التوازن المفقود في عقد نقل التكنولوجيا

قمرية قباب باحثة بسلك الدكتوراه و أستاذة زائرة

بكلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية –السويسي-

مقدمة:

تعد ظاهرة النقل التكنولوجي وليدة الظروف والمتغيرات الدولية التي فرضها الوضع المتطور للاقتصاد العالمي مقابل تحقيق التنمية للدول النامية، ولم تحظى هذه الظاهرة بتنظيم تشريعي على مستوى التشريعات الوطنية إلا من طرف عدد محدود من بعض الدول.

وقد ظهر عقد نقل التكنولوجيا مع ظهور الثورة الصناعية وما واكبها من اختراعات وابتكارات، واتسع نطاقه في الدول المتقدمة ليصل إلى الدول النامية الراغبة في الحصول على الخبرة والمعرفة الفنية لتحقيق تنميتها الاقتصادية، مما أدى إلى خلق حالة من التبعية الاقتصادية والقانونية والسياسية ، لما تفرضه الأولى من شروط تقييدية على الثانية، في إطار العلاقات التعاقدية للنقل التكنولوجي بحكم الهوة المتباينة والمتنامية بين الأطراف.

وتتجلى أهمية عقد نقل التكنولوجيا في القيمة الاقتصادية التي يكتسيها على مستوى التجارة الدولية وتعزيز المشروعات الاستثمارية الكبرى، أما بالنسبة لقيمته القانونية فهي تعرف تحولا بفعل عمليات النقل التكنولوجي وتطور الاقتصاد، التي جعلت من العلاقة التعاقدية التي يفوق عمرها قرنا لا تسمح بمواكبة التوازن المطلوب في الوظيفة العقدية، أفقدت العقد توازنه القانوني والاقتصادي، مما سبب خللا معنويا وماديا بين الأداءات المتقابلة.

فإلى أي مدى حافظت القواعد العامة على مفاهيمها التعاقدية التقليدية؟ وما مدى صمودها أمام التوجهات المعاصرة التي أصبحت تهز المبادئ التقليدية لمؤسسة العقد من خلال عقد نقل التكنولوجيا ؟

إن الحديث عن هذا الإشكال يتطلب منا تقسيم الموضوع على الشكل التالي :

المبحث الأول : الاختلال التوازني في عقد نقل التكنولوجيا

المطلب الأول : مفهوم التوازن العقدي

المطلب الثاني : التطويع القانوني لعقد نقل التكنولوجيا

المبحث الثاني :مظاهر التوازن المفقود في عقد نقل التكنولوجيا

المطلب الأول: الشروط التقييدية

المطلب الثاني : الإذعان في عقد نقل التكنولوجيا

المبحث الأول : الاختلال التوازني في عقد نقل التكنولوجيا

إن التوازن المتعلق بالقواعد العامة للعقد يتطلب ضمان حقوق الأطراف والقيام بالواجبات الملقاة على عاتق المدين، من أجل تحقيق الأغراض الاقتصادية التي بسببها أنشئ العقد تحقيقا لمصلحة مالية ومعنوية بصفة مشروعة. وفي ظل التطورات الاقتصادية وسيطرة التكنولوجيا، تم زعزعت العمق التقليدي للمؤسسة العقدية التي فقدت توازنها بسبب التباين و التفاوت بين أطرافها في عقد نقل التكنولوجيا.

و سنحاول في هذا البحث الحديث عن مفهوم التوازن العقدي(المطلب الأول) حتى يتسنى لنا الحديث عن مظاهر التوازن المفقود في عقد نقل التكنولوجيا (المطلب الثاني).

المطلب الأول : مفهوم التوازن العقدي

إن مفهوم التوازن العقدي يعرف بالتوزيع العادل في الأداءات المتقابلة للأطراف، لذلك إن مضمون العقد التقليدي هو مزدوج، فمن جهة يمثل العقد الملزم للجانبين مجموعة الحقوق والالتزامات التي تسمح بالقيام بعملية التبادل الاقتصادي، ومن جهة يمثل العقد الملزم للجانبين تبادل الأداءات المتقابلة وقت نشوء العقد. ومن هنا يأتي دور التوازن العقدي الذي يتمثل في التكوين المتناسق لمضمون العقد، وهو نوعان :

توازن عقدي ذو طبيعة قانونية: يسعى إلى تطبيق مجموعة الحقوق والالتزامات المنشأة في العقد، إضافة إلى مجموعة من الشروط المدرجة في بنود العقد ، مما يجعل هذه التصرفات القانونية تؤدي إلى نشوء الآثار القانونية للعقد .

وتوازن عقدي ذو طبيعة اقتصادية: حيث تنشأ عملية التبادل الاقتصادي التي يحققها العقد لضمان المصالح التجارية واستبعاد القواعد القانونية التي تعيق سيرها .

وبالرغم من هذا التقسيم الذي يحاول توضيح مفهوم التوازن العقدي إلا أنه بعيد عن الواقع، لأن التوازن القانوني والاقتصادي يرتبطان بعضهما البعض. لهذا السبب إن العقد هو قبل كل شيء التعبير القانوني لعملية اقتصادية، كالبنود التي تحدد الاختصاص تظهر إلى جانب ذلك طابعا اقتصاديا ماليا لأنها يمكن أن تعطي منفعة أو تتفادى خسائر للمستفيد منها. وهذه البنود بمجموعها تسمح للعقد أن يحقق هدفه وهو التبادل الاقتصادي، فالموجبات المتعددة تتحد حول الديناميكة الاقتصادية للعقد[1].

ونشير إلى أن الخلل في التوازن يقتضي أن لا يكون خللا جسيما، حتى يتم تصحيح العقد أي تحسينه قانونيا وإزالة العيوب التي يعرفها من أجل إعادة التوازن إليه بهدف إنقاذ العقد في الحالات التي يكون فيها إنقاذه ممكنا. لذلك إذا كان الخلل جسيما وعلى أهمية كبيرة، فلا محل لتصحيح العقد بل يقتضي إبطاله وإلغاؤه. فإذا أصيب العقد بخلل أثناء إبرامه، يتم التساؤل عن مدى صحة الرضى أو حتى عن عدم توفر رضى أحد المتعاقدين مما يؤدي إلى بطلان أو انعدام العقد و ليس تصحيحه، أما إذا أصيب العقد بخلل جسيم عند تنفيذه، فمن الممكن إلغاؤه إذا لم يعد هناك فائدة من تصحيحه وبالتالي إن الخلل المؤثر في التوازن الذي يبرر تصحيح العقد، يشترط أن يكون خللا عارضا إي خلل يقلل من موجب المدين ولا يعدمه كليا.[2]

المطلب الثاني : التطويع القانوني لعقد نقل التكنولوجيا

يعتبر عقد نقل التكنولوجيا من العقود الطويلة المدى، والتي مع المدة قد تؤدي إلى حدوث أسباب أجنبية كالقوة القاهرة أو بسبب الظروف الطارئة تجعل من العقد يصعب تنفيذه كما هو الشأن في العقود التقليدية، والأطراف في هذا العقد الحديث تحاول قدر الإمكان ضمان استمراريته وتنفيذه عن طريق وضع بنود في العقد بمحض إرادتهم تجنبا لأي تغيير في المستقبل.

ويمكن القول أنه في هذا النوع من العقود غالبا ما تكون مثل هذه البنود من الرهانات الأساسية للمحادثات التعاقدية لأن الأطراف توافق على الالتزامات فقط إذا كان لديها وسيلة للحفاظ على التوازن التعاقدي على الرغم من تعطيل البيانات الأولية له[3].

ومسألة تطويع القاعدة القانونية لتلائم مضمون عقد نقل التكنولوجيا تتوقف على أمرين: فمن جهة، هي عقود غير متوازنة بسبب عدم التوازن القانوني والاقتصادي للأطراف المتعاقدة (دول متقدمة ودول نامية )، والثانية تتعلق بعدم توازن الأداءات بينهما. الشيء الذي يجعل من القاعدة القانونية تخضع للتطويع الاقتصادي أكثر من خضوعها للتطويع القانوني. وهنا يكمن الاختلاف بين القاعدة العامة التقليدية التي تحاول ضبط جوهر العقد بالحفاظ على بنيانه و قواعد تفسيره وبين المستجدات التي أثرت على المؤسسة العقدية بفعل التغيرات الاقتصادية المستمرة ، فتغير بذلك الدور التقليدي لإرادة الأطراف إما عن طريق إعادة التفاوض، وأن يتم التطويع من طرف القضاء في حال نشوء نزاع و عدم التوصل إلى حلول مرضية .فأصبح سلطان الإرادة التقليدي لا يقف عند القاعدة القانونية التي تجعل من الاتفاقات المعقودة على وجه شرعي تقوم مقام القانون بالنسبة لمنشئيها من حيث الدور الذي تلعبه في إنشاء الالتزام و صفة الرضائية التي تتمتع بها .

ومع الاصطدام بين الواقع القانوني والظروف الاقتصادية أصبح دور الإرادة التقليدي يعرف انكماشا مع المشروعات الاقتصادية الضخمة واحتكار الشركات الكبرى للتكنولوجيا و مفاتيح الاقتصاد العالمي أحدث نوعا من التفاوت المتباين والمتنامي بين الأطراف، حتى بات الطرف القوي يفرض شروطه على الطرف الضعيف يستجيب هذا الأخيرة إلى كافة الشروط التي تقيد من حريته بغية تحقيق المصلحة الاقتصادية التي يسعى لها من خلال هذا العقد.

ومن هنا تأتي مسألة تطويع القاعدة القانونية لتلائم مستجدات العقود المعاصرة التي تتم بمحض إرادة الأطراف عن طريق إعادة التفاوض، بما يضمن حماية للطرف الضعيف في مواجهة الطرف القوي، أو تطويع العقد من طرف المحكم بغرض إرساء قواعد التوازن العقدي وتصحيحه ومحاولة إزالة العيوب التي تشوبه نتيجة الإكراه الاقتصادي وتقليص التباين بين الأطراف. إذ أصبحت قاعدة التوازن من الضرورات الملحة التي تفرضها المصالح الاقتصادية والسياسية، والخضوع إلى تفسيرات الاتفاقيات الدولية بحثا عن مساواة قانونية بين الأطراف تحقيقا للعدالة التعاقدية وضمانا للأمن القانوني، دون اللجوء إلى بطلان العقد أو فسخه، حتى يستمر العقد وتظل بذلك المصالح الاقتصادية والسياسية قائمة، وهو ما يجعل من المؤسسة العقدية المحافظة تنصهر أما التحولات الاقتصادية والسياسية، فتتم عولمة القانون حتى يظل العقد حيا ونشيطا دون اللجوء إلى موته أمام العلاقة الجدلية بين القانون والاقتصاد.

وعقد نقل التكنولوجيا سواء في نهجه القانوني أو الموضوعي من حيث الحقوق والالتزامات الناشئة في العلاقة التعاقدية، أو من حيث الامتداد الزمني منذ نشأة العقد إلى مرحلة انقضائه يظل خاضعا لتوازن مفقود بسبب هذا التباين والتنامي الذي فرضته الظروف الاقتصادية. لذلك أصبح الاختلال جزءا من قانون هذا العقد، في ظل غياب تشريعي يقننه، مع ترك الاختيار لمبدأ سلطان الإرادة ولتفسيرات الاتفاقيات الدولية تطويعا لعقد النقل التكنولوجي بما يخدم المصالح الخاصة للدول المتقدمة المسيطرة على التكنولوجيا، والدول النامية الراغبة في الوصول للتنمية، الشيء الذي يجعلها في موقف يقبل بجميع الشروط التقييدية، ويخضوع لآليات التفاوض وإعادته دون منازع.

و في حالة فشل المفاوضات يتم القبول بتسوية النزاعات عن طريق التحكيم وتحدي كل الممارسات التقليدية لمؤسسة العقد، وكسر سوار القواعد القانونية المحافظة المنصوص عليها في القانون المدني والقانون التجاري، من أجل استمرارية العقد والتعاون بما يناسب تسهيل النقل التكنولوجي و يضمن المصالح الاقتصادية والسياسية لهذه الدول .

المبحث الثاني: مظاهر التوازن المفقود في عقد نقل التكنولوجيا

إن قوة العقد الإلزامية تظهر في إطار العقد المتوازن المنسجم مع القانون، إلا أن العلاقات المتبادلة بين الدول المتقدمة والدول النامية، وسعي هذه الأخيرة للحصول على التكنولوجيا وتحقيق التنمية، جعلها في مراكز الضعف بسبب التبعية القانونية والاقتصادية، مما أدى إلى المساس بجوهر المؤسسة العقدية المحافظة التي فقدت توازنها في ظل الشروط التقييدية (المطلب الأول) وعدم التعادل في الأداءات بسبب الغبن (المطلب الثاني) نتيجة عدم المساواة بين الأطراف المتعاقدة.

المطلب الأول: الشروط التقييدية

عرف الفقه[4] الشروط التقييدية بأنها مجموعة شروط يفرضها مورد التكنولوجيا على المستورد لتقييد حريته في استعمال التكنولوجيا التي تنقل إليه أو في التصرف في الإنتاج الذي حصل عليه من استعمالها، ويرضى المستورد بهذه الشروط على الرغم من تعسفها لشدة حاجته إلى التكنولوجيا. وهي بهذا المعنى عبارة عن شروط يفرضها مورد التكنولوجيا لسيطرته واحتكاره لسوق التكنولوجيا، مقابل المركز الضعيف للمستورد الذي يتم تقييد قدرته على المنافسة، وينعكس بآثار سلبية على اقتصاده الوطني . فالشروط التقييدية هي شروط تسعى إلى الحد من المنافسة المشروعة، وجعل المستورد في حالة خضوع وتبعية للمورد، وهو ما يؤدي إلى فقدان التوازن الاقتصادي للعقد، و يسعى إلى عرقلة التمكن التكنولوجي والسيطرة عليه من قبل الدول النامية باعتبارها الطرف الضعيف .

ومن الآثار التي تخلفها الشروط المقيدة للمنافسة على سبيل المثال لا الحصر هناك :

–منع اختراق السوق:

إذ هناك مجموعة من الاتفاقات للشروط المقيدة للمنافسة، ومن ضمنها منع اختراق السوق حيث تهدف هذه الاتفاقات إلى حظر دخول السوق على أي مشروع جديد بحيث تبقى البنية التنافسية للسوق ثابتة وغير قابلة للتغيير، ويتخذ تقييد المنافسة في هذه الحالة عدة أشكال منها : قيام التنظيمات المهنية بإلزام المشروع الذي يرغب في الانضمام إليها لممارسة نشاط اقتصادي معين بأن يخضع لإجراءات انضمام معقدة لا بد أن يستوفيها لممارسة التكنولوجيا محل النقل.

–منع التعاقد خارج الحدود الإقليمية:

و في هذا الشرط يلتزم مستورد التكنولوجيا بعدم إبرام أي اتفاق امتياز أو تراخيص مع دولة أخرى خارج المنطقة الإقليمية المحددة للمستورد الأول بالعقد، حيث لا يتم بيع أو استعمال التكنولوجيا المتعلقة بالمورد مالك التكنولوجيا.

و لقد ناقش القضاء الأمريكي بعض هذه الشروط التي يفرضها أحد أطراف العقد الدولي لنقل التكنولوجيا، وأصدر القضاء أحكاما مستقاة من مبدأ مكافحة الاحتكار وحرية المنافسة التي أعلنتها القوانين الأمريكية.لا سيما تلك المتعلقة باستخدام التكنولوجيا وحجم الإنتاج ونطاق التوزيع وزوال السرية وضوابط الجودة والبحث والتطوير وشروط القصر والنقل العكسي والمنافسة والتصدير[5].

ومن هنا تتجلى آثار الشروط التقييدية التي تنعكس سلبا على الدول النامية المستقبلة للتكنولوجيا فيلحق الضرر باقتصادها ويعرقل سير استقطابها للتكنولوجيا، فلا تتمكن بذلك من امتلاكها فتبقى في حالة تبعية اقتصادية للدول المتقدمة المحتكرة لها، إذ يتم القبول بهذه الشروط دون مناقشة فيها. لأن دورها يتمثل في منع شراء تكنولوجيا مماثلة، ولا تسمح باستغلال التكنولوجيا دون ترخيص أو العمل على تطويرها أو تصديرها خارج الدول المتلقية لها، وتكون غالبيتها في مصالح الدول المتقدمة خاصة التي تفرض التبعية الاقتصادية التكنولوجية بما يخدم مصالحها الصناعية والسياسية، مما يؤدي إلى الاختلال في توازن العقد .

المطلب الثاني : الإذعان في عقد نقل التكنولوجيا

أسفرت العلاقات العقدية على إفراز نوع فريد من التعاقد يتمحور في مجمله حول طرفان لا يملكان نفس الإمكانيات في التعاقد نتيجة لعدم تكافؤ مراكزهما القانونية والاقتصادية، الأمر الذي يفرض على الطرف الضعيف الخضوع لإرادة الطرف القوي، الشيء الذي جعل هذه العقود ترتقي لمصاف عقود الإذعان[6]. و يعرف عقد الإذعان أنه العقد الذي يسلم فيه القابل بشروط مقررة يضعها الموجب ولا يقبل مناقشة فيها وذلك فيما يتعلق بسلعة أو مرفق ضروري تكون محل احتكار قانوني أو فعلي، أو تكون المنافسة محدودة النطاق في شأنها[7].

وفكرة الإذعان في العقود واردة في جل التشريعات الأجنبية و قد أخذ بها أيضا المشرع المغربي في القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك[8]حاول قدر الإمكان تجاوز القواعد الحمائية التقليدية المنصوص عليها في القانون المدني لتعديل الشروط التعسفية التي قد تطال الطرف الضعيف .

وعقد نقل التكنولوجيا ينشأ بين طرفين وغالبية الأطراف تكون من الدول النامية التي تكون في موقع اقتصادي ضعيف بحكم احتكار الدول المتقدمة أو الصناعية للتكنولوجيا والتي تقوم بتطبيق شروط تعسفية Clauses abusives وشروط تقييديةConditions restrictives على الأولى. وهذا يؤدي بالمانح إلى فرض ما يشاء من شروط على المتلقي، باعتباره الطرف الأقوى مستندا لاحتكاره، و المتلقي لا يستطيع مناقشة المانح في هذه الشروط التي تتسم بالتنوع و الكثرة، و قد لا يكتشف المتلقي أحيانا طابعها التعسفي أثناء إبرام العقد نظرا لشدة حاجته إلى هذه المعرفة الأجنبية[9]. ذاك أن عقد نقل التكنولوجيا يبرم بين طرفين :الأول المورد للتكنولوجيا، والثاني المستورد الملتقي لها، فكلاهما يكون إما شخصا طبيعيا أو معنويا وقد يكون من أشخاص القانون العام أو الخاص، وفي غالب الأحيان فإن مورد التكنولوجيا من البلدان المتقدمة، في حين أن متلقي التكنولوجيا يكون من الدول النامية، لذا هذه الشروط غالبيتها تقع في عقد نقل التكنولوجيا بين الشركات المتعددة الجنسيات كمانحة وبين المتلقي الذي تفرض عليه هذه الشروط رغما عن إرادته بسبب مركز المانح التفاوضي القوي وما يتمتع به من سيطرة واحتكار على مستوى السوق الدولي للتكنولوجيا[10].

وفي ظل شيوع العقود النموذجية في المعاملات الاقتصادية الدولية، فإن الدول النامية سرعان ما توافق على العقد بأكمله أو ترفضه بمجمله، فتكون بصدد غياب إرادتها نظرا لعدم توازن القوى وعدم التوازن الاقتصادي فمتلقي التكنولوجيا أو المستورد يكون في مركز اقتصادي دولي أضعف بكثير من موردها، فتنعدم بذلك المساومة والنقاش في شروط العقد.

خاتمة :

إن عقد نقل التكنولوجيا يعد آلية للاستثمار ومحط التناقضات التي يخضع لها النقل من الدول المتقدمة إلى الدول النامية، و ما يتضمنه العقد من شروط تقييدية تجعله بمثابة عقد إذعان، مما يؤثر على التزامات الأطراف المتعاقدة نتيجة العلاقة الجدلية بين القانون والاقتصاد. وهو ما يتطلب وضع حماية قانونية واقتصادية تعالج أزمة هذا العقد ليستجيب للدور المنوط به، عوض إدخال تحسينات من طرف المشرع، ووضع الوسائل العلاجية والوقائية للاختلال التوازني عوض كثرة التعديلات التشريعية أو إلغائها.

– للتوسع و المزيد حول مفهوم التوازن العقدي يراجع:[1]

– ريما فرج مكي،تصحيح العقد دراسة مقارنة،الطبعة الأولى 2011،مؤسسة الحديثة للكتاب لبنان، ص 212و213.

-ريما فرج مكي،تصحيح العقد م.س ص227[2]

-[3]–Bruno OPPETITL’adaptation des contrats internationaux aux changements de la circonstances : clause de « hardship , Journal de Droit International (Clunet) 101 (1974), p.795.

[4]– محسن شفيق، نقل التكنولوجيا من الناحية القانونية، جامعة القاهرة والكتاب الجامعي القاهرة، مصر 1984 دون طبعة، ص26.

[5] – محمود الكيلاني،الموسوعة التجارية و المصرفية، المجلد الأول ،عقود التجارة الدولية في مجال نقل التكنولوجيا،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،الأردن عمان 2014،ص 269.

[6]– عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزامات الكتاب الثاني، المسؤولية المدنية: المبادئ العامة للمسؤولية المدنية نظام المسؤولية العقدية، نظام المسؤولية التقصيرية، المسؤولية عن حوادث السير،ط.3،2011درا الأمان، الرباط ص32.

[7]– إدريس العلوي العبدلاوي، شرح القانون المدني، النظرية العامة للالتزام، نظرية العقد، الطبعة الأولى1996، مطبعة

النجاح الجديدة الدار البيضاء،ص 160.

[8]-ظهير شريف رقم 1.11.03 صادر في 14 من ربيع الأول 1432(18فبراير2011)بتنفيذ القانون31.08القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك منشور بالجريدة الرسمية، عدد 5932، 3جمادى الأولى 1432(7أبريل2011).

[9]– أمال زيدان عبد اللاه، الحماية القانونية للأسرار التجارية في عقود نقل التكنولوجيا، دراسة تحليلية في القانون
المصري والأمريكي، الطبعة الأولى2009 ، دار النهضة العربية مصر، ص15.

-نفس المرجع ص 215. [10]

إعادة نشر بواسطة محاماة نت