ولاية الرجل على المرأة…بين الشرع والمنطق
تسبغ الولاية للولي حق الأمر والنهي على موليّه، ويجب على المولى الطاعة والاستجابة، فولي أمر البلاد له حق الأمر والنهي، ويجب على المجتمع الطاعة والاستجابة لحديث:(اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي، كأن رأسه زبيبة)، وولي الأمر (الوالد) له حق الأمر والنهي، ويجب على أولاده الطاعة والاستجابة قال ربنا: “وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً” [سورة الإسراء (23) (24)]. ومثل قوله سبحانه: “وَاعْبُدُواْ الله وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شيئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً” [(36) سورة النساء]. ومثل قوله جل وعلا: “أَنِ أشكر لِي وَلِوَالِدَيْكَ إلى الْمَصِيرُ” [(14) سورة لقمان]، وولي أمر الطفل والقاصر (من غير الوالدين) له حق الأمر والنهي، ويجب على المولى الطاعة والاستجابة لحديث:(ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا) وللعلامة الجمل في حاشيته نص يقول:”يؤخذ من التعليل أن مثل الأب كل من له ولاية التأديب كعمه وأخيه”، وولي أمر الزوجة له حق الأمر والنهي، ويجب على الزوجة الطاعة والاستجابة لقول الله تعالى: “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ الله” [النساء: 34] قال الجصاص في أحكام القرآن: أفاد ذلك لزومها طاعته، لأن وصفه بالقيام عليها يقتضي ذلك. وفي الحديث:( إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت).

هذه جملة لأنواع الولاية ونصوصها الشرعية الثابتة التي لا تتغير، وبما أن موضوعنا ولاية الرجل على المرأة فتكون المقالة مرتكزة على هذا الجزء الذي يحتاج إلى تمعن وتأمل.

شرع الله طاعة الوالد وجعلها واجبة، وشرع سبحانه قوامة الزوج على زوجته، وإزاء هذا التشريع تشريع آخر وهو إسقاط ولاية الرجل على المرأة (الوالد والزوج) في حالات محددة ومحصورة نذكر أهمها:

1– تسقط ولاية الوالد على ابنته في (ولاية التزويج)، إذا ثبت لدى القاضي (العضل)، حينها يوكل أمر تزويجها لولي صالح

2- تسقط ولاية الزوج على زوجته، إذا كان هناك طلاقا بائنا، أو فسخ النكاح بعوض أو بدونه لدى القاضي.

وولاية الرجل مقيّدة وليست مطلقة، بمعنى أنه لا يستطيع أن يخالف شرطا اشترطته الزوجة عليه في عقد النكاح، كما لا يستطيع أن يحرمها من حقوقها الأساسية.

وولاية الرجل كما نلاحظ في آية القوامة السابق ذكرها وازنت بين حق والتزام، فحق الرجل: طاعته بالمعروف، والتزامه: النفقة.

وحين أشاهد الصراع الفكري بين متشدد بتطبيق ولاية الرجل على المرأة بجميع صورها، ومتشدد بإلغاء فكرة الولاية مطلقا، أتصور حينها أن مشكلة ولاية الرجل على المرأة التي لها صور خاطئة فعلا لن نصل فيها إلى حلول عملية صحيحة.

فالواقع يشهد بأن هناك فهماً وممارسات خاطئة لولاية الرجل، ولا تحل برأي عقيم قوامه إسقاط ولاية الرجل بالكلية، فهذا محال تنفيذه، إذ لن تبقى امرأة في ذمة رجل إلا من رحم الله، وما هرب شباب الغرب من الزواج إلا وكان لإسقاط ولايتهم وتهميش دورهم في الزواج أثر في ذلك، بل وصل الحد إلى بعض شباب الغرب بالبحث عن الزواج بالأجنبيات هروبا من تمرد نساء بلده اللواتي نشأن تحت إطار قانوني يسقط مجموعة من الولايات، ومن ضمنها ولاية الأب والزوج.

وأبرز هنا بعضاً من الممارسات الخاطئة لولاية الرجل على المرأة، والتي يجب أن نعالجها سريعاً:

1- ممارسة الأخ الأكبر سناً في العائلة (عند وفاة الأب) بالتصرف في أموال أخواته، أو منعهن من الوظيفة (المحترمة)، أو منعهن من حقوق أخرى سمح لهن الشرع بها. فهذه الممارسة يجب القضاء عليها بتنظيم تقوم به الجهات التنظيمية أو التنفيذية.

2- ممارسة الجهات الإدارية في اشتراط موافقة ولي الأمر على ممارسة المرأة لحقوقها، فهذا تجب إعادة النظر فيه وحذف ما كان غير مبرر منه، والواقع يشهد بوجود ممارسات خاطئة في بعض المسائل التي يشترط لها موافقة من ولي الأمر.

3- يمارس بعض الآباء تزويج بناتهم من شاؤوا. وهذا غير صحيح، فالفقهاء اشترطوا رضا البنت لإتمام العقد، بل ولها الحق في رفع دعوى على والدها بنزع ولاية النكاح منه.

4- يمارس بعض الأزواج أخذ راتب وظيفة زوجاتهم أو جزء منه، أو يمارس منعها من حقوق كفلتها لها الشريعة. وهذا غير صحيح، فالزوج لا يمارس ولايته في غصب مال زوجته أو الاعتداء على حقوقها، وإن حصل خطأ من الزوج في ذلك فللمرأة فسخ نكاحها من هذا الزوج.

ويجدر التنبيه إلى أن نتحاشى وصف صورة معينة من صور الولاية بأنها شرع الله، مثل ما يشترطون من إذن المحرم لسفر المرأة، لأنه ليس ثمة نص صريح يجوز الاتكاء عليه في هذه الصورة تحديداً.

وأن نتحاشى كذلك التمرد على نصوص الشريعة الثابتة، لأن استبعاد الشريعة من حياتنا لن يجلب لنا إلا وبالا سحيقا، ولنا في غيرنا من المجتمعات عظة وعبرة.

وأختم حديثي بالقول: على وزارة العدل أن تخصص قضاة أو محكمين ينجزون الأحكام المتعلقة بالولاية بأسرع وقت، لأن تأخيرها سبب في ضجر الناس وضررهم من الأولياء، وقد يساء إلى الشريعة بسبب تأخر القضاء في إنجاز معالجة هذه المشاكل الكبيرة.

وأتمنى إعادة النظر من قبل الجهات الحكومية التنفيذية في مسألة اشتراط الولاية في بعض المسائل.

ثم على الناصحين تجنب إلباس الأمثلة الواقعية التي لا نص عليها بأنها من الولاية الشرعية التي يجب الالتزام بها، إلا بعد التثبت يقينا بانطباق ضوابط الولاية عليها؛ لئلا يدخل في الشرع ما ليس منه ويلام حينها الشرع بسبب فهم خاطئ.

وصلوا على النبي المختار

د. تركي بن عبدالله الطيار

محام وقاض سابق

إعادة نشر بواسطة محاماة نت