مقال قانوني حول اللجان التنفيذية السعودية وحوكمة الشركات

د. مريع سعد الهباش

ناقش الكاتب الدكتور محمد آل عباس، بشكل مميز – كعادته – بعض معوقات تطبيق الحوكمة في الشركات السعودية، في مقال مهم في “الاقتصادية” 19 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، بعنوان “عندما تصبح الحوكمة مرضا ومجلس الإدارة عائقا”، وأثارني هذا المقال لاستكمال النقاش حول أحد أهم هذه المعوقات في نظري، وهو اللجان التنفيذية.

الحوكمة تقوم على فصل السلطات الرقابية عن الإشرافية عن التنفيذية في المنظمات، ويتولى مجلس الإدارة المهمة الإشرافية، فهو مسؤول عن الإشراف على المهام التوجيهية والرقابية، لذلك اتفقت مبادئ الحوكمة وتطبيقاتها الدولية على فصل دور رئيس مجلس الإدارة عن المدير التنفيذي، لتعزيز مهام كل سلطة أو مستوى إداري، وضمان المسؤولية والمساءلة، وتقليل تركز السلطات في يد مستوى إداري أو شخص بعينه، ما يؤدي – في العادة – إلى الفسادين الإداري والمالي. في المقابل، تسعى بعض مجالس الإدارات إلى الالتفاف على هذا المبدأ من خلال إنشاء لجنة تنفيذية يترأسها – في الأغلب – رئيس مجلس الإدارة، وتكون مهام هذه اللجنة متداخلة مع مهام السلطة التنفيذية، بل يتم تقييد عمل المدير التنفيذي من خلال هذه اللجنة التي تبت في قضايا تنفيذية بحتة، ثم يقوم المجلس بتقييم هذه القرارات التي هو جزء منها، ما يلغي استقلاليته ويولد تعارضا في المصالح، وبذلك لم يبق من المدير التنفيذي إلا اسمه، وإن كان هذا الأمر يناسب بعض المديرين التنفيذيين الذين لا يرغبون في المخاطرة باتخاذ القرارات وتحمل تبعاتها، فيستخدمون اللجنة التنفيذية شماعة يعلقون عليها التقصير في الأداء، لكن عند فشل الشركة في تحقيق أهدافها، فإن التغيير سيبدأ بعزل المدير التنفيذي، ولن تلام اللجنة التنفيذية أو المجلس على ذلك القصور.

ألزمت لائحة الحوكمة الصادرة من مؤسسة النقد العربي السعودي “ساما”، بوجود اللجنة التنفيذية، بينما لائحة حوكمة الشركات الصادرة من هيئة سوق المال تنص على ألا يرأس رئيس مجلس الإدارة أيا من اللجان المنبثقة من المجلس الواردة في اللائحة، وهذا أمر صحي. وبما أن اللائحة لا تقيد إنشاء لجان أخرى، واللجنة التنفيذية ليست من ضمن اللجان التي نصت عليها اللائحة، فيمكن للشركة أن تنشئ هذه اللجنة برئاسة رئيس مجلس الإدارة، وهنا تبدأ المشكلة.

قمت باستعراض اللجان المنصوص عليها في عديد من لوائح الحوكمة عالميا، مثل لائحة الحوكمة في أمريكا وبريطانيا واليابان والصين والنمسا وكندا، فلم أجد مادة أو نص نظامي يشرع وجود هذه اللجنة، بل إن لوائح الحوكمة الكندية نصت على أن يرأس عضو مجلس إدارة مستقل اللجان المنبثقة من المجلس كلها. كما طلبت لوائح الحوكمة البريطانية أن يكون رئيس مجلس الإدارة مستقلا، وهذا أمر رائع. في الواقع، وجود لجنة تنفيذية بهذه الصلاحيات في شركاتنا، يوجد لدينا نوعا جديدا من مجالس الإدارات، وهو خليط بين نظام مجلس الإدارة الموحد ونظام مجلس الإدارة المزدوج، حيث تكون هذه اللجنة مجلس إدارة تنفيذي مصغر.

لو نظرنا إلى وجود اللجان التنفيذية في الشركات العالمية، لوجدنا أنها لجنة بدأت في حقبة ما قبل الحوكمة في السبعينيات والثمانينيات ثم بدأت بالتلاشي مع بداية التسعينيات، وبلغت الشركات التي لديها هذه اللجنة ما نسبته 56 في المائة في عام 1995، ثم استمرت في التلاشي لتصل إلى أقل من 9 في المائة في عام 2007، وفقا لتقرير براون قفرننس الصادر في عام 2007.

وجود هذه اللجنة يتعارض مع وجود لجان حوكمة منبثقة من مجلس الإدارة، فيتعارض عملها مع اختصاصات لجنة المراجعة فيما يخص الرقابة على أعمال الشركة، كما يتعارض مع لجنة الترشيحات والمكافآت فيما يخص تقييم مديري الشركة وتعويضاتهم وخطط التعاقب الوظيفي وغيره، كما يتعارض مع أعمال لجنة الاستثمار فيما يخص مناقشة الأداء الاستثماري للشركة والفرص الاستثمارية، فاللجنة التنفيذية تجرد بقية اللجان من مهامها الموكلة إليها من قبل المجلس للتحول إلى لجان صورية، كما تلغي دور الأعضاء المستقلين ليكونوا تكملة عدد ومجرد أرقام لإرضاء الجهات الرقابية دون أي فاعلية تذكر في الواقع.

كما أن الأمر تجاوز وجود لجنة تنفيذية إلى وجود مكتب لرئيس مجلس الإدارة في مقر الشركة، يمارس فيه عمله بشكل شبه يومي، ليصبح المدير التنفيذي مجرد سكرتير تنفيذي لرئيس المجلس، بل إن كثيرا من رؤساء المجالس يتقاضون مكافأة شهرية مقطوعة كراتب مقابل هذه الأعمال، فماذا بقي من الإدارة التنفيذية؟
تعقد اجتماعات اللجان التنفيذية – في العادة – قبل بدء اجتماع المجلس لمناقشة أداء الشركة المالي وبعض المواضيع الأخرى ذات الطابع التنفيذي، ويتم مناقشتها مره أخرى في اجتماع المجلس بالتفصيل نفسه، ما يسبب ازدواجية في العمل، أو تتم المناقشة بتفصيل أقل، ما يتسبب في ضبابية حول القرار المتخذ لبقية الأعضاء، وكلاهما مر.

وبما أن مجلس الإدارة هو المسؤول عن قراراته كافة، وإن فوض في ذلك لجانا أو أشخاصا، فإن وجود اللجنة التنفيذية يحجم دور المجلس بوصفه وحدة متكاملة في معرفة التفاصيل ومناقشتها واكتساب المعرفة عن نشاط الشركة، ليكون دور المجلس المصادقة على تقارير وتوصيات اللجنة التنفيذية في اجتماع شكلي ومقتضب، مع استمرار تحمل كل عضو من أعضاء المجلس مسؤوليته التضامنية عن هذه القرارات.

إن توافر وسائل التقنية الحديثة للاجتماعات، ومن ضمنها مكالمات الفيديو الجماعية والبريد الإلكتروني، ألغى السبب الرئيس لوجود اللجنة التنفيذية، بعذر صعوبة اجتماع المجلس بشكل عاجل، لذلك يجب على المجالس أن تقوم بدورها الكامل في الاجتماعات المجدولة والطارئة، فمجالس الإدارات لم تعد تشريفا، بل تكليفا ومسؤولية، لذا نقترح على الجهات المشرعة للحوكمة أن تنظر في إلغاء هذه اللجنة وإلزام أعضاء مجالس الإدارات على القيام بمسؤولياتهم بجدية وتفرغ أكبر.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت