos; Terrorisme et securité international (collection Etudes stretegiques et internationals Bruylant, 2004, p. 13-45).

[7]Paolo Caretti, Table Ronde lutte contre.Le terrorism et protection des droits fondamentaux, (Aunuaire International dejustice constitutionalle, Economico, 2002k p. 27, etc).

[8]انظر:

Antonio Cassese; the Multifaceted Criminal nation of Terrorism (International law, (Journal of International Criminal Justice, V.4, No. 5, 2006, p. 933etc).

[9]Christine Gray; the international law and the use of force, oxford, 2004, p. 52, 53.

[10]Christine Gray, op. at, p.55

[11]Antonio Cassese, the Multifaceted criminal notion of terrorism in international law , op cit., p 951

[12]انظر Antonio Cassese, op. cit, p.955

[13] انظر Antonio Cassese, op. cit., p.954

[14]وقد نص على ذلك صراحة فى المادة 83/1 من هذا القانون.

[15]Marco Sassioli; Terrorism and war (Journal of International Criminal law, V.4, No. 5 November 2006, P. 968

[16]Antonio Cassese, the Multifaceted criminal notion of terrorism in international law.

[17]Marco, Sassioli, Terrorism and war, op. cit., p 917

[18]Antonio Cassese the Multifaceted criminal nation of terrorism in International law, op. cit., p. 959 etc.

[19]George P. Fletcher , The Indefinable Concept of Terrorism, (Journal of International Criminal Justice, V.4, no. 5, 2006, P. 917).

[20]Stanislav J. Kirsch Baum; la terrorisme et la guerre (Terrorisme et sécurité international Collection études stratégiques International – Bruyant, 2004, P.5-12 .

[21]انظر : Christine Gray, international law and the use of face, oxford, 2004, p. 159-164

[22]انظر:

David Cumin; tentative de definition du terrorisme à partir du jus in bella (Rev. sc. Crim. 2004, no. 1., p. 24 etc.

[23] انظر:

David Cumin; tentative de definition du terrorisme à partir du jus in bella (Rev. sc.Crim. 2004, no. 1., p. 24 etc.

[24]Marco Sassali, Terrorism and war (Journal of International criminal Justice, V.4, No.5, November 2006, P. 965

[25] Caleb Carr, The lessons of Terror, New York: Random House, 2002, P.31

[26]انظر الدكتور صلاح عامر، التفرقة بين المقاتلين وغير المقاتلين في مؤلف القانون الدولي الإنساني الذي أصدرته بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقاهرة، سنة 2003 ص 132.

[27] انظر : Hamdan V. Rumsfiled 2006 Lexis US 5185

[28]انظر : Christine Gray, op. cit, p. A4, 175

[29]Marco Soasoli terrorism and war, (Journal of International criminal Justice, V. 4, No.5, November 2006, P. 962.

[30]انظر : Christine Gray, op. cit., p. 179 – 186

[31]انظر : Jasiane Tercimet; le conseil de sécurité et le terrorisme ( Terrorisme et securitc international, collation Et études stratégiques internationales, Bruylant 2004,P52etc)

[32]انظر : Christine Gray, op. cit., p.189

Yimmo Nuotio; Terrorism as a catalyst for the Emergence, Harmonization and reform of criminal law (Journal of criminal Justice, V. 4, No. 5, November(2006, p. 1006.

[33]

[34]انظر :

David Cole and James X. Dempsey. Terrorism and the constitutional scarifying civil liberties in the name of national security (The New Press,2002,Paper) .

وقد أشار إلى أن لجنة خاصة شكلها مجلس الشيوخ الأمريكى برئاسة Edaho Demcrat Frank Church سميث لجنة Church أثبتت أن مكتب المخابرات الفيدرالى قام بحملة واسعة ضد جماعات سياسية لم تتورط فى أعمال غير مشروعة ، تضمنت تلك الحملة اقتحام المنازل والمكاتب وتسجيل المحادثات الشخصية ، وأن قانون مكافحة الإرهاب الصادر سنة 1996 سمح بالاعتماد على الأدلة السرية فى إجراءات محاكمة الأجانب المتهمين بالإرهاب وإنكار حقهم فى الدفاع من خلال المواجهة بمن اتهمهم ، وأن هذا القانون أجاز تدابير تخالف الحريات الأساسية التى نص عليها التعديل الأول ، وخالف مبدأ الاعتماد على الوسائل القانونية “Due process of law ” .

[35]وقد أشير إلى أنه عندما قامت الحرب الأهلية أصدر الرئيس لينكولن أمرا بإيقاف العمل بحق التجاء المحبوس للقضاء ، والمسمى “Habeas Corpus ” وأن المحكمة العليا الأمريكية صححت الإجراءات التى اتبعت بناء على معيار الخطر الواضح الحال ( Clear and present danger test) للمساس بحرية التعبير الصادر من المعارضين . وعندما وصل الموضوع إلى القضاء الأمريكى قضى بأنه رغم أن الرئيس لينكولن لا يملك إصدار هذه الأوامر إلا أن المحكمة لا تستطيع التدخل فى واجبات الرئيس فى حالة الطوارئ أو بوصفه قائدا أعلى للقوات المسلحة (انظر :Missessppi V . Johnson, 4 Wall 475, 1867).

وأشير إلى أنه بعد وفاة لينكولن استطاعت المحكمة العليا أن تتنفس الصعداء فتعيد الحق فى التجاء المحبوس إلى القضاء . ( انظر :Ex. Paret Milligan, 4 Wall, 71U. S.,2 1866. وانظرLouis Fisher, American Constitution Law, Carolina Academic Press, third edition, 1999 . p. 296. 297)

وأشير أيضا إلى أنه فى أثناء الحرب العالمية الثانية اعتقل أكثر من خمسة آلاف أمريكى من أصل يابانى فى معسكرات دون توجيه أدنى اتهام إليهم سواء بالجاسوسية أو بالمساس بالأمن القومى . وقد أعلنت المحكمة العليا الأمريكية صحة هذه التدابير بناء على ما تملكه السلطة التنفيذية من صلاحيات فى أثناء الحرب (Karemats V. US, 323 U.S, 214, 243, 1944).

وقد اضطر الكونجرس الأمريكى إلى أن يقدم عام 1988 اعتذارا باسم الشعب الأمريكى عن هذا الحادث المأسوى والى أن يقدم تعويضات نقدية للأحياء ولأسر المتوفين (Louis Fisher. American Constitution Law. P . 297)

[36]انظر حكم محكمة الاستئناف في قضية Handi V. Rumofeld316 F. 3d. 450.462.470

[37]وقد استند هذا القضاء إلى سابقة للمحكمة العليا في قضيةYoungstown أثبتت فيها المحكمة حساسيتها بالنسبة إلى ممارسة رئيس الجمهورية لسلطته في حالة الطوارئ عندما يمارسها بناء على ترخيص سابق من الكونجرس (Youngstown Sheet and Tuble Co. V. Sawyer, 343US 57).

كما سبق للمحكمة العليا أن قضت بدستورية رفع الدعاوى ضد المحاربين الأعداء أ/ام المحاكم العسكرية بدلا من محاكم القانون العام (Ex Parte Qwirin, 317 Us 1, 1942

[38]Normen Abrams; Developments in US Anti- terrorism law (Journal of International Criminal justice, p. 1122 etc.

[39]وقد عبر السناتور ليهى Leahy عن آراء بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي في قوله:”Dispite my misgivings. I acquieaced in some of the Administration’s proposals to move the legislation forward… I do belive that some of the provisions… will face difficult test in the courts, and that we in Congress have to revisie there issues at same time in the future when the present cisis has passed”

Congresional Record (Senate) 10990, 25 October 2001, pp. 10990-91 . (مشار إليه في :Annuaire Inter. De la Justice constiti. 2002, p. 162

[40]تضمن هذا الأمر التنفيذي الأخذ بمعيار القيمة الاحتمالية للدليل، وعدم جواز الاستئناف والاكتفاء بالتظلم للرئيس أو لوزير الدفاع، والاكتفاء في الإدانة بأخذ أغلبية ثلثى أعضاء اللجنة دون اشتراط الإجماع المتطلب في الأحوال العادية.

[41]انظر: (4 Wall)Ex. Parte Miligan, 71US

[42]الأول في قضية2005 (4 Ciran)Hamdan V. Ramsfeld337 F., 3d. 335 وتتعلق بمواطن أمريكي (Hamdan) قبض عليه في أفغانستان بتهمة المحاربة مع طالبان في أفغانستان، وقد ذهبت محكمة الاستئناف إلى أنه لا يوجد أى أساس يبرر الرقابة القضائية على حبس مواطن أمريكي قبض عليه في الخارج لأسباب عسكرية. ولما عرض الأمر على المحكمة العليا ذهبت بأغلبية خمسة أعضاء ضد أربعة – إلى أن رئيس الجمهورية ليس من سلطته إنشاء لجنة عسكرية طالما أن اللجنة ليس من سلطتها نظر تهمة المؤامرةConspiracy التي لا تعتبر من جرائم الحرب، وأن الإجراءات المتبعة في اللجنة العسكرية تخالف قانون القضاء العسكري الموحد، وكذلك المادة الثالثة المشتركة من اتفاقية جنيف سنة 1949، وأنه وفقا لاتفاقيات جنيف فان اجراءات المحاكمة يجب أن تكفل كل الضمانات القضائية المعترف بها كضمانات لا غنى عنها في الشعوب المتحضرة. وأقرت المحكمة بحق المتهم في الاستفادة من الضمانات الدستورية لشرط استخدام الوسائل القانونية “Due process of law” وأن من حق المتهم أن يقدم طعنه على أساس حق التجاء المحبوس إلى القضاء Habeas Corpus أمام محكمة فيدرالية وفقا للإجراءات المحددة بعد التوازن مع مختلف المصالح طبقا للسابقة التي تقررت سنة 1976 في قضية Mathews V. Eldrige, 424US 319 (1976) التي قررت فيها المحكمة العليا أنه على المحاكم إحداث التوازن بين أهمية حقوق الأفراد وضرورة حسن إدارة العدالة من أجل تجنب الحبس غير المبرر من ناحية، ومراعاة المصالح التي تستند إليها الحكومة من ناحية أخرى. أماالحكم الثاني فيتعلق بقضيةPadilla V. Rumsfeld325 F. 3d 695 (2nd. Cir 2003) وهى بشأن مواطن أمريكي يدعيPadilla قبض عليه على الأراضي الأمريكية بعد عودته من باكستان متهما بإقامة علاقات مع تنظيم القادة، واعتبر من المحاربين الأعداء وأودع في مركز الاعتقال العسكري في جنوب كارولينا. وخلافا لقضية المواطن الأمريكيHamdi لم يقبض عليه في الولايات المتحدة فقط، بل كان غير مسلح ولم يتورط مباشرة في نزاع مسلح أو في عمل إرهابي، ولكنه اعتقل لمدة غير محددة بناء على قرائن بسيطة بغرض استجوابه دون الحق في الاتصال بمحام ودون الحق في الالتجاء إلى القضاء، وذلك بناء على أساس أمر رئيس الجمهورية بناء على سلطاته في حالة الحرب. وقد ألغت محكمة الاستئناف قرارا أصدرته محكمة نيويورك بصحة اعتقال هذا الشخص استنادا إلى أن أمر رئيس الجمهورية بوصفه قائدا أعلى للقوات المسلحة لا يسمح له باعتقال المواطنين الأمريكيين على الأراضي الأمريكية خارج مسرح المعركة. وقد طعنت الحكومة في هذا الحكم أمام المحكمة العليا استنادا إلى أن الحقوق الأساسية لا يستفيد منها المحاربون استنادا إلى السابقة القضائية في قضيةEx Parte Quirin سنة 1972 والتي قضت فيها المحكمة العليا= =باختصاص المحاكم العسكرية بمحاكمة الأجانب والمواطنين الموجودين على الأراضي الأمريكية بعد اتهامهم بارتكاب أعمال التخريب لصالح ألمانيا، رغم أن القياس على هذه السابقة كان محدودا لأنه في قضيةPadilla كان مقطع النزاع هو الاختصاص المطلق للسلطة التنفيذية في اعتقال مواطن أمريكي بدون حكم وتسميته بأنه عدو محارب. وقد تفادت المحكمة العليا أخطار الصدام بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في فترة تعد من الظروف الاستثنائية، فقضت بأن المحكمة ليس من اختصاصها الفصل في طلب الالتجاء إلى القضاء المقدم من الطالب؛ لأن هذا الطلب كان يجب تقديمه في مكان اعتقاله وضد السلطة العسكرية المسئولة مباشرة عن جنوب كارولينا.

أما الحكم الثالث فقد تعلق بالحقوق الدستورية للأجانب المعتقلين، بخلاف الحكمين السابقين اللذين تعلقا بحق المواطنين الأمريكيين في الالتجاء إلى القضاء (انظر:Guy Soffoni; les juges et la Constitution des Etats – Unies a l’épreuve du Finances publiques – Etudes en l’honneur de Lous Philip, Economico, 2005, pp. 229 – 234) . وقد رفعت القضية بواسطة عدد من المعتقلين الأجانب المقبوض عليهم في أفغانستان لأكثر من سنتين دون تمكينهم من المنازعة في القبض عليهم أمام المحكمة.وقد تمسكت الحكومة بالحق في حبسهم لمدة غير محددة حتى نهاية الحرب ضد الإرهاب، وأنه ليس من اختصاص المحاكم الإقليمية الفصل في طعون مقدمة من معتقلين في جوانتاناموGuantanamo التي لا تمارس الولايات المتحدة عليها أى اختصاص سيادي؛ لأنه وفقا لمعاهدة مع كوبا تمارس الولايات المتحدة اختصاصا محدودا على هذا الإقليم دون أن تمارس أية سيادة كاملة. وانحصر مقطع النزاع في مدى اختصاص المحاكم الأمريكية في نظر الطعون المقدمة من أجانب. وقد قضت المحكمة العليا أنه رغم أن السلطات العسكرية الممثلة للولايات المتحدة في جوانتانامو والتي تتبع قانونا للولايات المتحدة ليس لها اختصاص قضائي خارج إقليم الولايات المتحدة، إلا أنه بالنظر إلى عدم توافر اختصاص قضائي محلي مختص في جوانتانامو وبالنظر إلى تساوي الأمريكيين والأجانب في التمتع بحق الالتجاء إلى القضاء. فإن المحاكم الفيدرالية يجب أن تعلن اختصاصها بطلب الالتجاء إلى القضاء “Habeas Corpus” ( انظر : Rosul V. Bush 245 ct 2680, 2004. وانظر تعليقات.( Guy Scoffoni, p. 324

[43]Norman Alrams, developments in US Anti terrorism law (Journal of international cirminal law, V.7, NO. 5, Novermber 2006, P. 1134 etc.

[44]Micheal C. Dort; the orwelliam military commissions act of 2006 (Journal of International criminal Justice, US. No 1. March 2007, P.11 etc.)

[45]Clive Walkei, Policy Options and Priorities British perspectives (Marianne Van leeuwen, confronting terrorism, kluver law International 2003, P. 11etc. )

[46]Brogan V. UK, Application nos. 11269, 11234, 11266/84, 11386/85, Ser. A. No 145-B.(1989). 11 E.H.R.R.S39, Brennigan and MC Bride V. UK. App. Nas. 14553/89, Ser. Avb258 –B (1994) 17 E.H.R.R.

مشار إليها فى :Clive Walker .P.13

Clive Walker, P. 15

[47]Alex Macleod ; Insécunite ét securité après les évenements du 11 septembre:France et GrandeBretagne (Terrorisme et sécurité international l- collection Etudes stretegiques internation ales, Bruylent 2004, p. 202 etc

[48]4, No. 5, November 2006, P. 1137 etc

[49]Nothalie cettina; the French approach: Vigaur and vigilonce, (in Marianne Van levrven, confronting terrorism, ap. cit., p. 71 etc

[50]انظر : CC, Dec du 3 sept 1986 no 86 – 213

[51]La loi no 2006-64 du 23janvier 2006 relative a lalutte contre le terrorism, rev. sccrim 2006, no 2, p366.

[52]Vania Patane’ Recent Italian Efforts to respond to terrorism at the legislative level (Journal of international criminal Justic, V.4, No. 5, November 2006, p1174

[53]Vania Patane, op cit., p. 1165 etc. Guiseppe de lutes; terrorism inItaly receding and Emerging Issues (confronting terrorism, op. cit., p. 95 etc

[54]Vania Patane, op cit., p. 1165 etc. Guiseppe de lutes; terrorism inItaly receding and Emerging Issues (confronting terrorism, op. cit., p. 95 etc

[55] هذه السلطات ممنوحة في تحقيق الجنايات المنصوص عليها في الأبواب الأول والثاني والثاني مكررا والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات.

[56] هذه السلطات ممنوحة في تحقيق الجنايات المنصوص عليها في الأبواب الأول والثاني والثاني مكررا والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات.

[57]وهى التي يتضمنها القسم الأول من الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات

[58]وهى التي يتضمنها القسم الأول من الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات

[59]Jean – Francois Dagyzas, Tevanismes, LNRS editions , 2006, p.175, 176

[60]Why terrorist works, understanding the threat, responding to the challenge New HavenadLondon yale university pres,

[61] Jean-Froncais Dagyzas, terrorismes, (NRS Editions, 2006, P.177

[62]Avant – propos aux Chroniques algèriennes, Rèffexions sur le terrorisme avec la contribution de Jacqueline lèvi- valensi, Antoine Garapan & Denis salas, P.182.

[63]Dc du 25 Janvier 1985, Recueil Juris const., p. 224

[64]: الإطار المبدئى لمشروع المبادئ والإرشادات المتعلقة بحقوق الإنسان والإرهاب فى وثيقة الأمم المتحدة (UNDOC . A/HRC/sub 1/58/30, 3 august 2006,).

[65]انظر المادة 7 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 ودستورية عليا في 3 فبراير سنة 2001 في القضية رقم 49 لسنة 22 قضائية (دستورية)، الجريدة الرسمية في 15 فبراير سنة 2001 العدد (7).

[66]انظر دستورية عليا في 4 يناير سنة 1992 في القضية رقم 22 لسنة 8 قضائية (دستورية)، الجريدة الرسمية في 23 يناير سنة 1992 (العدد 4) ، و2 يناير سنة 1993 القضية رقم 3 لسنة 10 قضائية (دستورية)، الجريدة الرسمية في 4 يناير سنة 1993 (العدد3) دستورية عليا في 2 يناير سنة 1993 في القضية رقم 3 لسنة 10 قضائية، الجريدة الرسمية في 14 يناير سنة 1993..

[67]دستورية عليا في 12 فبراير سنة 1994 في القضية رقم 105 لسنة 12 قضائية “دستورية

[68]Alessandro Pizzourusso; Le controle dela Cour constitutionnelle sur l’usage par le législateur de son pouvoir d;appreciation discretionnaire; Annuaire International de Justice constitutionnelle, Paris, Economica, 1986, pp. 35-54.

وقد قضت محكمة التحكيم البلجيكية بأنه لا يجوز في سبيل حماية المصلحة العامة التضحية بالمبادئ الأساسية للنظام القانونى البلجيكي. القرار رقم 90 – 18 في 23 مايو سنة 1990.

[69]دستورية عليا في 8 يوليو سنة 2000 في القضية رقم 52 لسنة 2000 قضائية “دستورية”، الجريدة الرسمية العدد 29 (مكرر) في 22 يوليو سنة 2000.

[70]دستورية عليا في 6 يونيه سنة 1998 في القضية رقم 152 لسنة 18 قضائية “دستورية”، مجموعة أحكام الدستورية العليا جـ 8 قاعدة رقم 104 ص 365.

[71]La déclaration des droits de l’homme et du citoyen et la jurisprudence, Paris, P.U.F., 1989. Delmas Marty, La jurisprudence du conseil constitutionnel et les droits fondamentaux, droit pénal, p. 163.

[72]Dc du 16 Juillet, 1996 Recueil, p. 671

[73]92-316 du 20 janvier 1993, Rec. p. 14.Dec

[74]Philippe Terneyre, op. cit., 200