بسم الله الرحمن الرحيم

حبس المدين النظر والتطبيق
ثارت في الآونة الأخيرة في وسائط الإعلام المختلفة ووسائل الإعلام المقروء مسألة حبس المدينين المعسرين ومدى صحة هذا الحبس قانونا ودور الدولة في الإفراج عن المعسرين، وهل هذا الإفراج حل للمسألة أم أنه دلالة على عدم التناغم بين الأجهزة المختلفة في الدولة عبر سلطاتها الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية؟

في محاولة للإسهام في هذا الأمر ومن المنطلق الأكاديمي والخبرة القضائية أتناول هذا الموضوع بالدراسة.

أبدأ الأمر بتأصيل حبس المدين وفقا للشريعة الإسلامية ، ثم أورد النصوص القانونية السودانية و المقابلة لها من قوانين أخرى للوقوف على مدى التطابق أو التباين بينها لتحديد مدى صحة التطبيق العملي، الذى أدى الى تفشي ظاهرة لدرجة أن يضج بها المجتمع.

من حيث الشريعة الإسلامية:
قبل أن نبين موقف الشريعة الاسلامية من حبس المدين تعين أن نقف عند المدلول اللغوي للدين. فنجده في لسان العرب الدين هو الذي يبع بدينه. فيقال أدان واستدان. أدان أي استقرض وأخذ بدين ، ويقال تداينوا باعوا بالدين. ويقال استدانوا أي استقرضوا.

والمدين في الاصطلاح هو من شغلت ذمته بمال الغير، وسواء كان السبب فيه قرضا أو معاوضة أو اتلافا أو غير ذلك من موجبات ثبوت الدين في الذمة.

وليكون الدين مما يحبس فيه لابد أن يكون دينا ثابتا سواء بإقرار أو بينة وإلا فالحق غير ثابت ولا يعد عدم الوفاء به مع القدرة مطل وظلم.

ولابد أن يكون الدين حالا و الا لا يعد عدم دفع دين لعدم حلول أجله مطلا و ظلما يوجب الحبس رفعا له. ويكون طلب الدائن حبس المدين سابق لأوانه.

وليس للدين الذي يحبس فيه مقدار معين فمن الجائز الحبس في القليل والكثير، وهذا باتفاق فقهاء الإسلام.

ولابد أن يطلب الدائن أو من يمثله حبس المدين لاقتضاء دينه.لأن الحق حقه وينفذ لطلبه.

وعدم الطلب يعني التراخي في التنفيذ وطوعا لا جبرا. والطلب هو الذي يجعله واجبا على الفور.

ولابد أن يكون المدين مكلفا فلا يجوز حبس الصغير و لا المجنون لأنهما غير مكلفين ولا يعد فعلهما جناية يوجب المعاقبة والحبس هنا معاقبة كما أن حبسهما لا يحقق الهدف منه وهو التضييق على المدين ليفي بدينه فلا الصغير يطيقه ولا المجنون يدركه. وإنما يقوم مقامهما وليهما.

و ألا يكون المدين أحد أصول الدائن فلا يجوز حبس الوالدين بدين الولد وإن سفل لأن هذا يتنافى مع الإحسان إليهما ومصاحبتهما بالمعروف.

وأهم الشروط أن يتحقق مطل المدين لأنه أساس الحبس وسببه. والمطل يعني الامتناع عن الوفاء مع القدرة عليه وبه يتحقق الظلم الذي يوجب الشكاية والعقوبة.

فلا أساس لأخذ المدين بالشدة إلا إذا كان موسرا رافضا سداد ما عليه رافضا لرد الحق دون سبب مقبول، وطبيعي أن تكون عدم الاستطاعة تعني عدم المساءلة. ولأن الله تعالى أمر بنظرة الى ميسرة في قوله جل وعلا( وإن كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة) وقطعا حبسه ينافي النظرة الى ميسرة. فالمماطلة المقصودة التي تصدر من مدين قادر على أداء دينه قاصدا إلحاق الظلم بالدائن والظالم لابد أن يحبس ليرجع عن ظلمه.

أيا ما كان فإن حبس المدين ليس أمرا مجمعا عليه في الفقه الإسلامي فمن فقهاء الاسلام من قال بعدم جوازه عسرا أو يسرا كما قال بعض الحنابلة أن الحبس على الدين من الأمور المحدثة وأول من حبس على الدين شريح القاضي ومضت السنة في عهد الرسول صل الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعلى رضي الله عنهم أنه لا يحبس في الديون.

وقد نسب الى أبي هريره قوله لا أعرف أنه يجوز على أحد من المسلمين. غير أن جمهور الفقهاء من المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة قالوا به. بما فهموه من النفي في عقوبة المحارب(الاية 32 من المائدة ومن آية الربا (فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم) في الاية 279 من البقرة ومما فهموه مما ورد عن الرسول صل الله عليه وسلم(مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته) و(لي الواجد ظلم) وقد ورد في الحديثين المطل واللي بمعنى الامتناع عن الوفاء بغير عذر مما يعطي الدائن الحق في شكايته للقضاء طالبا حبسه.

من سياق ما تقدم يتضح أن حال المدين إما أنه قادر مماطل أو أنه غير قادر وليس مماطل أو مدين لا يعرف حاله هل هو قادر مماطل أم غير مستطيع سداد دينه، لذلك تنوع الحبس في الفقه الإسلامي الى:
حبس تلوم واختبار: ويتخذ بحق من جهل حاله فلم يعرف أموسر هو أم معسر وهذا يحبس بقدر ما يكشف حاله ومقدرته المالية باعتبار ان الغالب الملاءة ما لم يثبت العكس.

وهذا ما أخذ به الفقه المالكي فأجاز حبس المدين المجهول الحال حتى يتبين ما هو عليه حقيقة من غنى أو فقر. وهذا بخلاف ما أخذ به الأحناف فقد تمسكوا بضرورة قيام قرينة واضحة تدل على أنه قادر على الوفاء مماطل.

وقد ورد الخلاف حتى في حال من جهل حاله فيما إذا كان له مال قبل إعساره أم لا ، فإن عرف له مال يحبس حتى يثبت إعساره وإن لم يعرف له مال حلف ألا مال له ويخلى سبيله. وهذا قول الشافعية

وعند الحنابلة الأمر يختلف فيما إذا ادعى العسرة وقد عرف له مالا سابق يغلب بقاؤه أو أقر بملاءته وكان دينه عن عوض فإنه يحبس إن لم تقم بينة تخبر عن واقع حاله وإلا فيحلف ويخل سبيله.

أما الحنفية ففي قول لهم إن كان قرض أو ثمن مبيع أو بدل كمهر يحبس إذا طلب دائنه ولكن إن كان مقابل عوض كبدل متلفات مثلا فلا يحبس.
حبس التضييق والتكيل:

يكون في حال المدين ميسور الحال ،معلوم المقدرة على الوفاء، يدعي عدم الاستطاعة وهو كاذب، وقد تبين أنه قادر على الوفاء بالدين المترتب بذمته. وقد يطلق عليه حبس الإكراه أو الحبس الإكراهي لأنه يهدف الى حمل المدين القادر حملا على الوفاء بدينه.

وهو جائز في كل الديون أيا كان منشؤها. باعتبار أنه مطل بغير حق وفقا للفقه الإسلامي كما مر.

فالمطل الذي لا يحبس فيه المدين هو مطل المدين الذي لا يقدر على الوفاء بدين، والواجب إمهاله حتي يجد، و لا تحل مطالبته ولا مساءلته، عملا بقوله تعالى (فنظرة الى ميسرة) كما ورد من قبل. بل أكثر من ذلك فإنه من المندوب للدائن أن يعفو عنه تصدقا عليه عملا بقول الحق تبارك وتعالى( وأن تصدقوا خيرا لكم.)

وغني عن القول أن الاعسار أقل قدرا من العدم أي من لايملك قليلا ولا كثيرا. فلا مال لديه ولا ما يمكنه بيعه ليؤدي من ثمنه.

فالمعسر يملك لكن ما يملك غير كاف لقوته وعياله ويزيد لسداد الدين. فليس كل معسر معدما لكن قطعا كل معدم معسر ويجب إنظاره لعجزه المطلق عن الوفاء بدينه.ويكون تكليفه تكليف فوق طاقته.

أما المعسر ففيه الحديث (من أنظر معسرا أظله الله بظله) والمعسر في الحديث هو من يجد ما يعطي ولكنه يتضرر به أما المطل بالباطل فهو المحرم شرعا والمعدود من كبائر الذنوب وموجب للعقوبة

حبس التعزير والتأديب: وهذا للمدين المماطل المتهم بإخفاء ماله بلا تحقق على وجه أكيد من ذلك، ويحبس حتى يقوم بالوفاء أو يثبت فقره، فبينما الحبس للماطل الظالم لقاء مطله وظلمه، وهنا لإجباره على إظهار ماله أو بينة على إعساره، بمعنى أنه ما نسميه الآن بالمنتظر أثناء التحري. فليس الحبس هنا على ظلمه الذي ثبت بل لبيان حاله، والتعذير لقيام الشبهة في إخفاء ماله بقرينة أو نحوها.

وفي كل الأحوال فالحبس غير مراد في ذاته بمعنى أنه ليس عقوبة ولكنه إكراها يزول بزوال سببه إن أظهر ماله أو أوفى بما عليه أو ثبت إعساره يخلى سبيله دون شرط آخر.

هذا ما كان من أمر التأصيل .أما من حيث القانون فالبدء بقانون السودان ثم نعرج لإيراد بعض من قوانين أخرى على سبيل المقارنة للوقوف على جلية الأمر من حيث الخطأ والصواب والتطبيق عن بصر وبصيرة.

ولتكن البداية وفقا للتطور التشريعي لحبس المدين تنفيذا لحكم في القانون السوداني.

و لا بأس أن نبدأ من قانون القضاء المدني 1925 وقد وردت فيه المادة 198 التي تنص بلغة النص على:
1- here a decree for the payment of money remains wholly or in part unsatisfied the court may upon the application of the decree holder summon the judgment debtor to be examined as to his ability to pay

2- .The court may for sufficient reason instead
Issuing a summons issue a warrant for the arrest of the judgment debtor.

(2)If it appears to the court by the examination of the judgment debtor or other evidence:
That the judgment debtor has refused or neglected to pay the of the decree or some part there of when he had the means to pay or:
b-that he has knowing himself to be unable to pay his debts in full recklessly contracted debts or given an unfair preference to any of his creditors or:
c- That he has transferred concealed or removed any part of his property after the date of the institution of the suit in witch the decree was passed K or has committed after that date any other act of bad faith in relation to his property with the object or effect of obstructing or delaying the decree holder in the execution of the decree: the court may commit him to prison.

واضح أن النص لم يجعل الأمر بإيداع المدين السجن آليا ، بل بعد التحقق من مقدرته على الوفاء وسوء نيته إضرارا بدائنه. وبهذا وهذا وحده أصبح مستحقا سلب حريته إكراها له وإجبارا على الوفاء تأمينا لحق الدائن وهذا عدل يحفظ حق الدائن والمدين معا.

في القانون التالي (قانون الإجراءات المدنية 1974) جاءت المادة 243 كالآتي:

إذا لم يحصل الوفاء بكل أو جزء من الحكم الصادر بدفع مبلغ من النقود جاز للمحكمة بناء على طلب المحكوم لصالحه تكليف المحكوم ضده بالحضور لاستجوابه عن مقدرته على الوفاء، ويجوز للمحكمة للأسباب التي تراها كافية أن تصدر أمرا بالقبض على المحكوم ضده بدلا من تكليفه بالحضور.

يجوز للمحكمة أن تأمر بوضع المحكوم ضده في السجن إذا تبين لها من استجوابه أو من الأدلة الأخرى:

أ – أنه رفض أو أهمل دفع المبلغ المحكوم به أو جزء منه مع مقدرته على الوفاء
ب- أنه مع علمه بعجزه عن الوفاء بجميع ما عليه من الديون حمل نفسه بديون بطريقة تدل على عدم المبالاة أو فضل أحد دائنيه تفضيلا غير عادل.

ج- أنه نقل ملكية جزء من ماله أو أخفاه أو هربه بعد تاريخ رفع الدعوى بسوء نية قاصدا التعطيل أو أن يؤدي ذلك الى تعطيل أو تأخير المحكوم لصالحه عن تنفيذ الحكم.

واضح أن المشرع لم يخرج في هذا القانون عما سبقه، وبالتالي ظل الأمر محكوما بذات قواعده لا يحبس إلا المدين القادر المماطل أو سيئ النية. وليس المدين غير القادر على الوفاء لفقره. وإلا أصبح الفقر أو العسرة جريمة يعاقب عليها، وكأنما هو معاقب على ما قدره الله عليه من ضيق في الرزق، فأصبح يعاني مر الفقر وعدم الاستطاعة ومر السجن، و لا يخفى ما يمكن أن يجره هذا على أبرياء ليس لهم ذنب سوى نسبتهم إليه.

أما قانون الإجراءات المدنية 1983 فقد جاء نص المادة 243 على النحو التالي:

1- مع مراعاة أحكام المادة 244 ودون المساس بأية طريقة أخرى من طرق تنفيذ الاحكام متى كان الحكم متعلقا بالوفاء بدين أو يقضي بسداد مال فيجب القبض على المدين وحبسه حتى تمام الوفاء إلا إذا كانت المحكمة قد قضت بذلك عند النطق بالحكم.

2- إذا كان المدين شخصا اعتباريا تحبس المحكمة الشخص أو الأشخاص الذين يناط بهم سداد الدين أو الأمر بالوفاء به.
ثم تأتي المادة 244 لتتناول حالات اطلاق سراح المدين من الحبس و لا ضرورة للكلام عنها الآن.

ولما كان من المعلوم أن التشريع في السودان انتقل بحمد الله وتوفيقه من العلمانية الى الشريعة الإسلامية فإنه لابد من استصحاب هذا الأمر وتفسير النصوص القانونية تطبيقا وفقا لمرجعيتها من الشريعة الاسلامية ويجب ألا يكون التطبيق حرفيا وشكليا تحت أية مظلة مهما كانت,
لا يخفى على أحد أن قانون أصول الأحكام القضائية نص صراحة على أن يستصحب القاضي أن المشرع لا يقصد مخالفة الشريعة الإسلامية .

وفي هذا الصدد نضع في الاعتبار المادة السادسة من قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة 1974 والذي لا يزال ساريا في فقرتها الأولى وقد نصت على أن (تفسر نصوص أي قانون بما يحقق الغرض الذي شرع من أجله وبفضل في جميع الحالات التفسير الذي يحقق هذا الغرض على سواه.)

وقد تقدم الأصول الإسلامية المتعلقة بالحبس وأنواعه وشروطه ونهتدي بها عند التطبيق إعمالا للمرجعية الإسلامية للتشريعات السودانية ومنها قانون الإجراءات المدنية 1983 وإعمالا لها دون غيرها.

ونبدأ بنص المادة 243 وهو في تقدير البعض سند حبس المدين في القانون السوداني.

تنص المادة ونعيد إيرادها وإن أوردناها من قبل:
(مع مراعاة أحكام المادة 244 ودون المساس بأية طريقة أخرى من طرق تنفيذ الأحكام متى كان الحكم متعلقا بالوفاء أو يقضي بسداد مال فيجب القبض على المدين وحبسه حتى تمام الوفاء إلا إذا كانت المحكمة قد قضت بذلك عند النطق بالحكم.)

علينا أن نفهم هذا النص على سياقه ونفسره بما يوافق أصله في الشريعة الإسلامية طالما أن المشرع قد ارتضى أن تكون مرجعيته هي الشريعة الإسلامية ونهى القاضي عن تفسير أي نص إلا مستصحبا أن المشرع لا يقصد مخالفة الشريعة الإسلامية.

وليسأل قاضي التنفيذ نفسه وهو يطبق النص لماذا سأحبس المدين؟ ألأنه رافض السداد مع قدرته عليه؟ أم لأنه مجهول الحال لا يعلم أهو موسر أم معسر؟ فإن كانت الأولى فالحبس إكراها له ردا لظلمه ومطله فهو ظالم يجب رده عن ظلمه بحبسه إكراها له على الوفاء وهذا حكم شرعي
وإن كانت الثانية فيحبس حتى يثبت عدمه أو يقدم ضمانا. أما إن كان قد أدعى العدم وأقره غريمه أو ثبت إعساره فلا يحبس بإجماع.

على ذلك فليس الأمر آليا وبهذه الحرفية التي يتحدث بها البعض، فلا يتقرر حبس مدين مجهول الحال إلا بقدر ما يستبين حاله، وهذا يقتضي ألا يصدر أمر حبسه ثم ينسى داخل السجن أو يكون حبسه هو نهاية الإجراء، وإلا فتكون محاكمنا قد كرست الظلم بدلا من أن تقيم العدل.

وعلينا أن نقدر أن هذا حبس مؤقت تمهيدا لإجراء وهو بمثابة (المنتظر في الإجراءات الجنائية) لا يكون ولا يعد سجينا، بل هو منتظر رهن الإجراءات، وهذا شأن المحبوس لجهالة حاله.

وهذا التطبيق ليس بجديد على محاكمنا فقد طبق من قبل ولك على سبيل المثال(مصطفى بابكر موسى ضد محمد خير حسين)
صحيح أن نص المادة 243 /1974 ومن قبله المادة 198 من قانون القضاء المدني 1925 نصا صراحة على جواز إعلان المدين بطلب من الدائن لاستجوابه عن مقدرته على الوفاء وغاب هذا النص عن القانون الحالي لكن هذا لا يعني عدم تطبيقه على الأقل من باب العدالة الطبيعية لعدم وجود النص إعمالا للمادة 6 من قانون الإجراءات المدنية النافذ.

و لا يعني الأمر إطلاقا القول بأن التطبيق بغير ذلك التزاما بالنص لأن التطبيق ليس آليا إنما تطبيق عن علم وفهم وبصر وبصيرة (الفهم الفهم فيما أدلي إليك) أليس هذا بإرثنا الإسلامي؟

وهذه مناشدة لدكتور حيدر أحمد دفع الله وقد مكنه الله تعالى الآن وأصبح رئيسا للقضاء، أن يوجه المحاكم وبما لديه من مكنة إصدار المنشورات القضائية بتطبيق الشرع والفقه الإسلامي، القاضي بعدم حبس المدين المعسر،مسجلا بذلك عملا جليلا يذكره له التاريخ القضائي في السوداني ويكسب به عند الله تعالى أجرا وثوابا، يشفع له عند الله تعالى، ويزيل بها صورة شائهة، حملت وسائل الإعلام صورا مختلفة عنها ولها.

وتنزيلا لأفكاره كأكاديمي في كتابه المشار إليه ص62: 66. وليأخذ بذمام المبادرة والسعي لتطبيق مقترحه بتعديل القانون على النحو الذي أشار إليه، أيضا إعمالا للتمكين.

وعلى سبيل التطبيق المقارن نشير الى القانون الكويتي وقد اشترط في المادة 292 من قانون المرافعات، أن يكون المدين قادرا على الوفاء بحيث لايجوز حبسه إذا لم يكن قادرا على الوفاء.الى جانب شروط أخرى منها ألا يكون المدين قد تجاوز الخامسة والستين من عمره وألا يكون له أولاد لم يبلغوا الخامسة عشرة عاما أو كان زوجا متوفيا أو محبوسا لأي سبب من الأسباب وألا يكون المدين قد حبس عن ذات الدين وأوفى حبسه.

كل ذلك مراعاة لشخص المدين والتحقق من مقدرته على الوفاء وأخذا بآدمية الإنسان وأن الدين عبء على الذمة المالية للمدين لا شخصه.

وكذا القانون الفلسطيني لا يحبس إلا المدين القادر الممتنع عن الوفاء
وتنص المادة 324 من قانون الإجراءات المدنية الإماراتي على حبس المدين وقد نصت على أنه:

( لقاضي التنفيذ أن يصدر أمرا بناء على طلب يقدم من المحكوم له بحبس المدين إذا امتنع عن تنفيذ حكم نهائي أو أمر أداء نهائي رغم ثبوت قدرته على الوفاء أو خشية هربه من البلاد، و لا يعتبر المدين مقتدرا على الوفاء إذا قامت ملاءته كلية على أموال لا يجوز الحجز عليها أو بيعها.)

فلنعد بعد ذلك الى إجراءات التنفيذ وفقا للقانون لنبين كيفية اتخاذ الإجراء.

في الباي العاشر من القانون- فصله الأول- أحكام عامة بينت المادة 224 البيانات التي تشتمل عليها عريضة التنفيذ وفي الفقرة (ه) منها الطريقة المراد التنفيذ بها، وفيما يتعلق بالمال فعلى طالب التنفيذ أن يحدد المال المراد الحجز عليه ومكان وجوده واسم حائزه، وإذا كان عقارا مسجلا تبرز شهادة البحث وتبين حصة المدين فيه.

ماذا يعني هذا؟ يعني أن للمدين مال ويعلم به الدائن وقدم مستندا أو بينة بشأنه، فلا يخلو الأمر من فرض من إثنين إما أنه ثبت أن المال مال المدين وليس ما يمنع حجزه وبيعه وهنا تسير إجراءات التنفيذ وفقا لذلك وهذه واضحة و لا مشكل فيها، إما أنه لم يحدد الدائن شيئا من ذلك ولم يقدم بينة على مقدرة المدين وهنا تبرز الحاجة لبيان مقدرة المدين على الوفاء، وتتحقق المحكمة من هذه المقدرة ،

ويدلي كل من الطرفين بدلوه فيها، فإن أنكر المدين المال، وقدم الدائن بينته على أن إنكاره ليس صحيحا وتقدر المحكمة أيهما أقرب للحقيقة وتقدر مقدرة المدين من عدمه، في هذا المجال وبهذا الإجراء تستطيع محكمة التنفيذ أن تحدد مسار التنفيذ وإمكان الحبس من عدمه على ضوء مقدرة المدين على الوفاء من عدمه، وأن تقدر تحبسه مؤقتا حتى يتضح حاله أو تنتقل لمرحلة إثبات أعساره وفقا لما يتبين لها ومن بداية الإجراءات.

أو خيار تقديم الكفيل ..الخ و لا مبرر للخوض في بقية المواد لأن ما يعنينا الآن هو أمر حبس المدين ومتى يكون وكيف.

وبعد هذا ما أردت أن أسهم به قياما بواجب الأمانة العلمية والعملية والحس الوطني واهتماما بأمر المسلمين ونأمل أن نكون منهم، وما قصدت إلا الإصلاح وما تفيقي إلا بالله، فإن كان صوابا فمن الله تعالى وإن كانت الأخرى فمن نفسي والشيطان وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.