هل تسقط نفقة الزوجة عند طلبها التفريق أمام القضاء ؟
القاضي سالم روضان الموسوي

إن المرأة تصبح زوجة منذ لحظة إتمام عقد الزواج وتترتب التزامات وحقوق على طرفي العقد منذ لحظة تمامه وعلى وفق ما ورد في حكم المادة (3) من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل التي جاء فيها الآتي (الزواج عقد بين رجل وإمرأة تحل له شرعا غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل .

2 – إذا تحقق إنعقاد الزوجية لزم الطرفين أحكامها المترتبة عليه حين انعقاده ) ومن حقوق الزوجة تجاه الزوج حقها في النفقة ووجوب إلزامه بأدائها على وفق حكم المادة (23/1) من قانون الأحوال الشخصية حيث ورد فيها الآتي (تجب النفقة للزوجة على الزوج من حين العقد الصحيح ولو كانت مقيمة في بيت أهلها إلا إذا طالبها الزوج بالإنتقال إلى بيته فامتنعت بغير حق)، وبذلك أصبح مصدر هذا الحق القانون مثلما أصبح من الحقوق المكتسبة التي لا يجوز إسقاطها إلا إذا توفرت الأسباب القانونية والتي رسمها قانون الأحوال الشخصية، كما أعطى القانون حقوق أخرى للزوجة منها الحق في طلب التفريق القضائي على وفق أحكام المواد (40، 41، 42، 43) من قانون الأحوال الشخصية النافذ وللزوجة ممارسة هذه الحقوق طالما توجد إجازة ورخصة ولا يوجد أي نص في الأحكام القانونية يمنع الزوجة من ممارسة حقوقها سويةً أو بالتزامن بينهم وان تطلب من القضاء تمكينها من حقوقها في آن واحد، حيث لم يرد في حكم القانون أن تكون هناك تراتبية بين الحقوق الممنوحة للزوجة ، وهذا يقودنا إلى أن للزوجة أن تطلب النفقة متى امتنع الزوج عن الإنفاق وأيضا لها أن تطلب التفريق إذا توفر سبب من أسباب التفريق القضائي وممارسة أي حق من هذه الحقوق لا يكون سبباً لمنعها من طلب حقوقها الأخرى لان منع الزوجة من ممارسة أي من تلك الحقوق بمثابة إسقاط لهذه الحقوق ولا يجوز ذلك إلا إذا وجد مانع قانوني مثل الذي ورد في حكم المادة (25) أحوال شخصية أو بموجب حكم قضائي، فضلا عن ذلك ان النفقة التي لم يدفعها الزوج للزوجة تكون دين بذمته لا يعفى منه على وفق حكم المادة (24/1) أحوال شخصية التي جاء فيها الآتي (تعتبر نفقة الزوجة غير الناشز دينا في ذمة زوجها عن مدة لا تزيد على سنة واحدة من وقت امتناعه عن الاتفاق عليها) ، وهذا العرض يوضح لنا إن الاتجاه القضائي السائد الآن بحرمان الزوجة من حقها في النفقة تجاه الزوج لمجرد إقامة دعوى التفريق هو اتجاه لا يستقيم وصحيح الرأي للأسباب التي اعتقد بها والتي سأعرضها على وفق الآتي :-
1. إن تعليل منع النفقة وقطعها عن الزوجة لان مجرد إقامة دعوى نفقة يمثل إعلان عن عدم رغبتها في مطاوعة الزوج وانه امتناع غير مشروع ، فهو تعليل في غير محله لأن الإفصاح عن الرغبة يكون بقولٍ صريح وبعد أن يوفر الزوج كامل مستلزمات الدار التي يجب أن تكون محلا للسكن بينهم . وبذلك فان إقامة الدعوى بطلب التفريق لا تعد إفصاحاً عن عدم الرغبة وإنما الدعوى محددة بطلباتها وهي طلب التفريق وليس من بينها الامتناع وهذا افتراض لا محل له وتحميل الزوجة ما لم تصرح به .

2. إن القانون فرض على الزوج الالتزام بالإنفاق على الزوجة من تاريخ عقد الزواج حتى وان لم يحصل الدخول وحتى وان كانت في دار أهلها وهذا من الآثار الملزمة للزوج والناشئة عن تمام عقد الزواج وينقلب هذا الإلزام من طبيعته العقدية إلى مصدره القانوني لأنه يصبح ملزما بحكم القانون والعقد هو من يحدد تاريخ سريان هذا الإلزام وطالما عقد الزواج قائم ولم يبطل بحكم قضائي فأنه يبقى سارياً وشرعياً على وفق حكم المادة (39/2) أحوال شخصية التي جاء فيها الآتي (تبقى حجة الزواج معتبر إلى حين إبطالها من المحكمة) . وبما ان مصدر الحق قائم فان للزوجة حق المطالبة ولا يحول دون مطالبتها بالنفقة ممارسة حقها في طلب حقوقها الأخرى مثل طلب التفريق القضائي .

3. إن منع الزوجة من حقها في النفقة بمثابة إسقاط لذلك الحق الثابت بحكم القانون وان إسقاط هذا الحق رسم له قانون الأحوال الشخصية عدة وسائل منها ما ذكر في حكم المادة (25) أحوال شخصية التي ذكرت الحالات التي لا تستحق فيها الزوجة النفقة وإنها وردت على سبيل الحصر وعلى وفق الآتي (1 – لا نفقة للزوجة في الأحوال الآتية : – أ – اذا تركت بيت زوجها بلا اذن، وبغير وجه شرعي . ب – اذا حبست عن جريمة او دين . ج – اذا امتنعت عن السفر مع زوجها بدون عذر شرعي) وفي بعض تطبيقات قضاء محكمة التمييز الاتحادية إن الزوجة حتى وان صدر بحقها قرار بالمطاوعة وامتنعت وأعلنت ذلك بشكل صريح فانه لا يكفي لإسقاط النفقة وإنما للزوج إقامة الدعوى لقطع وإسقاط النفقة وعلى وفق ما جاء في قرارها العدد 288/هيئة الأحوال الشخصية/2006 في 29/2/2006 الذي جاء فيه الآتي (لدى التدقيق والمداولة وجد أن اللائحة التمييزية مقدمة ضمن المدة القانونية قرر قبولها شكلاً ولدى عطف النظر على القرار المميز وجد انه صحيح وموافق للقانون لان قرار الحكم بالمطاوعة لا يسقط النفقة السابقة ولا يوقف النفقة المستمرة ويقتضي لوقف هذه النفقة إقامة المدين دعوى أمام محكمة الأحوال الشخصية لقطع النفقة المذكورة . عليه قرر تصديق القرار المميز ورد اللائحة التمييزية وتحميل المميز رسم التمييز وصدر القرار بالاتفاق في 6/شوال/1427هـ الموافق 29/10/2006 م).

4. أحيانا يكون طلب التفريق القضائي بسبب امتناع الزوج عن الإنفاق وعلى وفق حكم الفقرات (7 ، 8، 9) من البند اولاً من المادة (43) أحوال شخصية فكيف تحرم الزوجة من النفقة لمجرد إقامتها طلب التفريق بسبب فعل الزوج بالامتناع عن الإنفاق بل على العكس من ذلك اعتبرت محكمة التمييز الاتحادية إن طلب النفقة هو إفصاح عن رغبة الزوجة في مطاوعة الزوج وعلى وفق ما جاء في القرار العدد 3219/ هيئة الأحوال الشخصية/2008 في 22/8/2008 الذي ورد فيه الآتي (لدى التدقيق والمداولة وجد ان الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية قرر قبوله شكلاً ولدى عطف النظر على الحكم المميز وجد انه غير صحيح ومخالف لأحكام الشرع والقانون فيما يتعلق بالنفقة المستمرة للمميزة/المدعية ذلك لان خروج الزوجة من بيت الزوجية دون عذر مشروع وان كان يحرمها النفقة الماضية الا ان لها الحق للمطالبة بالنفقة المستمرة اذ ان اقامة دعوى المطالبة بالنفقة هو افصاح من الزوجة انها مستعدة للمطاوعة مما كان الواجب السير بالدعوى على هذا الاساس واصدار الحكم حول ذلك في حال عدم تهيئة البيت الشرعي من المميز عليه/المدعى عليه. لذا قرر نقضه واعادة الاضبارة الى محكمتها للسير بها وفق ما تقدم على ان يبقى رسم التمييز للنتيجة مع التبيه ان تصحيح تاريخ سريان النفقة في الفقرة الحكمية لا يخضع لاجراءات تصحيح الخطأ المادي اذ ان ذلك يعتبر خطأ موضوعياً ان حصل وصدر القرار بالاتفاق 22/شوال/1429 هـ الموافق 22/10/2008م)

5. ان للزوجة نفقة ماضية ومستمرة فهل يسري المنع على النفقة التي سبقت إقامة دعوى التفريق القضائي لان الامتناع المفترض والمزعوم يكون من تاريخ ظهوره إلى العلن في وقت إقامة الدعوى ولا يسري على ما سبق حيث إن القانون لا يحاسب على النوايا المفترضة بينما الاتجاه السائد هو المنع المطلق لما سبق وما تقدم .

6. ما هو حال الحكم الذي قضى برد دعوى النفقة بسبب إقامة الزوجة دعوى التفريق واكتسب درجة البتات ثم حصل رد لدعوى المدعية بطلب التفريق فهل يجوز للزوجة إقامة الدعوى مجدداً وهل يعد صدور الحكم السابق مانع من نظر الدعوى الجديدة لأنه يتقاطع مع حجية الأحكام وسبق الفصل في الدعوى على وفق حكم المادتين (105، 106) من قانون الإثبات رقم 107 لسنة 1979 المعدل .

7. ماذا لو أقامت الزوجة دعوى طلب النفقة وصدر لها حكم وتم تنفيذه ثم أقيمت دعوى التفريق لاحقاً فهل تنقطع النفقة تلقائياً أم يجوز للزوج إقامة دعوى قطع النفقة، لان قضاء محاكم الاستئناف بصفتها التمييزية المتعلقة بقرارات المنفذ العدل قضى بان صدور الحكم بالتفريق القضائي لا يكفي لوحده إسقاط النفقة وإنما لابد من إقامة دعوى بذلك مستقلة وعلى وفق ما جاء في قرار لمحكمة استئناف ذي قار بصفتها التمييزية العدد 218/2010 في 15/9/2010 الذي جاء فيه الآتي (لدى التدقيق والمداولة وجد ان الطعن التمييزي واقعاً ضمن المدة القانونية قرر قبوله شكلاً ولدى عطف النظر على القرار المميز وجد انه صحيح وموافق للقانون للاسباب التي استند إليها ذلك ان إعلام الحكم المنفذ في الاضبارة التنفيذية يبقى قائما ومعتبراً وان ابراز حكم التفريق القضائي لايكفي لوحده لاسقاط النفقة وانما ينبغي على المدين في هذه الحالة ان يراجع المحكمة المختصة ويستحصل على حكم باسقاط نفقة الزوجة (الدائنة) لذا قرر تصديقه ورد اللائحة التمييزية وتحميل المميز رسم التمييز وصدر القرار بالاتفاق في 6/شوال/1431 هـ الموافق 15/9/2010 م )

8. ماذا لو كان الزوج غير مستعد لإعداد دار الزوجية وردت دعواه بالمطاوعة أصلاً لعدم إعداد دار الزوجية ثم أقامت الزوجة الدعوى بسبب من الأسباب التي ذكرها القانون لطلب التفريق هل تعتبر ممتنعة مع إن الزوج لم يهيئ الدار الزوجية .

لذلك أرى إن هذا الاتجاه القضائي لا يستقيم وصحيح المنطق القضائي وبحاجة إلى إعادة نظر لأنه يخالف نصوص قانونية نافذة واستقرار قضائي لدى محكمة التمييز الاتحادية التي تعد اعلى محكمة في العراق وفي حال العدول عن احد مبادئها لابد و أن يكون بقرار من الهيئة العامة للمحكمة وعلى وفق حكم المادة (13/اولاً) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل حول اختصاصات الهيئة العامة التي جاء فيها الآتي (1 – ما يحال عليها من إحدى الهيئات إذا رأت العدول عن مبدأ قررته أحكام سابقة.) فضلاً عن تقاطعه مع مبادئ دستورية منها حق الفرد بممارسة حقوقه التي اقرها القانون عبر التقاضي أمام القضاء الذي كفله الدستور وعلى وفق حكم في المادة (19/3) من الدستور النافذ .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت