مقال قانوني حول مفهوم العقود في الفقة و القانون

أ/ مران الهناندة

1-تعريف العقد

العقد هو توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني، سواء كان هذا الأثر هو إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهاءه.
والعقد، كذلك، هو توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني، أو بعبارة أخرى، هو توافق إرادتين على إنشاء رابطة قانونية أو تعديلها أو إنهائها.

تعريف العقد في القانون الفرنسي

المادة 1101 من القانون المدني الفرنسي، تعرّف العقد بأنه “اتفاق يلتزم، بمقتضاه، شخص أو أكثر نحو شخص أو أكثر، بإعطاء شيء أو القيام بعمل أو بالامتناع عنه”.

تعريف العقد في اللغة وفي اصطلاح الفقهاء

يطلق العقد في اللغة على الجمع بين أطراف الشيء وربطها، وضده الحل، ويطلق أيضاً بمعنى إحكام الشيء وتقويته. ومن معنى الربط الحسي بين طرفي الحبل أخذت الكلمة للربط المعنوي للكلام أو بين الكلامين، ومن معنى الإحكام والتقوية الحسيّة للشيء أُخذت اللفظة وأُريد بها العهد، ولذا صار العقد بمعنى العهد الموثّق، والضمان، وكل ما يُنشئ التزاما.
وعلى ذلك يكون عقداً في اللغة، كل ما يفيد الالتزام بشيء عملاً كان أو تركاً، من جانبٍ واحد أو من جانبين، لما في كل أولئك من معنى الربط والتوثيق.

أما المعنى الذي اصطلح عليه الفقهاء لكلمة العقد فانه لا يبعد عن المعنى اللغوي له، بل هو حصرُ له وتخصيص لما فيه من العموم، وللعقد معنيين عندهم،ويطلق بإطلاقين: فمن عباراتهم ما يفيد أن العقد هو ربط بين كلامين ينشأ عنه حكم شرعي بالتزام لأحد الطرفين أو لكليهما.

وهذا يتفق كل الاتفاق مع تعريف القانونيين للعقد بأنه توافق إرادتين على إنشاء التزام أو نقله أو إنهائه.
ولذا فإن أكثر الفقهاء لا يطلقون اسم العقد على الطلاق، والإبراء، والإعتاق وغيرها مما يتم بكلام طرفٍ واحدٍ من غير كلام الطرف الثاني. في حين يطلقون اسم العقد على البيع، والهبة، والزواج، والإجارة وغيرها مما لا يتم إلاّ بربط كلامين من طرفين.
وبجوار هذا فإن هناك من الكتاب في الفقه من يعممون، فيطلقون كلمة العقد على كل تصرف شرعي، سواء أكان ينعقد بكلام طرفٍ واحد أم لا ينعقد إلاّ بكلام طرفين.

وفي الجملة أن كتب الفقه تذكر كلمة العقد، وتريد بها أحياناً المعنى العام، وهو المراد للتصرف، وتذكرها أحياناً وتريد بها المعنى الخاص، وهو ما لا يتم إلاّ من ربط كلامين يترتب عليه أثرُ شرعي. وهذا هو المعنى الشائع المشهور حتى يكاد ينفرد هو بالاصطلاح، وهو المعنى الذي يتبادر إلى الذهن إذا أطلقت كلمة العقد. أما المعنى الثاني فلا تدل عليه كلمة العقد، إلاّ بتنبيه يدل على التعميم.

ويطلق جمهور الفقهاء والأحناف منهم خاصة العقد بمعنيين:
الأول: هو تعليق كلام أحد المتعاقدين بكلام الآخر، شرعاً، على وجه يظهر أثره في المحل.
والثاني: العقد هو ما يتم به الارتباط بين إرادتين، من كلام وغيره، ويترتب عليه التزام بين طرفيه. فالعقد عند هؤلاء، لا يكون إلا في ما يحدث بين اثنين من تعاقد أو ارتباط بإرادتيهما.

الالتزام

يتوقف التعريف بالالتزام على المذهب الذي يؤخذ به في شأنه حيث يتنازعه مذهبان:

المذهب الشخصي:

وهو الذي يعتبر الالتزام رابطة بين شخصين ويستند إلى فكرة السلطة التي يخولها الحق لصاحبه، وهذه السلطة قد ترد على شيء كما في الحق العيني، وقد ترد على شخص كما في الحق الشخصي، وهي سلطة كاملة في الحق العيني كالملكية، أما في الحق الشخصي فلا تتناول إلاّ بعض حرية المدين وجانباً من نشاطه.

المذهب المادي:

وهو الذي يعتبر الالتزام رابطة بين ذمتين، باعتباره يمثل حقاً في ذمة الدائن، ويمثل حقاً في ذمة المدين، ويعتمد المذهب على التقريب بين الحق الشخصي والحق العيني باعتبار أن العنصر الغالب في الحق هو محل الحق لا أطراف الحق. فالحق الشخصي يجب أن يجرد من الرابطة الشخصية أي من علاقة الدائن بالمدين وأن ينظر إليه كعنصر من عناصر الذمة المالية.
ويمكن تعريف الالتزام بأنه رابطة قانونية بين شخصين، يلتزم، بمقتضاها، أحدهما، وهو المدين، بأن يقوم بعمل، أو بالامتناع عن عمل معين.

وعلى ذلك يكون للالتزام أركان ثلاثة هي:
1. طرفا الالتزام، دائن ومدين.
2. رابطة قانونية، يلتزم بمقتضاها المدين بأداء معين.
3. محل الالتزام وهو ما يجب على المدين أداؤه.
وقد عرّف المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري الالتزام، بأنه “حالة قانونية بمقتضاها يجب على الشخص أن ينقل حقاً عينياً، أو أن يقوم بعمل، أو أن يمتنع عن عمل”.

الفرق بين العقد والالتزام والتصرف القانوني

العقد يكون بتوافق إرادتين إيجاباً وقبولاً. أما الالتزام فهو التصرف المتضمن إرادة إنشاء حق من الحقوق أو إنهاء حق أو إسقاطه سواء أكان التصرف الذي ينتج التزاماً هو في مقابلة التزام من جانب آخر كما في البيع والإجارة، أم كان هذا الالتزام من جانبٍ واحدٍ كما في الوقف.
والالتزام بهذا المعنى يكون أعم من العقد الذي يشترط فيه اجتماع إرادتين على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء. على أن البعض قد خص الالتزام عند الإطلاق بحالة التزام الشخص نفسه. ولذا فانهم يطلقونه على أحوال الإرادة المنفردة، وهو بهذا المعنى يكون مقابلاً لمعنى العقد.

وأمّا التصرف: فهو ما يصدر من الشخص المميز بإرادته قولاً أو فعلاً ويرتب عليه الشارع نتيجة ما. وهو يشمل الالتزام والعقد. فالتصرف أعم من العقد لأنه يتناول ما كان بإرادتين، وما كان بإرادة واحدة. كما يتناول ما كان منشئاً لحق أو منهياً له كالطلاق أو مسقطاً له كالإبراء، كما يتناول ما لم يكن فيه شيئاً من ذلك كما في الإخبار بدعوى أو إقرار بحقٍ سابقٍ أو إنكار له أو حلف على نفيه. فهو إخبار بثبوت حق وليس إنشاء لالتزام أو إسقاط له.

وعلى هذا فإن فأي عمل من أعمال الإنسان، لا يوصف بأنه تصرف قانوني، إلا حيث تكون الإرادة قد اتجهت إلى إحداث أثر قانوني، ويتم هذا الأثر نتيجة مباشرة لاتجاه الإرادة إليه. أما إذا لم تقصد الإرادة إحداث أثر قانوني، يربط صاحبها ويقيده، أمام القانون، فلا نكون بصدد تصرف قانوني، بل عمل من أعمال المجاملات، كدعوة صديق إلى غداء.

شروط العقد وشروط صحته

نظراً إلى أن العقد هو توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني معين، لهذا، كان لا بد لانعقاد العقد من وجود أركان له، وهي:
1. الركن الأول وهو التراضي بين طرفيه.
2. الركن الثاني وهو المحل.
3. الركن الثالث وهو السبب.
4. وقد يضيف القانون أو المتعاقدان، ركناً رابعاً، وهو الشكل، وهذا هو العقد الشكلي.

ويترتب على فقدان ركن من هذه الأركان، بطلان العقد بطلاناً مطلقاً. فإذا انعدم التراضي لانعدام التمييز والإرادة، مثلاً، أو إذا انعدم السبب أو المحل، أو إذا لم يستوفيا ما يشترطه القانون، كأن كانا غير مشروعين، مثلاً، كان العقد باطلاً.

ويستلزم القانون، فضلاً عن هذه الأركان الثلاثة، التراضي والمحل والسبب، أن يكون كل من طرفَي العقد متمتعاً بالأهلية، وأن تكون إرادة كل منهما خالية من العيوب.
فاستيفاء العقد لأركانه شرط لانعقاده، والتمتع بالأهلية وسلامة الإرادة من العيوب، شرط لصحته. وجزاء فقدان أحد شروط الانعقاد، هو البطلان المطلق. أما جزاء فقدان شرط من شروط الصحة، فهو القابلية للإبطال، أو ما يسمى بالبطلان النسبي.

مجال العقد

يتحدد مجال العقد بالاتفاقات المنشئة للالتزامات بين أشخاص القانون الخاص، فتخرج من مجاله الاتفاقات المتعلقة بفروع القانون العام كالمعاهدة وهي اتفاق بين دولة ودولة أخرى وتحكمها قواعد القانون الدولي، والنيابة وهي اتفاق بين النائب وناخبيه وتحكمها قواعد القانون الدستوري، والوظيفة وهي اتفاق بين الحكومة والموظف وتحكمها قواعد القانون الإداري.
غير أنه حتى في مجال القانون الخاص تقتصر منطقة العقد على الاتفاقات المتعلقة بالذمة المالية، فنستبعد من مجاله الاتفاقات المتعلقة بروابط الأحوال الشخصية كالزواج، لأن الزواج ولو أنه، اتفاق بين الزوجين، إلاّ أن القانون وحده هو الذي يحدد آثاره، ولذا لا يعتبر عقداً بالمعنى الصحيح.

أركـــــان العقـــــــــد

الأركان جمع ركن وهو جانب الشيء القوي الذي يتوقف عليه وجوده بكونه جزء ماهيته، كتكبيرة الإحرام بالنسبة للصلاة والصيغة بالنسبة للعقد.
فركن الشيء جزؤه الذي يتركب منه ويتحقق به وجوده في الوجود، بحيث إذا انتفى لم يكن له وجود.
وأركان العقد هي: التراضي، المحل، السبب.

أولاً: التراضي

التراضي هو تطابق إرادتين. والمقصود بالإرادة، هنا، هي الإرادة التي تتجه إلى إحداث أثر قانوني معين، هو إنشاء الالتزام أو نقله أو تعديله أو إنهاؤه.
والتراضي، كذلك، هو توافق الإرادتين على إحداث أثر قانوني معين. ويُعَدّ التراضي ركن العقد الأساسي. فإذا فُقِدَ، لم ينعقد العقد. غير إنه يلزم أن يكون هذا التراضي سليماً، أي أن تكون إرادة كل من طرفي العقد، قد خلت من أي عيب يعيبها، من غلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال. فإذا شاب رضاء أي من المتعاقدين عيب من هذه العيوب، كان العقد قابلاً للإبطال لمصلحته.
وقد نصت المادة 89 من القانون المدني المصري على أن “يتم العقد بمجرد أن يتبادل طرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين، مع مراعاة ما يقرره القانون فوق ذلك، من أوضاع معينه لانعقاد العقد”.
على أن الإرادة، وهي أمر كامن في النفس، لا يمكن أن تحدث أثراً قانونياً معيناً، إلا إذا ظهرت إلى الخارج، أي إلا إذا أفصح صاحبها عنها.

ما هي الإرادة:
يرى علما النفس أن الإرادة كظاهرة نفسية تمر بمراحل أربع:
المرحلة الأولى: مرحلة التصور وفيها يستحضر الشخص العمل القانوني الذي يريد إبرامه.
والمرحلة الثانية: مرحلة التدبر وفيها يوازن الشخص بين شتى الاحتمالات والنتائج.
والمرحلة الثالثة: مرحلة التصميم وفيها يبت الشخص في الأمر، وهذه المرحلة هي جوهر الإرادة أو هي الإرادة نفسها.
والمرحلة الرابعة: مرحلة التنفيذ التي ينقل فيها الشخص إرادته من كامن النفس إلى العالم الخارجي فيفصح عن إرادة معينة تتجه إلى إحداث أثر قانوني معين.
والتعبير عن الإرادة، يكون باللفظ، وبالكتابة، وبالإشارة المتداولة عرفاً. كما يكون باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود، أي يكون التعبير عن الإرادة مطابقاً لحقيقة ما قصدت إليه. ويجوز أن يكون التعبير عن الإرادة ضمنياً، إذا لم ينص القانون، أو يتفق الطرفان على أن يكون صريحاً.
ويعتبر من قبيل القبول الضمني قيام الوكيل بتنفيذ الوكالة، إذ يدل هذا على قبوله لها.
وهناك فرق كبير بين السكوت والتعبير الضمني. فالتعبير الضمني، يفترض أن الشخص قد سلك مسلكاً معيّناً، يمكن أن يقطع في الدلالة على إرادته. أما السكوت، فهو أمر سلبي، لا يقترن بأي مسلك أو موقف، فضلاً عن أنه غير مصحوب بلفظ أو كتابة أو إشارة.
والسكوت لا يمكن أن يُعدّ طريقاً للتعبير عن الإيجاب. ذلك أن الإيجاب عرض، والعرض لا يمكن أن يستفاد إلا بفعل إيجابي، أي بفعل إيجابي محدد موجّه إلى الغير.
أمّا فيما يتعلق بالقبول، فالقاعدة، كذلك، أن القبول لا يمكن أن يستفاد من مجرد السكوت، إذ لا ينسب إلى ساكت قول. وكقاعدة عامة من غير المتصور أن يكون السكوت تعبيراً عن الإرادة والتي هي عمل إيجابي، في حين لا يتضمن السكوت إيجاباً لأنه عدم، والعدم لا ينبئ بشيء وهو كذلك لا يتضمن قبولاً. إلا أنه إذا كان مجرد السكوت لا يُعدّ قبولاً، فإن هناك حالات استثنائية، يمكن أن يكون السكوت فيها دليلاً على القبول، وهي حالات يقترن فيها بالسكوت ظروف وملابسات، ويسمى السكوت الملابس. ومثال ذلك:
1. ما ذهب إليه القضاء الفرنسي من أن السكوت يُعدّ قبولاً، إذا كان بين المتعاقدين تعامل سابق، واتصل الإيجاب بهذا التعامل السابق.
2. وكذلك الحال، إذا كانت طبيعة المعاملة تقضي بذلك، مثل ما جرت عليه عادة المصارف من إرسال بيان إلى عملائها بالحساب الجاري، فإن عدم اعتراض العميل على هذا البيان، في وقت مناسب، يُعدّ اعتماداً له.
3. إذا كان الإيجاب يسفر عن منفعة خالصة للموجّه إليه، فإن سكوت من وُجّه إليه البيان يُعدّ قبولاً.
مثال ذلك، أن يَعِد شخص آخر بأن يبيع له ما له، بمبلغ معين، إذا أظهر رغبته في ذلك، في ظرف مدة محددة. فيسكت هذا الأخير، فيكون سكوت الموعود قبولاً، لأن الوعد مفيد له فائدة بحتة، ولا يلزمه بأي التزام.
أو كعارية استعمال تعرض على المستعير فيسكت فيعتبر سكوته في هذه الحالة قبولاً. حيث أن الإيجاب يتضمن منفعة ظاهرة لمن وجه إليه.
وينتج التعبير أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجّه إليه. ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به، ما لم يقم الدليل على عكس ذلك ( المادة 91 من القانون المدني المصري). وإذا عيّن ميعاد للقبول، التزم الموجب بالبقاء على إيجابه، إلى أن ينقضي هذا الميعاد.
والتعبير عن الإرادة إيجاباً كان أو قبولاً قد تسبقه مفاوضات بين المتعاقدين يمر فيها العقد بمراحل مختلفة، كمرحلة الوعد بالعقد، والعقد الابتدائي، والتعاقد بالعربون، وقد لا يجمع المتعاقدين مجلس واحد فتثار مسألة زمان ومكان انعقاد العقد أو ما يعرف بالتعاقد فيما بين الغائبين.

1. الوعد بالتعاقد:
كالوعد بالبيع مثلاً هو عقد يلتزم بمقتضاه الواعد ببيع شيء إذا أظهر الموعود له رغبته في الشراء في مدة معينة، وكثيراً ما يلجأ إلى هذا العقد في الحياة العملية، خصوصاً بعد أن تعقدت المعاملات وتشعبت ومن أمثلة ذلك: ما تلجأ إليه شركات البناء العقارية لتيسير تأجير مبانيها فتضمن عقود الإيجار الصادرة منها وعداً ببيع العين إلى المستأجر. وكما يصدر الوعد من البائع فقد يصدر أيضاً من المشتري ويسمى بالوعد بالشراء.

2. العقد الابتدائي:
قد يكون الوعد بالتعاقد ملزماً للجانبين ومثل هذا الوعد يسمى في العمل بالعقد الابتدائي، وفيه يتفق الطرفان على جميع شروط العقد المراد إبرامه، مع تحديد أجل العقد النهائي. فإذا حل الأجل المحدد لتحرير العقد النهائي وامتنع أحد الطرفين دون سبب مقبول عن إمضائه جاز للطرف الآخر رفع دعوى صحة التعاقد للحصول على حكم بثبوت البيع.
وإذا ظهر هناك اختلاف بين الشروط الواردة في العقد الابتدائي والشروط التي تضمنها العقد النهائي تعين الرجوع إلى ما تضمنه العقد النهائي.

3. التعاقد بالعربون
العربون هو مبلغ من المال (أو أي شيء منقول آخر)، يدفعه أحد المتعاقدين إلى المتعاقد الآخر، وقت انعقاد العقد. ودفع العربون، وقت إبرام العقد، يفيد أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه. إلا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك. فإذا عدل من دفع العربون فقده، وإذا عدل من قبضه رد ضعفه. هذا ولو لم يترتب على العدول أي ضرر.
والغرض من دفع العربون إما الدلالة على أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عن الصفقة ونقض العقد، وإما الدلالة على أن العقد قد تم نهائياً، وأن القصد من دفع العربون هو ضمان تنفيذه.
ويرجع إلى نية المتعاقدين الصريحة أو الضمنية لتحديد الغرض من العربون.
والظاهر من استقراء أحكام المحاكم المصرية: أن العربون إذا دُفِعَ في عقد بيع ابتدائي كان دليلاً على جواز العدول، وإذا دُفِعَ في عقد بيع نهائي كان دليلاً على أن العقد أصبح باتاً.

4. التعاقد فيما بين الغائبين:
قد لا يضم المتعاقدين مجلس واحد فتمضي فترة من الوقت بين صدور القبول وعلم الموجب به، كما في العقود التي تتم بالمراسلة أو بواسطة رسول. فهل ينعقد العقد في الوقت والمكان اللذين صدر فيهما القبول؟ أم في الوقت والمكان اللذين علم فيهما الموجب بالقبول؟
وقد فصل التقنين المدني المصري في الخلاف القائم بين الفقهاء حول تحديد ومكان التعاقد بين الغائبين فقرر في المادة (97) مدني أنه:
1. يعتبر التعاقد بين الغائبين قد تم في المكان والزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يقضي بغير ذلك.
2. ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في المكان وفي الزمان اللذين وصل إليه فيهما هذا القبول”.
عيوب الرضا
التراضي لا يكون صحيحاً، إلا بشرطين:
1. أن يكون صادراً من ذي أهلية.
2. أن يكون صادراً من ذي إرادة سليمة، غير مشوبة بعيب من عيوب الرضا.

وعيوب الرضى هي:

الغلط، والتدليس، والإكراه، والاستغلال.

أ. الغلط
هو وهم، يقوم في ذهن الشخص يحمله على اعتقاد غير الواقع. أي اعتقاد خاطئ يقوم في ذهن المتعاقد، فيدفعه إلى التعاقد. فإذا وقع المتعاقد في غلط جوهري، جاز له أن يطلب إبطال العقد، إن كان المتعاقد الآخر، قد وقع، مثله، في هذا الغلط، أو كان على علم به، أو كان من السهل عليه أن يتبينه. ومعنى ذلك أن الغلط لا يؤدي إلى إبطال العقد إذا تعذر على الذي وقع في الغلط إثبات أن الغلط كان مشتركاً أو كان المتعاقد الآخر يعلم به، أو يسهل عليه العلم به. ولا يؤثر في صحة العقد مجرد الغلط في الحساب، ولا غلطات القلم. ولكن، يجب تصحيح الغلط، وليس لمن وقع في غلط، أن يتمسك به على وجه يتعارض مع ما يقضي به حسن النية. ويبقى بالأخص ملزماً بالعقد، الذي قصد إبرامه، إذا أظهر الطرف الآخر استعداده لتنفيذ هذا العقد. وعلى ذلك يظل من يشتري شيئاً معتقداً غلطاً أن له قيمة أثرية، مرتبطاً بعقد البيع، إذا عرض البائع استعداداً لأن يسلمه نفس الشيء الذي انصرفت نيته إلى شرائه.

والغلط في القانون كالغلط في الواقع يؤدي إلى بطلان العقد بطلاناً نسبياً إذا توافرت فيه شروط الغلط في الواقع. فإذا كان الغلط في القانون جوهرياً وتناول قاعدة قانونية لا تتصل بالنظام العام فيمكن التمسك به لإبطال العقد، ومن الغلط في القانون أن يبيع شخص نصيبه في التركة معتقداً أنه يرث الربع في حين أنه يرث الثلث.

أما الغلط في القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام فلا يؤثر على صحة العقد فلو أجر مالك أرض زراعية بأكثر من سبعة أمثال الضريبة المفروضة عليها جهلاً منه بالقاعدة القانونية المقررة في هذا الشأن، فإن الأجرة تُخفض إلى الحّد القانوني، ولا يجوز للمالك طلب إبطال العقد لغلطة في القانون، كما كان في قانون إيجارات الأراضي الزراعية قبل تعديله. وعلى من يدّعي أن إرادته معيبة بالغلط، أن يثبت هذا الغلط، الذي وقع فيه، وإثبات الغلط يكون بكافة سُبُل الإثبات.

ب. التدليس
هو إيهام الشخص بغير الحقيقة، بقصد حمْله على التعاقد.
ويجوز إبطال العقد، للتدليس، إذا كانت الحيل، التي لجأ إليها أحد المتعاقدين، أو نائب عنه، من الجسامة، أنه لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد. ويُعَدّ تدليساً السكوت، عمداً، عن واقعة أو ملابسة، إذا ثبت أن المدلَّس عليه، ما كان ليبرم العقد، لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة.
وظاهر من هذا التعريف أن التدليس لا يعتبر عيباً مستقلاً من عيوب الرضا، بل هو علة تعيب آخر، وهذا العيب هو الغلط. ذلك أن الغلط إمَّا أن يكون تلقائياً أي ينزلق إليه الشخص من تلقاء نفسه وإما أن يكون مستثاراً، أي تثيره في الذهن الحِّيل التي استعملها المتعاقد الأخر، وفي الحالتين يكون العقد قابلاً للإبطال للغلط.
وللتدليس ثلاثة عناصر هي:

استعمال وسائل احتيالية.
نية التضليل ( للوصول إلى غرض غير مشروع ).
أن تكون الحيلة مؤثرة أي تحمل على التعاقد.

العنصر الأول
وتتخذ الحيل المستعملة في التدليس صوراً شتى، تختلف باختلاف حالة العاقد المدَلّس عليه. ولذا فالمعيار فيها ذاتياً.
فكل إخفاء لواقعة لها أهميتها في التعاقد سواءً كان ذلك بطريق إيجابي وهو الكذب، أو بطريق سلبي وهو الكتمان تعتبر تدلساً مفسداً للرضا متى اكتملت فيه العناصر المكونة للتدليس.

العنصر الثاني
نيّة التضليل للوصول إلى غرض غير مشروع، فإذا انتفت نية التضليل فلا تدليس، كما هو الشأن فيما يصدر من الباعة من انتحال أحسن الأوصاف لسلعهم بقصد ترويجها فهذا من قبيل الكذب الذي لا أثر له على صحة العقد، ولكن لو وقع المتعاقد الآخر في غلط نتيجة لهذا العمل فيبطل العقد للغلط لا للتدليس.
أمّا إذا كان الغرض من التضليل مشروعاً فلا تدليس كما لو استعمل المودع ـ وقد تبين له أن المودع عنده غير أمين ـ طرقاً احتيالية للحصول على إقرار منه بالوديعة.

العنصر الثالث
أن تكون الحيلة مؤثرة أي أن تبلغ من الجسامة حداً يعتبر دافعاً للمتعاقد على التعاقد. وجسامة الحيلة يرجع فيها إلى معيار ذاتي لأنها تتوقف على حالة المدلس عليه، إذ من الناس من يصعب خداعه، ومنهم من يسهل غشه. ويلاحظ أنه إذا تم العقد بين أكثر من شخصين كعقد شركة مثلاً، وكان موضوعه غير قابل للانقسام فانه يمتنع على العاقد المدّلس عليه طلب، أبطال العقد، متى كان باقي المتعاقدين بمعزل عن هذا التدليس، ولا يستطيعون العلم به، ويقتصر حقه والحالة هذه على طلب التعويض ممن صدر منه التدليس.

ج. الإكراه
الإكراه هو ضغط، يتعرض له أحد المتعاقدين، يولّد في نفسه رهبة، تدفعه إلى التعاقد.
والإكراه المبطل للرضا لا يتحقق إلاّ بالتهديد المفزع في النفس أو المال أو باستعمال وسائل ضغط أخرى لا قِبَل للمكره باحتمالها أو التخلص منها ويكون من نتائج ذلك خوف شديد يحمل المكره على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختياراً.
وهذا هو الإكراه المفسد للرضا وهو يختلف عن الاكراه المعدم للرضا والذي يترتب عليه بطلان العقد بطلاناً أصلياً، كما لو أمسك المكرِه بيد المكرَه والقلم فيها للتوقيع على العقد حيث لا يمكن القول حينئذٍ بوجود الإرادة بعكس الإكراه المفسد للرضا فالإرادة موجودة وإن لم تكن مختارة. وإذا صدر الإكراه من غير المتعاقدين فليس للمتعاقد المكره أن يطلب إبطال العقد ما لم يثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان من المفروض حتماً أن يعلم بهذا الإكراه. والإكراه يكون مشروعاً أو غير مشروع بحسب الغرض منه. فإذا كان الغرض من الإكراه مشروعاً فانه لا يفسد العقد سواء كانت وسيلة الإكراه مشروعة أو غير مشروعة. كل هذا بشرط ألاّ تصل الوسيلة غير المشروعة على درجة الجريمة المعاقب عليها.

د. الاستغلال
قد ينظر إليه من الناحية المادية فيسمى غبناً، وقد ينظر إليه من الناحية النفسية فيسمى استغلالاً.
فإذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد الآخر، وتبيّن أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلاّ لأن المتعاقد الآخر قد استغل فيه طيشاً بيناً أو هوى جامحاً، جاز للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد.
وعدم التعادل يكون عادة في العقود المحددة، إلا أنه أيضاً قد يكون كذلك في العقود الاحتمالية إذا كان احتمال الخسارة في جانب أحد الطرفين يرجح كثيراً على احتمال الربح. وذلك متى اجتمع في العقد الاحتمالي معنى الإفراط ومعنى استغلال العاقد. كما في بيع عقار مقابل إيراد مرتب لمدى حياه البائع، إذا كان احتمال وفاة البائع قريبة الحدوث بسبب كبر السن وضعف الصحة وتفاقم العلة.

والاستغلال كما يقع في عقود المعاوضات سواء أكانت محددة أم احتمالية، قد يقع كذلك في أعمال التبرعات سواء أكانت عقوداً كالهبة أم أعمال قانونية صادرة من جانب واحد كالوصية. ويقصد بالطيش البيّن: هو عدم البصر بالأمور وقلة المبالاة بعواقب الأعمال أو هو الاهتمام بالمنافع الحالة وإغفال المضار المستقبلية وعلى هذا فهو مرض يصيب الأشخاص الطبيعية دون الأشخاص المعنوية. والهوى الجامح: هو رغبة شديدة تقوم في نفس الشخص ولو لم يكن معروفاً بالطيش، تفقده دون أن يدري سلامة الحكم على أعمال معينة هي موضوع هذه الرغبة. وأيما كان نوع النقص الذي يعاني منه المغبون فإنه يجب أن يكون معلوماً من الطرف الآخر، وأن يقصد استغلاله لصالحه.

وجزاء الاستغلال يتمثل في أحد أمرين هما: القابلية للإبطال أو إنقاص التزامات المتعاقد المغبون.
وللاستغلال عنصران:
1. العنصر المادي: وهو عدم التعادل، أو انعدام المقابل في العقد، ولا بد أن يكون هذا الغبن فاحشاً.
2. العنصر النفسي: وهو وجود ضعف معيّن لدى المتعاقد المغبون، واستغلال المتعاقد الآخر هذا الضعف. ويمكن إثبات الاستغلال في العقود بجميع وسائل الإثبات.

ثانياً: المحل

وهو الركن الثاني من أركان العقد.
محل الالتزام ومحل العقد
أ. محل الالتزام
محل الالتزام هو ما يتعهد به المدين، والمدين يلتزم إما بإعطاء شيء كنقل الملكية للشيء المبيع، أو ترتيب حق عيني على شيء كالرهن، وأما القيام بعمل كالتزام مقاول ببناء منزل، أو الامتناع عن عمل كالتزام بائع المتجر بالامتناع عن مزاولة نفس التجارة في الجهة الكائن فيها المتجر المبيع.
ب. ومحل العقد
هو العملية القانونية، التي يراد تحقيقها من طريق التراضي. وهذه العملية القانونية، تتحقق من طريق جملة الالتزامات الناشئة عن العقد.
ومحل العقد يتنوع بحسب الغايات المتعددة، التي يريد المتعاقدون تحقيقها.
ويشترط في محل العقد، ألا يكون مخالفاً للنظام العام أو للآداب.
ويجب أن يستوفي محل الالتزام، إذا كان شيئاً، الشروط الآتية:
* أن يكون الشيء موجوداً، أو قابلاً للوجود.
* أن يكون داخلاً في التعامل.
* أن يكون معيّناً أو قابلاً للتعيين.
ويجب في محل الالتزام، إذا كان أداء عمل، أو الامتناع عن عمل:
* أن يكون ممكناً.
* أن يكون مشروعاً.
* أن يكون عملاً شخصياً من جانب المدين.

ثالثاً: السبب

وهو الركن الثالث من أركان العقد.
والسبب في العقد، هو الغرض الذي يقصد المتعاقد إلى تحقيقه، أو هو الباعث، الذي حمل المتعاقد على إبرام العقد. والبواعث التي تحمل الإنسان على إبرام عقد ما، هي بواعث متعددة، ومتنوعة، ومختلفة من عقد إلى أخر، ومن متعاقد إلى آخر. فإذا سألت لماذا اشترى فلان هذا المنزل؟ كانت الإجابة لأنه يريد أن يسكنه، أو يريد استغلاله فندقاً، أو يؤجره … وهكذا. وسبب العقد، أي سبب العملية القانونية، التي يريد العاقد تحقيقها، هو ما يُعرف بالباعث أو الدافع الفردي، أو الباعث الذاتي. ويجب أن يكون سبب العقد مشروعاً، أي لا يكون مخالفاً للنظام العام أو للآداب، أما السبب في الالتزام: فهو ما يحمل الشخص على الالتزام، وهو واحد في كل نوع من أنواع العقود، ففي البيع مثلاً سبب التزام المشتري بدفع الثمن هو التزام البائع بتسليم المبيع إليه، وسبب التزام البائع بتسليم المبيع إلى المشتري هو التزام هذا الأخير بدفع الثمن إليه. أيّ أنه في كافة عقود البيع سبب التزام المشتري أو سبب التزام البائع واحد لا يتغير. والسبب في هذا المعنى يشترط فيه شرطاً واحداً وهو أن يكون موجوداً.
وإذا لم يكن للالتزام سبب أو كان سببه مخالفاً للنظام العام أو للآداب، كان العقد باطلاً.