المرأة الكويتية بين دستور البلاد والقوانين المعمول بها

إعداد: المستشار محمود سالم

سوف نتحدّث في البداية عن تفاعل قضية المرأة على المستوى العالمي، حيث دار الحوار المتجاذب والمتصادم حول دور المرأة منذ مطلع القرن الماضي، وحق المرأة وجدارة المرأة ومصير المرأة، وأصبحت القضية تحتل اهتمامًا عالميًا وعلى مستوى المنظمات الدولية، حيث نرى أن الجمعية العمومية للأمم المتحدة- وهي منبر هام من منابر الرأي العام العالمي- تعلن في 17/11/1967م عن ضرورة القضاء على التمييز ضد المرأة، حيث كان التمييز ضد المرأة في العمل والتعليم والأجر والدور الاجتماعي مثار اهتمام عالمي.

وجاء في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة ما يلي:

«نحن شعوب الأمم المتحدة، وقد آلينا على أنفسنا أن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان، وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق» فها هو أعظم ميثاق دولي يقرّر صراحة مساواة الرجال والنساء في الحقوق، ولم يقف المجتمع الدولي عند هذا الحدّ بالنسبة لهذه المسألة، فقد نصّت المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة سنة 1948م على أنه: «لكل إنسان حق التمتّع بكافة الحقوق والحرّيات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز من حيث الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو البلاد أو أي وضع آخر دون أي تفرقة بين الرجال والنساء»، كما اعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة التمييز بينها وبين الرجل بمثابة إجحاف يرقى إلى مستوى الجريمة المخلّة بالكرامة الإنسانية.

كما نودّ أن نشير إلى الاتفاقية الخاصّة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والتي اعتمدت من الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1979م، وتعدّ هذه الاتفاقية هي الوثيقة الأساسية التي تتضمّن حقوق المرأة، وكذلك الإجراءات العملية التي يجب أن تتخذها الدول للقضاء على التمييز ضد المرأة في مختلف مناحي الحياة في المجتمع، وقد دخلت هذه الاتفاقية حيّز النفاذ في 3 ديسمبر 1981م، وبلغ عدد الدول التي صادقت عليها أو انضمت إليها حوالي 120 دولة، بالإضافة إلى عدد آخر من الدول قام بالتوقيع عليها، وتتكوّن الاتفاقية من ستة أجزاء تضمّ 30 مادة، بالإضافة إلى الديباجة، وقد تطرّقت هذه الديباجة إلى مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، واشتملت على الحقوق التي يجب أن تعطى للمرأة، والتدابير التي يجب اتخاذها من قِبل الدول للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة للبلد، ولمساواتها أمام القانون مع الرجل.

الدستور الكويتي

الأمر الجدير بالذكر أن الدستور الكويتي قد نصّ في المواد التالية على ما يلي:

أ‌) المادة (29) من الباب الثالث: الحقوق والواجبات العامة: (الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين).

ب‌) المادة (30): (الحرية الشخصية مكفولة).

ج‌) المادة (41): (لكل كويتي الحق في العمل واختيار نوعه، والعمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة ويستوجب الخير العام، وتقوم الدولة على توفيره للمواطنين وعلى عدالة شروطه).

ويتضح لنا ممّا تقدّم أن مواد الدستور الكويتي قد كفلت للمرأة مجموعة من الحقوق باعتبارها شريكاً فاعلا في بناء المجتمع.

القانون الكويتي

لقد أوضح تشريع العمل في الكويت موقفه من المرأة العاملة بصورة لا لبس فيها ولا إبهام، حيث نصّ قانون الخدمة المدنية أن الوظائف العامّة هي خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العامّة) ويلاحظ أن النصّ عام يشمل الرجل والمرأة.

كما أشار قانون العمل الجديد في القطاع الأهلي 6 لسنة 2010م أن العامل: (هو كل ذكر أو أنثى يؤدّي عملا يدويًا أو ذهنيًا لمصلحة صاحب العمل وتحت إدارته وإشرافه مقابل أجر).

وبذلك نرى أنه تسري على النساء العاملات- دون تفرقة أو تمييز- جميع الأحكام المنظمة لتشغيل العمال من الذكور، فلا فروق في شروط العمل ولا في ظروف العمل أو في التمتّع ببقية الحقوق، بل إن قانون العمل الجديد قد أفرد بابًا خاصًا في تشغيل النساء ووفّر لهم حماية خاصّة، حيث جاء في الفصل الرابع في المواد من (22) وحتى (26) القواعد والأحكام التي تتعلق بتشغيل النساء.

وسوف نتطرّق لتلك القواعد والأحكام بشيء من التفصيل:

<أولا: مساواة أجر المرأة لأجر الرجل:

وتطبيقاً للاتفاقيات الدولية التي نصّت على أن للمرأة الحق في العمل، شأنها شأن الرجل، وأنه مادامت تخضع لجميع أحكام تشريعات العمل التي يخضع لها الرجل فإنه من العدل مساواتها معه في الأجر إذا كانت تقوم بنفس العمل.

وقد أخذ تشريع العمل بهذا المبدأ، حيث نصّت المادة (26) من قانون 6 لسنة 2010م على أنه: (تستحق المرأة العاملة الأجر المماثل لأجر الرجل إذا كانت تقوم بنفس العمل).

< ثانيًا: حظر تشغيل النساء ليلا:

اهتم المشرّع بتهيئة ظروف مناسبة لتشغيل النساء، فحرّم تشغيلهن ليلا، حماية لهن من الأضرار الاجتماعية والصحية التي تترتب على قضاء الليل خارج المنزل، واستثنى بعض الأعمال التي تقتضي طبيعة عملها وجود المرأة ليلا كدور العلاج وغيرها، ونصّ على ذلك المشرّع في المادة (22) على أنه: (لا يجوز تشغيل النساء ليلا في الفترة من العاشرة مساءً والسابعة صباحًا، ويستثنى من ذلك المستشفيات والمصحّات ودور العلاج الأهلية والمؤسّسات التي يصدر بها قرار من وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، على أن تلتزم جهة العمل في جميع الحالات المشار إليها في هذه المادة بتوفير متطلبات الأمن لهن، مع توفير وسائل الاتصال من جهة العمل وإليه).

< ثالثاً: حظر تشغيل المرأة في الأعمال الخطرة أو الشاقة أو الضارّة:

كما يحظر تشغيلهن في الأعمال الضارّة بالأخلاق أو التي تقوم على استغلال أنوثتها بما لا يتفق مع الآداب العامّة، وكذلك يحظر تشغيلهن في الجهات التي تقدّم خدماتها للرجال فقط (مادة 23).

< رابعًا: حماية الأم العاملة:

نصّت المادة (24) من قانون العمل 6 لسنة 2010م على أنه (تستحق المرأة العاملة الحامل أجازة مدفوعة الأجر لا تحسب من أجازاتها الأخرى لمدة سبعين يومًا للوضع، بشرط أن يتمّ الوضع خلالها، ولا يجوز لصاحب العمل إنهاء خدمة العاملة أثناء تمتّعها بتلك الأجازة، أو بسبب انقطاعها عن العمل لسبب مرضي يثبت بشهادة طبية أنه نتيجة للحمل أو الوضع».

< خامسًا: منح المرأة العاملة ساعتين للرضاعة:

نصّت المادة (25) على أنه: (يجب منح المرأة العاملة ساعتين للرضاعة أثناء العمل، وفقاً للشروط والأوضاع التي يحدّدها قرار الوزارة، ويجب على صاحب العمل إنشاء دور حضانة للأطفال أقلّ من 4 سنوات في مراكز العمل التي يزيد عدد العاملات فيها على 50 عاملة أو يتجاوز عدد العاملين بها 200 عامل).

وممّا تقدّم يتضح لنا- وبما لا يدع مجالا للشك- أن التشريعات بدولة الكويت قد أنصفت المرأة بشكل كبير، وكانت متفقة في ذلك مع الاتفاقيات الدولية في هذا الشأن.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت