السر المهني في المحاماة

المحامي عن طريق مهنته يعلم بأسرار مراجعيه وموكليه ويختزن بصفته هذه معلومات كثيرة عن قضاياهممثله مثل الطبيب في عمله يعلم بحالات مرضاه وعللهم وأوجاعهم ,فما هو موقف المحامي الأخلاقي والقانوني من هذه المعلومات التي تصله بحكم ممارسته المحاماة ؟

وهل البوح بها عند الضرورة يمس بأمانة وشرف المحاماة

سؤال أطرحه وأجيب عليه بما أعتقد صواباً وأحاول فيه التوفيق ما بين الواجب المهني للمحامي فيالحفاظ على السر المهني في المحاماة وواجبالمحامي في نصرة الحق والعدالة

يحرص الناس في علاقاتهم على كتم أسرارهم اما مع المحامينفلا فهم يفضون للمحامي بمعلومات تتعلق بأوضاعهم وقضاياهم بقصد الدفاع عنهم وعنحقوقهم ومصالحهم ويصادف أن تكون هذه المعلومات ضارة بهم وبمصالحهم ويجبر المحامي بحكم عمله على عدم البوح بهذهالمعلومات التي تصل الى علمه عن طريق ممارسته المحاماة سواء تم توكيله بالدعوى املا

وتبرز مشكلةالمحامي في المنازعات القضائية التي يستدعى فيها شاهداً امام المحاكم

ويتجاذب المحامي صراع داخلي في كيفية التوفيق بين ماتلقاه من معلومات

بصفته محام وبينوجوده كانسان يجب عليه الافصاح عن الحقيقة الضارة بمن جاءه بها وائتمنه عليها ويتراءىللمحامي قسمه في المحاماة

“اقسم بالله العظيم أن أمارس مهنتي بشرف وأمانة وأن أحافظ على سرالمهنة وأحترم القوانين “

فها يتمسك المحامي بالقسم ويفرط بحقوق الناس ولا يبوحبها تحت ستار كتم الأسرار أم يحنث بالقسم ويفشي السر المؤتمن عليه ويخون الأمانة ؟

واجب المحامي :

الواجب المهني للمحامي أن يكون باراً بقسمه مهما كانتالوقائع وعظمة الاحداث لأن الحفاظ على سر المحاماة أمانة في عنقه وهي محل الثقةالعامة بالمحاماة فلا يصح التفريط بهذهالامانة

أخلاق المحامي :

الأخلاق أكثر سعة وشمولية من القانون وتحتم على المحاميالاصغاء الى صوت الضمير في تعاملاته ومتىكان الضمير هو المسيطر يهون حل المشكلة ويسعى المحامي مع أهل الضمير الى مصالحةالطرفين واذا لم تسفر مساعي الصلح فالقانون هو المسيطر والحكم

ما هو السر المهني في المحاماة :

ليس كل ما يصل الى علم المحامي سراً الاسناد المشهرةليست سرا ,المقابلات العلنية ليست سراً فالسر هو ما كان خافياً على الناس لا يعرفهغير صاحبه وهو ملك لمن اسر به ولصاحب السر وحده أن يسمح باذاعته

وسر المهنة هومعرفة وقائع ومعلومات خفية اطلع عليها شخص أثناء ممارسته لمهنته مما يوجب عليهالقانون والاخلاق الا يذيعها

القانون والسر المهني في المحاماة:

نصت المادة /65/ من قانون البينات :

” لا يجوز لمن علم من المحامين أوالوكلاء أو الأطباء أو غيرهم عن طريق مهنته أو صنعته بواقعة أو بمعلومات أن يفشيهاولو بعد انتهاء خدمته أو زوال صفته ما لم يكن ذكرها له مقصوداً به فقط ارتكابجناية أو جنحة “

مؤدى ذلك أن المنع مقيد بشروط تتعلق بالنظام العام وبمايتصل بتوفير الثقة العامة في أصحاب المهن العلمية والصناعات الذين أعفاهم المشرعمن واجب الشهادة باستثناء عدة حالات التي تتصل بالجريمة

وهذا النص جاءليحمي المهنة والصنعة ويحرم على أصحابها الافشاء بأسرار المهنة حتى لو سمح الاشخاصالذين اسروا بالواقعة أو المعلومات للمحامي أن يؤدي الشهادة عنها لان القانونالخاص بالمهنة يمنع الافشاء بالسر المهني لكونه التزاماً قانونياً مرتبطاً بقسم المحاميفي الحفاظ على سر المحاماة وهو قانون خاص ملزم للمحامي في عمله والاكتناع عنالادلاء بالشهادة حق للمحامي وواجب عليه ولو انتهت خدمة المحامي وزالت صفته كوكيل أو انتهت علاقته بمن طلب اليه عملاً(ادارياً أو قانونياً) بصفته محامٍ ولا يستثني القانون من وجوب أداء المحاميللشهادة الا اذا كان ذكر هذه الوقائع أو المعلومات مقصوداً به فقط ارتكاب جناية أو جنحة

ففي هذه الحالةيتحرر المحامي من كتم السر المهني في المحاماة لأن واجباً أخر أهم يكون قد فرض عليه وهو واجب حماية أمن المجتمع الذي يقعفي المقام الاول ويتقدم على واجب كتم السر المهني في المحاماة الذي شرع لحمايةمصالح الافراد .

فالمحامي الذي علم باعترام شخص على ارتكاب جريمة أسر له بها فان على المحامي أنيخبر السلطات بها ويتوجب عليه الادلاء بشهادته عن اقترافها من أن هذا الشخص كان قد أسر له بارتكابهذه الجريمة ولا يقف قسم المحامي في الحفاظ على سر المحاماة مانعاً يسمح لهبالتستر على الجريمة

القضاء والسر المهني في المحاماة :

لاتملك المحكمةأن تحل المحامي من سر مهنته وان هي فعلت كان قراراها باطلاً وبطل تبعاً لذلك كل مابني عليه بالاضافة الى تعرض المحامي الشاهد للعقوبات الجزائية والمسلكية التي نصعليها قانون العقوبات وقانون مهنة الشاهد

الا أن للمحكمة أن تدعو المحامي للشهادة وعليه الحضور امامهاوالاعتذار عن الادلاء بالشهادة بالاستناد الى نص القانون ويتوجب على المحكمة قبولمعذرته

أما اذا أدلى المحامي بالمعلومات التي لا يجوز لهافشاؤها فليس للمحكمة أن تبني عليها قضاءها لأن الشهادة التي يحظر القانون الادلاء بها والحكم الذي يقيم قضاءه علىأساسها يقع باطلاً بطلاناً ناجما عن مخالفة القانون