مقال خاص بالتشريع الموريتاني حول مسالة الجنسية

ينص قانون الجنسية الصادر بتاريخ 12يونيو1961 والمعدل بالقانون الصادر في 23يناير 1973 على أنه يفقد الجنسية الموريتانية، كل موريتاني اكتسب جنسية أجنبية أو أصر على الاحتفاظ بها بعد حصوله على الجنسية الموريتانية..
ويؤكد المختصون أن المشرع الموريتاني على غرار مشرعين كثر، انطلق في رفضه ازدواجية الجنسية من رفض أكبر وأشد لازدواجية الولاءات والانتماءات، وراعى في ذلك متطلبات قيام الدولة الموريتانية، والحفاظ على وحدتها وتماسك نسيجها الاجتماعي، والحرص على ارتباط المواطن الموريتاني بأرضه وبلده ووطنه..

ونظر المشرع الموريتاني إلى الجنسية لا بصفتها وثيقة إدارية قانونية، وإنما باعتبارها تجسيدا فعليا للانتماء والولاء للوطن، واستعدادا للتضحية في سبيل رفعته وتقدمه، والدفاع عن مصالحه، وإحساسا بالمسؤولية تجاه قضاياه..

وفي هذا الصدد يرى فضيلة القاضي محمد عبد الرحمن ولد محمد الأمين، مدير الشؤون المدنية والختم بوزار ة العدل، أن قانون الجنسية الموريتاني، نص على منع ازدواجية الجنسية لئلا تتعدد الولاءات وتغيب روح المواطنة وتتمزق الدولة.
ويضيف في هذه المقابلة الخاصة مع الوكالة الموريتانية للأنباء، أنه يمكن أن يستنتج من نص قانون الجنسية أنه إذا كان مزدوج الجنسية شخصية اعتبارية أو احتل في السابق مناصب متقدمة في أجهزة الدولة، يمكن اعتبار تصرفه هذا فعلا مجرما، يقترب من الخيانة العظمى إن لم يكن يدخل في نطاقها فعلا..
وهذه ردوده على أسئلة الزميل أحمد ولد الشيخ أحمد الأمين.

سؤال: ما هو موقف القانون الموريتاني من ازدواجية الجنسيةہ
جواب: لقد منع التشريع الموريتاني على غرار معظم التشريعات المعاصرة ازدواج الجنسية، حيث نص القانون رقم 61-112الصادر بتاريخ 12 يونيو 1961 على أن الجنسية الموريتانية تسقط وتسحب من أي شخص يتمتع بجنسية أخرى أصلية أو حصل على جنسية دولة أخرى.
وحسب نص المادة الثلاثين من هذا القانون والمعدل بموجب القانون رقم 73-010 الصادر سنة 1973 فانه: “يفقد الجنسية الموريتانية:
1- الموريتاني البالغ الذي حمل ولازال يحمل جنسية أجنبية كجنسية أصلية،
2- الموريتاني البالغ الذي اكتسب جنسية أجنبية”.
وكما هو واضح من هذا النص فان صفة ” الموريتاني” تسقط بمجرد حصول الشخص على جنسية بلد آخر، وتسقط معها مختلف الصفات المرتبطة بالمواطن.
ومن ثم فانه لايمكن الجمع بين الجنسية الموريتانية وجنسية بلد آخر سواء جاء اكتساب جنسية البلد الآخر سابقا لحصول الشخص على الجنسية الموريتانية أو جاء بعد أن كان متمتعا بجنسيته الموريتانية كجنسية أصلية .

سؤال: هل يتطلب فقد الجنسية في هذه الحالة إجراءات قانونية أم أن فقدها أمر تلقائيہ
جواب: يختلف “فقد” الجنسية عن “التجريد” منها رغم أن القانون جمعهما في باب واحد هو الباب الرابع من القانون رقم 61-112 الآنف الذكر.

ويحصل “فقد الجنسية” الموريتانية في حالة الحصول على جنسية دولة أخرى أو التمسك بجنسية بلد ثان، وهو أمر تلقائي لا يتطلب إجراءات قضائية أو قرارات سياسية، بل إنه بمجرد حصول الشخص على جنسية أخرى أو التمسك بها تصبح جنسيته الموريتانية لاغية ويفقد صفة المواطنة، ويبدأ التعاطي معه بصفته أجنبيا ينطبق عليه ما ينطبق على بقية الأجانب، وتطبق عليه القوانين التي تطبق على مواطني البلد الذي يحمل جنسيته، سواء فيما يتعلق بإجراءات دخول البلاد أو الإقامة فيها، أو تعلق بتملكه للأموال المنقولة أو العقار ات أو غير ذلك من الإجراءات الأخرى..
أي أنه يصبح في نظر القانون أجنبيا بكل ما يترتب على ذلك..
أما التجريد من الجنسية فهو إجراء قانوني يأتي عادة في شكل عقوبة كما هو الحال مثلا فيمن تمت إدانته بجريمة تصنف على أنها جناية أو جنحة ضد أمن الدولة الداخلي أوالخارجي..
والتجريد أمر قد يحكم به وقد لا يحكم به، وقد يتخذ كإجراء وقد لا يتخذ، أما فقد الجنسية فهو بمجرد أن تتوفر الشروط القانونية يحدث تلقائيا، وهو محصور في حالة الحصول على جنسية أخرى أو التمسك بها.
وهذا يعني أن المشرع اعتبر ازدواج الجنسية أخطر حتى من الإضرار بمصالح الدولة وأمنها..

سؤال: ما هي الفلسفة التي اعتمدها المشرع في هذا المنحى المتشدد تجاه ازدواجية الجنسية، وكيف يقرأ القانونيون ذلكہ
جواب: ليس المشرع الموريتاني وحده من نحا هذا المنحى، فمعظم التشريعات الحديثة -كما قلت من قبل- أخذت هذا التوجه وتعاملت بصرامة مع ازدواجية الجنسية..

وأعتقد أن هدف المشرع الموريتاني من ذلك واضح ومبرر، فالحرص على وحدة البلد وعلى ترسيخ قيم المواطنة والانتماء للبلد والولاء له، هي التي دفعت المشرع إلى الأخذ بهذا الاتجا ه..
وهي في نظري رؤية موفقة، ذلك أن تعدد الجنسيات ينجر عنه بالتأكيد تعدد في الولاءات، وتعدد الولاء والانتماء أمر غير مقبول لا من الناحية القانونية ولا من الناحية السياسية، ولا حتى من الناحية الأخلاقية..
ولا يخفى عليكم أن المشرع الموريتاني، كأي مشرع آخر، حين يسن القوانين إنما ينطلق في ذلك من خصوصيات البلد ويراعي مصالحه الآنية والمستقبلية، وهو بمنعه ازدواجية الجنسية وقف في وجه الفرقة وتعدد الولاءات في بلد حديث النشأة، متعدد الأعراق، وذلك أمر له ما يبرره خاصة وأن القانون صدر في السنوات لأولى للاستقلال.

وفضلا عن الأبعاد السياسية والقانونية لهذا الأمر، فهنالك بعد أخلاقي لا يقل في نظري أهمية عنها، ذلك أنه من غير المقبول أخلاقيا أن يحمل الشخص جنسية بلد بعينه ويتمتع بما تخوله هذه الجنسية من حقوق، ثم يضيف إليها جنسية بلد آخر ليحصل على حقوق أخرى في هذا البلد دون أن يقوم بواجباته تجاه البلدين..
ثم إن الجنسية ليست مجرد وثيقة قانونية، فهي انتماء وولاء، وشعور بالاعتزاز بالانتماء للبلد، والاستعداد للتضحية في سبيل رفعته وتقدمه، والدفاع عن مصالحه، وإحساس بالمسؤولية تجاه قضايا البلد الذي يحمل الشخص جنسيته..
وبهذ ا المعنى فإن ازدواج الجنسية بقدر ما هو مرفوض قانونيا، فهو غير مقبول من الناحية الأخلاقية والسياسية..
ولعل ذلك يسمح بالقول إن المشرع الموريتاني في منعه لهذه الازدواجية راعى مختلف هذه الأبعاد، وحاول الوقوف في وجه ظاهرة يكاد يستحيل معها بناء دولة في هذه الربوع..
سؤال: هل يترتب على فقد الجنسية الناتج عن ازدواجيتها عقوبات بدنية أو ماديةہ
جواب: إن قانون الجنسية الموريتاني رغم أنه صنف التجريد من الجنسية باعتباره عقوبة، فإنه فيما يتعلق بفقد الجنسية لم ينص على عقوبات مادية أو بدنية تترتب على مجرد فقد الجنسية، بل ترك العقوبات في هذا المجال للقانون الجنائي..
وإذا قام الشخص الحامل للجنسية الموريتانية بالتجنس من دولة أخرى، ولم يتصرف تجاه موريتانيا تصرفا معاقبا بالقانون، فإن العقوبة في هذه الحالة هي فقد الجنسية..
أما إذا كان حصوله على الجنسية الأخرى مصحوبا بتصرفات تضر بعلاقات موريتانيا أو تمس بوحدة شعبها أو مجالها الجغرافي، أو تهدد مصالحها، ففي هذه الحالة يتعرض الشخص للعقوبة بموجب هذه الأفعال أو التصرفات طبقا لأحكام القانون الجنائي الموريتاني..

ويندرج في هذا لإطار حصول الشخصيات السياسية، والمسؤولين السا بقين على جنسية ثانية غير الجنسية الموريتانية، لأن تجنس هؤلاء من بلد آخر هو في حد ذاته إضرار بالمصالح الوطنية وتشويه لصورة البلد، بل وتعريض السلم الاجتماعي للخطر، ونسف لقيم المواطنة والولاء للوطن والذب عن حوزته الترابية والدفاع عن وحدته وتماسكه..
وتزداد خطورة الأمر إذا ما صاحبته دعاية قد تؤثر على بعض المواطنين البسطاء وقد تدفعهم إلى تصديق تلك الدعايات والإقدام على خطوات ليست من مصلحة البلد في شيء.
ورغم أن قانون الجنسية ليس قانون عقوبات، فإنه نص على معاقبة هذا النوع من الأفعال..
فقد نصت المادة 33 من هذا القانون في فقرتها الثالثة على أن من “يقوم لمصلحة دولة أجنبية بأعمال تناقض صفته كموريتاني وتضر بمصالح موريتانية” يعاقب بالتجريد من الجنسية الموريتانية..
هذا بالطبع إضافة إلى العقوبات الأخرى التي ينص عليها القانون الجنائي الموريتاني في هذا المجال وهي عقوبات شديدة..
والخلاصة التي يمكن أن تستنتج من نص قانون الجنسية أن من يحمل الجنسية الموريتانية إذا حصل على جنسية أخرى، وكان شخصية اعتبارية أو احتل في السابق مناصب متقدمة في أجهزة الدولة، يمكن اعتبار تصرفه هذا فعلا مجرما، يقترب من الخيانة العظمى إن لم ي كن يدخل في نطاقها فعلا..